تحويل السلوك السلبي إلى سلوك منتج
يُعد التعامل مع فرد متشائم في فريق العمل تجربة مُحبطة، وتسبب هدراً للوقت، كما يمكن أن تولّد التعليقات السلبية المتكررة سلبية أكبر. لكن الأخبار الجيدة هي أنه يمكنك أن تساعد هذا الفرد المتشائم على تغيير سلوكه، ومن ثم تمكين فريقك من تحقيق إنتاجية أعلى.
ما يقوله الخبراء عن كيفية التعامل مع الشخص المتشائم
كخطوة أولى، عليك اكتشاف ما الذي يولّد سلبية هذا الفرد في فريقك. حيث يقول رودريك كرامار، الأستاذ الجامعي الحاصل على درجة زمالة ويليم كيمبل في السلوك التنظيمي، وأستاذ في كلية الدراسات العليا للأعمال في جامعة "ستانفورد": "دور المدير أن يتفهم السبب الضمني للتشاؤمية قبل أن يتصرف تجاهها"، ويضيف: "إن بعض الأشخاص لديهم نزعة تشاؤمية، وردّة فعل تلقائية ترى السلبية في كل شيء. في حين تبرز لدى البعض الآخر وجهة نظر تشاؤمية مبنية على منطق العارف بالأمر. ومن بعض المسببات الشائعة للتشاؤمية: الاستياء لعدم الحصول على ترقية، أو الحاجة إلى جذب الانتباه، أو الحاجة إلى توفير غطاء لانعدام المعرفة والخبرة.
اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع الانفعالات السلبية بطريقة تفيد فريقك؟
في حين يرى مارشال غولدسميث، المدرب التنفيذي ومؤلف كتاب "ما أوصلك إلى هنا لن يوصلك إلى هناك" (What got you here won’t get you there)، أنه مهما يكن سبب التشاؤم، فإن مفتاح الاستجابة الصحيحة له، هو التركيز على تأثير سلوك الفرد، وتغيير سلوك الفرد أسهل بكثير من محاولة تغيير الاعتقادات، والقيم المكتسبة منذ زمن طويل.
وهنا لدينا 3 طرق لإدارة السلوك السلبي:
1- خلق الوعي
لعل أفضل ما يمكن القيام به هنا، هو التحدث على انفراد مع الشخص المتشائم، وتفسير الوقع الكبير لتعليقاته. إذ إنه بالنسبة لجون كاتزنباخ، مؤلف كتاب "حكمة الفريق" (Wisdom of teams)، ومؤسس مركز "كاتزنباك" في مؤسسة "بوز آند كومباني" (booz&Co)، تُعتبر القاعدة الأهم لإظهار هذا النوع من ردود الفعل، هي "كن إيجابياً بالقدر ذاته الذي تكون فيه سلبياً على الأقل"، وحاول إظهار قيمة الفرد ضمن الفريق، موضحاً لهذا المتشائم مدى تأثير سلوكه على الفريق. مثلاً، تستطيع القول: "إنك عندما تلجأ إلى هذه التعليقات السلبية، فإنك تعرقل تقدم الفريق". ويقول كرامار: "يمكن أن يكون هذا النوع من المحادثات مفيداً من وجهة نظر تشخيصية". وبمجرد أن تتفهم السبب الضمني للتشاؤم، يمكنك تقديم الدعم، والمعلومات اللازمة عند الحاجة.
اقرأ أيضاً: كيف السبيل للعمل مع شخص لا يتمتع بروح الفريق؟
2- إعادة تفسير العبارات السلبية
يمكن أن تتفاقم السلبية وتؤدي إلى قتل اندفاع وحماس الفريق في النهاية. لذلك، لا تسمح بتفشي التعليقات السلبية ضمن الفريق، واطلب توضيحاً أو معلومات أكثر عما قصده المتحدث. مثلاً: إذا قال أحد أفراد الفريق: "هذا المشروع لن يحقق الإيرادات ذاتها التي حققها سابقاً"، عندها اطلب من المتحدث أن يبرر ظنونه تلك، أو اطلب منه حلاً بديلاً، بقولك: "ما الذي يمكننا القيام به للتأكد من تحقيق المشروع الإيرادات السابقة ذاتها؟". كما يمكنك الطلب من أعضاء الفريق استخدام عبارات تبدأ بكلمة (لكن)، وأن تتبع الجمل الناقدة أو المشككة كلمة (لكن). مثلاً: يمكن لأحد أفراد فريقك أن يقول: " هذا المشروع لن يحقق إيراداته السابقة، لكن الأمر يستحق أن نمهد له الطريق للعام المقبل، حيث يكون الوضع المالي ملائماً لطرح مشاريع تقنية أُخرى". فمن المفيد اعتماد هذا النوع من السلوكيات بالنسبة للفريق بأكمله، ومن المهم أن تبادر بانتقاداتك البناءة وأنت تقدم حلولاً بديلة.
3- مشاركة الفريق بأكمله
يعتبر التفرد بأحد الأفراد أمام الفريق كله أمراً مدمراً، كما أن التعرض لتأثير وضغط الزملاء طريقة فعالة إلى حد ما، وتبعاً لكرامار: "يؤدي الردع الجماعي دوراً أكبر مما يؤديه ردع المدير فقط". لذلك، حدد معايير الفريق، واطلب من كل فرد توضيحاً لها. إذ يقترح غولدسميث أن يطرح الأفراد هذه الأسئلة على أنفسهم قبل أن يبدؤوا في الحديث "هل سيساعد هذا التعليق زبائننا؟ هل سيساعد هذا التعليق مؤسستنا؟ هل سيساعد هذا التعليق الشخص أو الفريق الذي نتحدث عنه؟ هل سيساعد هذا التعليق الشخص الذي نتحدث إليه؟". كما يقول غولدسميث: "ربما يكون الصدق أفضل سياسة متبعة، إلا إذا كان مدمراً و غير نافع". حيث إنه بمجرد أن تُقرّ المعايير، اطلب من الفريق بأكمله أن يتمسك بتلك المعايير. ويمكنك استخدام هذه الطريقة حتى لو لم تكن المدير، وإذا كان زميلك في الفريق دائم التشاؤم، فيمكنك حينها اللجوء إلى ما يسميه كرامار (الحكمة الجماعية للفريق)، عبر تقديم نموذج إيجابي، واستخدام تأثير الزملاء، للاستفادة من التشاؤم كطريقة فعالة ومنتجة. ولكن لا تنسَ أن تأثيرك بالطبع يعد محدوداً كزميل، لذلك، يمكن أن تلجأ لمدير الفريق، في حال لم تنجح محاولاتك في إعادة توجيه التشاؤم بطريقة إيجابية.
اقرأ أيضاً: فريقك ليس قادراً على قراءة أفكارك
عند فشل كل الطرق السابقة
اتفق الخبراء على أنه في حال استمرار هذا الفرد من الفريق بأسلوبه التشاؤمي، ولم يستجب للتدريب وردود الفعل، فأنت بحاجة إلى استبعاده من الفريق. ففي بعض الأحيان يوجد هؤلاء الأشخاص غير الملائمين للفريق، أو المشروع، وهذه وظيفتك كمدير أن تقوم بعملية التمييز بين هؤلاء الأشخاص.
ربما تكون السلبية نافعة
من المهم هنا، تذكر أن الهدف ليس تخلص الفريق من أي شعور بالتشكيك، إذ إنه ليست كل السلبية سيئة، رغم ما تبدو عليه، وما تسببه من شعور. فبالنسبة لكرامار: "في بعض الحالات، يكون القلق المعتاد للشخص المتشائم منطقياً، ومبنياً على معرفة مسبقة، ومستنداً إلى حدس وبصيرة. وهو ما يمكن أن يكون مفيداً للمجموعة كثيراً". مثلاً: وجود أشخاص متشائمين في الإدارة الوطنية الأميركية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا)، وشعورهم بأن المكوك الفضائي "كولومبيا" لم يكن جاهزاً بعد، خاصة بعد كارثة المكوك "تشالنجر" قبل 7 سنوات مضت يُعتبر قلقاً منطقياً وغير سلبي.
إذاً، نحن بحاجة إلى أصوات تعارض، وتتحقق من صحة فرضياتنا، وتدفع بأفكارنا إلى الأمام.
ويقول كاتزنباخ: "يضيف الشخص المشكك بُعداً لعملية الانسجام في الفريق، طالما أنه لا يملك القوة الكافية ليعرقل التقدم، ويقدم أفكاراً قد لا تأتي بأساليب أُخرى".
قم بالخطوات الآتية
- اكتشف مصدر التشاؤم.
- ميّز بين الشخص وبين سلوكه.
- أشرك الفريق بأكمله في عملية تحديد معايير سلوكيات الفريق.
تجنب الخطوات الآتية
- أن تعزل شخصاً معيناً أمام المجموعة بأكملها.
- أن تسمح بتفشي التعليقات السلبية من دون معالجتها.
- افتراضك أن التشاؤم غير فعال على الإطلاق.
دراسة الحالة 1: تحويل التعليقات السلبية إلى تعليقات منتجة:
قادت نوران مديرة مبيعات في شركة لوسائل الإعلام عبر الإنترنت فريقاً لتنظيم مخزون مبيعات هذه الشركة، وتحديد الكفاءات المستعدة للعمل بطريقة تؤثر على المخزون في المبيعات الجديدة. وكان الكثير من أفراد الفريق مراسلين من أقسام أُخرى، لا يعملون مباشرة لحسابها.
إلى جانب ذلك، شارك فريد في هذه العملية ومنذ بدأ عمله مع الفريق كان شخصاً مشككاً في المشروع إذ يردد مراراً وتكراراً: "هذا المشروع لن ينجح". ورأت نوران أن سلوك فريد أثّر في باقي أفراد الفريق، وكانت قلقة من تأثيره في النهاية على التقدم. لذلك، تحدثت إلى فريد على انفراد، وشرحت له تأثير تعليقاته السلبية في كل مرة في الفريق، حيث ينزوي الفريق، وتتوقف الحوارات. لقد كان فريد متقبلاً لما قالته نوران، لكنه مؤمن، بأن المشروع لن ينجح إذا نُفّذ حسب الأفكار التي خطط الفريق لها. وأخبرت نوران فريد أن مديره آمن بهذا المشروع، وطلب منه الانضمام للفريق لسبب ما.
حيث أرادت نوران من فريد أن يقترح بدائل للأفكار المطروحة بجانب تعبيره المستمر عن القلق.
قالت نوران: "شرحت لفريد ما كان يفعله، ووضحت له أنها محاولات مستمرة لوضع عقبات في الطريق، من دون طرح حلول بديلة، لذلك، طلبت منه اقتراح حلول إضافية لتجاوز العقبات التي يعبّر عنها". وتعامل فريد مع نصيحة نوران بجدية، وبدأ العمل مع الفريق على حلول جديدة، كما كان أعضاء الفريق منسجمين لرؤية فريد يسهم بطريقة إيجابية، وبحوارات منفتحة حول الحلول المقترحة. إذ نُفذّت توصيات الفريق في النهاية، مندمجة مع حلول فريد البديلة. واعتقدت نوران أن النتائج كانت جيدة جداً بسبب مساهمات فريد، واعُتبر المشروع ناجحاً، ووفر النظام الجديد عمليات بـ 100 ساعة عمل لكل ربع من السنة.
اقرأ أيضاً: كيف أعدنا تنظيم فريق إنستغرام الهندسي حين تضاعف حجمه أربع مرات؟
دراسة الحالة 2: التشاؤم كغطاء:
ترأس روتجر فون بوست مسؤول مؤسسة "بوز" وشركاه مؤخراً فريقاً بأفراد يصعب التعامل معهم. وكان الموظف جو مستشاراً مبتدئاً يقدم تقارير لروتجر حول مشروع العملاء بشكل خاص. وعبّر جو باستمرار عن شكوكه حول تقييم الفريق لحجم السوق، فيما يخص منتجات الرعاية الصحية. حيث اجتمع الفريق عدة مرات، لمراجعة المشروع، وتقاسموا العمل بوضوح، كما حددوا الأهداف، والمعالم الرئيسية للمشروع. ولم يشارك جو في أي من هذه النقاشات بشكل بنّاء، وفي الواقع كان يُبدي عدم الاكتراث، ويُطلق عبارات مثل: "لا أفهم كيف سيكون هذا العمل مفيداً". أخيراً، تحدث روتجر معه على انفراد، في محاولة لفهم أسباب سلبية جو، وبعد أن أظهر له ردود أفعال مباشرة وصارمة حول سلوكه، وتأثيره في أدائه، بات واضحاً أن جو يظهر بدور المشكك لأنه لا يعرف كيف يقوم بما طُلب منه. وأمضى روتجر نصف يومه مع جو، يراجع معه ما عليه القيام به، ويتدرب على العمل معه، وقاما معاً بتقييم يبدأ من 5 إلى 30 من حجم القطاعات الفرعية للسوق، وبذلك، أمكن لجو أن يشعر بالراحة، ويتم العمل بنفسه. وقال روتجر: "بمجرد أن استوعب جو ما عليه القيام به، تبخر الشك لديه".
عندما تفهم روتجر المصدر الحقيقي لتشاؤم جو، وعالجه، أصبح جو أخيراً فرداً منتجاً في الفريق بسبب معرفة كيفية التعامل مع الشخص المتشائم.