كيف تدير فريقاً يتكون من مواهب متميزة؟

5 دقائق

عندما سألت شركة "باين آند كومباني" (Bain & Company) كبار المسؤولين التنفيذيّين لـ 308 شركات كبرى عن الطريقة التي يشكّلون بها الفرق لأداء المهام شديدة الأهمية في الشركة، أجاب معظمهم أنهم يقومون بتشكيل الفريق من الأعضاء المتوفرين. وأشارت أقلية منهم إلى أنهم يشكّلون فرقاً متميزة دائماً ومؤلّفة من الموظفين الأكثر موهبة لمعالجة قضايا الشركة الأكثر أولوية. وهذه تُعدّ فرصة هائلة ضائعة، إذ وجدنا أن أفضل الشركات أعلى إنتاجية بنسبة 25% من بقية الشركات بسبب الطريقة التي يوزعون بها المواهب النادرة القادرة على إحداث التغيير.
وإليكم النتائج التي توصلّنا إليها من خلال البحث:

وجدنا أن إنتاجية المواهب المتميزة أعلى بكثير من غيرها. إذ يعلم معظمنا من خلال التجربة أن أداء الموظفين الموهوبين لدينا أفضل بكثير من الموظفين العاديين. ولكننا لا ندرك تماماً إلى أي درجة هم أفضل.

كما يمكن أن يكون أداء الموظف المتميز أفضل بثماني إلى اثنتي عشرة مرة من أداء الموظف العادي فيما يتعلق بالأعمال الإبداعية أو غير المنظمة. على سبيل المثال، يستطيع أفضل مطور برمجيات في شركة "آبل" كتابةَ أكواد برمجية مفيدة أكثر بتسع مرات من الأكواد التي يكتبها مهندس البرمجيات العادي في وادي السيليكون. وحتى بالنسبة للأعمال الروتينية وذات الطبيعة المتكررة، يمكن أن يكون الفرق في الإنتاجية كبيراً جداً. حيث إن أفضل صيّاد سمك ضمن مطعم "لو بيرناردن" (Le Bernardin) في نيويورك يمكنه تجهيز سمك أكثر بثلاث مرات في الساعة مما يقدر عليه طاهي التحضير العادي في منهاتن.

باختصار، يمكن للشخص الأفضل أن ينجز أكثر من غيره. وبالتالي كلما زاد عدد المتميزين في المؤسسة، ارتفعت إنتاجيتها.

إذ يمكننا القول إن تنظيم عدة مواهب في فريق واحد يعني تضاعف قوة الفريق من خلال زيادة الإنتاجية هندسياً. وغالباً ما يؤدي الجمع بين أشخاص بمهارات ووجهات نظر مختلفة في فريق واحد إلى إنتاج أكثر من مجموع ما ينتجه كل شخص منهم على حدة. ففي النهاية، توزيع مهمة العمل على شخصين أفضل من واحد بمفرده. ولكن بالنسبة لأصحاب المواهب المتميزة، تكون العلاقة طردية أكثر، فتزداد القوة الإنتاجية هندسياً بزيادة نسبة المواهب المتميزة في الفريق. فعلى سبيل المثال، يمكن لفريق يتكون من 5 أعضاء موهوبين إنتاج 16 ضعف مجموع الإنتاج أو الإنتاج نفسه بمدة 0,002 من الوقت، مقارنة بخمسة أعضاء عاديين.

وللتوضيح، خذ فرق الصيانة في سباقات "ناسكار" (NASCAR) كمثال. فعلى مدى عدة أعوام، كان فريق "كايل بوش" (Kyle Busch) أفضل فريق صيانة في "ناسكار". إذ يتكوّن فريقه من مواهب متميزة تتدرّب مع بعضها على مدار العام. ويمكن تقييم أدائهم بموضوعية. فتشمل دورة الصيانة الواحدة 73 مناورة منفصلة مثل تغيير الإطارات الأربعة أو التزود بالوقود. كما يستطيع فريق "بوش" إكمال جولة صيانة خلال 12.2 ثانية. وهو أمر تجدر مشاهدته. فإذا قمت باستبدال أحد أعضاء هذا الفريق بعضو آخر عادي وليكن متخصصّ بتغيير الإطارات، سيزداد الوقت اللازم لإنهاء العملية ليصل إلى 23 ثانية. وكذلك إذا استبدلت عضوين من الأعضاء المميزين بآخرين عاديّين سيزداد الوقت أكثر من ذلك، وسيصل إلى أكثر من 45 ثانية. وبذلك كلما انخفضت نسبة الأعضاء المميزين في الفريق، ستنخفض الإنتاجية هندسياً.

وبالنتيجة، نجد أن للمواهب المتميزة تأثير كبير على إنتاجية الفريق. وكلما زاد عدد المواهب في الفريق، ارتفعت إنتاجيته.

من ناحية أُخرى، ليس جميع قادة الفرق متشابهين تماماً كما لا يتشابه المدرّبون أيضاً. إذ يستطيع المدرّبون العظماء استخراج أفضل ما عند فرقهم أكثر من غيرهم من المدرّبين العاديين، حيث حيث يشجعون كل عضو في فريقهم على القيام بدوره، ما يفيد بقية أعضاء الفريق ويشجع على إتمام المهام على أكمل وجه ممكن.

وفي عام 2012، درس "المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية" (National Bureau of Economic Research) تأثير القادة العظماء على إنتاجية الفريق. ووجدوا أنه يمكن لقائد عظيم (أفضل 10% من القادة في الشركات التي درسوها) أن يرفع إنتاجية فريق عادي بمقدار 10% أي ما يعادل تقريباً إضافة عضو جديد إلى فريق من 9 أعضاء. ولكن إذا وضعت هذا القائد نفسه ضمن فريق يتكوّن من مواهب متميزة، فسيرفع إنتاجية الفريق إلى أكثر من 10%. مع الأخذ في الاعتبار أن إنتاجية الفريق كانت أصلاً عالية عندما بدأ بقيادته. إذ يعمل القادة العظماء كعامل مضاعف لقوة فريق يتكون من مواهب متميزة. إذاً، ما الذي تحتاجه لتحرير طاقة الإنتاجية هذه في مؤسستك؟ يمكنك الاستفادة من الإجراءات الخمسة التي سلّطنا عليها الضوء من خلال دراستنا وتجربتنا:

1- تابع المواهب المتميزة: يُعدّ الأشخاص المبدعون والمبتكرون عملة نادرة. وفي الواقع، يشير بحثنا إلى أنه في معظم المؤسسات يوجد أقل من موهبة متميزة بين كل 7 موظفين. ومن المستحيل تنظيم هؤلاء الأفراد وقيادتهم وتوزيعهم إلا إذا كُنت تعرفهم جيداً وتعرف أماكن توزيعهم حالياً وما هي قدرتهم على لعب أدوار جديدة ومختلفة. لكن للأسف، تفشل معظم أنظمة الموارد البشرية في توفير هذه المعلومات المهمة جداً لقادة الفرق. إذ تستطيع هذه الأنظمة تحديد المواهب، ولكنها تفشل في تحديد أماكن توزيعها. وتستطيع تحديد أماكن توزيعها، لكنها تفوّت فرص تعيينهم في مناصب وفرق جديدة. وأخيراً، عادة ما تكون الطريقة التي تتبعها الشركات لتحديد الموظفين أصحاب المواهب المتميزة شخصية، بحيث تفشل في فصل موظفي الشركة المتميزين عن أولئك أصحاب الأداء الجيد فقط.

من جهة أخرى، تُعامل الشركات ذات الأداء المتميز مواهبها التي تُحدث التغيير على أنها موارد نادرة، وتتبعها بعناية وتضمن وجودها دائماً في أفضل موقع لاستغلال إمكانياتها تماماً.

2- أنشئ الفِرق المكونة من مواهب متميزة: تسعى معظم الشركات إلى تكوين فرق متوازنة، كالفرق المكونة من خبراء في مجال ما أو بناءً على توفّر الأعضاء. وهذا يُعدّ صحيحاً بالنسبة للعمل الروتيني وكذلك للمهام شديدة الأهمية. وتبدو هذه الطريقة المتوازنة عادلة أو حتى مثيرة للإعجاب، ولكنها تفشل في الاستفادة من العوامل المضاعفة للقوة المرتبطة بالفرق ذات المواهب المتميزة والقادة العظماء. باختصار، يتم تكوين معظم الفرق بطريقة تضمن أداء عادياً فقط.

في حين، يبلغ احتمال أن تقوم الشركات ذات الأداء المتميز بتكوين فرق المواهب المتميزة عند الأهمية تسعة أضعاف تكوين هذه الفرق في الشركات الأخرى. وكذلك عند حدوث أي أمر شديد الأهمية، ستعيّن الشركات ذات الأداء العالي فريقاً من مواهب متميزة لإنجاز المهمة.

3- استهدف المهام شديدة الأهمية: لا تتساوى جميع الجهود في أهميتها. فهناك بعض المشاكل التي يجب تحديدها ومعالجتها بسرعة وكفاءة بهدف الحفاظ على موقع الشركة الاستراتيجي أو توسيعه. ولكن العديد من الشركات تمتنع عن استدعاء هذه الجهود كأولوية عُليا خوفاً من شعور الأفراد غير المشاركين في هذا العمل بالإقصاء. ولكن معاملة جميع الجهود على قدم المساواة يُعتبر ظلماً للجهود المرتبطة بالمهام الحرجة.

كما تمتلك أفضل الشركات عمليات ممنهجة لتحديد أكبر قيمها أهمية وأكثر القضايا إلحاحاً. ونتيجة لذلك، يتمّ توجيه اهتمام خاص لهذه القضايا وتخصيص وقت لها من الإدارة العليا وتعمل عليها أفضل الفرق لضمان تنفيذها بفعالية.

4- قم بإزالة عوائق التنظيم الفعال: كثيراً ما تخلق المؤسسات عوائق للتنظيم الفعال. على سبيل المثال، تمتلك معظم الشركات نظام تعويضات يكافئ أداء الأفراد بطريقة غير متناسبة، وربما تكون هذه المكافآت على إنجازات قام بها فريق بأكمله، ولدى هذه الشركات أنظمة التصنيف المكدّس التي تحقق توزيع المنحنى الجرسي للأداء بين أعضاء الفريق، والتي تؤدي إلى حصول بعض الأعضاء فقط على تقييم أداء جيد. إذ تخلق هذه الأنظمة "آلية سوق" تثبط الموظفين المتميزين عن الاندماج بفريق واحد مع متميزين آخرين، أو تعرّضهم لخطر انخفاض رواتبهم. حيث توقفت العديد من الشركات وتحديداً "مايكروسوفت" و"جي أي" و"أمازون" وغيرها عن استخدام نظام التصنيف المكدَّس.

وتدرك الشركات المتميزة أنه غالباً ما يتم إنجاز الأعمال المهمة من خلال الفريق بأكمله وليس بواسطة أفراد معينين. ولذلك تزن الشركات أداء الفريق بقدر الأداء الفردي أو أكثر منه في تحديد التعويضات أو التطور المهني أو التقدم الوظيفي. ونتيجة لذلك، تستفيد هذه المؤسسات من العوامل المضاعفة للقوة كاملة التي تخلقها الفرق الاستثنائية.

5- قم بإدارة أعضاء الفريق الأنانيين: ربما يكون العامل الأكبر الذي يعيق توزيع فرق المواهب المتميزة هو الاعتقاد بأن "الشخصيات الأنانية ستُعيق فعالية الفريق". صحيح أن هناك بعض الحالات التي يكون فيها هذا الأمر صحيحاً، إلا أن الشركات المتميزة لا تستغني عن تشكيل فرق المواهب المتميزة وتجد طرقاً لإدارة الشخصيات الأنانية فيها.

والأداة الرئيسية لإدارة الشخصيات الأنانية هي جعل نجاح الفريق شرطاً أساسياً لنجاح الأفراد. فعندما تحصّل ما يسمى بـ "فريق الأحلام" على الميدالية الذهبية في أولمبياد برشلونة عام 1992، تم إبقاء الشخصيات الأنانية في فريق الدوري الأميركي تحت السيطرة لحقيقة أنه لا يمكن لأي عضو في الفريق أن يأخذ الميدالية إلا إذا كان الفريق ناجحاً بأكمله، وهذا ما جعل الأعداء اللدودين ضمن الفريق الواحد يعملون كفريق واحد متفقين على هدف تحقيق النصر. ويمكن تنفيذ آليات مشابهة في مجال الشركات لإبقاء الشخصيات الأنانية تحت السيطرة.

أخيراً، توفر الفرق الاستثنائية إمكانية تحقيق إنتاجية وأداء استثنائيين. ولكن للأسف تفشل معظم الشركات في إدراك هذه القدرة، بل يتعاملون مع تنظيم المواهب النادرة على أنه أمر ثانوي، أو يتّبعون ممارسات بالية لتكوين الفرق. ولكن الشركات المتميزة تتبع نهجاً أكثر انضباطاً ودقة خاصة فيما يتعلق بتنظيم أفضل المواهب لديها، ولا تخاف من تكوين فرق من المواهب المتميزة لإتمام المهام شديدة الأهمية، كما يكافئون أداء الفريق بالتناسب.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي