ما الذي لا تستطيع تقنية بلوك تشين فعله؟

4 دقائق
حدود البلوك تشين

تتمتع تقنية البلوك تشين بمميزات عدة تمكّنها من إنجاز أمور رائعة. إذ تستطيع هذه التقنية توفير سلسلة إجراءات التدقيق ومراجعة الحسابات للتعاملات المالية وغيرها، كما يمكن أن تستخدم كمنهجية غير مكلفة للتحقق من سلامة البيانات. ويمكنها أيضاً أن تساعد الشركات والأفراد على إبرام الاتفاقيات، على نطاق عالمي، ووفق ما يحدث فعلاً في السوق من دون الاستناد إلى وكالة وسيطة مكلفة مالياً، ولكن ماذا عن حدود البلوك تشين حول العالم؟

اقرأ أيضاً: "بلوك تشين" ستساعدنا على إثبات هوياتنا في العالم الرقمي

لقد تحقق ذلك بفضل دمج ذكي بين الحوافز الاقتصادية وعلم التشفير، حيث تستطيع تقنية البلوك تشين، في أي مرحلة زمنية معينة، أن تتحقق من أنّ السجلات الرقمية تعبّر فعلاً عن "الاتفاق الجمعي" للأعضاء الرئيسيين المشتركين في الاتفاقية. ونظراً لاشتمالها على هذه الميزة، تستطيع البلوك تشين عندما يتعلق الأمر بمشاركة السجلات والأصول الرقمية، أن تعوض الحاجة إلى الثقة بين الأطراف المتفقة، أو الحاجة إلى سلطة مركزية للتحقق من سجلات التعاملات وتتبعها.

حدود البلوك تشين

عندما يدرس الخبراء ويقيّمون نماذج العمل التجارية القائمة على تقنية البلوك تشين، من المفيد جداً أن نعرف ما الذي لا تستطيع هذه التقنية القيام به.

لنفكر مثلاً في مشكلة تتبع الأطفال الرضع داخل جناح أحد المستشفيات وخارجه. هذه المشكلة ليست بسيطة بل هي قضية بالغة الخطورة بالفعل. لأن عواقب أن يتم الخلط بين الأطفال الرضع رهيبة وفظيعة. ولذلك، يبدو إيجاد طريقة نخزن بها السجلات التي تضم الموقع الحالي للطفل الرضيع بشكل يجعل هذه النقاط من البيانات ثابتة وقابلة للتحقق، استخداماً عظيم الفائدة من استخدامات تقنية البلوك تشتين.

اقرأ أيضاً: 5 أنواع لمشاريع البلوك تشين وأيها يجب الحذر منها

إلا أنّ هناك عائقاً كبيراً يعترض استخدام البلوك تشين في حل مثل هذه المشاكل. إذ يمكن ضمان عدم تغيّر السجلات وجعلها قابلة للتحقق، لكن كيف للمرء أن يعرف أنّ هذا السجل الرقمي تابع لذلك الطفل الرضيع بالتحديد؟ إذا أردنا أن نربط مدخلاً من مدخلات البلوك تشين بطفل رضيع حقيقي من العالم الواقعي، نحتاج إلى أن نضع على الطفل الرضيع معرّفاً مادياً تحمله علامة مادية حقيقية، أو كما يتوقع الخبراء في المستقبل، أن ندرج شريحة صغيرة أو سجلاً جينياً رقمياً يربط الرضيع المعني بسجله الرقمي المميز. وهذا ما تفشل تقنية بلوك تشين في القيام به. فلا تستطيع تقنية بلوك تشين أن تساعدنا في هذه العملية، وبالتالي، لا يمكننا ضمان أنّ أهم خطوة من التأكد تتم بشكل سليم.

وعندما نتأمل في الوسيط الذي يربط بين العالم الواقعي (خارج الشبكة) وبين تمثيله الرقمي، نرى أنه لا زالت تقنية البلوك تشين تعتمد بشكل حاسم على الوسطاء الموثوقين من أجل ملء "الفجوة الأخيرة" بين السجل الرقمي والأمر المادي الواقعي سواء أكان فرداً أو عملية تجارية أو جهازاً أو حدثاً. ولو عدنا إلى المثال السابق، سنجد أنّ تقنية البلوك تشين مضطرة للاعتماد على البشر للربط النزيه والصحيح بين الطفل الرضيع وسجله الرقمي. فإن حدث وفعل البشر ذلك بطريق الخطأ أو تلاعبوا عمداً بالبيانات أثناء عملية إدخالها، في نظام يفترض فيه أنّ السجلات سليمة وصحيحة، فإنّ لهذا الخطأ أو التلاعب نتائج سلبية وعواقب وخيمة.

من ناحية أخرى، وفي حال تم الربط بين الطفل الرضيع وسجله الطبي بشكل ناجح، وتم حل مشكلة "الفجوة الأخيرة" بين العالم الواقعي والرقمي، فإنّ تقنية البلوك تشين لن تقتصر فائدتها على ضمان سلامة البيانات فحسب، بل ستمنح الأفراد كذلك سلطة كبيرة وتحكماً تاماً في الطريقة التي تستخدم بها بياناتهم الطبية (على سبيل المثال في البحوث الأكاديمية أو في أحد تطبيقات اللياقة البدنية أو في عمليات تطوير دواء تجاري… وغير ذلك من مجالات).

إنّ الطفل الرضيع ليس المثال الوحيد هنا، بل هناك أمثلة أخرى. إذا تأملنا قطاع التسويق مثلاً، سنجد أنّ إحدى المشاكل المتكررة تتمثل في عدم قدرة المعلنين على التحقق من أنّ إعلاناتهم تُعلن للناس الذين يستهدفونهم بالفعل. قد يظن المعلنون مثلاً أنهم يدفعون ثمن إعلاناتهم لتعرض على جمهور مستهدف يتكون من رجال في منتصف الثلاثينيات يبحثون عن سيارة لامبورغيني، لكنها قد تُعرض في الواقع على معلّم لديه شاحنة صغيرة ولا ينوي إطلاقاً شراء سيارة أخرى يحطمها أطفاله، لكنه لا يمانع أن يحلم بشراء سيارة لامبورغيني! أو قد يشاهد هذا الإعلان، وهذا هو الأسوأ، روبوت برمجيّ. وبهذا الشأن، تستطيع تقنية البلوك تشين أن تتبّع المعرّفات الرقمية المرتبطة بمشاهدة الإعلان، لكنها لا تستطيع التحقق من بشرية المشاهد لها أو التأكد من نوايا المستهلك بالشراء من عدمه. وذلك لأن التأكد من طبيعة الحامل للمعرف الرقمي (الذي يدرج في تقنية البلوك تشين) يتطلب تحققاً واقعياً (خارج الشبكة). أما التحقق من نوايا الشراء من عدمه فالراجح أنها قضية خارج نطاق أية تقنية لدينا في الوقت الحالي.

اقرأ أيضاً: آفاق استخدام تقنية البلوك تشين في تنظيم السجلات الصحية الإلكترونية

أما الجانب الإيجابي فيتمثل في قدرة تقنية البلوك تشين على تغيير العلاقة بين منشئ المحتوى الرقمي والمعلنين والمستهلكين. يستطيع المعلنون أن يكافئوا المستخدمين على انتباههم من خلال منحهم الوصول المجاني إلى المحتوى الحصري الذي في العادة لا يستطيعون الوصول إليه من دون دفع قيمة الاشتراك. في ذات الوقت، سيتمكن منشئو المحتوى من استخدام النماذج الربحية الجديدة والتي تستفيد من قدرة تقنية البلوك تشين على تسوية المعاملات المالية بشكل فعال وغير مكلف. ومع أنّ العملاء يكرهون الدفعات الصغيرة بسبب مشقتها الذهنية -إذ أنها تشبه "عداد سيارة أجرة" بغيض يسكن عقولهم-، إلا أنّ تقنية البلوك تشين بإمكانها إعادة تشكيل عمل بوابات الدفع (التي تحجب المحتوى حتى تدفع) وأنظمة الاشتراك لمختلف المحتويات الرقمية. من ناحية أخرى، وفي حال لم تقلقنا طبيعة من يرى الإعلانات (هل هو روبوت أم بشري)، لكننا مهتمون بالتأكد من ملكية السجلات الرقمية مثل بيانات التصفح، فإنّ تقنية البلوك تشين بإمكانها توفير ذلك بنجاح كبير. وهنا تبرز إحدى القضايا التي نواجهها باستمرار أثناء سعينا لتأسيس اقتصاديات تحافظ على الخصوصية، والتي تتمثل في حقوق ملكية البيانات ولمن تعود. وفي هذا الجانب، تتمتع بلوك تشين بمكانة ممتازة لحل هذه المعضلة.

وفي نهاية الحديث عن حدود البلوك تشين حول العالم، ومع تطور النظام البيئي القائم على تقنية البلوك تشين، ستظهر أنواع جديدة من الوسائط التي ستسد "الفجوة الأخيرة" بين العالمين الرقمي والواقعي، وتضمن مزامنة السجلات الرقمية مع حامليها الواقعيين خارج الشبكة، وتخلق فرصاً تجارية واقتصادية هامة. ومع أنّ هذه التقنية لا زالت في خطواتها الأولى، ولا يزال هناك وقت ننتظره كي تنضج تلك العناصر المكملة لها، إلا أنّ البلوك تشين تمتلك بالفعل القدرة على التغيير الجذري لمسألة ملكية البيانات الرقمية، والمنصات الإلكترونية التي نستخدمها يومياً.

اقرأ أيضاً: "بلوك تشين" ستغير شكل برنامج ولاء العملاء

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي