هذا هو الفرق بين القادة الجيدين والقادة العظماء

4 دقائق
الفرق بين القادة الجيدين والقادة العظماء
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نحن نحب رؤية الأشياء في تسلسل. نرتب الحرارة (بارد وساخن وفاتر في المنتصف) والغنى (فقير وغني ومرتاح الحال في المنتصف)، لأن التسلسلية في شكلها الخطي تساعدنا على فهم واستيعاب تعقيدات العلم والمجتمع وتعدنا بالتطور والنمو تماماً مثلما تفعل القوانين العلمية (علم الحركة، على سبيل المثال).

قد يدفعنا انجذابنا للتسلسلية إلى التفكير في الفرق بين القادة الجيدين والقادة العظماء والتفكير في القيادة بشكل عام على أنها تسير في تسلسل معين، في أحد طرفيها القيادة السيئة وفي الطرف الآخر القيادة العظيمة وفي الوسط تقبع القيادة الجيدة. وهذا ما يجعلنا نرى في القيادة نمطاً يمكن التنبؤ به، ونرى أن من الممكن التطور صعوداً في خطها التسلسلي بالاجتهاد واكتساب الخبرة.

الفرق بين القادة الجيدين والقادة العظماء

أنا لا أجادل هنا أن باستطاعة كل إنسان أن يتطور كقائد، وهذا أمر لا جدال فيه. ما اختلف معه هو الجزم القاطع بأن الجيد والعظيم نقطتان تقعان في مسار واحد. هذا اعتقاد خاطئ. للقيادة العظيمة والقيادة الجيدة خصائص ومسارات متمايزة تماماً. القيادة ليست أحادية الأبعاد، وبإمكانها أن تكون جيدة أو عظيمة أو كلتيهما، أو إحداهما فقط.

عادة ما يبدأ الحديث عن “عظيم” بأوصاف تتناول القوة أو الشدة الساحقة إما بسبب “التأثير الكبير” أو “الجهد الكبير”. العظمة في هذا السياق هي القوة. صحيح أن العظمة تعني أيضاً “التمييز”، لكنه ليس معناها الأساسي. أما “الخير” فنحن عادة نربطه بالأخلاق والقيم والفضيلة، لذلك نقول “شخص جيد” أو “قرار جيد”. قد تشير كلمة “جيد” إلى جودة شيء ما – من خلال مشاهدته بالمعنى الأكثر شيوعاً: سيئ – ولكن السياق الذي يثير اهتمامنا هنا هو أن ننظر إليه على أنه اتجاه يفرض السلوك

القيادة العظيمة قوية ومستبدة، وغالباً ما تكون مستبدة. يمكنها اكتساح الناس بمجرد إيماءة. القيادة العظيمة تثير وتُنشِّط وتُحفّز. إنها دعوة تحريضية تُقوّض دعائم الرضا والخمول وأحد أقوى المحفزات في تاريخ البشرية، لهذا يعود إليها الفضل في أغلب ما حققته البشرية من التطور والشقاء. وفي حين توقد القيادة العظيمة شعلة العمل الجماعي وتُلهب الحماس، فإن التوجه الذي تسلكه يعتمد كثيراً على من يمتلكون تلك القوة. نظراً لأن القائد العظيم لا يمتلك بوصلة أخلاقية موروثة، يمكن بسهولة استخدام قوته غير المتوقعة للأغراض السلمية أو التصادمية.

أما الحديث عن القيادة الجيدة فهو حديث عن حماية المبادئ السائدة وتعزيزها لتحقيق غايات معينة. وهذا يتطلب فعل ما هو “صحيح”. قد يكون هناك اختلافات مشروعة في تأويل ما هو صحيح وما هو خاطئ، لكن من ناحية أخرى، هناك أخلاقيات ومبادئ وعادات مشتركة بين مختلف الثقافات والأزمان مكنّت الأفراد والجماعات على الدوام من النجاة والاستمرار. الجيد يسعى لتحقيق منفعة ورفاه الآخرين.

ليس للقيادة الجيدة جاذبية القيادة العظيمة. فأنت لن تلحظ شيئاً مميزاً عندما يكون القائد الجيد هو الممسك بزمام الأمور لأن الأمور شفافة أصلاً. القيادة الجيدة مثل الخلفية متعددة الألوان، أما القيادة العظيمة فأكثر درامية حيث يتخذ القائد فيها أفعاله اعتماداً على قيمه. هذا ما يفسر السبب في أن قوة القيادة العظيمة عادة ما تطغى على توجّه القيادة الجيدة.

هذا التجاذب بين العظيم والجيد أزلي وديناميكي. هناك من ناحية العظيم-قوة تفسيرها مستحيل، وغير منطقية من وقت لآخر، والأهم من هذا كله أنها جامحة. وهناك من ناحية أخرى الجيد-توجه تحدده بوصلة معروفة، يقدم قيماً ذات منافع متبادلة. الأول يُحرك، والأخير يوجه. يُفسر الرسم أدناه هذه العلاقة.

القيادة ليست سلسلة متواصلة

تحتل القيادة العظيمة والقيادة الجيدة أعلى اليسار في الشكل التالي. ويُسفر هذا الاقتران عن بيئة توفر القوة والتوجيه، ولكن ليس بالضرورة أن تكون القوة مرتبطة بالتوجيه، على الرغم من أن هذا هو الوجه الأمثل للقيادة. ويحفّز التوتر بين هذين النوعين من القيادة على الإرادة والالتزام، ويوضح الجدل المتكرر حول معنى القائد العظيم والقائد الجيد، كما أنه يؤدي إلى خلق مناخ حيوي تسوده روح الإبداع ويعزز التقدم. وذلك هو المكان الذي يرغب الموظفون في العمل فيه والذي يحسدهم الآخرون على وجودهم فيه، لأنه يجمع بين الطاقة الإنتاجية والطاقة البناءة. والبيئة هنا مواتية للقيادة الذكية وهذا هو عالم القائد الحيوي الذي ينشر طاقة صحية.

في أعلى اليمين في الشكل التالي، تتحد القيادة غير العظيمة مع القيادة الجيدة. وعلى الرغم من وجود جميع النوايا الحسنة، تبقى القدرة على تنفيذ تلك النوايا غير متوفرة، وهو ما يخلق مكاناً جيداً للعمل، لكنه مكان يفتقر إلى الحيوية اللازمة للنهوض بالأهداف الشخصية أو الاجتماعية أو التنظيمية. تكون القيم واضحة في هذه البيئة، لكن لا يوجد أي تقدم للأمام. كما تبعث الاستقامة الأخلاقية على الارتياح، لكن إن حدث أي خلل، تكون تلك الاستقامة غير كافية. يعمل الموظفون في هذا البيئة في جو يسوده الركود. الجميع سعداء ويشعرون بالتقدير، لكن لا يوجد أي إنجازات. ويوصف القائد هنا أنه قائد ودود، إذ عادة ما يكون ودوداً ولطيفاً، ولكن ليس بالضرورة أن يكون محفّزاً ومشجعاً للآخرين.

اقرأ أيضاً: القادة العظماء يشاركون في اللعبة السياسية ضمن الشركة

إذا كانت بيئة المؤسسة في الربع العلوي الأيمن توصف بالركود، فإن بيئة المربع الموجود أسفله هي بيئة فاسدة بكل معنى الكلمة. فالقيادة العظيمة والقيادة الجيدة غائبتان عن هذه البيئة. كما أن الافتقار إلى القوة والتوجيه يضعف الإرادة ويقوّض تفاؤل أكثر الناس شجاعة حتى. لا يوجد أي قوة أو حافز، وتفتقر البيئة إلى الطاقة الضرورية لإجبار الفريق على تحقيق هدف نهائي. ولا يمكن ربط أي قيمة بهدف غير موجود. وليس لهذا الربع أي هدف يوجهه على الإطلاق. ولسوء الحظ، هذا يصف حال الكثير من المؤسسات، بمعنى أنها فاقدة للطاقة ويستشري فيها الفساد. ويوجد صفة واحدة فقط يمكن وصف القائد بها هنا وهو أنه غير مبالٍ.

يوصف التقاء القيادة العظيمة والقيادة غير الجيدة في الربع السفلي الأيسر بالقنبلة الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة. لا يمكن للقوة الهائلة للقيادة العظيمة تعويض غياب القيادة الجيدة. إنها بيئة مليئة بالإثارة والمشاركة الملموسة ومقرونة بهدف محدد تسوده بعض الشكوك. القوة جبارة، لكن التوجه يفتقر إلى المبادئ. وتكثر مشاعر الغدر في هذه البيئة. لا أحد يعرف ما قد يحدث دون وجود قيادة جيدة لمحاسبة القيادة العظيمة. ويوصف القائد في هذه البيئة بأنه مؤذٍ، بمعنى أنه قادر على إلحاق الضرر بالآخرين.

من الطبيعي التفكير في القيادة على أنها سلسلة مؤلفة من طرفين. ومع ذلك، يشير التفكير على هذا النحو إلى أنك تُسيء فهم ماهية القيادة العظيمة والقيادة الجيدة. إن هذان النوعان من أنواع القيادة مختلفان اختلافاً جوهرياً، وبالتالي يبدو الفصل بينهما، أي كسر السلسلة المتصلة بينهما، أمراً غير منطقي، لكنه ضروري للغاية لفهم العناصر التي تشرح عمل القيادة وتأثيرها. قد تكون القيادة العظيمة مهمة ولكنها مدمرة؛ ومن جهة أخرى، قد يوصف القائد الجيد بالتعاطف، إلا أنه عادة ما يكون عاجزاً. والتعايش بين هذين النوعين من القيادة هو الحل الأمثل، ولا بد لنا من أن نهاب العمل في بيئة تفتقر إلى القيادة الجيدة. ويجب على المؤسسات تجنب مبدأ العلاقة التعويضية بين القوة والتوجيه، خشية أن تنحرف عن مسارها أو تحيد عنه أو تسوء. كما يجب عليها معرفة الفرق بين القادة الجيدين والقادة العظماء باستمرار.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .