ماذا يحدث عندما تأخذ فريقاً يضم أشخاصاً من مختلف الخلفيات والمهارات المتنوعة، وتطلب منهم أداء مهمة بالغة الصعوبة في إطار زمني ضيق ومحدود؟ وتنشأ الصراعات في كثير من الأحيان.
وفي بعض الأحيان يمكن أن تكون الصراعات مثمرة: عندما تقوم الفرق بصياغة الأفكار والسعي جاهدة للحصول على أفضل السبل نحو هدف مشترك، فسوف يعبّر الأشخاص غالباً عن شواغلهم ومصادر قلقهم ويقدمون وجهات نظر ورؤى مختلفة. يمكن أن تؤدي هذه العملية إلى نتائج أقوى، فضلاً عن خلقها لشعور بالإنجاز المشترك، حتى لو لم يتفق الجميع.
ومع ذلك، يمكن أن تتبخر تلك الفوائد بسرعة، إذا تحول "صراع المهمات" الأكثر صحة هذا إلى صراع شخصي، وبدأ أعضاء الفريق يشعرون بالاستياء من أقوال زملائهم أو من أفعالهم، أو التعامل مع أوجه الخلاف على أنها حالات من الهجوم. والأكثر من ذلك، إذا تُرك ذلك الاحتكاك الشخصي - والمعروف باسم "صراع العلاقات" - دون ضوابط، يمكن أن يؤدي إلى حالة من التصدع الاجتماعي، وهو ما يحدث عندما ينتقم الأشخاص من زملاء العمل، ويحاولون جاهدين النيل منهم عن طريق نشر الشائعات والأقاويل، والتعامل معهم بفتور ودون اكتراث، أو إساءة معاملتهم بطرق أخرى.
وقد اتضح أن صور التنافر الأكثر ضرراً هذه تلحق أضراراً بالغة بفرق العمل، وتبذل المؤسسات كثيراً من الوقت والمال على الجهود المبذولة للحد من تلك الأضرار، ولكن هذه المؤسسات في كثير من الأحيان تستعمل استراتيجيات غير موثوق بها تفشل في أن تحقق أي نتائج. في نهاية المطاف، فإن هذا النوع من الصراع المزمن يمكن أن يؤثر سلباً في كفاءة الموظفين، والحماس لديهم، ورفاهيتهم، وكذلك إمكانية الاحتفاظ بالقوى العاملة في المؤسسة، ويؤثر في نهاية المطاف في المحصلة النهائية للمؤسسة.
كيف يستطيع القادة مساعدة فرق العمل قبل أن يصلوا إلى هذه المرحلة؟ ربما تكون اليقظة الذهنية أحد الاحتمالات. تُعرّف اليقظة الذهنية بأنها "اهتمام مُدرك بالأحداث والخبرات الحالية والوعي بها"، وقد تبين أنها تساعد الأفراد في بقائهم مركّزين على المهمة التي هم بصددها، مع التعامل مع المشاكل بعقلية منفتحة، وتجنب شخصنة الاختلافات في الآراء. في الواقع، التوجه قوي جداً، لدرجة أن عديداً من الشركات الكبرى قد بدأ وضع وتبني برامج اليقظة الذهنية: وقد حرص كل من "جوجل"، و"أتنا" (Aetna)، و"لينكد إن"، و"فورد" على استعمال وتبني هذا التوجه، على أمل زيادة الإنتاجية وتحقيق الرضا لدى الموظفين.
ومع ذلك، فاليقظة الذهنية لدى الفريق تتميز عن اليقظة الذهنية لدى الفرد، لأنها في الحالة الأولى تنطبق على المجموعة ككل، وعلى التفاعل بين أعضائها، مقارنة بأنماط التفكير الفردية لدى الموظفين. وبعبارة أخرى، فإن اليقظة الذهنية هي ذلك الوعي الجمعي لما يحدث للفريق عند لحظة زمنية معينة، دون أحكام مسبقة تأتي على المستوى الفردي.
وهناك أدلة غير موثقة تقول إن اليقظة الذهنية يمكن أن تلائم الفرق. في عام 1989، وقبل أن يصبح توجه اليقظة الذهنية شائعاً وذائع الصيت في المجتمع الغربي بأكثر من عقد من الزمان، اشتهر فيل جاكسون مدرب فريق كرة السلة "شيكاغو بولز" (Chicago Bulls) بتقديمه للفكرة إلى فريقه. كان يعتقد أن التدريب من شأنه أن يوحد اللاعبين، ويعزلهم بعيداً عن التوتر، وفي نهاية المطاف، يحقق لهم الفوز بالبطولة. كان لاعبون كثيرون - بمن فيهم مايكل جوردان أسطورة الرابطة الوطنية لكرة السلة (NBA) - متشككين، ولكن عندما نجحوا في الفوز بـ 6 ألقاب للرابطة الوطنية لكرة السلة، تبخر ذلك الشك. عندما تبنى جاكسون الأساليب نفسها مع فريق كرة السلة "لوس أنجلوس ليكرز" (Los Angeles Lakers)، فازوا بـ 5 بطولات.
جاءت النتائج التي حققها جاكسون في الرابطة الوطنية لكرة السلة مشجعة، ولكن حتى الآن، فإن الأدبيات العلمية درست على نحو حصري تقريباً، فوائد اليقظة الذهنية على المستوى الفردي، ولكن بدون فهم دقيق وشامل لليقظة الذهنية على مستوى الفريق، يمكن أن يواجه المدراء المخاطر ويضعون ممارسات لا تكاد تتسم بأي قدر من الفاعلية أو الكفاءة بالإضافة إلى أنها مكلفة، بل ويحتمل أن تحقق نتائج عكسية. الأكثر من ذلك، لا يمكن تقييم مخاطر أو فوائد اليقظة الذهنية لدى الفريق على نحو فاعل، دون دليل على هيكل ووظيفة تلك اليقظة الذهنية لدى الفريق.
يعرض بحثنا مفهوم اليقظة الذهنية لدى الفريق، ويقدم تجارب مثبتة لتطبيقه ضمن المؤسسات، فضلاً عن مقياس الصوت في الاختبارات النفسية، بمعنى تطبيق المفهوم على نطاق جرى اختباره، والتحقق من صحته باستخدام عينات متعددة. كما أننا نوضح في هذا الصدد أن اليقظة الذهنية لدى الفريق يمكن أن توفر بشكل مباشر حماية ضد جوانب النزاع الأكثر ضرراً.
في واحدة من الدراسات الميدانية، أجرينا استقصاء شمل 224 من طلاب ماجستير إدارة الأعمال ضمن مشروع من 44 فريقاً في جامعة كبيرة في الغرب الأوسط. في الدراسة الأخرى، حرصنا على توزيع الاستقصاء على 318 موظفاً في 50 فريقاً في مؤسسة صينية للرعاية الصحية، في مجموعة من الإدارات، من بينها الدعم الفني، والصيدلة، والتسويق، وخدمة العملاء. للتأكد من تميّز اليقظة الذهنية لدى الفريق عن اليقظة الذهنية لدى الفرد، مثَّلنا أيضاً اليقظة الذهنية لدى الفرد كمتغير تحكم في نماذجنا.
عبر كلتا الدراستين، وجدنا أنه كلما زاد مستوى اليقظة الذهنية لدى الفريق، انخفض مستوى النزاع في العلاقات. الأكثر من ذلك، في الفرق التي يزيد تحليها باليقظة الذهنية، تضاءل بشكل ملحوظ، التحول من نزاع المهمات المعتمد على المشاريع إلى نزاع العلاقات الأكثر ضرراً، كما انخفض بشكل ملحوظ ميل نزاع العلاقات ليتحول إلى شيء مقوِّض ومدمر.
وبعبارة أخرى، فإن النتائج التي توصلنا إليها تدعم فكرة أن اليقظة الذهنية على مستوى الفريق واضحة ومميَّزة، وتوفر فوائد مميَّزة مقارنة باليقظة الذهنية لدى الفرد.
ومع ذلك، فإن وضع هذا النوع من اليقظة الذهنية موضع التطبيق في الواقع العملي يمكن أن يكون صعباً وينطوي على تحديات. أصبحت أماكن العمل حافلة على نحو متزايد، بالتشتيت الذهني، حيث تجد الموظفين لا يكفّون عن تصفح هواتفهم المحمولة أثناء الاجتماعات بدلاً من الاستماع والمشاركة. أضف إلى ذلك حقيقة أن مزيداً من الأشخاص يعملون عن بعد، وأن المزيد من الشركات توظف أشخاصاً ممن لديهم مجموعة متنوعة من اللغات، والخلفيات الثقافية، والأساليب، وهو ما يمكن أن يؤدي بكل سهولة إلى حدوث سوء التواصل وسوء التفسير في العمل.
أهم شيء تستطيع المؤسسات أن تفعله لزيادة اليقظة الذهنية لدى الفريق هو تشجيع الاهتمام الذي يركز على الوقت الحاضر، والمعالجة غير الحُكمية، والتواصل باحترام، فضلاً عن الانفتاح على جمع وفهم المعلومات قبل معالجتها. يساعد هذا في الحد من ردود الفعل العاطفية أو الانعكاسية، ما يُفسح مجالاً للفرق ذات المعارف المتنوعة والخلفيات الوظيفية المختلفة للوصول إلى إمكانات أكبر.
ولا يعني هذا عدم اتخاذ القرارات الصعبة، أو أن التركيز على الحاضر يمنع الموظفين من تحليل الماضي أو التخطيط للمستقبل، بدلاً من ذلك، فإن هذا يتيح للأشخاص وللفرق المزيد من التحكم في وقت وكيفية حدوث التحليل الناقد والأحكام الحاسمة.
في الوقت الحالي، ليست هناك وصفة طبية رسمية لكيفية تحقيق اليقظة الذهنية لدى الفريق، وسوف تختلف حتماً كيفية تطبيق المفهوم وفقاً لنوع المؤسسة. وهناك عدد متزايد من الشركات الكبرى تضع برامج اليقظة الذهنية لدى الأفراد، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى مزيد من اليقظة الذهنية لدى الفريق، وهناك بعض آخر ممن يدخلون تحسينات على هذا النهج ويدفعونه خطوة أخرى إلى الأمام، حيث يجعلون فرقاً كاملة تجلس بعضها مع بعض في جلسات تضم مجموعات مختلفة من العاملين تشجع الموظفين على التركيز على أنفسهم، وعلى المجموعة، وعلى المهمات التي يتعين استكمالها.
ومع ذلك، من المهم ملاحظة أنه حتى يمكن تحقيق مستوى عالٍ من اليقظة الذهنية لدى الفريق، ليس من الضروري أن يحصل كل عضو من أعضاء الفريق على تدريب على اليقظة الذهنية، في الواقع، حتى لو كان قائد الفريق فقط هو من يتحلى باليقظة الذهنية، أو كان بضعة أفراد من أعضاء الفريق هم فقط الذين يتحلون باليقظة الذهنية، فمن الممكن أن يصبح الفريق ككل عندئذٍ أكثر تحلياً باليقظة الذهنية. وذلك لأن عمليات الفريق تنطوي على تفاعلات مستمرة، وبناءً عليه فالموظفون الذين يتحلون بمستوى عالٍ من اليقظة الذهنية يؤثرون في سلوكيات زملائهم في العمل، فعندما يتبنى قائد الفريق نهجاً أكثر تحلياً باليقظة الذهنية، هناك احتمال أكبر أن يحذو الموظفون تبعاً لذلك حذو رئيسهم وقائدهم.
على مستوى الأعمال والشركات، يستطيع القادة خلق التوقعات الثقافية، وقيادة الاجتماعات والتفاعلات الأخرى على نحو تكون اليقظة الذهنية حجر الزاوية الأساسي فيه، كما أن هؤلاء القادة يمكنهم التدخل عندما يغلق باب النقاش بينما تكون هناك أفكار قيمة وثمينة محتملة ما تزال لم يعبر عنها أصحابها ليستمع الآخرون إليها وتؤخذ بعين الاعتبار. على سبيل المثال، إذا رأى الرئيس أن التوترات تتحول من نزاع محتمَل أن يكون نزاعاً مثمراً حول إحدى المهمات، إلى نزاع علاقات يتسم بأنه أكثر هدماً وتدميراً، فربما يتحتم على الرئيس هنا التدخل وتشجيع الموظفين على تحويل تركيزهم إلى المهمة التي هم بصددها.
ولذا باتت فوائد تبني مهارات اليقظة الذهنية لدى الفريق أكثر وضوحاً. فلنتخيل فريقين: في الفريق الأول، يتفاعل أعضاء الفريق على الهامش، ويكون هناك بعض أعضاء من الفريق غير مدركين لتحول المشاركة، أو فقد الفريق لتركيزه على المهمة التي هو بصددها، ولذلك يجب تكرار المناقشات وإعادة ما تم من عمل. ربما يميل أعضاء الفريق إلى النقد وإلى تبني أساليب دفاعية، وسرعة إصدار الأحكام، أو ببساطة الانسحاب ومراقبة عقارب الساعة تعجلاً لوقت انتهاء الاجتماع. أما في الفريق الآخر، فيظل أعضاء الفريق على تركيزهم، كما أنهم يعيدون جمع شمل الفريق إذا شعروا بأن الإجراءات وعمليات التواصل قد انحرفت عن مسارها المطلوب، فالمناقشات في هذا الفريق تركز على استكشاف واستجلاء الحقائق والأفكار والخيارات، وتتجنب الأحكام المندفعة والمتهورة.
أي الفريقين أكثر احتمالاً لأن ينال الفوز والنجاح؟ سواء كان ذلك امتيازاً خاصاً بالرابطة الوطنية الأميركية لكرة السلة أو قسم في مؤسسة للرعاية الصحية، فإن الفريق الأكثر تحلياً باليقظة الذهنية سيكون له بكل تأكيد، اليد العليا وسيكون هو الفائز على الأرجح.