لا تحبذ الغالبية العظمى من كبار المهنيين التقاعد عن العمل الذي اعتادوا أن يمنحهم شعوراً الإنجاز، بل يرغبون في الاستمرار به لكن ليس بنفس الوتيرة والضغط الذي تطلبه الشركات. إذ يصبح تفكيرهم متجهاً إلى ساعات العمل المرنة والمكافآت الأعلى والحرية في اختيار موقع العمل والاستقلالية، وتراهم متحمسين لفكرة أن يصبح الواحد منهم مستشاراً أو مدرباً عند التقاعد من الوظيفة. ولا شك أن التنافس على هذه المناصب المغرية في ازدياد فقد أشارت دراسة نشرت عام 2016 إلى وجود أكثر من 53,300 مدرب مهني حول العالم، أما صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية، فقدّرت عدد الاستشاريين في مجال الإدارة بحوالي 50 ألف استشاري.
فكيف يمكنك التميّز في هذا الميدان الذي يعج بالمنافسين المخضرمين (حيث 54% من المدربين في سن الخمسين وأكثر)؟ إليك 5 مقترحات يجب وضعها في الاعتبار إذا كنت ترغب في أن تصبح استشارياً أو مدرباً بعد التقاعد.
امنح نفسك الفرصة الكافية
عند تغيير وظيفتك، من الطبيعي أن يرافق ذلك التغيير قدراً من التشويش، لذلك من الأفضل أن تمنح نفسك الوقت الكافي للتخطيط والتحضير. ومن الجيد أن تكون هذه الفترة من سنة إلى سنتين، والأفضل أن تكون ثلاث سنوات أو أربع. أعلن ألبرت دي بيرناردو، رئيس قسم الاستراتيجية والتطوير في شركة هندسية كبيرة، أمام مجلس الإدارة قبل ثلاث سنوات، بأنه سيتقاعد حين يصل إلى سن الخامسة والستين، وحدد في تقرير الأداء الخاص به العام الماضي تاريخاً معيناً لمغادرة الشركة، وهو 31 ديسمبر/كانون الأول 2017. كما يقول: "حددت بدايتي الجديدة في تلك اللحظة، وراودني شعور عظيم حيال ذلك".
على الرغم من أن الكثيرين يتخوفون من أن يصبحوا في مقام "البطة العرجاء"، أي أن تتوقف فعاليتهم في الشركة خلال هذه الفترة عبر استعجال الشركة بتعيين شخص بديل، فإن منح شركتك الوقت الكافي للتخطيط لاستبدالك يتيح لك فرصة التفكير بوعي في ترك الشركة وإنهاء مسيرتك فيها، وأنت تعرف أنك تركت أثراً طيباً بعدك. حتى إذا كنت لا تفضّل إخبار أحد من زملائك عن عزمك على المغادرة، فإن وضع جدول زمني خاص بك سيساعدك على تخطيط شؤونك المالية وترتيب التغييرات في المرحلة التالية بعد التقاعد، مثل الانتقال إلى مدينة أخرى، أو بيع منزلك، وغير ذلك.
امتلك صورة واضحة عن المهارات التي لديك
بعد سنوات طويلة من العمل تصبح خبيراً في مجال عملك. ولكن إذا أردت أن تصبح مدرباً أو مستشاراً مستقلاً، فهذا يتطلب مجموعة من المقدرات الريادية إلى جانب معرفتك وخبرتك في مجالك. لو منحت نفسك مساحة كافية للتخطيط سيكون بوسعك تعزيز المهارات الضرورية التي تحتاجها، مثل مهارات الخطابة أو التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي. (أذكر أنني طورت أداة تقييم ذاتي مجانية للمساعدة في تحديد النقاط التي يجب تركيز الجهود عليها).
وربما تحتاج إلى الحصول على شهادات معينة، أو تشارك في برامج تدريبية خاصة، لزيادة معرفتك في جانب معين. حيث تكون هذه البرامج في مجال التعليم التنفيذي، مثل تلك التي تطرحها بعض الجامعات، أو برامج يقدمها متخصصون في مجالات عديدة، مثل إنشاء برامج التدريب على الإنترنت أو كيف تصبح خبيراً معتمداً.
ابدأ بالعثور على العملا
يضيّع العديد من المدربين والمستشارين الطموحين الكثير من الوقت في اتخاذ قرار بشأن تفاصيل الإدارة التي تخص عملهم الجديد، من قبيل لون الشعار الذي سيستخدمونه وما إلى ذلك. والحقيقة أن كل ذلك لا جدوى له حتى تجد العملاء الفعليين، ويجب أن يكون التعامل معهم أهم أولوياتك. ولتحصل على الخبرة مثل مدرب استشاري حاول تقديم خدماتك على أساس تطوعي لبعض العملاء وأنت ما تزال على رأس عملك، مقابل الحصول على شهادات توصية مستقبلية.
وعلى اعتبارك شخصاً مهنياً تمتلك ميّزة تجعلك متفوقاً على بقية زملائك الأصغر سناً، ألا وهي شبكة من المعارف التي أمضيت عقوداً في تطويرها، ومنهم بالتأكيد بعض كبار المدراء الذين يودون الاستفادة من خبراتك.
فحين تقترب من موعد تقاعدك، عليك أن تبدأ بنشر هذا الخبر بين قائمة معارفك حتى يكون لديهم فكرة عن خططك المستقبلية، فربما يصبحون عملاءك في يوم ما. على سبيل المثال، روكسان كريت، الرئيسة السابقة لمنظمة تعليمية غير ربحية وإحدى الشخصيات التي تناولتها في كتابي "إعادة ابتكار نفسك" (Reinventing You)، لم تروّج لنفسها على أنها استشارية في مجال الأعمال، وذلك لأنها تلقت عروضاً كثيرة جداً من شبكة معارفها تطلب خدماتها الاستشارية.
وهذا ما حصل أيضاً مع دي بيرناردو، الذي صار لديه قائمة طويلة بالعملاء المهتمين بخدماته دون الاعتماد على أي أساليب في التسويق والمبيعات، وكل ما فعله هو تعريف زملائه المقربين الذين يقدّرون ما لديه من مهارات على خططه المستقبلية. إذ يقول دي بيرناردو: "لقد قال لي بعض كبار المهنيين إنهم لن يترددوا أبداً في التعامل معي لأقدم لهم التدريب. وقالوا لي أيضاً، إنني كنت، بلا قصد منّي، أدربهم طيلة السنوات السابقة".
حضّر خطة التسويق
تعتمد جهود التسويق على حجم العمل الاستشاري الذي تود تقديمه. فلا تجد حاجة أصلاً لتسويق نفسك، إذ تكتفي بشبكة المعارف التي لديك للحصول على القدر الذي يناسبك من العمل. لكن إن رغبت في التوسع أكثر من ذلك، فعليك التركيز على الأمور المهمة. حيث يمضي بعض المهنيين ساعات بلا حصر على مقترحات شكلية، مثل تصميم بطاقة العمل أو الشعار وغير ذلك. ومع أنه لا ضير من امتلاكك لشعار لطيف ومميز، ولكن الاستشاري أو المدرب لا يحتاج إلى ذلك بالضرورة.
ثم حدد الهدف من تسويق نفسك، إذ يلزمك أن تضع الأساس لمصداقيتك بطريقة تمكّن العميل من التعرف إليها والتوثق منها. ويجدر بك الاهتمام بإنشاء موقع إلكتروني احترافي يشتمل على شهادات من عملاء آخرين، كما يجب أن يكون لك حضور على وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث تضع بعض المعلومات حول طبيعة عملك على الإنترنت. إذ يمكنك مثلاً إنشاء حساب على "لينكد إن" أو غيرها من المواقع المهنية.
لا تتعجل كثيراً
ربما يكون الشروع مباشرة في أعمال التدريب أو الاستشارات تجربة هائلة تتطلب الكثير من التركيز والجهد، لأنك ستشعر بالضغط لتنفيذ أمور عديدة في آن معاً. لذا، يفضل أن تبدأ بهدوء، عادة لا ترغب الغالبية العظمى من كبار المهنيين في المشاركة مباشرة بدوامة العمل الجديد. ذكر 52% من المشاركين في استبيان أجرته مؤسسة "ميريل لينش"، أنهم أخذوا إجازة طويلة بعد التقاعد. حتى إذا كنت لا تعمل رسمياً، فيمكنك تخصيص بعض الوقت لتحضير نفسك بهدوء، وتطوير مهاراتك والتفكير بعملائك المستقبليين كما أشرنا فيما سبق.
ومن السهل عند إطلاق مشروعك الخاص في مجال الاستشارات، أن تربكك الخيارات المتعددة التي أمامك، فهنالك الكثير من أنشطة بناء الأعمال التي تعتمد عليها. ولكن عليك التركيز على الإنجاز الصحيح للأمور المهمة: حدد المهارات التي بوسعك نقلها لعملائك، واستفد من شبكة علاقاتك للوصول إلى العملاء، وقم ببعض جهود التسويق اللازمة لجذب الحجم الكافي من العملاء الجدد، إذ يعتمد ذلك على رغبتك ببناء عمل معتبر وفعلي، أو كنت ترغب فقط في الانخراط ببعض المشاريع الجانبية.
أخيراً، يُعد العمل في مجال الاستشارات والتدريب، بالنظر إلى ما يتمتع به من المرونة والمتعة والاحترام، الخيار الأمثل للمهنيين بعد التقاعد. ومع أن المنافسة على أشدّها، إلا أن الاستفادة من الخطوات التي ناقشناها سيمنحك الأسس الضرورية لتنطلق في مشروع جديد تواصل فيه العمل لبقية حياتك.
اقرأ أيضاً: كيفية قضاء الوقت بعد التقاعد