ما هي سمات الشركات المعطاءة؟

4 دقائق

مع تواصل انتشار جائحة "كوفيد-19"، تبيّن لنا أن الكثير مما كنا نؤمن به كان خاطئاً. فالأمور التي بدت مستحيلة قبل بضعة أشهر أضحت اليوم حقيقة واقعة. فقد اتضح أنه يمكن لآلاف الشركات والجامعات والمؤسسات الأخرى أن تنقل أعمالها إلى بيئة افتراضية متكاملة في غضون أيام وليس سنوات. ويمكن للمجتمعات التي قسمتها الحروب وقضايا عدم المساواة أن تتّحد بسرعة تعبيراً عن التضامن الجماعي. ويمكن حتى أن يختفي التلوث فوق الصين بغمضة عين.

ومع اكتشاف المغالطات في الفكر السائد، فُتح باب التفكير الجريء والجديد على مصراعيه. كنا نظنّ نهاية العام الماضي أن تطوير علاج لمرض لم يكن معروفاً من قبل سيستغرق سنوات؛ ولكن في غضون 90 يوماً من تحديد التسلسل الجيني لفيروس كورونا في شهر يناير/ كانون الثاني، جرى إطلاق 200 تجربة سريرية لحوالي 79 علاجاً محتملاً و49 لقاحاً محتملاً. وانقلب مفهومنا حول إمكانيات البشر بين عشية وضحاها.

وتُعتبر هذه الأوقات مثالية لتحدي المعتقدات، لاسيما المعتقدات التي تدور حول دور الشركات في مجتمعاتنا.

لقد كتب ميلتون فريدمان قبل خمسين عاماً أن "المسؤولية الاجتماعية للشركات تتمثّل في زيادة أرباحها". وبرز آنذاك مبدأ سيادة المساهمين الذي لا يزال شائعاً حتى اليوم، على الرغم من التوجّه المتزايد نحو نظام رأسمالي أكثر وعياً.

ومع ذلك، أضحى ذلك المبدأ فجأة أقل صحة مما كان عليه قبل بضعة أشهر، وازداد عدد الشركات التي كشفت عن جانبها الإنساني في هذه الأزمة والتي أصبحت تبذل قصارى جهدها لدعم أصحاب المصلحة من غير المستثمرين، بمن فيهم الموظفين والزبائن والموردين والمجتمع الأوسع. قد لا يكون هذا الخيار ملائماً بالنسبة للشركات التي تواجه تهديداً وجودياً، مثل الشركات في قطاع السفر أو البيع بالتجزئة. من جهة أخرى، هناك بالطبع أشخاص انتهازيون يسعون للاستفادة من هذه المأساة. وما بين هذين النقيضين يوجد عدد لا يحصى من الشركات التي تُظهر جانبها الأفضل، وهو عدد أكثر مما كنا نتوقع.

على سبيل المثال، حوّلت شركات الملابس خطوط الإنتاج في مصانعها لإنتاج الكمامات. ولجأت الشركات المصنعة من مختلف الأنواع إلى إعادة تجهيز مصانعها لسد النقص في أجهزة التنفس الاصطناعي؛ حتى أن شركة "ميدترونيك" (Medtronic) الرائدة في قطاع الأجهزة الطبية شاركت براءات الاختراع التي حصلت عليها وتصميمات الأجهزة مع المنافسين للمساعدة في تلبية الطلب. ولجأت الخطوط الجوية السنغافورية إلى إيفاد موظفيها المدرّبين على الإسعافات الأولية إلى المستشفيات التي تفتقر إلى قوة العمل. في حين يعجّ فندق تاج محل الشهير في مومباي بالأطباء والممرضات، مجنباً إياهم أخطار التنقل وضياع الوقت. وعرضت شركة "أوبر" تقديم 10 ملايين رحلة مجانية وإيصال المواد الغذائية للعاملين في مجال الرعاية الصحية وكبار السن وغيرهم من المتضررين من تفشي المرض. كما قدّمت شركة "وول مارت" مكافآت نقدية للعاملين بالساعة. وقدمّت شركة "يونيليفر" قرضاً بقيمة 500 مليون يورو لدعم سلسلة القيمة الخاصة بها. وقام الرؤساء التنفيذيون لشؤون الموارد البشرية في شركات "أكسنتشر" (Accenture) و"لينكولن فايننشال غروب" (Lincoln Financial Group) و"سيرفس ناو" (ServiceNow) و"فيرايزون" (Verizon) بتصميم منصة أُطلق عليها اسم "بيبول + وورك كونكت" (People + Work Connect) وتطويرها خلال 14 يوم عمل بهدف ربط الشركات التي اضطرت إلى تسريح موظفيها أو منحهم إجازات مع أفراد يستميتون للحصول على عمل. ولا تزال المئات من الشركات تسعى إلى المشاركة. على سبيل المثال، تتعاون الشركتان المتنافستان "جوجل" و"آبل" في سبيل تطوير تقنية للهواتف الذكية تُرسل إشعاراً إلى المستخدمين لتحذيرهم في حال كانوا يتواصلون مع أشخاص مصابين.

لقد اتّضح أن هذه الجائحة تمثّل تذكيراً لحقيقة مهمة غفلنا عنها، ألا وهي أن هدفنا نحن البشر على هذا الكوكب هو الاهتمام ببعضنا البعض، وما وجود الشركات إلا دليل على قدرتنا على بلوغ ذلك الهدف ونشره على نطاق واسع. وعلى الرغم من مساوئ نظام الرأسمالية الخارج عن السيطرة، تبقى أقوى أداة ابتُكرت لتوجيه براعة الإنسان نحو تلبية الاحتياجات البشرية والارتقاء بالإنسان إلى آفاق جديدة. وعندما يصبّ القطاع الخاص تركيزه لخدمة الصالح العام، تكون مساهماته وقوته هائلتين.

ويمكن للقوى المزعزعة التي كشف عنها فيروس كورونا اليوم أن تُسفر عن تحولات سريعة ومستدامة في العقليات والمعايير الاجتماعية. فقد كشفت الجائحة عن ضعفنا وقدرتنا على التعاطف، ويمكن في النهاية أن تتغير التوقعات بشأن القطاع الخاص إلى الأفضل. ونمتلك اليوم فرصة نادرة لأن نغرس في أنفسنا هذا المفهوم الأكثر استنارة لماهية الشركات المعطاءة. وقد بدأ العالم بالفعل توقع المزيد من قادة الشركات، وتجسّدت تلك التوقعات في مطالب جيل الألفية العامل وخيارات المستهلكين الذين يتّسمون بقدر كبير من المسؤولية. ولا تزال تلك التوقعات في تسارع مستمر.

وسيكون النهج الذي يتّبعه رئيس تنفيذي أو شركة ما في عام 2020 معياراً جديداً وقوياً قد يجري تقييمهم من خلاله. فالشركات التي تفتقر إلى التعاطف، والتي لا تكلّف نفسها عناء خدمة الآخرين، والتي تسعى إلى خدمة مصالحها الشخصية، والتي يرفض قادتها المشاركة في الألم الاقتصادي، تخاطر بخسارة علاماتها التجارية وفقدان سمعتها بشكل دائم. في المقابل، ستكون العيون منصبّة على المناصب التنفيذية العليا الداعمة التي تتحمل قدراً أكبر من المسؤولية. ومن المحتمل حتى أن يسود نهج الداروينية العكسية في مستقبلنا، بمعنى البقاء للأطيب والأكثر حباً للخير، بدلاً من الأقوى والأكثر أنانية.

ويُمثّل ذلك النهج رؤية رائعة أصبحنا أكثر قدرة على تخيلها اليوم. ويوجد حقيقة مطلقة نعرفها حق المعرفة، وهي أن جائحة "كوفيد-19" ليست آخر زعزعة سنشهدها، بل ستصبح "الأحداث المجهولة" التي كانت نادرة الحدوث في الماضي شائعة بشكل متزايد في المستقبل. ويوجد تحديات أخرى كبيرة تنتظرنا، سواء تمثّلت في تدهور نظامنا الغذائي، أو الأوبئة المستقبلية، أو تغير المناخ. وما هذه الأيام إلا مقدمة تمهيدية لاختبارات أكبر تلوح في الأفق؛ وما هي إلا مسألة وقت قبل أن يتكشّف التحدي الجديد الذي ينتظر قادة الأعمال. والدرس الذي يمكن أن تستخلصه الشركات اليوم هو ضرورة الاستعداد لمواجهة الأزمات المستقبلية، وذلك من خلال إعداد ميزانيات عمومية سليمة واتباع أسلوب القيادة القائم على تقديم الدعم والتعاطف. والشركات التي تتّبع ذلك النهج هي من ستحظى بالتقدير والاعتزاز والفخر.

اقرأ أيضاً: أفضل أنواع الشركات

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي