دروس في المرونة مستقاة من لاعبة باليه تحوّلت إلى أستاذة جامعية

4 دقائق
كيفية التمتع بالمرونة

ملخص: أصبحت "المرونة" كلمة عصرية في مجال الإدارة وأضحت تحظى بشعبية كبيرة. لكن ماذا نعني بالمرونة؟ وكيف يمكن للقادة التمتع بالمرونة؟ قد تكون الدروس المستقاة من عالم الباليه مفيدة. يشترك لاعبو الباليه والقادة الذين يتمتعون بالمرونة بـ 4 قدرات تعزز مجتمعة صفة المرونة فيهم، ألا وهي القوة الأساسية والقدرة على الثبات في خضم الحركات السريعة والخطيرة في بعض الأحيان؛ والقدرة على تغيير التركيز بسرعة، والثقة بسيرهم في الاتجاه الصحيح؛ والرشاقة ضمن نطاق الحركة الذي يتيح لهم تحديد ما إذا كان يجب عليهم تغيير المسار أو مواصلته؛ ووجود أهداف واضحة، وقدرتهم على استباق إيقاع الموسيقى في عقولهم.

 

أصبحت "المرونة" كلمة عصرية في مجال الإدارة وأضحت تحظى بشعبية كبيرة. لكن ماذا تعني بالتحديد؟

4 قدرات تعزز صفة المرونة

تعرّفتُ على المفهوم قبل وقت طويل من دراسة الإدارة، فضلاً عن التحدث عنه مع المسؤولين التنفيذيين في الصف الدراسي. درست مفهوم المرونة بداية في استوديو الباليه، عندما كنت أدرس لأصبح لاعبة. في الواقع، يطمح جميع لاعبي الباليه الشباب إلى التمتع بالمرونة، ليحققوا ما حققه اللاعب باريشنيكوف في الوثب، وليتمتعوا بمرونة كينت في الدوران ورشاقة نورييف في اللعب على موسيقى الهيب هوب. لكن بعيداً عن استوديو الباليه، أرى اليوم إمكانية نقل العديد من المهارات المطلوبة في الباليه إلى المناصب التنفيذية، كالتمتع بقوة أساسية، والقدرة على تغيير التركيز بسرعة، والتمتع بالرشاقة ضمن نطاق الحركة، وإدراك الخطوات والأهداف.

أولاً، تتطلب المرونة أن نتمتع بقوة أساسية، قد يعني ذلك بالنسبة للاعب الباليه أن تكون عضلات بطنه وظهره قوية بما يكفي لدعم حركات الالتفات والوثب والتمدد التي يجب عليه أداؤها. وتمثّل القوة الأساسية أيضاً عنصراً جمالياً بصرياً يُبيّن مدى التوازن في خضم الحركات السريعة والخطيرة في بعض الأحيان. وتكمن القوة الأساسية بالنسبة للمدير في صميم المرونة، وهي تتمثّل في قدرته على إدراك قيمه الأساسية، أي القيم التي يؤمن بها والتي تعطي لحياته وعمله معنى، وهو ما يجنّبه الانسياق وراء أي بدع جديدة.

لكن لا بد من تجنب الخلط بين القوة الأساسية والجمود. في الواقع، تُتيح القوة الأساسية للفرد تجنب الجمود الذي قد ينتج عن تهديد محتمل بفقدان التوازن. إذا كان المدير يدرك دوره ومسؤولياته تماماً، فسيكون قادراً على استكشاف النطاق الكامل لمهامه دون خوف من ارتكاب الأخطاء. ومن أبرز الأمثلة على القادة الذين استغلوا القوة الأساسية للمرونة هي أنجلا أهريندتس، الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة "بربري" (Burberry)، ورئيسة إدارة البيع بالتجزئة في شركة "آبل" لاحقاً. أنقذت أهريندتس شركة "بربري" من طريق الزوال من خلال الاستفادة من المنتج الذي مثّل روح تلك الشركة التي مضى على تأسيسها 150 عاماً، ألا وهو المعطف. تمكنت شركة "بيربري" عبر إحياء قدرتها الأساسية بطريقة تراعي أذواق الجيل التالي وتوجهاته من إثبات نفسها مجدداً كعلامة تجارية مختصة بالأزياء عبر الإنترنت.

ثانياً، تتطلب المرونة القدرة على تغيير التركيز بسرعة. قد يعني ذلك بالنسبة للاعب باليه نقل الوزن باستمرار من أحد جوانب الجسم إلى جانب آخر، أو من قدم إلى أخرى، أو من أصابع القدم إلى الكعب. في حين أن تغيير التركيز بالنسبة للمدراء يعني إدراك أن الطريق من النقطة (أ) إلى النقطة (ب) قد يتغير تبعاً للأدلة المتاحة. يتطلب ذلك النوع من التحول أن يتمتع المدير بقوة أساسية بالطبع، لكنه يتطلب منه أيضاً أن يثق في خطواته، أي معرفة هدفه النهائي إلى جانب الانفتاح على طرق مختلفة لبلوغ ذلك الهدف. وتُعتبر شركة "هيلتي" (Hilti) إحدى الشركات التي كانت قادرة على تغيير التركيز ومواكبة التوجهات المتغيرة. تشتهر شركة "هيلتي" بأنها شركة مُنتجة لأدوات البناء عالية الجودة، لكنها تحولت إلى شركة تبيع حلولاً كاملة لقطاع البناء، وأصبحت تقدم عقود الخدمة وتصنع الأدوات التي تُتيح مشاركة البيانات ونقلها إلى السحابة.

ثالثاً، تتطلب المرونة رشاقة فائقة ضمن نطاق الحركة المحدد. يتمثّل أحد الدلائل الذي يشير إلى مدى مهارة لاعب الباليه في قدرته على لوي جسده بأشكال واتجاهات لا يستطيع البشر العاديون مجاراته فيها، ويُعرف ذلك بالرشاقة. من جهة أخرى، يحتاج لاعبو الباليه أيضاً إلى نطاق واسع من الحركة، بما في ذلك القدرة على إبراز مدى صغر حجمهم أو شغل كامل المساحة التي يؤدون ألعابهم عليها، ليبدوا أكبر مما هم عليه في الواقع (تخيّل لاعبة صغيرة تقفز على طول خشبة مسرح كبير). وتلك الرشاقة والمرونة مطلوبة من المدير عند عزمه على تغيير أهدافه وفي طريقة فهمه للأفكار وعند عمله على تحديد مصدر تلك الأفكار وعند إبراز خبرته في حل المشكلات. ويُعتبر نطاق الحركة ضروري لمعرفة الوقت الذي يجب على المرء تغيير وجهته فيه، أو مواصلة المسار نفسه. وتشتهر شركة "آي بي إم" بتلك القدرة، ففي مواجهة واقع الانخفاض السريع لمبيعات أجهزة الكمبيوتر، تمكنت شركة "آي بي إم" من الانتقال إلى قطاع الحوسبة السحابية من خلال تمكين تقنية "واتسون" (Watson) والشراكة مع شركات أخرى مثل "سامسونج" و"فيزا" و"آتش آند آر بلوك" (H&R Block).

وأخيراً، تتطلب المرونة منك أن تعرف خطواتك وأهدافك. يعرف كل لاعب باليه أن أداء لعبة ما بشكل صحيح يتطلب منه أن يستبق إيقاع الموسيقى في عقله، أي التنبؤ بالخطوة التالية المباشرة وتنفيذها. لا يعني ذلك أن يتنبأ لاعب الباليه بالحركة قبل 60 أو حتى 30 ثانية، فالقيام بذلك يجعله يفقد تركيزه على اللحظة الحالية، بل يعني أن يكون مدركاً لماهية الخطوة التالية فقط.

المرونة في مجال الإدارة

والأمر سيان بالنسبة للمدراء، إذ ليس من الضروري أن يضعوا خطة مدتها 3 سنوات، بل المهم أن يمتلكوا رؤية واضحة لما يرغبون في تحقيقه في نهاية المطاف. ويُعتبر بنك "دي بي إس" (DBS) السنغافوري مثالاً بارزاً على القدرة على وضع رؤية وتحقيقها من خلال خطوات قصيرة المدى. أولاً، قرر الرئيس التنفيذي بيوش غوبتا أن يوّسع البنك ليشمل مناطق جنوب شرق آسيا والهند والصين وليكون بذلك جهة فاعلة مهمة في المنطقة وليس فقط سنغافورة. وضعت القيادة أيضاً هدفاً تمثّل في تحسين العمليات الداخلية وخدمة العملاء من خلال تحقيق المواءمة في أنظمة البنك وتقييم أداء خدمة العملاء من خلال أكثر من 1,000 مقياس مختلف. وتمثّل هدفهم النهائي في تقليل الوقت الذي يستغرقه الزبائن في انتظار الخدمات المختلفة بمقدار 10 ملايين ساعة. وحاز بنك "دي بي إس" جائزتي "مجلة يوروموني" (Euromoney Magazine) عن "أفضل بنك للعام على المستوى العالمي" و"أفضل بنك في العالم" لعام 2018، كما حصل مؤخراً على جائزة "أفضل بنك في العالم" لعام 2019.

لا يجب الخلط بين المرونة وبين دفع المرء إلى ما وراء حدود الجسدية أو العقلية، فالتمتع بلقب مدير شركة مرن وبارز يتطلب قدراً هائلاً من العمل الجاد والتفاني، تماماً مثل اللاعب المحترف. ويُدرك أفضل لاعبي الباليه بالفعل أن للجسد والعقل حدوداً، وعندما تحاول دفعهم إلى ما وراء تلك الحدود، ستدرك نتيجة أفعالك بعد أن تلاحظ مدى شعورهم بالإرهاق أو الألم، وستدرك حينها أنهم أصبحوا يفتقرون إلى المرونة. وبما أن وتيرة الأعمال اليوم تدفع الأفراد إلى العمل ساعات أطول، يبدأ تعزيز المرونة عندما يمنح المدراء الأولوية لبعض احتياجاتهم، مثل أخذ قسط كاف من الراحة والتغذية الجيدة، فوتيرة العمل المتواصلة لا تفضي إلى المرونة.

أنا لا أقترح أن يرتدي المدراء أحذية الباليه وأن يتعلموا كيفية القفز على خشبة المسرح، لكن يمكن لعالم الباليه أن يقدم لنا تعريفاً واضحاً وملموساً للمرونة، بالإضافة إلى توجيهات حول كيفية التمتع بالمرونة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي