نسمع كثيراً عن أهمية إدارة التغيير في المؤسسات، ومدى أهمية مواكبة التغييرات التي تطرأ على البيئة الداخلية أو الخارجية ضمن المؤسسات. ونسمع أيضاً عن العواقب التي يمكن أن تمس المؤسسة والعاملين فيها إذا لم تواكب التغييرات الضرورية. وشاهدنا الكثير من المؤسسات كانت كالنجوم الساطعة في السماء خلال الفترات السابقة، إلا أنها اختفت بسبب عدم قدرتها على التغيير.
وفي تقرير نُشر في مجلة "فورتشن" عن عدد من العلامات التجارية الشهيرة التي اختفت خلال الفترة الماضية، نرى أن شركة "يو إس إيروايز" (US Airways) الأميركية، التي أُطلقت عام 1939 في أميركا كشركة بريد جوي ومقرها ولاية بنسلفانيا، قد نمت لتصبح الناقل الإقليمي بعد عدة اندماجات. إلا أنها اختفت عام 2012 بسبب اندماجها مع شركة طيران أخرى هي الخطوط الجوية الأميركية "أميركيان إيرلاينز" (American Airline)، بشرط أن تعتمد اسم شركائها الجدد. وأدى هذا الاندماج إلى اختفاء العلامة التجارية المُسماة "يو إس إيروايز". كذلك لاقت شركة "راديو شاك" أيضاً مصيراً مماثلاً عندما أعلنت إفلاسها. فكانت إحدى سلاسل متاجر الإلكترونيات الشهيرة المعروفة التي تأسست عام 1921، لكنها عانت قلة المبيعات لسنوات عديدة بسبب انتقال التسوق إلى التجارة الإلكترونية.
ويدل هذا الأمر على أن هناك عمراً افتراضياً للمؤسسات، في تقرير نُشر عن العمر الافتراضي للمؤسسات، قُدر متوسط العمر الافتراضي لأي مؤسسة بحوالي 75 عاماً، لكن في الوقت الحالي تقلص هذا الرقم ليصبح 15 عاماً وما زال هذا العمر في تنازل. فالتغيير أمر لا مفر منه للأفراد والمؤسسات والمجتمع، مثل التغيرات التكنولوجية، وتغيّر القيم والمواقف، وتغيّر الأهداف والاحتياجات، وتغيّر الموارد المتاحة، وتغيّر القوانين وسياسات المؤسسة. لذلك فالتغيير لن يختفي ولن يتبدد، ويمكن القول إنه أصبح عملاً روتينياً. إذاً، ما هو هذا التغيير؟، ولماذا هو مهم؟
تعريف إدارة التغيير
هناك الكثير من التعاريف الخاصة بالتغيير، لكنها تشترك جميعها بهدف رئيسي، وهو جعل المؤسسة أكثر كفاءة وفاعلية. فالتغيير يعني التجديد المستمر للمؤسسة. كما تم تعريف التغيير على أنه من الآليات الأكثر شيوعاً التي تمكّن المؤسسة من التحسن والتقدم وسط بيئة معادية. إذ لا يمكن التنبؤ بالتغيير في كثير من الأحيان، وعلى الرغم من ذلك يُعتبر التغيير وسيلة مهمة للتحفيز، فهو يمكّن المؤسسات من وضع خطط عمل لتحديد المهارات التي يمكن أن تسهم في الفعالية التنظيمية. إن إدارة التغيير ليست وصفة جاهزة يمكن استخدامها من قبل أي شخص، بل هي نوع من أنواع علم الإدارة، ونستطيع القول إن إدارة التغيير لها معنيان مهمان، الأول يتعلق بإجراء تغييرات بطريقة مخطط لها وممنهجة، والثاني يتعلق بإدارة كيفية تفاعل الموظفين مع التغييرات، حتى في البيئات غير المستقرة عندما لا تمتلك الشركة سيطرة كبيرة على جوانب معينة من تلك التغييرات.
أهمية إدارة التغيير في الدول العربية
في غضون ذلك، تنبهت بعض الدول العربية الى أهمية التغيير، ومنها دولة الإمارات، حيث نظّمت قمة حكومية عالمية في فبراير/شباط 2016. وخُصص الاجتماع لتشكيل مستقبل الحكومات على الصعيد الدولي. وتم التأكيد خلال القمة على أهمية التغيير لمواكبة المستجدات المستقبلية واستشراف المستقبل وأُعلن عن "حكومة المستقبل"، ما أدى إلى إعادة هيكلة عدد من الوزارات واستحداث مناصب وزارية جديدة لتحسين تقديم الخدمات وضمان كفاءتها وفعاليتها. وعلى الرغم من الجهود، المبذولة لتطبيق مبادئ التغيير لمواكبة المتغيرات في البيئة الداخلية والخارجية، إلا أن هناك العديد من الصعوبات التي تواجه عملية تطبيق التغيير. أولاً، تتطلب مفاهيم إدارة التغيير وتطبيقها معرفة واسعة لمختلف المجالات والمستويات داخل المؤسسة، مثل المالية أو المحاسبة أو السياسات أو الأنظمة التنظيمية الخاصة بها. ثانياً، موضوع إدارة التغيير يؤثر على مختلف المجالات الوظيفية التقليدية داخل المؤسسة، مثل الإدارة والتسويق والموارد البشرية وإدارة الاستراتيجية وغيرها من الإدارات الأخرى. ثالثاً، تترك الحركة الحالية للتغيير فترة قصيرة جداً من أجل القادة لإدارة التغيير وإدارة موارد المؤسسة اللازمة لتقييم الوضع الراهن.
واستناداً إلى ما سبق، فإن إدارة التغيير مهمة جداً لأنها تساعد على التحسين المستمر لقدرات المؤسسة، ولها تأثير كبير على صنع القرار في المدى القصير والطويل. وهناك مؤسسات وجهات عالمية صممت مؤشرات دولية لقياس مدى فعالية الدول وحكوماتها ومؤسساتها سواء في القطاع الخاص أو الحكومي، وذلك من أجل الاستجابة للتغيير وإدارته بفعالية. على سبيل المثال، احتلت دولة الإمارات المركز الثالث عالمياً، وتصدرت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في أكثر الدول استعداداً للتغيير، بحسب تصنيف مؤشر جاهزية الدول للتغيير الذي صدر عام 2017، حيثُ أجرته شركة "كي بي إم جي"، ما يدل على الاهتمام العالمي للتغيير. وأخيراً يمكن لنظرة متفحصة حول أهمية إدارة التغيير ومعرفة الأدوات المناسبة لتطبيقه سواء على المستوى الفردي أو المؤسسي أخذ معظم الجهود المبذولة عليه إلى أعلى الدرجات والمستويات.
اقرأ أيضاً: إدارة التغيير: كيف بإمكانك تبني عقلية التغيير؟