6 أساليب لمناقشة القضايا الخلافية في العمل باحترام

6 دقائق
القضايا الأخلاقية
shutterstock.com/summer studio
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: أثبتت دراسة حديثة أن الناس يشعرون بأنهم يفتقرون إلى الأمان اللازم للتعبير عن آرائهم في العمل، خاصة في القضايا الخلافية لكن كاتب المقالة يرى أن ذلك يرجع في الأساس إلى الطريقة التي ننظر بها إلى شركائنا في المحادثة، وليس إلى صعوبة موضوع المحادثة نفسه. فعندما نتحدث عن قضايا محفوفة بالمخاطر العاطفية والسياسية، فإننا نميل إلى رؤية الطرف الآخر على نحو أكثر سلبية، أياً كانت الحقيقة. ونخبر أنفسنا بقصص تصوِّرنا كضحايا شرفاء وتصوِّر الطرف الآخر كشرير آثم. ولكي تشعر بمزيد من الثقة في النفس وأقل خوفاً من التحدث مع زملائك، هناك أساليب يمكنك استخدامها، بما في ذلك الحفاظ على حب الاستطلاع، والتركيز على الحقائق بدلاً من إصدار الأحكام أو الآراء المسبقة، والتشكيك في افتراضاتك، والتمسك بحقك في إبداء وجهة نظرك، حتى إذا كان الآخرون يختلفون معها.

 

قد لا تتفاجأ عندما تسمع أن الناس باتوا الآن أكثر تردداً في التحدث في العمل مقارنةً بما كانوا عليه قبل بضع سنوات. ولم أشعر بالصدمة قطعاً عندما أكدت هذا دراسة أجرتها شركتنا في أواخر عام 2021 على أكثر من 1,400 موظف. ولا عجب في ذلك، فنحن نعيش في ظل واحد من أكثر المشاهد الاجتماعية تقلباً في عصرنا الحالي. لكن في حين أن هذا الاكتشاف لم يكن مفاجئاً، فقد كان حجم الخوف مفاجئاً بالنسبة لي. حيث شعر 9 من كل 10 مشاركين بأنهم يفتقرون إلى الأمان الشعوري أو المادي الذي يؤهلهم للتعبير عن آرائهم، وقد راودهم هذا الشعور أكثر من مرة خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية. وأفاد 39% منهم بأنهم يفتقرون إلى الأمان إما كل يوم أو كل أسبوع، في حين أفاد 7% فقط بأنهم ما زالوا يثقون بأنفسهم في المواقف الاجتماعية كأي وقت مضى.

وثبت أيضاً أن الموضوعات التي يخشى الناس التطرُّق إليها لم تكن صادمة، حيث احتلت القضايا الخلافية مثل القضايا السياسية أو الاجتماعية (بنسبة 74%) وقضايا فيروس كورونا (بنسبة 70%) مرتبة متقدمة باعتبارها القضايا الأكثر ترويعاً.

لكن من حسن الحظ أن الغرض من الدراسة لم يكن التحقق من صحة شيء بديهي، إذ كانت تهدف في المقام الأول إلى استكشاف فرضية أقل وضوحاً، فقد تساءلنا عمّا إذا كان جزء كبير من خوفنا المتزايد من صنع أيدينا، وليس نتيجة الظروف الحالية.

فعندما نتحدث عن القضايا الخلافية المحفوفة بالمخاطر العاطفية والسياسية، فإننا نميل إلى رؤية الطرف الآخر بصورة أكثر سلبية. ونخبر أنفسنا بقصص تصوِّرنا كضحايا شرفاء وتصوِّر الطرف الآخر كشرير آثم. تسفر هذه السردية عن توليد مشاعر الغثيان والخوف، وهو ما ينعكس سلباً على محادثاتنا. وتُزيد هذه المشاعر من تأجيج نار الصراع، وتؤدي إلى نشوء دوامة لا آخر لها تعزّز أحكامنا الذاتية، وتغذّي مشاعرنا السلبية.

وقد اعتمدنا في دراستنا على مفهوم راسخ منذ فترة طويلة من الزمن في مجال أبحاث علم النفس يُسمى مقياس زميل العمل الأقل تفضيلاً للعثور على الأشخاص الذين يميلون إلى إصدار أحكام قاسية على الآخرين. فقد وجد فريد فيدلر، المتخصص في علم نفس الأعمال والإدارة الذي طور المقياس، أنه يستطيع تحديد القادة الذين يصعب التعايش معهم من خلال مطالبتهم بوصف شخص يعتقدون أنه يصعب التعايش معه باستخدام سلسلة من المقاييس. وتوصّل إلى أن أولئك الذين يميلون إلى إصدار أحكام أكثر قسوة من غيرهم يبدون القليل من الاهتمام بالآخرين والكثير من الاهتمام بالعمل.

وقد طلبنا أولاً من المشاركين في الدراسة وصف مستوى خوفهم في موقف اجتماعي تعرّضوا له مؤخراً. ثم طلبنا منهم تقييم الشخص الذي قابلوه استناداً إلى 11 صفة ذات أبعاد شخصية. على سبيل المثال: هل كان لطيفاً أو قاسياً، خلوقاً أو غير خلوق، عقلانياً أو غير عقلاني؟ وقد استخدمنا عدداً من الصفات الشخصية ليست ذات صلة بالخوف (مثل الصدق وعدم الصدق أو الذكاء والغباء)، ولكن تم استخدامها لاختبار ما إذا كان الشخص يُصدر أحكاماً قاسية على الآخرين في كل الأحوال. عملنا بعد ذلك على مقارنة مستويات الخوف لدى أولئك الذين كانت قصصهم أكثر اتساقاً مع أولئك الذين أصدروا أحكاماً سلبية على الآخرين. واستخدمنا أسلوب الانحدار التدريجي لحساب مقدار خوف الشخص الذي يمكن تفسيره من خلال القصص الأكثر قسوة بدلاً من المخاطر الحقيقية للجهر بآرائهم.

وماذا كانت النتيجة؟ أولئك الذين يميلون إلى سرد قصص أكثر تطرفاً عن زملائهم في المحادثة كانوا أكثر عرضة للشعور بالخوف بمقدار 3 مرات وأكثر عرضة لانعدام الثقة في الجهر بآرائهم بمقدار 3.5 مرات.

وكان حجم تأثير القصص على ثقتنا بأنفسنا وقدرتنا على الجهر برأينا مذهلاً، لكنه منطقي. فإذا قلت لنفسي إنك جاهل وأحمق شرير، فمن المرجح أن أعتقد أنك ستتخذ رد فعل انتقامياً، أو أسوأ، إذا اختلفت معك. (بالطبع، لا أريد أن أستبعد فكرة أن الجهر بالرأي ينطوي على بعض المخاطر، خاصة إذا كنت تختلف في الرأي مع مديرك. وقد ركّزت هذه الدراسة في الغالب على التحدث مع زملاء العمل).

عملنا أيضاً على تمحيص بياناتنا لمعرفة ما إذا كان هناك مشاركون واجهوا تحديات مماثلة في التواصل مع أقرانهم المزعجين بالقدر نفسه، لكنهم شعروا بثقة أكبر في أنفسهم وأحسّوا بأنهم أقل خوفاً من الجهر برأيهم. وقد كشفت ردودهم عن مجموعة من الأساليب التي يمكن لأي منا استخدامها لتخفيف حدة قصصنا والدخول في المحادثات، حتى المحادثات حول الموضوعات الشائكة، بشكل أكثر فاعلية.

اجعل الأمر آمناً

تم استخدام هذا الأسلوب من قِبَل 76% من أفراد العينة البحثية الذين شعروا بالثقة في أنفسهم للجهر برأيهم. وعندما تتصاعد حدة المشاعر، طمئن الآخرين باحترامك لهم والفت انتباههم إلى قيمكم المشتركة.

“عندما اضطررت إلى إطلاع الموظفين على اشتراطات الحصول على لقاح فيروس كورونا التي فرضتها الدولة، كنت أعلم أنه يتعين عليّ فعل ذلك مع مراعاة مشاعرهم وإبداء الاهتمام باختياراتهم ومعتقداتهم الشخصية. فتحدثتُ معهم بطريقة تنم عن احترامهم والعناية بهم وتقدير مشاعرهم وخياراتهم ومعتقداتهم. وبدأت المحادثة بمراعاة هذه الجوانب، وعرضتُ كافة الحقائق حول الأحداث المرتقبة، ومنحتهم فرصاً لطرح الأسئلة ومشاركة آرائهم وأفكارهم”.

كن فضولياً

تم استخدام هذا الأسلوب من قِبَل 72% من أفراد العينة البحثية الذين قالوا: بدلاً من محاولة تحديد “الطرف الذي يمتلك الحق”، حاول فهم وجهة نظرة الطرف الآخر. اطرح الأسئلة، واسع إلى الفهم، وأظهر الاهتمام.

“لاحظنا في أحد مشاريعنا التي نفذناها مؤخراً أن شركاءنا المتعاونين معنا لا يردون على اتصالاتنا في الوقت المناسب، وعندما يردون، فإنهم لا يجيبون عن كل استفساراتنا. فتوجهت إليهم مباشرة وسألتهم عمّا إذا كانت هناك مشكلة في طريقة تواصلي معهم أو ما إذا كان هناك شيء أسيء تقديره. أثار هذا السلوك سلسلة من الأحداث التي غيّرت طريقة تواصلنا بصورة جذرية. وأعتقد أن كل سلوك تكمن وراءه نية إيجابية لاشعورية. وبوضع هذه الحقيقة في الاعتبار، أعمل بجد حتى لا أصدر أحكاماً على الآخرين. وأحرص على التعامل مع المعلومات كما هي دون تأويل. صحيح أنني أراقب الأوضاع من كثب، لكنني لا أصدر أحكاماً مسبقة. وقد ساعدني هذا على التعامل بإيجابية مع مختلف المواقف الصعبة.

ابدأ بالحقائق لا الأحكام أو الآراء

تم استخدام هذا الأسلوب من قِبَل 68% من أفراد العينة البحثية الذين نصحوا بدراسة الحقائق الكامنة وراء وجهة نظر الطرف الآخر بعناية، واستخدام أوصاف محددة ويمكن ملاحظتها.

“لدينا مدير موقع يعارض بشدة فكرة ارتداء الكمامات الطبية والحصول على اللقاحات ويعتقد أن فيروس كورونا ما هو إلا مؤامرة من الحكومة. ورفض تطبيق سياسة الشركة التي تطالب العاملين في موقعه بارتداء الكمامات الطبية والحصول على اللقاحات. كنت أشعر بالثقة في نفسي خلال مناقشتي معه لأنني كنت أعرف أنني أنقل سياسة الشركة التي يجب اتباعها. فحرصتُ على الاستماع بجدية إلى مخاوفه، وأظهرت تعاطفي مع معتقداته، لكني أبديتُ تمسكي بسياسة الشركة من دون غطرسة. وحاولت مساعدته على تجاوز معتقداته الشخصية والنظر إلى الصورة الأكبر لدوره ومسؤولياته كمدير. لقد كانت محادثة مفعمة بالتوتر الشديد، لكنني كنت واثقاً ممّا كنت أحتاج إلى قوله وكيفية قوله”.

لا تركز على الإقناع

تم استخدام هذا الأسلوب من قِبَل 48% من أفراد العينة البحثية الذين قالوا: لا تجعل هدفك الرئيسي تغيير رأي الطرف الآخر. واحرص بدلاً من ذلك على تشجيعه على مشاركة الأفكار والاستماع قبل الرد.

“لقد أجريت مؤخراً محادثات عديدة حول رئيس الوزراء الكندي. يعتقد زوجي أنه مسؤول عن تدمير البلاد. ويمكنني التعبير عن آرائي دون إخباره بأنه مخطئ أو دفعه إلى اتخاذ موقف دفاعي. حيث أطرح عليه أسئلة تشجعه على التفكير في وجهة نظر مختلفة دون الإصرار على أنه مخطئ”.

حاول أن تنظر بعين الشك إلى وجهة نظرك

تم استخدام هذا الأسلوب من قِبَل 42% من أفراد العينة البحثية. إذ تحقق المحادثات أفضل النتائج عندما يتوافر فيها مزيج من الثقة بالنفس والتواضع. فكن واثقاً من أنك تمتلك وجهة نظر تستحق إفساح المجال للتعبير عنها، لكن كن متواضعاً بما يكفي لتقبل فكرة أنك لا تحتكر الحقيقة وحدك وأن المعلومات الجديدة قد تؤدي إلى تغيير وجهة نظرك.

“أجريتُ أنا وصديقي محادثة حامية الوطيس حول التشرُّد. وكان كلٌ منّا لديه وجهة نظر مختلفة حول المشردين (هل هم مدمنون كُسالى، أو ضحايا الحظ العاثر والأمراض العقلية، إلخ؟). ولأننا كنا منفتحين على المعلومات الجديدة، فقد توصلنا إلى رؤية أكثر دقة حول هذه الظاهرة”.

تمسّك بحقك في إبداء رأيك

تم استخدام هذا الأسلوب من قِبَل 11% من أفراد العينة البحثية الذين قالوا: بدلاً من الاعتماد على الآخرين للإقرار بحقك في إبداء رأيك، تحمّل مسؤولية التمسّك بهذا الحق لنفسك.

“حشرني 3 من زملائي في الزاوية حرفياً، وأرغموني على الحديث عن اللقاحات. لقد دافعوا بقوة عن موقفهم. وكانت آراؤهم حادة وحازمة، لكن دون إساءة. وقد اختلفت مع رأيهم الذي يكادون يجمعون عليه، وشعرت بالخوف في البداية، لكنني قلتُ لنفسي بعد ذلك: هؤلاء هم زملائي في الفريق، وأنا أحبهم وأحترمهم، وهم يحبونني ويحترمونني. كل ما هنالك أننا لدينا وجهات نظر مختلفة، كما هي الحال في مختلف أنحاء العالم، حول موضوع مثار جدل كبير في الآونة الحالية، وهو موضوع مسّ وتراً حساساً لديهم. لذلك استمعت إلى رأيهم، ثم أجبت بهدوء وحزم قائلاً إن وجهة نظري تختلف عن وجهة نظرهم في الوقت الحالي، ولكنني سأحرص على إعادة تقييم الموقف باستمرار. وقد حاولوا صدّي (حرفياً)، ولكنني أعدت على مسامعهم بكل بساطة قناعاتي الشخصية واستعدادي لإعادة النظر في موقفي مع توافر المزيد من المعلومات”.

لا شك في أن العامين الماضيين قد شهدا المزيد من القضايا الخلافية لكن إذا واصلنا الاستسلام لخوفنا الذي يُرغمنا على الصمت، فلن نجني السلام، بل سنحصد المزيد من الانقسامات الأكثر حدة. وتشير هذه الدراسة إلى أننا قد نغذي خوفنا من خلال أحكامنا المبالغ فيها التي يصدرها بعضنا على بعض. وبالتالي، فإننا نمتلك بين أيدينا، أو بمعنى أصح في عقولنا، القدرة على تمهيد الطريق إلى الإنتاجية في مكان العمل والوئام في العالم، ولو جزئياً على أقل تقدير. فحاول تمحيص قصصك الخاصة، وسوف تنجح في تعديل الطريقة التي ترى بها الآخرين. وإذا نجحت في رؤية الآخرين بطريقة معتدلة، فستزداد احتمالية إيجاد طريقة لإجراء حوار مثمر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .