كيف تكسر حدّة نقاش محتدم!

4 دقائق
كسر حدة النقاش

يخشى العديد من الناس أنهم مهما حضّروا أنفسهم لنقاش أو جلسة تفاوض ما وأحسنوا التجهيز لها، فإن نقاشهم سيؤول بالنهاية إلى جدال عقيم أو صراخ لا طائل من ورائه، فلن يستطيعوا كسر حدة النقاش. حتى لو تعاملت مع النقاش والتفاوض بعقلية تشاركية تركز على ضرورة حل المسائل، فلن يكون هذا كافياً لتفادي تحول النقاش إلى احتدام بين المشاركين فيه. ولعلك تعرف أن ذلك يحدث حين تشعر بالانفعال العاطفي أثناء النقاش، أو عندما يرتفع ضغطك، أو عندما تشعر بالغضب أو التوتر. ويمكن للطرف الآخر كذلك أن تسيطر عليه الحالة نفسها. فترتفع الأصوات ويبدأ أحدكما أو كلاكما بالصراخ.

النقاشات المحتدمة في بيئة العمل

فلننظر إلى هذا المثال من داخل شركة في فترة التخطيط للميزانية السنوية. بيتي، رئيسة قسم المبيعات تحضّر الموازنة للعام المقبل، وستلتقي بأميت، رئيس قسم التمويل. طلبت بيتي من أميت عدة مرات تزويدها بأرقام نهائية يمكنها أن تدرجها في موازنتها. ولكن أميت بدلاً من أن يقدم لها ما تريد أخذ يتردد إلى مكتبها ويطرح عليها مزيداً من الأسئلة. ومن المفترض أن تسلّم بيتي مسودة الموازنة لكبير المسؤولين الماليين في الشركة في صباح اليوم التالي، فاضطرت لأن ترسل إلى أميت طلباً للاجتماع ومناقشة القضية العالقة بينهما. يوافق أميت على هذا الاقتراح ولكنه يتأخر عن الاجتماع 15 دقيقة. شرحت له بيتي سبب حاجتها للمعلومات في ذلك اليوم تحديداً، وطلبت منه أن يوضح لها سبب عدم قدرته على تقديمه لها. فأجابها أميت بأنها لم تزوده بالمعلومات الكافية وأنه أمضى كثيراً من الوقت والجهد في محاولة فهم الطلبات التي وضعتها بين يديه. فترفع بيتي صوتها قائلة: "طلبت منك 4 مرات أن تعطيني تلك الأرقام، ثم أتيت متأخراً إلى الاجتماع، ثم تقول إن ما حصلَ هو خطئي أنا! لماذا لا تستطيع أن تفعل ما أطلبه منك؟".

بدا أميت متعجباً من عدم قدرة بيتي على فهم الموضوع، وقال: "أنا أعمل على أرقامك هذه منذ أسابيع، لكن لا يمكنني إعطاء الأرقام النهائية دون الحصول على كافة المعلومات التي أحتاجها منك. ألا تفهمين أن هذا واجبك؟".

قد لا يبدو لك هذا الموقف مثالاً على حوار تفاوضي للوهلة الأولى، لكنه في الواقع كذلك: هناك طرفان لهما دوافع ومصالح مختلفة يحاولان الاتفاق على كيفية التعامل مع قضية ما. وقد طرأ في هذه الحالة خلاف، ولكن هذا الخلاف قد لا يؤثر بالضرورة على العلاقة بين بيتي وأميت أو مسودة الموازنة التي تعدها بيتي.

إن المشاعر تحتد أثناء النقاش والتفاوض نظراً لحساسية ما يتم النقاش حوله، مثل أعمال الآخرين ووظائفهم، وموقف الموظفين من المدراء أو مقدار ثقتهم بهم، ونجاح مشروع ما، ومستقبل العمل.

يمكن أن ترتفع حدة النقاش أيضاً عندما يكون هناك سوء في إدارة التواصل بين الطرفين. على سبيل المثال، قد يسيء أحد الطرفين فهم مقاصد الآخر، أو يوجه إليه إهانة غير مقصودة، مما سيؤذي المشاعر ويشحن الأجواء بالمشاعر السلبية.

طرق تخفيف حدة النقاشات

ومهما كان سبب تحول الحوار إلى جدال محتدم، فإليك بعض الطرق التي قد تساعد في تخفيف حدة النقاش وتهدئة الأجواء في أي موقف مماثل:

1. ركز على ردات فعلك الجسدية

خذ نفساً وتجنب شدّ الأعصاب وحبس النفس. تمالك نفسك من خلال وضع يديك على الطاولة أو الوقوف على قدميك. إن الطريقة التي تتحرك بها لها أثر على الطريقة التي يتفاعل بها ذهنك مع الموقف. أما إذا بدأت فرك راحتي يديك مثلاً فإنك ترسل إشارة إلى الدماغ بأن هناك أمراً يثير القلق. أما إذا تحركت ببطء وتركيز، فإنك ترسل رسالة إلى الدماغ ليحافظ على الهدوء والاتزان.

2. استمع إلى ما يقوله الطرف الآخر

اتركه ينفّس عن مشاعره، لأن بعض الناس يحتاجون إلى ذلك كنوع من ترويح الضغط عن النفس. فبعد أن يصرخ الشخص أو يضرب على الطاولة، من المحتمل أن يتمكن من استعادة هدوئه. لا تشعر دائماً أنك مضطر للاستجابة على مثل هذا السلوك، والأفضل إن استطعت أن تتجاوز عن ذلك وتنتقل إلى طريقة أكثر فعالية في النقاش.

3. أظهر للطرف الآخر أنك قد استمعت إليه

كرر بطريقة هادئة ما قاله الطرف المقابل بصيغة أخرى، من الطبيعي أن يساعده إقرارك بالسبب الذي دعاه إلى الغضب في التفكير بالأمر بشكل مختلف، فكل ما يحتاج إليه الآخرون أحياناً هو الاستماع إليهم.

4. أظهر بعض التعاطف

إن كان الطرف المقابل غاضباً من أمر لا علاقة لك به، فيجب عليك أن تخبره أن الأمر يبدو صعباً، ويمكنك أيضاً تأطير القضية بحيث تبدو مشتركة بينكما لتتمكنا من حلها معاً.

5. حاول العثور على المزيد من المعلومات

إذا كنت سبب انزعاج الطرف المقابل، فيجب عليك البحث عن معلومات أخرى تساعدك في فهم ما يحصل حقاً. حاول أن تفهم ما قمت به لتحدد الزاوية التي ينظر كلا الطرفين إلى القضية من خلالها.

6. خذ استراحة قصيرة

إذا كنت الطرف الذي يشعر بالانزعاج والغضب، ففكر في أخذ استراحة قصيرة. على سبيل المثال، يمكنك الخروج والمشي قليلاً حول مبنى الشركة لتفكر في الأمر، أو أن تطلب من أحد زملائك مساعدتك في توضيح الأمر. إن مجرد تنفس بعمق أو جلسة تأمل صغيرة. قد يساعدك في تمالك نفسك من جديد.

عندما رد أميت على بيتي، أخذت نفساً عميقاً وجلست في كرسيها واضعة كلتا قدميها على الأرض. لقد حافظت على توازن جسدها وتمكنت من استعادة هدوئها، ولكنها لاحظت في الوقت نفسه أن أميت ما يزال غاضباً مقطّب الجبين ومكتّف الذراعين.

ثم اعتذرت بيتي عما قالته، ولم تكتفِ بذلك، بل سألت أميت عن سبب انزعاجه، واستمعت إليه بإنصات دون مقاطعته.

قال أميت إنه كان تحت ضغط شديد في فترة إعداد الموازنة، واعترف بأن بيتي ليست الوحيدة التي تشاحن معها ذاك الأسبوع، ثم تحدث عن عجزه عن أداء بعض المهام لأنه لم يكن لديه الموارد الكافية في العام الماضي. بل إنه أخبر بيتي أيضاً بموقف حصل قبل شهرين حين طلب مرة منها مساعدة في أمر ما ولكنها لم تلبّ طلبه.

صحيح أن بيتي لم تتذكر أي شيء مما ذكر، ولكنها مع ذلك لم تقاطعه، بل سألته عن نتائج ما حصل حينها بسبب تقصيرها بمساعدته. عندما أزاح أميت كل هذا عن صدره، وبفضل ما لاحظه من إنصات بيتي وتقبّلها لما يقول، تمكّن من تمالك أعصابه، وكسر حدة النقاش، وارتاحت بيتي حين لاحظت أنه أرخى كتفيه وساعديه.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي