كيف توازن بين العمل والعناية بكبار السن خلال أزمة كورونا؟

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إليكم هذه القصة التي تتحدث عن العناية بكبار السن خلال جائحة كورونا بطريقة صحيحة. إيمي كاريير هي مديرة في إدارة إحدى المؤسسات، وزوجها يقطن في مكان بعيد، وهي تعيش مع والدتها المصابة بمرض “ألزهايمر” والتي تبلغ 74 عاماً.

حياة إيمي معقدة حتى في أيامها العادية. فهي تستعين باثنين من مقدمي الرعاية المستقلين للاهتمام بوالدتها أثناء غيابها في العمل، حيث تدير فريقاً يضم عشرة موظفين في “مؤسسة جامعة ولاية أوريغون” (Oregon State University Foundation). وعندما تعود إلى المنزل تتولى رعاية والدتها بنفسها، تعد لها طعام العشاء وتعطيها الدواء في مواعيده وتساعدها في الأعمال الصغيرة، كاختيار ملابسها وتشغيل التلفاز. بينما يعيش زوجها ويعمل في نيو روشيل في نيويورك.

أصبحت حياتها أكثر تعقيداً في ظل أزمة فيروس كورونا.

فهي تعمل الآن من المنزل، كما هو حال كثير من الموظفين، وسيستمر الوضع على هذا النحو حتى وقت قريب. وبقي زوجها في الحجر الذاتي في نيويورك، كما مرض ابن أحد الموظفين المسؤولين عن رعاية الوالدة، ولذلك لن يتمكن من الحضور. لا عجب أنها تشعر بالإرهاق.

مع عملها من المنزل وتقديم الرعاية لوالدتها، والقلق على زوجها ومحاولة تأمين مساعدة خارجية، تقول: “إنه تحد هائل”.

اقرأ أيضاً: كيف تقود فريقك بعد ذروة الأزمة؟

توجه اهتمام كبير في الأيام الأخيرة نحو الصعوبات التي يواجهها الآباء والأمهات في محاولة موازنة مسؤولياتهم المهنية مع أولادهم الذين يكملون دراستهم من المنزل بعد إغلاق المدارس. لكن هناك ملايين من الموظفين الذين يحملون مسؤولية العمل وتقديم الرعاية لشخص مسن في نفس الوقت أثناء أزمة انتشار وباء “كوفيد-19”.

يحاول كثيرون مثل إيمي، العمل من المنزل مع وجود مسن مريض يحتاج إلى الرعاية والانتباه. وامتنع بعضهم عن السماح لموظفي الرعاية بالدخول إلى المنزل خوفاً على المسن من التقاط العدوى، ويعمل كثيرون تحت ضغط هائل، بسبب عدم قدرتهم على التواصل مع آبائهم المحتجزين في دور الرعاية في ظل الإغلاق الشامل.

كيفية العناية بكبار السن خلال جائحة كورونا

وبالنسبة لهؤلاء الأبناء العاملين، ذكوراً وإناثاً على حد سواء، من الضروري وضع الحدود واستخدام التقنيات والعادات الروتينية وطلب المرونة (والمسامحة) والعناية بصحتهم وراحتهم. وفي حين يتشابه كثير من هذه التوصيات مع ما يمكن للآباء العاملين وما ينبغي عليهم فعله، إلا أن هناك توصيات خاصة بالأبناء العاملين.

أولاً، جهز والديك نفسياً للنجاح

لا بد أن والديك المسنين يشعران بالتوتر مثلك تماماً. حتى وإن لم يطلعا على الأخبار السيئة التي لا تنتهي، لا شك أنهما يشعران بحالتك النفسية أنت وكل من حولهم. وقد يشعران بالقلق بشأن صحتك وراحتك، فهما والداك في المقام الأول، ولا يرغبان في أن يكونا عبئاً عليك. افعل ما بإمكانك للتواصل معهما والحفاظ على هدوء يومهما ورتابته، كي يبقى لديك الوقت الكافي للعمل.

إذا لم يدركا ما يحصل تماماً، فوضحه لهما بكلمات بسيطة، إذا كنت تعيش معهما، خصص بعض الوقت صباحاً للتحدث إليهما قبل أن تبدأ بعملك. وإذا كانا يعيشان في مكان آخر ولا يمكنك زيارتهما خوفاً من نشر الفيروس أو لأن مركز الرعاية الذي يعيشان فيه لا يسمح بالزيارة، فكر باستخدام التقنيات البديلة، كالمكالمة الهاتفية أو اتصال الفيديو كي تبقى على تواصل معهما. لكن في بعض الأحيان، تكون المكالمات الهاتفية صعبة بسبب معاناة المسن من تراجع قدراته الإدراكية أو ضعف سمعه أو بصره. لكن يمكن أن تساعد منتجات مخصصة للمسنين مثل الجهاز اللوحي “غراند باد” (Grandpad) من شركة “كونسيومر سيلولر” (Consumer Cellular!) وجهاز “أمازون إيكو”، لأنه يتيح لك أو لفريق الدعم التقني مساعدة المسن عن بعد في تشغيل الجهاز وإعداده.

العادات الروتينية مهمة أيضاً، وكما يحاول كثير من الآباء والأمهات وضع جداول مخصصة للأيام الدراسية في المنزل، يجب أن يبذل الأبناء جهدهم لوضع نظام لأيام آبائهم المسنين أيضاً. قد يكون هذا النظام مطبق بالفعل في دور الرعاية الخاصة، ويمكنكم تطبيقه في منازلكم أيضاً. فعندما يعرف المسن الوقت الذي سيرتدي فيه ثيابه ويتناول دواءه ويقوم بنشاطات معينة، كمشاهدة التلفاز أو ممارسة بعض التمارين الرياضية، ستنقص احتمالات شعوره بالقلق ومقاطعتك أثناء عملك.

اقرأ أيضاً: كيف تعاملت الشركات الصينية مع أزمة كورونا والدروس المستفادة

إضافة إلى العادات الروتينية، حاول أن تنظر إلى النشاطات من وجهة نظر المسن. فقد اكتشفت إيمي أن عليها العمل بعيداً عن ناظري والدتها كي لا تقاطع روتينها، تقول: “في بعض الأحيان، كنت أجلس في غرفة الطعام لساعة أو اثنتين لأتلقى المكالمات الهاتفية، ولكن كان ذلك يشوش أمي كثيراً. إذ كانت تخشى أن تزعجني، فتطفئ التلفاز وتختبئ في غرفتها”.

إذا كنت ستشغل التلفاز كي يشاهد المسن برنامجاً ما، احرص على أن يكون الصوت مسموعاً له، وأن يكون جهاز التحكم قريباً منه، وأن تضع الماء والأطعمة الخفيفة في متناول يده. إذا كان هذا الشخص المسن يحب القراءة ويستطيع تشغيل الجهاز بنفسه، حاول تأمين جهاز “نوك” (Nook) أو أي جهاز لوحي يوفر له مواد متنوعة كي يتمكن من اختيار ما يود قراءته منها. والأهم، احرص على وجود طريقة تمكنه من مناداتك إذا ما احتاج إلى المساعدة.

ثانياً، ضع الحدود من أجل العناية بكبار السن خلال جائحة كورونا

يجب أن يعرف المسن أنه على الرغم من وجودك في المنزل وأن الحياة تبدو مختلفة، فإن مسؤولياتك في العمل لم تتغير. لأنه إذا لم يكن قد تقاعد مؤخراً، فعلى الأرجح أنه لم يستخدم الكمبيوتر المحمول (لاب توب) والهواتف الذكية والاجتماعات عبر اتصال الفيديو عندما كان في عمله. ولذلك ستبدو فكرة القيام بعمل حقيقي خارج المكتب مربكة له.

إذا كان والداك يعيشان معك، احرص على وجود علامات مرئية تذكرهم بضرورة عدم مقاطعتك. قد تكون هذه العلامة هي جلوسك في غرفة العمل وإغلاق الباب، أو وضع سماعات في أذنيك، أو العمل على جهاز الكمبيوتر على سبيل المثال.

يمكنك الحد من مقاطعة والديك لعملك من خلال مناقشة ما يستدعي مقاطعتك من الأمور. مثلاً، إذا كان الشخص المسن مصاباً بسلس البول، فيجب أن يعرف أنه بإمكانه استدعاءك إذا شعر بالحاجة إلى دخول الحمام، بغض النظر عما تفعله. وإذا كان عرضة للسقوط والإصابة، يمكن أن تطلب منه إخبارك عن حاجته للصعود أو النزول على السلم في أي وقت كان كي تقدم له المساعدة. لا تستطيع والدة إيمي القيام بأي عمل وحدها، ولذلك يقوم موظفو الرعاية المأجورين برعايتها والاهتمام بها طول اليوم. ولكن عندما تضطر إيمي للاهتمام بها وحدها، تعتمد على كاميرات المراقبة التي وضعتها في أنحاء المنزل، ومنها واحدة خارج باب غرفة نوم والدتها ترسل لها تنبيهاً عند خروج والدتها.

إذا كان والداك يعيشان في مكان آخر ويستطيعان استخدام الهاتف وحدهما، احرص على إخبارهما أنك ستعمل من المنزل وأعلمهما بالأوقات التي يمكنهما الاتصال بك فيها، بالإضافة إلى تحديد حالات الطوارئ التي تستدعي المقاطعة. واحرص على أن يعرف إخوتك وموظفو الرعاية هذه الأمور أيضاً.

وبالطبع، إذا كان والداك يعانيان من العته أو أي نوع من التدهور المعرفي، فيجب أن تفهم عدم قدرتهما على احترام هذه الحدود، وفي هذا الحالة يمكنك تكرارها بلطف كلما استدعت الحاجة.

ثالثاً، أكثر من التواصل مع الموظفين والمدراء

على الرغم من أنها قد تكون نصيحة اعتيادية لكل من يعمل عن بعد، فإنها على قدر كبير من الأهمية لمن يحمل على عاتقه مسؤولية رعاية شخص مسن، لأن زملاءه على الأغلب لا يعرفون شيئاً عن عمله هذا. كثيراً ما يتحدث الآباء عن أولادهم في العمل دون أي حرج، غير أن التحدث عن الوالدين المسنين أو المريضين مختلف تماماً. لذلك، لا يمكنك افتراض أن مديرك أو نظراءك وزملاءك يعرفون وضعك ويفهمونه.

كما أن العمل في تقديم الرعاية للمسنين كثير التقلب، ولذلك فهو يجعل يوم العمل شديد الاضطراب، وخصوصاً إذا كنت تعتني بشخص مصاب بالعته. لذا، أخبر زملاءك عن وضعك في تقديم الرعاية واطلب تعاطفهم في هذه الأوقات. وإذا اضطررت لقطع اتصالك بالإنترنت أو تفويت مكالمة أو مغادرة اجتماع على الإنترنت، فافعل. ثم احرص على استدراك ما فاتك وقدم التحديثات بشأن عملك في أقرب فرصة.

اقرأ أيضاً: كيف تستطيع الشركات الصغيرة والمتوسطة النجاة من أزمة كورونا؟

تقول إيمي: “لقد أصبحت أكثر انفتاحاً من أي وقت مضى منذ سكنت أمي معي”. وعندما بدأت تتحدث عن الأمر، اكتشفت أن كثيراً من زملائها لديهم مسؤوليات وهموم مماثلة بشأن أحد والديهم أو والدي أزواجهم، فتكون ردود فعلهم مشجعة وداعمة، إذ يقولون: “يا إلهي، هذا صعب للغاية” أو “إذا احتجت أي مساعدة فلا تترددي في طلبها”.

أخيراً، اهتم بصحتك

في الأحوال العادية، قد تكون جملة “اعتن بنفسك جيداً” أكثر جملة مزعجة يمكن أن يسمعها شخص يقدم الرعاية لشخص آخر. لا بد أنك تعلم جيداً أن من يقدم الرعاية لشخص آخر هو أكثر من يشتكي من عدم القدرة على التعامل كما يجب مع التوتر وقلة النوم. ويبدو غير قادر على معرفة الطريقة والوقت المناسبين للاعتناء بنفسه. ولكن، وفي هذه الأزمة على وجه الخصوص، تكون قدرتك على الاستمرار بالعمل لكسب العيش مع الاعتناء بوالديك المسنين مقرونة بصحتك. لذا، الآن هو الوقت المناسب للحد من الاطلاع على الأخبار السلبية، وشرب ما يكفي من الماء والحصول على هواء نقي وإضافة قليل من التأمل والمشي لمسافات قصيرة أو ممارسة تمارين اليوغا إلى روتينك اليومي. قد يكون شرب الماء أبسط ما يمكنك فعله للاهتمام بنفسك، فهو يزيد مستوى طاقتك من خلال مساعدة دمك على نقل الأوكسجين والمواد المغذية الأخرى إلى خلايا جسمك. والمشي والتأمل وتمارين اليوغا جميعها تساعد على الاسترخاء الذي يساعدك كي تنام جيداً في الليل.

اقرأ أيضاً: كيف تدير موظفاً يمر بأزمة شخصية؟

وإيمي، بلا أدنى شك، تحاول أن تصمد وتستمر حتى النهاية، تقول: “تتمثل طريقتي في أن أعيش كل يوم بيومه. فالغد يوم جديد”. وفي عطلة نهاية الأسبوع المنقضية، عملت لمدة ساعتين في حديقة المنزل كي تتمكن من الاسترخاء. وجلست والدتها معها في الخارج، وانشغلت بكتاب. تقول: “جيد أننا في الربيع”.

فلتعلم أن العناية بكبار السن خلال جائحة كورونا وما ستفعله على مدى الأيام والأسابيع المقبلة من أجل الموازنة بين حياتك المهنية وتقديم الرعاية لشخص مسن لن يكون مثالياً، ولا بأس في ذلك. ولتعلم هذا أيضاً: عندما نخرج من هذه الأزمة، لن يبقى عمل مقدم الرعاية العائلية، أي من يقدم الدعم المباشر للأطفال والمسنين، غير مرئي.

اقرأ أيضاً: كيف تقود فريقك بعد ذروة الأزمة؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .