قضيتُ 3 عقود في شركة "آيديو"، عملت فيها مع أكثر الشركات إبداعاً في العالم وعاينت عن كثب كيف يتصرف القادة المبدعون، حيث جعلتُ جلّ اهتمامي منصباً على فهم الطريقة التي يعمل فيها أفضلهم والأساليب التي يتبعونها لبث روح الإبداع فيمن حولهم، فلاحظت أموراً ثلاثة متعلقة بعادات القادة المبدعين.
العادات الثلاث للقادة المبدعين
يخلق هؤلاء القادة نواة تضم جُموعاً من المتحمسين لما يفعلون، داخل مؤسساتهم وخارجها
فقد بدأ كريس أندرسون، المدير التنفيذي لشركة "3 دي روبوتيكس" (3D Robotics)، الصانعة للطائرات بدون طيار (الدرونز)، رحلته في اكتساب المعرفة وجمع الآراء من هواة الدرونز عبر موقعه الإلكتروني "DIYDrones" قبل مدة طويلة من توظيفه لأول فرد في شركته، واستمر بممارسة الابتكار مفتوح المصدر منذ ذلك الحين. أما الشركة فهي تهتم برعاية الجَمع المبدع الخاص بها وتقدّر كل إسهام على جميع المستويات. فما إن يسهم فردٌ بأدنى إضافة إلا وترسل له الشركة قميصاً يشير إلى انتمائه إلى طائفة "الدائرة" الخاصة بشركة "3 دي روبوتيكس". فإذا أغدق اللامعون مزيداً من مساهماتهم، فقد يربحون تذاكر سفر إلى مقر الشركة حيث يقابلون قادتها شخصياً، وقد تجاوز بعضهم هذا الأمر ليصبحوا موظفين دائمين لدى الشركة. إن هذا الدفق الحر للمعرفة في كلا الاتجاهين، حيث يُراكم الموظفون والشركاء والمتعاونون رأسمالهم الاجتماعي عبر إسهامهم الإبداعي، قد ساعد في دفع عجلة النمو قدماً. وتتبوأ شركة "3 دي روبوتيكس" الآن قمة مصنّعي الطائرات بدون طيار التجارية والشخصية في الولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: هذا هو الفرق بين القادة الجيدين والقادة العظماء
يحرز القادة التغييرات الكبيرة عبر سلسلة من التجارب الصغيرة
قبل سنين عديدة، رغب جيم هاكيت، الشريك الاستراتيجي لشركة "آيديو" لوقت طويل، والذي صار لاحقاً مديراً تنفيذياً لشركة "ستيل كيس" (Steelcase)، في إقناع كبار التنفيذيين في شركته بالتحول إلى بيئة العمل المفتوحة. في ذلك الوقت – وكما هو الحال الآن في كثير من المؤسسات – فإن المكتب الخاص كان يمثل ميزة تعكس منصب الشخص الذي يشغله، لكن واقع شركة "ستيل كيس" بصفتها رائدة عالمياً في مجال الأثاث المكتبي المخصص لبيئات المكاتب المفتوحة، فقد كان من المهم للمدراء بأن يكونوا أسوة لغيرهم في تبنّي قيمة العمل في المكاتب ذات الطرز غير التقليدي. لكن، كان يساور جيم شعوراً بأنه إذا ما أعلن تغييراً كاسحاً يلغي فيه النسق القديم ليحل محله الجديد، فإن كثيراً من التنفيذيين سيُظهرون مقاومة له ويطلبون إعفاءً من الالتزام به.
لذا، فقد عرض جيم القيام بتجربة صغيرة وطلب من فريقه الإداري الانضمام إليه في نموذج أولي مدته 6 أشهر يمثل "مجتمع القيادة" المفتوح في الشركة. كان كل ما يرنو إليه هو أن يجرب فريقه الأجواء الجديدة بتجرّد لفترة محدودة، مستخدمين أفضل ما تنتجه الشركة لهذا الغرض، مع تقديمه وعداً بمعالجة كل ما يثبت عدم جدواه في نهاية الأشهر الستة. وحين يطلب إليك قائد محترم أن تنضم إليه في تجربة قصيرة، يصعب عليك الرفض أو حتى التذمر. وحاصل التجربة أن أحداً لم يشتكِ أو يتذمر، ومع تطورها بمرور الوقت فإن تجربة الأشهر الستة في "ستيل كيس" امتدت إلى 20 عاماً. ولم يعد التنفيذيون إلى مكاتبهم الخاصة مطلقاً.
ينطلق هؤلاء القادة في رحلتهم الإبداعية متزودين بقصص تُروى
لطالما عرف المسوقون قيمة الرسائل العظيمة ومساهمتهم في نجاح المنتجات والخدمات والعلامات التجارية الجديدة. ومن عادة القادة المبدعين غربلة الأفكار من بداياتها الأولى حرصاً منهم على إسعاد الزبائن وعلى رواية قصة جذابة. وقد عملت جين بارك، المديرة التنفيذية لشركة ناشئة تدعى "جوليب" (Julep) لمنتجات التجميل، مع شركة "آيديو" (IDEO) للعثور على صيغة مبتكرة في مجال طلاء الأظافر تكون كفيلة بإشعال فتيل الحوارات بين المستخدمين الأساسيين الذين يلقبون بالمخضرمين (mavens). حيث خلصت أبحاث التصميم إلى قضية معروفة منذ القدم لكنها لم تعالج تماماً حتى اللحظة، ألا وهي: الصعوبة التي تعاني منها النساء عند طلاء أظفارهن مستخدمين اليد الأضعف. كما أدركت بارك وفريقها أن جميع الأدوات التي تتطلب دقة في العمل – مثل القلم أو ريشة الرسم، أو حتى مبضع الجراح – تتميز بطولها، لذلك طوروا ممسكة طويلة ذات مفاصل – أسموها "بلاييه" (Plie) – تُمكن المستخدم من الحصول على نتائج أدق وأنظف كما تلتحم مغناطيسياً بغطاء طلاء الأظافر.
وفي حين حوى هذا الحل المبتكر قيمته بحد ذاته، أعطته القصة الأصلية التي تربط "بلاييه" مع سواه من الأدوات الضجة التي احتاجها ليشيع ذكره بين الناس. فقد فاز بقلوب فريق "جوليب" وعقولهم الذي عمل عليه إضافة إلى الزبائن الذين عاينوه وتعاملوا به في السوق، مما حدا بمجلة "فوربس" (Forbes) لتعقّب على هذا المزيج الذي نتج عن القصص العظيمة والجمع المتحمس لها قائلة بأن شركة "جوليب" قد تكون "في طريقها لتصبح العلامة التجارية القادمة التي تقدّر قيمتها بمليار دولار".
لا شك بأن هنالك طرقاً أخرى يلجأ إليها القادة المبدعون لدفع زملائهم وشركاتهم قدماً نحو تحقيق العظمة. لكن تبقى عادات القادة المبدعين هذه – بناء الجمع المتحمس، والتجريب، ورواية القصص – ذات أهمية عالية في مخزون أدواتهم الإبداعية.
هل تعتقد أن هذه الطرق يمكن أن تنجح في مؤسستك أم لا؟ وهل شاهدت أو جربت طرقاً مختلفة حققت نجاحاً؟ شاركنا في التعليقات.
اقرأ أيضاً: