لعلك تعرضت للعديد من الدراسات والمقالات الموجهة للعاملين عن بُعد بشأن التغلب على صعوبات مثل التركيز من المنزل، وضبط الإنتاجية، وتعزيز التواصل، والاندماج، ولكن ماذا عن الصعوبات المرتبطة بالثقافات المختلفة لأفراد الفرق الافتراضية العالمية؛ إذ إن 89% من الموظفين الإداريين يكملون مشاريعهم في بعض الأحيان ضمن الفرق الافتراضية العابرة للحدود التي ينتشر أفرادها في مختلف بقاع العالم ويعتمدون على أدوات الإنترنت للتواصل فيما بينهم، وفقاً لدراسة استقصائية أجريت على موظفين في 90 دولة.
يُنظر إلى الاختلاف الثقافي بوصفه عنصر قوة للمؤسسات؛ إذ تسهم الاختلافات الثقافية والتنوع في ظروف العمل في تعزيز الإبداع وصناعة القرار وحلّ المشكلات، فعلى سبيل المثال، توصلت دراسة إلى أن الفِرق التي تتمتع بتنوع أكبر أنتجت تقارير استشارية ذات جودة أعلى، وكانت حلولها إبداعية وابتكارية بدرجة أكبر، ومن ناحية جودة العمل كان أداء هذه الفرق أفضل. إضافة إلى ذلك، تقلّ احتمالات وقوع هذه الفرق في فخ التفكير الجماعي، إذ تنظر إلى عدد أكبر من الخيارات وتحلل الحقائق بدقة أكبر.
يرتبط الأمر أيضاً بإيرادات الشركات وسمعتها، فتعترف شركة دايفرستي إنك (DiversityInc) سنوياً بأفضل 50 شركة الأكثر تنوعاً وتقيس نجاحها في السوق الأوسع، كما يؤكد بحث من شركة ماكنزي حقيقة أن التنوع مفيد للنتيجة النهائية للشركة؛ إذ إن الشركات المتنوعة عرقياً أكثر احتمالاً بنسبة 35% للحصول على عوائد مالية أعلى من غيرها.
وعلى الرغم من ذلك، تواجه الفرق الافتراضية العالمية (GVTs) مشكلات تتعلق بالثقافات المختلفة، وتحديداً التنوع السياقي، الذي يؤثر على كفاءة التواصل والنتائج النهائية، فما التنوع السياقي، وكيف يؤثر على العمل بين أفراد الفرق، وكيف يمكن للمؤسسات مساعدة فرقها على التغلب على هذه المشكلات؟
التنوع السياقي
يقصد بالتنوع السياقي فرق العمل التي تضم أفراداً من دول تختلف فيما بينها من حيث مؤسساتها وأنظمتها السياسية والاقتصادية، ويشير إلى الخصائص التي تجعل فرداً أو مجموعة ما مختلفة عن الأخرى. وقسّم العلماء ثقافات التواصل إلى نوعين، ثقافة السياق المنخفض (Low Context Culture)، وثقافة السياق العالي (High Context Culture). ويسهم اختلاف الثقافتين في اختلاف طرق التواصل بين أفراد الثقافتين.
فنجد أن الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافة السياق المنخفض (غالبية سكان أميركا الشمالية وغرب أوروبا) يميلون إلى التواصل على نحو مباشر ورسمي في إيصال رسالتهم، فيعمدون إلى الاختصار والوضوح، وهم أكثر ميلاً إلى الانخراط في التفكير الخطي والتركيز بصورة أقل على العلاقات الشخصية في العمل، وعندما يتعلق الأمر باتخاذ القرار، فإن قراراتهم تميل إلى أن تكون مبنية على الحقيقة وليس على الحدس.
في المقابل تجد الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافة السياق العالي (غالبية دول آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا وأميركا الجنوبية) يفضلون التواصل بصورة غير مباشرة وعبر طرق غير رسمية لإيصال الرسالة لاعتمادهم على السياق الذي يتكون من مجموعة من الكلام، والرموز، والإشارات، إذ من الممكن أن يستخدمون عبارات ضمنية وغير واضحة، ومن المرجح أن يستخدموا الرموز التعبيرية بديلاً عن الإشارات غير اللفظية في البيئة الافتراضية.
فهم هذه السياقات وتحديد خصائصها يساعد المدراء على فهم طرق التواصل بين أفراد فريقهم، وإدراك سبب المشكلات الناتجة عن هذه الاختلافات، بل يمكن إعادة تحديد الأدوار بناءً على إدراك هذه الاختلافات أيضاً.
تحديات التنوع السياقي داخل الفرق الافتراضية العالمية
ركزت دراسة حديثة بعنوان "التناوب الثقافي في ثقافة سياق عالٍ لأفراد الفرق الافتراضية العالمية: دراسة نوعية"، المنشورة في المجلة الدولية للإدارة عبر الثقافات، على التحديات الثقافية التي تواجه الفرق الافتراضية العالمية، وركزت تركيزاً أساسياً على الأفراد من ثقافة السياق العالي، وتعمقت في فهم أسباب لجوء هؤلاء الأفراد تحديداً إلى تغيير سلوكياتهم في أثناء التواصل.
وحدد مؤلفا الدراسة، وهما نورهاياتي زكريا من جامعة الشارقة بالإمارات العربية المتحدة، ونورساكيرا أب رحمان موتون من جامعة يو أو دبليو (UOW) في ماليزيا، تحديات رئيسية تؤثر على كفاءة التواصل بين أفراد الفرق الافتراضية العالمية، بالاعتماد على مقابلات مع 22 مشاركاً من شركات مختلفة متعددة الجنسيات في ماليزيا.
1. اختلاف اللغة
تظهر اللغة بوصفها أحد التحديات الرئيسية حينما يتعلق الأمر بالتواصل بين أفراد الفرق الافتراضية العالمية، إذ يعيق اختلاف اللغة أحياناً المشاركة الفعالة بين أفراد الفريق. ففي مثال أدرجته الدراسة السابقة الذكر، روى أحد المشاركين أنه في أثناء اجتماع بينه وبين أفراد فريقه كان لديه سبع نقاط، لكنه استطاع أن يعبر عن أربع نقاط باللغة الإنجليزية واحتفظ لنفسه بالنقاط الثلاث المتبقية، وعبّرت مشاركة أخرى عن أن عدم إتقانها للغة يتسبب في تأخير فهم المعلومات ومشاركتها خاصة أن زميلها الألماني يستخدم أحياناً كلمات إنجليزية كان من الصعب عليها فهمها، وأوضحت أخرى أن هذه الإشكالية تؤخر عملية التواصل إذ تحتاج إلى اتخاذ خطوة إضافية لإجراء بعض الترجمة حتى تتمكن من فهم المعلومات الواردة من نظيرتها في أميركا الجنوبية بصورة كاملة قبل أن تتمكنا من المضي قدماً في النقاش.
وفي مثال آخر ورد في مقال منشور بعنوان "إدارة الفرق المتعددة الثقافات" أعرب عضو من أميركا اللاتينية في فريق استشارات متعدد الثقافات عن مروره بالمشكلة نفسها؛ إذ في العديد من المرات شعر بأنه لا يملك كلمات للتعبير عن بعض الأشياء التي كان يفكر بها بسبب اختلاف اللغة، قائلاً: "لاحظت عندما ذهبت إلى المقابلات مع شخص من الولايات المتحدة الأميركية أنه يميل إلى قيادة هذه المقابلات، ولكن حينما يخطر في باله أسئلة جيدة جداً لا يعبّر عنها فكان زميله من يتولى القيادة.
2. التفسير المختلف للكلمات أو الرموز
تُعد المعاني المختلفة التي تحملها الكلمات والرموز في الثقافات المختلفة أحد صعوبات الاتصال التي تواجهها الفرق الافتراضية العالمية. فعلى سبيل المثال، روت مشاركةٌ موقفاً مع زملائها الألمان، حينما فوجئت بالإفراط في استخدام علامات التعجب من قبل أعضاء فريقها، ففي حين افترضت هي أن علامات التعجب تعني الشعور بالغضب، كانت علامات التعجب المستخدمة في البريد الإلكتروني تُظهر بصورة أساسية الشعور بالإثارة.
3. اختلاف الوقت
يظهر اختلاف التوقيت بين أفراد الفرق في المناطق الزمنية المختلفة بوصفه إشكالية أخرى في التواصل تعيق سلاسة سير العملية. فعلى سبيل المثال، أدى فارق التوقيت الذي يبلغ 13 ساعة بين ماليزيا والولايات المتحدة إلى خلق الإحباط بين بعض أعضاء الفريق عندما لم يتمكنوا من التواصل في الوقت المناسب، ما قاد إلى تغيير البعض سلوكهم التواصلي؛ إذ كان على بعضهم العمل بعد ساعات العمل الأساسية. الأمر ليس مقتصراً على اختلاف التوقيت فقط، وإنما أيضاً على اختلاف يوم الراحة، ففي بعض البلدان تكون الراحة الأسبوعية هي الجمعة والسبت، في حين تكون في دول أخرى السبت والأحد.
4. مشاركة المعلومات
تُعدّ مشاركة المعلومات والتحديثات بشأن العمل أمراً أساسياً بين أفراد الفرق، وعلى الرغم من أنها مشكلة في كلّ شركة تقريباً، فقد رصد أحد الأبحاث أنها تظهر بصورة أكبر في المجموعات المتعددة الثقافات. وكلما زاد إدراك الموظفين للفارق الثقافي، ازدادت المشكلة تفاقماً.
5. التكنولوجيا
يؤثر عدم الإلمام بالتقنيات، والتفضيلات المختلفة لمنصات التواصل على عملية تبادل المعرفة بين أعضاء الفريق، ففي حين تفضل أنت وسيلة تواصل معينة وشائعة في دولتك، تكون هذه الأداة معقدة وغريبة لزميلك في دولة أخرى.
استراتيجيات الحل
ينبغي للمؤسسات بذل بعض الجهد بين أفراد فرقها الافتراضية العالمية كي تحتفظ بمميزات التنوع التي سبق ذكرها في بداية المقال، والتغلب على معوقات التواصل في الوقت نفسه، ولا سيّما أن الأفراد من ثقافة السياق العالي هم الأكثر مرونة في التكيف مع غيرهم، إذ يتمتعون بذكاء ثقافي عالٍ يجعلهم أكثر استعداداً للتفاعل والعمل مع أشخاص من ثقافات أخرى، وفقاً لدراسة نورهاياتي زكريا.
1. إعادة النظر في طرق التوظيف التقليدية: تكمن الخطوة الأولى في إعادة النظر في أساليب التوظيف التقليدية ومعايير اختيار المرشحين للوظيفة في مؤسسة تضم فرقاً افتراضية عالمية؛ إذ يتعين على مدراء الموارد البشرية إضافة معايير خاصة بالقدرة على الانفتاح والاندماج مع ثقافات أخرى.
2. التدريب: يتعين على الشركات تطبيق برنامج تدريب يهدف إلى التوعية بشأن تنوع الثقافات والتواصل بينها من أجل تحسين الذكاء الثقافي لدى أفراد الفرق وزيادة اهتمامهم بالعمل مع موظفين من دول أخرى، ما سيحدّ من التعصب والصور النمطية ويعزز التفاعل بين أفراد الفريق المتنوعين في أي فريق متنوع. ومن المهم أن يشمل التدريب فهم التنوع السياقي، والاختلافات الثقافية، والإشارة إلى الصعوبات كي يعي أفراد الفريق أن ما قد يمرون به أمراً طبيعياً ويخضعون بسهولة إلى عملية التغيير.
3. البنية التحتية التكنولوجية: يلعب تحديد اختيارات منصات الاتصال دوراً مهماً في تعزيز التواصل، إذ يمكن للمؤسسات تصميم تدريبات إرشادية منتظمة لشرح كيفية استخدام منصات الاتصال المختارة.
وتحدد الدراسة السابقة الذكر أن أعضاء الفريق لهم دور أيضاً في تسهيل التواصل، إذ توصي أعضاء الفرق الافتراضية العالمية بثلاثة سلوكيات مهمة وهي اعتماد المباشرة في الحديث، والانفتاح في أثناء تبادل المعرفة، والأهداف الموجهة نحو المهام.