لم تعد المواطنة المؤسسية أو ما يُعرف بالمسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR) مجرد ممارسة إدارية تعمد إليها الشركات من باب الرفاهية أو الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها، وإنما أصبحت نهجاً حتمياً تتبنّاه الشركة إذا أرادت البقاء في السوق، وذلك بسبب المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة، بدايةً من تهديدات التغيّر المناخي الذي تتحمل الشركات جزءاً منه والاتفاقيات العالمية المُلزِمة للشركات بتبني سياسات مكافحته، مروراً باهتمام العملاء والموظفين والمستثمرين بالتأثير الاجتماعي والبيئي للشركات واتخاذ قراراتهم بناءً على هذا التأثير، وصولاً إلى وجود علاقة مباشرة بين أداء الشركات من حيث المسؤولية الاجتماعية والربحية التي تحققها. فيقول نايل فيتزجيرالد، الرئيس التنفيذي السابق لشركة يونيليفر: "المسؤولية الاجتماعية للشركات قرار تجاري قوي وملهم، ليس لأنها شيء لطيف، أو لأن الناس يجبروننا على القيام بذلك، بل لأنها مفيدة لأعمالنا".
تحوّل الكثير من قادة الشركات من النظرة إلى المسؤولية الاجتماعية كعبء والتزام مكلِف يتعارض مع أهداف شركاتهم إلى اعتبارها فرصة يسعون إلى اغتنامها، بدليل أن 90% من الشركات المدرجة على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 (S&P 500) نشرت تقرير المسؤولية الاجتماعية في عام 2019، مقارنة بنسبة 20% فقط في عام 2011، وفقاً لتقرير عن معهد المساءلة والحوكمة (Governance & Accountability Institute). فقد أدرك القادة أن الأطراف الثلاثة أصحاب المصلحة، وهم العملاء والموظفون والمستثمرون، يوجّهون أنظارهم إلى الشركات ذات التأثير الإيجابي، إذ إن 55% من المستهلكين على استعداد لدفع المزيد مقابل المنتجات من الشركات المسؤولة اجتماعياً، و67% من الموظفين يفضلون العمل في شركات مسؤولة اجتماعياً وفقاً لدراسة أجرتها شركة الاستشارات نيلسن (Nielsen).
تشير هذه الأرقام وغيرها إلى أن مبادرات المواطنة المؤسسية التي تنتهجها الشركات تبني روابط قوية بين العلامة التجارية والمجتمع الذي تدير عملياتها به. وعلى الرغم من أن إيجابيات هذه المبادرات واضحة لأغلبية قادة الشركات، غير أن التحدي الذي يواجهه هؤلاء القادة هو كيفية تطوير نهج للمواطنة المؤسسية يبني روابط إيجابية بين الشركة والمجتمع، ويحقق النمو المنشود للشركة، ويلبي الطموحات النبيلة ناحية المجتمع والفرد والبيئة.
لحسن الحظ، عرفت العديد من الشركات السبيل لتحويل هذه الأهداف إلى حقيقة عبر خطة مواطنة فعالة، مثل شركة الهلال المشاريع (Crescent Enterprises) التي تمكنت من إحداث تأثير في 43,374 فرداً في عام 2021، بفضل مبادرات المواطنة المؤسسية. فكيف استطاعت الهلال المشاريع إحداث هذا التأثير؟
أولاً، حرصت الهلال للمشاريع على تركيز مبادرات المواطنة المؤسسية على 4 مجالات محددة، بما يتوافق مع طبيعة عملها، والفرص والتحديات التي تواجهها المجتمعات المحلية التي تعمل بها، ما يزيد من فعالية هذه المبادرات وتعظيم تأثيرها، وهي ريادة الأعمال والتعليم، والفنون والثقافة، وحوكمة الشركات، والبيئة.
ثانياً، عمدت الشركة إلى اتباع نهج الشراكة الذكية (Smart partnering)، إذ بحثت عن الشركاء المناسبين لطبيعة أعمالها وحددت طبيعة التأثير الذي تسعى إلى إحداثه. وقد أفاد تقرير لمؤسسة ماكنزي أن الشراكة الذكية طريقة فعالة لخلق قيمة لكل من الشركات والمجتمع في وقت واحد، إذ تطور حلولاً إبداعية تعتمد على القدرات المكمّلة لطرفي الشراكة لتحقيق تعاون ناجح ومستدام.
أعلنت شركة الهلال للمشاريع عن مبادرات المواطنة المؤسسية التي دعمتها وحجم تأثيرها في 2021، وذلك خلال تقريرها السنوي للاستدامة 2021 - 2022. وفيما يلي أبرز هذه المبادرات ومدى تأثيرها على المجتمعات التي تدير بها أعمالها:
المجال الأول: ريادة الأعمال والتعليم
1. شراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي
انضمت شركة الهلال للمشاريع في عام 2021 إلى تحالف أديسون (EDISON) التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي، والذي يهدف إلى تمكين الجميع من الاستفادة من الفرص الرقمية ميسورة التكلفة بحلول عام 2025، عن طريق حشد حركة عالمية لإعطاء الأولوية للشمول الرقمي كأساس لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ومن ناحيتها، التزمت الهلال بدعم 100 ألف شاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب آسيا بحلول عام 2025، من خلال مجموعة من المبادرات الشاملة عبر استثماراتها التكنولوجية واحتضان الأعمال الجديدة.
استثمرت الهلال للمشاريع أيضاً في العديد من الشركات الناشئة التي تعمل على توسيع نطاق الوصول الرقمي واستخدام التكنولوجيا في البلدان النامية لمساعدة المجتمعات المحرومة في مجالات الشمول المالي والصحة الرقمية والتعليم الرقمي، مثل سلسلة فريش تو هوم (FreshToHome)، متجر بالتجزئة عبر الإنترنت لبيع المنتجات البحرية واللحوم والفواكه والخضروات، إذ استطاعت السلسلة تحقيق انخفاض قدره 100 طن في هدر الطعام من أكثر من 70 مزرعة، وخلق 3,000 فرصة عمل مباشرة. وكذلك منصة فيزيتا (Vezeeta) التي تسعى إلى رقمنة رحلة الرعاية الصحية، واستطاعت خدمة أكثر من 4 مليون مريض في 55 مدينة في 6 بلدان، وإدراج أكثر من 20,000 مقدم رعاية صحية على منصتها.
2. شراكة مع الجامعة الأميركية في الشارقة
دخلت شركة الهلال للمشاريع في شراكة مع الجامعة الأميركية في الشارقة (AUS) لتنظيم المعرض الافتراضي للوظائف السنوي الذي يربط الطلاب والخريجين بأفضل جهات التوظيف، إذ عُقدت 10 ورشات بشأن تطوير المسار المهني في 2021، حضرها 645 طالباً، ومُلِئت 10,841 استمارة توظيف.
3. شراكة مع مجرة
دخلت شركة الهلال للمشاريع في شراكة مع مجرة (Majarra) في برنامجها شركاء النهضة (Renaissance Partners) الذي يتيح الوصول بالمجان إلى منصاتها لعدد مختار من القراء غير القادرين على الاشتراك. وفي 2021، حصل 713 قارئاً عربياً على اشتراك مجاني بمحتوى الأعمال والإدارة الذي تتيحه منصة هارفارد بزنس ريفيو العربية، أحد مواقع مجرة.
المجال الثاني: الفنون والثقافة
1. شراكة مع مهرجان أرابيان سايتس السينمائي
قدمت الهلال للمشاريع للسنة السابعة الدعم لمهرجان أرابيان سايتس السينمائي (The Arabian Sights Film Festival) في واشنطن، الذي يستعرض كل عام مجموعة من الأفلام التي تتناول أهم القضايا المعنية بالمنطقة العربية، لتصحيح الصور غير الدقيقة التي تُظهرها السينما الغربية عن المنطقة.
2. شراكة مع مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب
يعد مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب (SIFF) أول مهرجان لأفلام الأطفال في دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويهدف إلى تنمية الثقافة الإعلامية وتعزيز إبداع الأطفال والشباب وإبراز أفضل ما في صناعة الأفلام للأطفال والشباب. وقد سعى المهرجان إلى تدريب الأطفال والشباب وتشجيعهم على فن صناعة الأفلام، وزودهم بورشات لتجربة قدراتهم في صناعة الأفلام.
المجال الثالث: الحوكمة المؤسسية
شراكة مع مبادرة بيرل
شركة الهلال للمشاريع هي شريك مؤسس لمبادرة بيرل، وهي مؤسسة غير ربحية تهدف إلى تعزيز ثقافة المساءلة والشفافية والحوكمة الرشيدة بين الشركات في منطقة الخليج، وقد استضافت، في عام 2021، 41 فعالية، حضرها 1,548 من قادة الأعمال والمجتمع المدني، وأكثر من 700 طالب من 6 جامعات مختلفة من جميع أنحاء منطقة الخليج. واهتمت المبادرة بعدة مجالات مرتبطة بالحوكمة المؤسسية، مثل برنامج الحوكمة في العمل الخيري، والحوكمة في الشركات العائلية، والمساواة بين الجنسين، والتنوع والشمول.
لم تعد المواطنة المؤسسية أمراً اختيارياً للشركات، ولم تعد الشركات كياناً اقتصادياً لتحقيق الأرباح فقط، بل أضحت كياناً ملتزماً بواجباته ومسؤلياته تجاه مجتمعه. لذلك تحتاج الشركات إلى فهم أن المواطنة المؤسسية هي نهج يحقق "الفوز للجميع".