الرجاء تفعيل الجافاسكربت في متصفحك ليعمل الموقع بشكل صحيح.

كيف تُتابع الأخبار بطريقة استراتيجية حتى لا تفقد تركيزك؟

6 دقيقة
متابعة الأخبار
بيتر ديزلي/غيتي إميدجيز

متابعة الأخبار ليست ضرورة مهنية فقط، بل إنها مسؤولية اجتماعية. لكن الكمية الهائلة من التنبيهات العاجلة المستمرة وردود الفعل والتقارير العالمية يمكن أن تحوّل الوقفات البسيطة للاطلاع على الأخبار إلى نشاط مرهق عاطفياً في الكثير من الأحيان.

يقول المحاضر في تكنولوجيا الإعلام والديمقراطية في كلية داردن للأعمال في جامعة فيرجينيا، بن لاينر: "الغرض من الأخبار من منظور التربية المدنية هو إعلام المستهلك بالأحداث التي تقع في العالم وفي المجتمع حتى يتمكن من اتخاذ قرارات جيدة في حياته وفيما يتعلق بعائلته وعمله". مع ذلك، يركز العديد من المؤسسات الإخبارية على توليد ردود فعل عاطفية بهدف تحقيق أكبر انتشار ممكن والحصول في الوقت ذاته على أكبر عدد ممكن من القراءات، ما قد يؤدي بدوره إلى انتشار المزيد من القصص المضخمة، بحسب تعبير لاينر. على الرغم من أن نشر الأخبار بهدف الترفيه ليس خاطئاً بجوهره، فهذه المشكلة تثير سؤالاً مهماً: ما هي كمية الأخبار التي يجب أن تطلع عليها حقاً إذا كانت مزعجة؟

يؤكد الأستاذ المساعد في جامعة تكساس للتكنولوجيا، برايان ماكلوغلين، الذي يبحث في آثار الاستهلاك الإشكالي للأخبار: "لا يكمن الحل في تجنب الأخبار لأنها تسبب التوتر"، بل يجب على المستهلك أن يطلع عليها بأسلوب استراتيجي. الهدف هو أن يتبع المستهلك طريقة هادفة في تحديد توقيت الاطلاع على الأخبار ومصادرها حتى لا يصبح ضحية للعناوين الرئيسية المقلقة على مدار الساعة. تقول المحررة في مشروع مختبر نيمان للصحافة التعاوني التابع لمؤسسة نيمان فاونديشن فور جورناليزم (Nieman Foundation for Journalism)، لورا أوين: "يجب ألا تطلع على الأخبار طوال اليوم".

سنتحدث في هذا المقال عن كيفية الوصول إلى هذا التوازن وفقاً لتوصيات الخبراء.

الحصول على المنظور الملائم

يقول ماكلوغلين إن الأشخاص الذين يطلعون على الأخبار بكثرة "ينجذبون إلى المعلومات، وهم يميلون إلى التفكير المفرط ولديهم حاجة كبيرة إلى أن يكونوا على دراية بكل شيء، ما يجعل عيش اللحظة بالنسبة لهم صعباً لأنهم ينغمسون في أفكارهم". في الواقع، تشير الدراسات إلى أن التعرض المتزايد للأخبار، سواء من خلال وسائل الإعلام التقليدية أو منصات وسائل التواصل الاجتماعي، قد يؤثر سلباً في الصحة النفسية. بتعبير آخر، يرتبط الاطلاع على المزيد من الأخبار بارتفاع مستويات القلق. إذا كانت هذه الحالة مألوفة بالنسبة لك وكانت عناوين الأخبار والأحداث التي لا تؤثر في حياتك مباشرة تشعرك بالتوتر، فكن حذراً؛ إذ يقول ماكلوغلين: "ليس القصد أن هذه الأخبار غير مهمة، لكن عليك أن تخصص فترات للراحة. ليس من المفترض أن تصبح غير مهتم، بل عليك أن تتبنى رؤية عقلانية متوازنة".

يقول لاينر إن الأمر لا يتعلق فقط بالمعلومات، بل أيضاً بتأثير هذه المعلومات، ويستشهد بقول للطبيب النفسي، فيكتور فرانكل: "تكمن حريتك بين مشاعرك وطريقة تفاعلك معها، ولكن كيف ستؤثر مشاعرك في تصرفك؟".

تحديد الأخبار المستَهلكة بحكمة

لا شك أنه من الضروري أن تطلّع فقط على الأخبار التي تنقلها المؤسسات التي تلتزم المعايير الصحفية الأخلاقية، وإلا فإنك تخاطر بالتعرض للتضليل أو التلاعب. يقول لاينر إن عليك اختيار ما تقرؤه وتشاهده وتستمع إليه بعناية. فكر في القضايا التي تهمك والموضوعات الأهم في حياتك وعملك، ثم "حدد الصحفيين والمعلقين الذين تثق بهم وشكّل علاقات معهم".

ينطبق الأمر نفسه على المنشورات والبرامج. اشترك في الصحيفة المحلية إذا كنت مهتماً بعملية التشريع في مجتمعك أو القضايا التي تخصه، وابحث عن النشرات الإخبارية والمدونات الصوتية ونشرات المنصات الإلكترونية إذا كنت بحاجة إلى الاطلاع على توجهات معينة تخص عملك. كن انتقائياً أيضاً فيما يتعلق بتعمّقك في أي موضوع. ينصح لاينر بأن تمر على موضوعات معينة بقراءة سطحية فقط وأن تحدد ما يجب أن تخوض في تفاصيله.

نصيحة احترافية أخرى: قلل استخدامك لوسائل التواصل الاجتماعي. تقول أوين: "لا تقرأ ردود فعل الناس على الأخبار. فانزعاجي من الخبر يكون أقل حين أقرأ عنوانه الرئيسي في موقع إخباري مقارنة بقراءته في منصة إكس وهو يحتوي على رموز صفارات الإنذار التعبيرية التي تسلط الضوء على أسوأ جزء منه. حاول قراءة الأخبار والحكم عليها بنفسك دون أن تتأثر برأي أحد غيرك".

ما بعد استهلاك الأخبار

يعني التحكم بما تتعرض له من أخبار وسائل الإعلام أيضاً أن تحدد أوقات اطلاعك على الأخبار بطريقة هادفة بدلاً من الاستمرار بقراءة عناوينها طوال اليوم، مثلاً حين تقف في طابور متجر البقالة وتستخدم هاتفك لتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، أو عندما تكون في العمل وتفتح المتصفح على جهاز الكمبيوتر للاطلاع على الأخبار. تقول أوين: "ربما لا تكون مهتماً بالبحث عن الأخبار فعلاً، وإنما تشعر بالملل فقط". توصي أوين بأن تطرح على نفسك السؤال الآتي في هذه اللحظات: "ما الذي أحاول فعله الآن؟ إذا كان هدفك هو قراءة الأخبار، فافعل ذلك، ولكن إذا كنت تبحث عن أمر يشتتك أو يحفّزك، فربما هناك شيء أفضل يمكنك فعله". (سنذكر المزيد حول هذا أدناه). يقول ماكلوغلين: "حاول فهم سلوكياتك القهرية وتعميق فهمك لما يحفّزك على اتباعها". لا ينتج الاطلاع على الأخبار عن "قرار واعٍ" غالباً، بل عن نمط سلوكي متأصل. ينصح ماكلوغلين بضبط السلوك بالقواعد، مثل الامتناع عن الاطلاع على الأخبار حتى فترة بعد الإفطار أو تجنب الأخبار بعد تناول العشاء؛ إذ يقول: "المهم هو إنشاء جدول مواعيد أو روتين".

اتباع عادات صحية مفيدة

يقول ماكلوغلين: "عندما تبالغ في تقدير حاجتك إلى الحصول على المعلومات، قد تعجز عن الابتعاد عن الأخبار. لا يتعلق ذلك بالامتناع عن استخدام الهاتف فقط، بل بانغماسك الدائم في الأفكار السلبية ومشاعر التهديد والقلق أيضاً". لذلك، حتى لو كنت قادراً على وضع حدود أكثر صرامة لاستهلاك الأخبار أو حتى الامتناع عن الاطلاع عليها فترة من الزمن بين الحين والآخر، فمن المرجح أن "تعاود اتباع الأنماط السلوكية نفسها" ما لم تتمكن من التحكم في استهلاكك للأخبار، بحسب تعبير ماكلوغلين، الذي يضيف قائلاً: "يمكنك أن تقاوم فترة قصيرة من الزمن، لكن قدرتك على التحكم بنفسك تتراجع". يوصي ماكلوغلين بأن تحاول التصالح مع الأخبار المزعجة من خلال التخلي عن الرغبة في أن تسيّر الأمور بالطريقة التي تريدها. اتباع عادات صحية مفيدة بالغ الأهمية، ويقترح ماكلوغلين ممارسة التأمل أو كتابة اليوميات أو ممارسة رياضة قتالية تقليدية مثل الجوجيتسو (Jiu-Jitsu)، وهي أنشطة تعزز القدرة على التركيز وتخفض التوتر وتعزز المرونة. تنصح أوين بالتوصل إلى طرق لإجراء نشاطات مختلفة في اللحظات التي تهم فيها بالاطلاع على الأخبار باستخدام هاتفك. على سبيل المثال، يمكنك الاستماع إلى كتاب مقروء أو ممارسة التأمل، وتقول: "يجب أن تسمح لنفسك بفعل ذلك".

تحويل القلق إلى عمل

يقول لاينر إن العديد من الأشخاص يجدون أن متابعة الأخبار التي تنقلها القنوات الإخبارية الموثوقة وبعض البرامج التلفزيونية تمنح المستهلكين شعوراً مُرضياً بالراحة ناجماً عن شعورهم بالانتماء، فهم يتابعون هذه القنوات ليشعروا بالانسجام مع مجتمعهم. لكن عندما يفرطون باتباع هذا السلوك فسيصبح مؤذياً لأن المؤسسات الإخبارية قد تمنح الأولوية لتوليد مشاعر الغضب بهدف تعزيز انخراط الجمهور. بالإضافة إلى ذلك، يقول لاينر إنه على الرغم من أن كلاً من الاطلاع على الأخبار والقلق بشأن القضايا السياسية قد يكون مُرضياً، فهو قد يوهم مستهلك الأخبار بأنه يفعل شيئاً مهماً. يقول لاينر: "الإجراءات المتخذة في العالم الحقيقي هي التي تؤدي إلى التغيير السياسي، وليس الشعور بالقلق عند الاطلاع على الأخبار". لذلك، توصي أوين بالتركيز على الإجراءات الملموسة التي يمكن أن تُحدث فرقاً، مثل الدعوة إلى سَن تشريعات محددة أو المشاركة في المبادرات المحلية. تقول: "اتخذ إجراءً هادفاً واعمل على إحداث التغيير الذي تريد أن تشهده على مستوى المجتمع. لن يعزلك ذلك عن الأخبار السيئة أو يقيك من الشعور بالذعر من وقت لآخر، لكنه يقيك من الشعور بالعجز".

استهلاك الأخبار بالطريقة التقليدية

تشير الأبحاث إلى أن استهلاك الأخبار الرقمية، خاصة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، يرتبط بازدياد مستويات انشغال البال والقلق، فضلاً عن أنه يعرّض المستخدم لخطر "الانغماس في متابعة الأخبار السلبية" (Doomscrolling). يقترح لاينر معالجة هذه المشكلة من خلال اتباع الطريقة التقليدية؛ أي قراءة الأخبار المطبوعة وليس من خلال الهاتف أو جهاز الكمبيوتر؛ عندما تتصفّح الإنترنت، تنتقل باستمرار من رابط إلى آخر وتتعرض للمحتوى من عدة مصادر، لكن الصحف والمجلات المطبوعة "مصممة بطريقة أقل اعتماداً على جذب الانتباه"، ما "يعزز قدرتك على التحكم فيما تقرؤه"، بحسب تعبيره. يسهم اتباع هذا النهج في رفع تركيزك الذهني، ويخفف الآثار النفسية السلبية لمتابعة الأخبار عبر الإنترنت. تقول أوين إنها أعادت مؤخراً اكتشاف متعة قراءة الصحف وقدرتها على أن تفاجئ القارئ: "إن الأخبار التي أطلع عليها في الصحف متوازنة أكثر بكثير، كما أني قرأت بعض الأخبار السارة المفاجئة".

مبادئ يجب تذكّرها

احرص على

  • التركيز على الموضوعات التي تهمك والمرور على القضايا الأخرى بقراءة سطحية ما لم تكن تهمك حقاً.
  • بناء عادات صحية مفيدة، مثل التأمل أو كتابة المذكرات، لتساعد نفسك على الانعزال عن الأخبار وتحسين رفاهتك.
  • أخذ الاعتماد على الأخبار المطبوعة في الاعتبار لخفض القلق واستعادة التركيز، فهي أقل تشتيتاً وتمكّنك من التحكم بدرجة أكبر فيما تقرؤه.

تجنّب

  • أن تسمح للاطلاع العشوائي على الأخبار بأن يسيطر على وقتك، بل اتبع أسلوباً هادفاً فيما يتعلق بكيفية التفاعل مع الأخبار وتوقيته.
  • الانغماس في ردود الفعل على الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبدلاً من ذلك اقرأ الأخبار مباشرة لتجنب القلق الذي يمكنك تجنبه.
  • الاستسلام للتهويل، وبدلاً من ذلك حوّل مشاعر القلق والانشغال بشأن القضايا السياسية إلى إجراءات هادفة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي