كيف تدير موظفاً يمر بأزمة شخصية؟

7 دقائق
كيف تدير موظفاً يمر بأزمة شخصية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نمر جميعنا بأحداث تتعلق بحياتنا الشخصية من شأنها أن تصرف انتباهنا عن العمل من وقت لآخر، مثل مرض أحد أفراد الأسرة أو الطلاق أو فقدان صديق عزيز. ولا يمكنك أن تتوقع من ذلك الشخص الذي يمر بمثل هذه الظروف أن يكون في أفضل حالاته. ولكن ماذا “يمكنك” أن تتوقع كمدير؟ وكيف تقدم الدعم لذلك الموظف لكي يتمكن من الاعتناء بنفسه من الناحية العاطفية، بينما تضمن بدورك أنه يقوم بما هو مطلوب منه في العمل (أو على الأقل أكبر قدر ممكن منه)؟ إليكم كيف تدير موظفاً يمر بأزمة شخصية بطريقة صحيحة.

ما الذي يقوله الخبراء عن سؤال كيف تدير موظفاً يمر بأزمة شخصية؟

تقول ليندا هيل، الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال ومؤلفة كتاب “أن تكون الرئيس” (Being the Boss) إنّ إدارة الموظف الذي يمر بمرحلة عصيبة هي “من أكبر التحديات التي يواجهها كل مدير”. يحاول معظمنا الفصل بين عمله ومنزله، ولكن “نمر جميعنا بظروف تتضارب خلالها حياتنا الشخصية مع حياتنا المهنية”، وكثيراً ما يكون أسلوب تعاملك مع موظفيك خلال هذه الظروف بمثابة اختبار لمهارتك في القيادة. فيجب أن تكون متعاطفاً ورحيماً، ويجب في نفس الوقت أن تكون مهنياً وتحافظ على إنتاجية فريقك. تقول آني ماكي، الحاصلة على زمالة جامعة بنسلفانيا للدراسات العليا في التعليم، ومؤلفة كتاب “كيف تكون سعيداً في العمل” (How to Be Happy at Work)، إنه خط فاصل دقيق يجب أن تحافظ عليه. 

إليك في ما يلي كيفية إدارة موظف يمر بأزمة شخصية.

اجعل نفسك حاضراً

تقول ماكي: “لا يشعر الموظفون بالراحة عندما يخبرون مدرائهم” بأنّ أحد الوالدين على سبيل المثال مصاب بمرض خطير أو أنهم يشعرون بالتوتر بعد خروجهم من علاقة عاطفية منهارة. قد يكونون مرتبكين جداً أو محرجين بسبب تأخرهم المتكرر عن العمل أو بسبب أنهم لا يلاقون المواعيد النهائية لتسليم أعمالهم. وغالباً ما يكون التحدي الأول الذي يواجه المدير هو ببساطة إدراك المؤشرات التي تدل على أنّ الموظف يمر بوقت عصيب. استثمر الوقت في إقامة علاقات جيدة مع الموظفين حتى تتمكن من اكتشاف أي مشكلة في وقت مبكر، وإذا كنت تحافظ على جو يسوده التعاطف في مكان العمل، فمن المحتمل أن يأتي الموظفون إليك من تلقاء أنفسهم عندما يمرون بظروف صعبة.

اقرأ أيضاً: كيف توازن بين العمل والعناية بكبار السن خلال أزمة كورونا؟

لا تتطفل

بصفتك قائداً، يجب أن تكون قادراً على إظهار التعاطف والرعاية، ولكن تجنب أن تصبح الشخص الذي يحمل أسرار ذلك الموظف. فبعد كل شيء، عملك كمدير لا يتطلب منك أن تتحول إلى طبيب نفسي. لذا، لا تقم بطرح مجموعة من الأسئلة حول مشاكل الموظف الشخصية، فبصفتك الطرف الذي لديه القدر الأكبر من السلطة، قد يشعر الموظف أنه مجبر على إخبارك أكثر مما يريد. تقول هيل: “أنت تريد بناء علاقة تتسم بالرعاية والاهتمام مع موظفيك، وليس علاقة صداقة”. ويخطئ العديد من المدراء في الخلط بين أن يكونوا محبوبين أو أن يكونوا موضع ثقة واحترام. تقول ماكي: إنّ المدير الجيد “لديه القدرة على قراءة احتياجات الموظفين وفهم أسباب شعورهم بالقلق”، في حين يُبقي الجميع على تركيزهم على المهمة الرئيسة، ألا وهي إنجاز العمل.

استمع أولاً، ثم قدم اقتراحك

تقول هيل: عندما تتحدث إلى أحد الموظفين حول مشاكله الحالية، “استمع إليه أولاً، ولا تدفعه على الفور إلى اتخاذ بعض الإجراءات”، لأنه قد يرغب فقط في معرفة رأيك حول الصعوبات التي يمر بها أثناء رعايته لقريبه المريض، أو أنه يرغب في توضيح لماذا قد أثر الطلاق على انتباهه في العمل. فإذا اقترحت عليه على الفور أن يذهب في إجازة أو أن يجري تعديلاً على جدول عمله، فإنه قد يؤجل ما كان يريد قوله إذا لم يكن ذلك هو الأمر الذي يفكر فيه. وعوضاً عن ذلك، اسأله ما يمكن أن تقوما به للتعامل مع مشكلة الأداء خلال تلك الفترة. وتضيف هيل “حاول أن توضّح له أنّ الشركة سوف تدعمه“، اسأله مثلاً “كيف يمكننا تقديم الدعم لك؟”، إذ قد يكون لدى الموظف فكرة لتنفيذ آلية عمل مؤقتة مقبولة بالنسبة لك، مثل الحصول على إجازة، أو تسليم مشروع إلى زميل، أو إضفاء طابع المرونة على جدول عمله لبضعة أسابيع.

يجب أن تعلم ما يمكنك تقديمه

ربما ترغب بشدة في تقديم إجازة مدتها بضعة أسابيع لموظف يمر بظروف صعبة، أو تريد أن تعرض على موظفة العمل من المنزل خلال فترة حملها الصعبة، لكن القرار ليس دائماً متعلق بك. تقول هيل: “قد تكون متعاطفاً للغاية، ولكن قد لا تكون الشركة التي تعمل فيها تتبع ذلك النهج”. وبالطبع إذا كان لديك مجالاً لتختار بين تقديم جدول عمل مرن، أو تعديل حجم العمل، أو إجراء ترتيبات للعمل من المنزل لفترة مؤقتة، فافعل ما تعتقد أنه الأفضل. ولكن تأكد أيضاً أنك تعلم ما هي القيود المفروضة من قبل شركتك بما يتعلق بالإجازات القصيرة والطويلة الأجل، وما هي العقبات البيروقراطية الموجودة قبل أن تعد موظفك بشيء. وضح له أنك بحاجة إلى التحقق بشأن ما هو ممكن قبل أن تلتزما بإجراء ترتيب معين.

اقرأ أيضاً: كيف تقود فريقك بعد ذروة الأزمة؟

وإذا كان الموظف بحاجة إلى خدمات التوجيه أو الخدمات الطبية، فقد يكون هناك ما يوفره التأمين الصحي لشركتك والتي يمكنك أن تنصح بها، لكن تحقق أولاً من جودة تلك الخدمات. تقول ماكي: “أنت لا تريد أن تقوم بإرسال موظف يمر بظروف حرجة للاستفادة من برنامج أو أشخاص من المفترض أن يقدموا له المساعدة ثم لا ينجحون بذلك”.

تأكد باستمرار من أنه على ما يرام

سواء توصلتما إلى حل أم لا، اطمئن على موظفك من وقت إلى آخر من خلال مرورك بمكتبه (مع مراعاة خصوصيته)، أو من خلال إرسال بريد إلكتروني مقتضب. فعن طريق قيامك بذلك، لن يقدّر الموظف رعايتك له فحسب، بل ستحصل على فكرة أوضح لكيفية تأقلمه. تقول هيل: “يمكنك أن تسأله ببساطة، (هل تشعر أنك تتحكم بالأمور؟). وإذا كان كذلك، فيمكنك أن تقول له، (لنبقى على تواصل حتى لا تحصل أي مفاجآت، وإذا شعرت بالقلق، أرجو ألا تتردد في القدوم إليّ لنطرح المزيد من الحلول ونجري المزيد من التعديلات في حال كان ذلك ضرورياً)”.

خذ بعين الاعتبار حجم العمل

عليك أيضاً أن تأخذ بعين الاعتبار إذا كانت حالات الغياب لفترة طويلة ستؤثر سلباً على العملاء أو على أعضاء الفريق. إذا كان الأمر كذلك، خفف من حدة تلك المخاطر عن طريق التقليل من حجم عمل ذلك الموظف. فإذا كان هنالك موظفون مستعدين وقادرين على القيام ببعض الأعمال نيابة عنه، فيمكنك تفويضهم بشكل مؤقت. واحرص على مكافأتهم بعد ذلك، ثم ضع إطاراً زمنياً لأي تعديلات تقوم بها. وفي حال كان الموظف يعلم بأنّ ظرفه سيستمر لمدة 6 إلى 8 أسابيع على سبيل المثال، حدد موعداً لعقد اجتماع ومناقشة ما سيحدث بعد ذلك. ومن المؤكد أنّ هنالك العديد من الحالات التي لا يستطيع المرء تحديد مدة لانتهائها، يمكنك عندها تحديد بعض المواعيد المرحلية للاجتماع من أجل معرفة كيفية سير الأمور وإجراء التعديلات عند الضرورة. مهما كانت الترتيبات التي تقوم بها، كن واضحاً تماماً حول توقعاتك خلال هذه الفترة من الزمن، وكن واقعياً بشأن ما يمكن إنجازه وحدد أهدافاً يمكن الوفاء بها. تقول ماكي: “لكي يكون ذلك مفيداً، يجب أن تكون محدداً وواقعياً”.

كن واضحاً ومتسقاً

يجب إدراك حقيقة أنّ الموظفين الآخرين سوف يلاحظون كيف تعامل زميلهم الذي يمر بمرحلة صعبة، وسوف يتوقعون اهتماماً مماثلاً إذا واجهوا هم أيضاً أوقاتاً صعبة في المستقبل. تقول هيل: “إذا كنت تريد إنتاجية عالية من موظفيك، فعليك أن تجعلهم يثقون بك وتجعلهم يعلمون أنك ستعاملهم بإنصاف”. وتذكر أنّ السياسات التي سوف تتبعها قد لا تكون متبعة في السابق، فكل حالة فريدة من نوعها، ولكن يجب أن تكون مقتنعاً بتلك السياسات في حال أردت تطبيقها مرة أخرى. تقول ماكي: “ضع في الاعتبار أنّ الحلول يمكن تطبيقها على الشخص التالي وعلى الشخص الذي يليه بعد ذلك”.

مبادئ من الجيد تذكرها

ما يجب أن تفعله:

  • كن متعاطفاً في العمل، فذلك لن يمنح موظفيك الثقة للتحدث معك خلال الأوقات الصعبة فحسب، بل سيمنحك القدرة على إدراك المؤشرات التي تدل على أنّ الموظف يمر بظروف صعبة.
  • كن مبدعاً بخلق الحلول، إذ قد يسمح جدول العمل المرن للموظف بالاحتفاظ بمعدل إنتاجيته من دون انقطاع كبير.
  • تحقق من سير الأمور من وقت لآخر، وذلك لطمأنة الموظف، وللتأكد من عدم الحاجة لإجراء المزيد من التعديلات أو التسهيلات.

ما لا يجب أن تفعله:

  • التصرف كمعالج نفسي وليس كمدير، قد تكون متعاطفاً بشدة، ولكن لا تنخرط في المشاكل الشخصية لموظفك.
  • تقديم الوعود التي لا يمكن الوفاء بها، كن على اطلاع بسياسات الشركة قبل أن تعرض على الموظف إجازة أو ترتيبات عمل بديلة.
  • التعامل مع حالات مماثلة بين الموظفين بشكل مختلف، إذ ﺳﻳﻼحظ اﻟﻤﻮظفون ذلك وسوف يستاؤون من ذلك التناقض.

دراسة حالة رقم 1: وضع أهداف واقعية للعمل مع الموظف وتفويض بعض أعماله

لقد نجحت أليشا شانكلاند، وهي مديرة تنفيذية للموارد البشرية ولديها أكثر من 20 عاماً من الخبرة، بالتعامل مع حالتين متشابهتين لموظفتين مختلفتين خلال شعورهما بالإجهاد خلال بعض الأشهر بسبب قيامهما بإجراء عمليات لمعالجة الخصوبة رغبة في إنجاب أطفال. في الحالتين، استمر العلاج لمدة عام تقريباً، لذلك اضطرتا للابتعاد عن العمل بشكل متكرر بسبب مواعيد المراجعة والإجراءات الطبية. كما أنهما عانتا من تقلبات حادة جراء الأدوية الهرمونية، ومن إنهاك عاطفي بسبب حالات الإجهاض.

والأكثر من ذلك، لم تتناسب جداول المعالجات مع أي من السياسات النموذجية المتبعة من قبل الموارد البشرية للحصول على إجازات. تقول شانكلاند: “لم يكن هناك أي طريقة لتطبيق خطة خلال الأشهر الثلاثة الأولى لملاءمة جميع الحالات غير المتوقعة”.

وفي كل حالة، كانت شانكلاند تسعى لتقدم أكبر عدد ممكن من الإجازات، وقد حصلت الموظفتان على الإجازات المرضية وغير المرضية، وعلى ساعات العمل المرنة. وعملت مع كل واحدة منهما على وضع أهداف عمل واقعية سمحت لهما بالتركيز على أهم الأعمال القابلة للإنجاز، في حين قامت بتفويض المهام الأخرى، كما ساهم الموظفون الآخرون في ضمان إتمام المهام وعدم إهمالها. وتقول: “لقد نجحنا في تحقيق ذلك كفريق متماسك”.

وكانت النتيجة السعيدة هي أنّ الفريق كان مستعداً بشكل جيد لتغطية إجازة الأمومة التي حصلت عليها كل من الموظفتين في نهاية الأمر. تقول شانكلاند: “لقد تبين لنا جميعاً أنه يمكننا القيام بأدوار متعددة”. وعندما عادت الموظفتان من إجازة الأمومة الخاصة بكل منهما، قدمتا أكثر مما كان مطلوب منهما. إذ حققت كل منهما “سنوات ناجحة بشكل استثنائي، وقد غطى ذلك النجاح على الوقت الذي كانتا خلاله بحاجة إلى المساعدة لكي تتمكنا من الاستمرار”.

دراسة حالة رقم 2: التصرف بتعاطف وتقديم المرونة قدر الإمكان

عندما سمع حازم، وهو متخصص في شركة للخدمات المالية، أنّ زوج إحدى أعضاء فريقه مصاب بسرطان في الدماغ، علم أنّ ذلك سوف ينهكها عاطفياً. وفي غضون الأسابيع الأولى من التشخيص الأولي، قال الأطباء أنّ المرض قد لا ينتشر بسرعة مثلما كانوا يعتقدون، وأنّ الزوج قد يعيش لأشهر بدلاً من مجرد أسابيع، ولم يكن ذلك كافياً للتخفيف من الإنهاك العاطفي الذي أصابها. يقول حازم: “كان من الصعب التنبؤ بالأمر، ولا يمكنك أن تحدد إطاراً زمنياً. إنها “تريد” أن يتم مساعدتها وترغب بأن تكون قادرة على الحفاظ على جدول عمل منتظم، لكنها لا تعلم كيف تقوم بالأمر”. من وجهة نظر المدير، يضيف حازم،” يجب أن تحمل ذلك العبء عن الموظف”.

أدرك حازم أنه من الأفضل تقديم المزيد من المرونة لتلك الموظفة، وهو الأمر الذي تلقته بسعادة. وقد أعاد فريق الإدارة هيكلة عملها بعيداً عن مسؤولياتها بما يتعلق بخدمة العملاء، أي تلك المسؤوليات التي تتطلب التزاماً عالياً، وتركوا لها المهام التي تكون عادة غير حساسة للوقت. ويقول: “لقد حدّ ذلك من اعتماد فريقنا عليها، وأعطاها حرية التركيز على الشؤون العائلية الهامة التي كانت لها الأولوية”. كما أنها وافقت على تحويل تعويضاتها من أجر شهري إلى أجر بالساعة، الأمر الذي أعطى الشركة المرونة من حيث إجراء ترتيبات على نحو غير محدد.

وفي نهاية الإجابة عن سؤال كيف تدير موظفاً يمر بأزمة شخصية بطريقة صحيح؟ وبعد عشرة أشهر من التشخيص، كانت تلك الموظفة ما تزال تعمل مع الشركة ضمن إجراءات معدلة. يقول حازم: “عليك أن تتصرف بتعاطف، وفي نفس الوقت يجب أن تكون مسؤولاً أيضاً أمام العملاء والموظفين الآخرين”. ونطرح هنا السؤال التالي: هل كان ذلك هاماً لنجاح الشركة؟ وبعدها يجب التأكد من إمكانية استمرار تطبيق تلك المرونة. يضيف حازم: “قد لا تتمكن في بعض الأحيان من معرفة كيف سينتهي الموقف، لكنك يجب أن تبقى منفتحاً”.

اقرأ أيضاً: كيف تعاملت الشركات الصينية مع أزمة كورونا والدروس المستفادة

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .