ملخص: تدفع صناعة الاستراتيجية المسؤولين التنفيذيين إلى مواجهة مستقبل لا يملكون سوى تخمينه. فليس من المستغرب أن يحاولوا تسهيل المهمة عبر إعداد خطة شاملة حول تحقيق أهداف الشركة. لكن الاستراتيجية الجيدة ليست نتاجاً لأبحاث ونماذج لا نهاية لها؛ بل نتيجة عملية تفكير بسيطة حول كيفية تحقيق الهدف وإذا ما كان من الممكن تحقيقه. والقلق جزء من هذه العملية. ففي حال كانت العملية مريحة، ستكون قد وقعت في أحد المزالق الآتية على الأقل.
التخطيط الاستراتيجي
يمكن القول إن التخطيط يساعد على إعداد ميزانيات أدق، ولكن ينبغي عدم الخلط بينه وبين الاستراتيجية.
التفكير المبني على التكلفة
تتناسب التكاليف مع التخطيط على نحو مذهل، لأن الشركة من يتحكم بها. لكن العملاء هم من يتحكمون بالإيرادات، والتخطيط عاجز عن التنبؤ بها.
الأطُر الاستراتيجية الذاتية المرجعية
قد يقع المدراء الذين يتجنبون المزلقين الأولين في مزلق استخدام إطار عمل يقودهم إلى تصميم استراتيجية تعتمد بالكامل حول ما تتحكم فيه الشركة.
يمكن للشركة أن تتجنب هذه المزالق من خلال التركيز على العملاء، وإدراك أن الاستراتيجية تتعلق بالمجازفة، وتوضيح منطق الخيارات الاستراتيجية.
يعلم جميع القادة أهمية الاستراتيجية، ولكنهم يرونها مخيفة في الوقت نفسه لأنها تجبرهم على مواجهة مستقبل لا يملكون سوى تخمينه. والأسوأ من ذلك، أن اختيار الاستراتيجية يستلزم اتخاذ قرارات تتخلى بوضوح عن بعض الاحتمالات والخيارات. وقد يخشى المسؤول التنفيذي أن يؤدي اتخاذ هذه القرارات على نحو خاطئ إلى تدمير حياته المهنية.
رد الفعل الطبيعي هو تسهيل التحدي عبر تحويله إلى مشكلة يمكن حلها بأدوات مجربة ومختبرة. ويعني ذلك عادةً قضاء أسابيع أو حتى أشهر في إعداد خطة شاملة لاستثمار الشركة في الأصول والقدرات الحالية والجديدة من أجل تحقيق الهدف، مثل زيادة الحصة السوقية أو حصة سوقية جديدة. وتُدعم الخطة عادةً بجداول بيانات مفصلة تتوقع التكاليف والإيرادات في المستقبل البعيد. وبنهاية العملية تتضاءل نسبة الخوف لدى الجميع.
هذه الطريقة سيئة جداً لوضع الاستراتيجية. لعلها طريقة ممتازة للتعامل مع الخوف من المجهول، ولكن الخوف والقلق جزآن أساسيان من عملية صناعة الاستراتيجية. في الواقع، إذا لم تشعر بالقلق تجاه استراتيجيتك، فهناك احتمال كبير أنها ليست جيدة. ومن المحتمل أنك وقعت في واحد على الأقل من المزالق التي سأناقشها في هذه المقالة. يجب أن تكون قلقاً وخائفاً، إذ تعتمد الاستراتيجية الحقيقية على المجازفة واتخاذ الخيارات الصعبة. وليس الهدف القضاء على المخاطر، بل زيادة احتمالات النجاح.
استناداً إلى هذه النظرة العامة، يعرف المدراء أن الاستراتيجية الجيدة ليست نتاج ساعات من البحث الدقيق والنمذجة التي تؤدي إلى نتيجة حتمية ومثالية تقريباً. لكنها نتيجة لعملية تفكير بسيطة وتقريبية من التفكير فيما يلزم لتحقيق الهدف ثم تقييم إذا كان من الممكن تحقيقه. إذا اعتمد المسؤولون التنفيذيون هذا التعريف، فبوسعهم وضع الاستراتيجية في مكانها المناسب، وهو خارج منطقة الراحة.
مزلق الراحة رقم 1: التخطيط الاستراتيجي
في كل مرة تُستخدم فيها كلمة "استراتيجية"، تُقرن بشكل من الأشكال بكلمة "خطة"، كما هي الحال في عملية "التخطيط الاستراتيجي" أو "الخطة الاستراتيجية" الناتجة عنها. يحدث الانزلاق الطفيف من الاستراتيجية إلى التخطيط لأن التخطيط عملية مريحة وقابلة للتنفيذ.
ركّز طاقتك على الخيارات الرئيسية التي تؤثر في المتحكمين بالإيرادات؛ أي العملاء.
تتشابه الخطط الاستراتيجية إلى حد بعيد، وتتألف عادةً من ثلاثة أجزاء. الأول هو بيان الرؤية أو رسالة الشركة التي تحدد هدفاً سامياً وطموحاً نسبياً. والثاني هو قائمة المبادرات، مثل إطلاق المنتجات، والتوسعات الجغرافية، ومشاريع البنية التحتية التي ستنفذها المؤسسة لتحقيق الهدف. يعتبر هذا الجزء من الخطة الاستراتيجية منظّماً جداً ولكنه طويل جداً. ويرتبط طول قائمته عموماً بالقدرة على تحمل التكاليف.
والجزء الثالث هو تحويل المبادرات إلى بيانات مالية. وبهذه الطريقة تتوافق الخطة مع الميزانية السنوية على نحو جيد. تحدد الخطط الاستراتيجية موازنة الشركات، وتضع التوقعات لخمسة أعوام من البيانات المالية لكي تستحق الصفة "الاستراتيجية". لكن الإدارة تلتزم عادةً بالعام الأول فقط؛ وبالنسبة إلى الأعوام المتبقية، تعني كلمة "استراتيجي" في الواقع "تخميني".
يمكن القول إن هذه الممارسة تجعل الميزانيات أدق وأشمل. لكن يجب ألّا نخلط بين الخطة والاستراتيجية. لا يكشف التخطيط صراحةً عما لا تريد المؤسسة تنفيذه والأسباب وراء ذلك. ولا يشكك في الافتراضات. ومنطقه السائد هو القدرة على تحمل التكاليف؛ إذ تتكون الخطة من أي مبادرة تناسب موارد الشركة.
والخلط بين التخطيط والاستراتيجية مزلق شديد الانتشار. حتى أعضاء مجلس الإدارة الذين من المفترض أن يحافظوا على التزام المدراء بالاستراتيجية يقعون فيه. فهم مدراء حاليون أو سابقون في المقام الأول، ويجدون أن الإشراف على التخطيط أكثر أماناً من تشجيع الخيار الاستراتيجي. كما أن وول ستريت تهتم بالأهداف القصيرة المدى الموصوفة في الخطط أكثر من اهتمامها بالأهداف الطويلة المدى التي تشكل أساس الاستراتيجية. ويدرس المحللون الخطط من أجل تقييم إذا ما كانت الشركات قادرة على تحقيق أهدافها الفصلية.
مزلق الراحة رقم 2: التفكير المبني على التكلفة
يجرُّ التركيز على التخطيط إلى التفكير المبني على التكلفة بسلاسة. إذ تتناسب التكاليف مع التخطيط على نحو مذهل، لأنها تخضع إلى حد بعيد لسيطرة الشركة. تؤدي الشركة دور العميل بالنسبة إلى الغالبية العظمى من التكاليف. فهي مَن يقرر عدد الموظفين الذين ستوظفهم، ومساحة العقارات التي ستستأجرها، وعدد الآلات التي ستشتريها، وكم ستنفق على الإعلان، وما إلى ذلك. في بعض الحالات يمكن للشركة، مثل أي عميل، أن تقرر التوقف عن شراء سلعة أو خدمة معيّنة، وبالتالي تكون تكاليف إنهاء الخدمة أو التوقف عن العمل تحت سيطرتها. وبطبيعة الحال هنالك استثناءات. تبلغ الهيئات الحكومية الشركات بأنها بحاجة إلى تحويل ضرائب الرواتب لكل موظف وشراء قدر معين من خدمات الامتثال. لكن الاستثناءات التي يُستشهد بها تثبت القاعدة، إذ تشكل التكاليف المفروضة على الشركة من قبل جهات خارجية جزءاً صغيراً نسبياً من التكلفة الإجمالية، ومعظمها مشتق من التكاليف التي تسيطر عليها الشركة. (على سبيل المثال، لا تُفرض ضرائب الرواتب إلا عندما تقرر الشركة تعيين موظف).
حساب التكاليف عملية مريحة لإمكانية التخطيط لها بدقة نسبية، وهي عملية مهمة ومفيدة. تتضرر شركات عدة أو حتى تتدمر عندما تدع تكاليفها تخرج عن نطاق السيطرة. وتكمن المشكلة في أن المدراء ذوي التوجه التخطيطي يتبعون أساليب مألوفة ومريحة بشأن التكلفة والإيرادات، إذ يتعاملون مع تخطيط الإيرادات على أنه مطابق تقريباً لتخطيط التكلفة وعنصر مكافئ في الخطة العامة والميزانية الإجمالية. وتكون النتيجة عادةً الكثير من العمل الشاق لوضع خطط الإيرادات والمبيعات لكل مندوب مبيعات ومنتج وقناة توزيع ومنطقة على حدة.
وعندما لا تظهر الإيرادات المخطط لها، يشعر المدراء بالارتباك وحتى الاستياء. ويتساءلون: "ماذا كان بوسعنا أن نفعل أكثر من ذلك؟ قضينا آلاف الساعات من التخطيط".
هناك سبب بسيط لعدم تحقيق تخطيط الإيرادات النتائج المطلوبة نفسها التي يحققها تخطيط التكلفة. الشركة من يتخذ قرارات التكاليف، لكن العملاء هم من يتحكمون بالإيرادات، باستثناء الحالة النادرة للشركات الاحتكارية، يقرر العملاء بملء إرادتهم إن كانوا سيقدمون الإيرادات للشركة، أو لمنافسيها، أو للا أحد على الإطلاق. قد تخدع الشركات أنفسها بالاعتقاد أن الإيرادات تقع تحت سيطرتها، لكن الإيرادات غير قابلة للتحديد أو التحكم، وبالتالي فإن عمليات التنبؤ والتخطيط ووضع الميزانيات الخاصة بها تعتمد على تقديرات غير دقيقة.
وبطبيعة الحال، يُعد تخطيط الإيرادات على المدى القصير أسهل بكثير بالنسبة إلى الشركات التي تمتلك عقوداً طويلة الأجل مع العملاء. على سبيل المثال، بالنسبة إلى شركة طمسون رويترز (Thomson Reuters) المختصة بتزويد معلومات الأعمال، يأتي الجزء الأكبر من إيراداتها السنوية من الاشتراكات المتعددة السنوات. المبلغ المتغير الوحيد في خطة الإيرادات هو الفرق بين مبيعات الاشتراكات الجديدة وعمليات الإلغاء في نهاية العقود الحالية. وبالمثل، إذا كان لدى الشركة طلبات متراكمة طويلة، على غرار شركة بوينغ (Boeing)، فسوف تكون قادرة على التنبؤ بالإيرادات على نحو أدق، على الرغم من أن مشكلة تأخر تسليم طائرات بوينغ دريملاينر أثبتت أنه حتى "الطلبات المؤكدة" لا تتحول تلقائياً إلى إيرادات مستقبلية. ويتحكم العميل في جميع الإيرادات على المدى الطويل.
الفرص العملاقة تشجع على الاستراتيجية السيئة
تفضِّل الشركات في العديد من القطاعات شريحة صغيرة من سوق ضخمة على شريحة كبيرة من سوق صغيرة. والفكرة السائدة بطبيعة الحال هي أن الأولى تَعِد بإمكانات نمو غير محدودة. وهناك شيء من الحقيقة في ذلك. ولكن غالباً يشجع حجم الفرصة على وضع استراتيجيات غير متقنة. فلماذا نختار سوقاً صغيرة ونفكر كيف نكسب عندما يكون هناك سوق ضخمة نستطيع أن نكسب بها؟ الجميع عملاء محتملون، لذا علينا فقط الذهاب والبيع. ولكن عندما يكون الجميع عملاء محتملين، فمن المستحيل معرفة من يجب استهدافه وما يريدونه فعلياً. وتكون النتيجة عرضاً لا يجذب أي شخص، وفريق مبيعات لا يعرف أين يركز جهوده. وفي هذه الحالة يكون وضع الاستراتيجية الواضحة والتفكير الواضح في الفرص هما الأهم. عندما تكون أمام فرصة نمو هائلة، فمن الأفضل أن تفكر بكل خطوة، حدد الجزء الذي يجب التعامل معه من السوق أولاً واستهدفه بدقة وباستمرار. بمجرد وصولك إلى وضع مهيمن في هذا الجزء، توسع إلى الجزء التالي وهلمّ جرّاً.
وخلاصة القول هي أن القدرة على التنبؤ بالتكاليف تختلف جوهرياً عن القدرة على التنبؤ بالإيرادات. لا يمكن للتخطيط أن يأتي بالإيرادات بطريقة سحرية، والجهد الذي تبذله في وضع خطط الإيرادات ما هو إلا إلهاء عن المهمة الأصعب لواضعي الاستراتيجيات، وهي العثور على طرق لاكتساب العملاء والاحتفاظ بهم.
مزلق الراحة رقم 3: الأطر الاستراتيجية الذاتية المرجعية
لعل هذا المزلق هو الأدهى لقدرته على خداع المدراء الذين يحاولون بناء استراتيجية حقيقية بعد أن نجحوا في تجنب مزلقي التخطيط والتكلفة. عند تحديد الاستراتيجية وصياغتها، يعتمد معظم المسؤولين التنفيذيين أحد أطر العمل القياسية. للأسف، قد يدفع اثنان من أكثر الأطر شيوعاً الاستراتيجي غير الحذر إلى تصميم استراتيجية تدور بالكامل حول ما يمكن للشركة التحكم فيه.
في عام 1978، نشر هنري مينتزبيرغ مقالاً مؤثراً في مجلة علوم الإدارة قدَّم فيه الاستراتيجية الطارئة، وهو مفهوم نشره لاحقاً لجمهور الأعمال غير الأكاديمي الواسع في كتابه الناجح "صعود وسقوط التخطيط الاستراتيجي" (The Rise and Fall of Strategic Planning) في عام 1994. كانت رؤية مينتزبيرغ بسيطة ولكنها قوية للغاية. إذ ميّز بين الاستراتيجية المدروسة مسبّقاً؛ أي المتعمّدة، والاستراتيجية الطارئة التي لا تعتمد على نية مسبّقة ولكنها تتشكل من استجابة الشركة لمجموعة متنوعة من الأحداث غير المتوقعة.
لا يكشف التخطيط صراحةً عما لا تريد المؤسسة تنفيذه والأسباب وراء ذلك. ولا يشكك في الافتراضات.
تستند فكرة مينتزبيرغ إلى مراقبته لكيفية مبالغة المدراء في تقدير قدرتهم على التنبؤ بالمستقبل والتخطيط له بطريقة تقنية دقيقة. ومن خلال التمييز بين الاستراتيجية المتعمدة والاستراتيجية الطارئة، أراد مينتزبيرغ تشجيع المدراء على مراقبة التغييرات في بيئة أعمالهم بدقة وتصحيح استراتيجيتهم المتعمدة وفقاً لها. كما حذّر من مخاطر الالتزام باستراتيجية ثابتة في مواجهة التغيرات الجوهرية في البيئة التنافسية.
كل هذه النصائح منطقية جداً ومن الحكمة أن يتّبعها المدراء، لكن معظم المدراء لا يتبعونها. إذ يعتمد معظمهم على فكرة أن الاستراتيجية تتبلور مع نضوج الأحداث، ويبرروا ذلك بأن المستقبل متقلب وغير قابل للتنبؤ به، وليس من المنطقي اتخاذ خيارات استراتيجية حتى يصبح المستقبل واضحاً بدرجة كافية. لاحظ كم هو مريح ذلك التبرير، فلا حاجة إلى اتخاذ قرارات مقلقة بشأن أحداث غير معروفة ولا يمكن السيطرة عليها.
لكن القليل من البحث المنطقي يكشف عن بعض العيوب الخطرة فيه. في حال كان المستقبل غير قابل للتنبؤ به ومتقلباً إلى درجة لا تسمح باتخاذ خيارات استراتيجية، فما الذي يدفع المدير إلى الاعتقاد أن المستقبل سيصبح أقل تقلباً؟ وكيف يمكن لهذا المدير أن يعرف النقطة التي تكون فيها القدرة على التنبؤ عالية بدرجة كافية وتكون التقلبات منخفضة بما يكفي للبدء باتخاذ الخيارات؟ طبعاً الفرضية غير مقبولة، فلن يأتي اليوم الذي يكون فيه المرء متيقناً أن المستقبل قابل للتنبؤ به.
لذلك أصبح مفهوم الاستراتيجية الطارئة مجرد عذر مفيد لتجنب الخيارات الاستراتيجية الصعبة، ولتكرار الاختيارات التي يبدو أنها ناجحة بالنسبة إلى الآخرين، باعتبارها "التابع السريع"، ولتجنب أي انتقاد لعدم الانطلاق في اتجاه جريء. لن يؤدي اتباع اختيارات المنافسين إلى تحقيق ميزة أو قيمة فريدة أبداً. لم يقصد مينتزبيرغ أي شيء من هذا، ولكنه نتيجة شائعة لإطار عمله لأنه يريح المدراء.
في عام 1984، بعد ست سنوات من مقالة مينتزبيرغ الأصلية التي قدَّم فيها الاستراتيجية الطارئة، كتب بيرغر فيرنرفيلت مقالة بعنوان "رؤية الشركة القائمة على الموارد"، التي طرحت مفهوماً آخر تبنّاه المدراء بحماسة في الاستراتيجية. وفي عام 1990 حظيت وجهة نظر فيرنرفيلت القائمة على موارد الشركة بشعبية كبيرة بين المدراء، وذلك عندما كتب براهالاد وغاري هامل أحد أكثر المقالات قراءة على نطاق واسع في هارفارد بزنس ريفيو، بعنوان "الكفاءة الأساسية للشركة".
يشير مفهوم "الرؤية القائمة على الموارد" إلى أن أساس ميزة الشركة التنافسية هو امتلاك قدرات ذات قيمة ونادرة وفريدة ولا يمكن الاستغناء عنها. وأصبح هذا المفهوم جذاباً بشدة في نظر المسؤولين التنفيذيين، لأنه بدا كأنه يشير إلى أن الاستراتيجية تتلخص في تحديد "الكفاءات الأساسية" أو "القدرات الاستراتيجية" وبنائها. لاحظ أن ذلك يقع ضمن نطاق ما يمكن معرفته والتحكم فيه. إذ يمكن لأي شركة بناء فريق مبيعات تقني أو مختبر تطوير برمجيات أو شبكة توزيع واعتبارها من الكفاءات الأساسية. وبوسع المسؤولين التنفيذيين الاستثمار براحة في مثل هذه القدرات والتحكم في التجربة برمتها، وضمان النجاح في حدود المعقول.
المشكلة هي أن القدرات في حد ذاتها لا تقنع العميل بالشراء، بل الذين يقدمون معادلة ذات قيمة عالية جداً لمجموعة معينة من العملاء هم القادرون. ولكن لا يمكن التحكم بالعملاء والسياق ولا يمكن التنبؤ بهما. يفضل العديد من المسؤولين التنفيذيين التركيز على القدرات التي يمكن التأكد من تعزيزها. وإذا لم يحقق ذلك النجاح، يُلقى اللوم على العملاء المتقلبين أو المنافسين غير المنطقيين.
تفادي المزالق
من السهل تحديد الشركات التي وقعت في هذه المزالق. (انظر الشكل التوضيحي "هل أنت عالق في منطقة الراحة؟") في تلك الشركات، تشعر مجالس الإدارة براحة شديدة مع المخططين وتقضي الكثير من الوقت في مراجعة أعمالهم والموافقة عليها. وتركز المناقشات في اجتماعات الإدارة ومجلس الإدارة على كيفية تحقيق المزيد من الأرباح من الإيرادات الحالية بدلاً من كيفية توليد إيرادات جديدة. تتعلق مقاييس الأداء الرئيسية بالماليات والقدرات، أما التي تتعامل مع رضا العملاء أو الحصة السوقية (وبخاصة التغييرات في الحصة السوقية) فتأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية.
هل أنت عالق في منطقة الراحة؟
على الأرجح نعم: لديك مجموعة تخطيط استراتيجي ضخمة للشركة.
على الأرجح لا: لديك مجموعة تخطيط استراتيجي صغيرة للشركة، إن وجِدت.
على الأرجح نعم: بالإضافة إلى الربح، تعتمد أهم مقاييس الأداء لديك على التكلفة والقدرات.
على الأرجح لا: بالإضافة إلى الربح، تعتمد أهم مقاييس الأداء لديك على رضا العملاء والحصة السوقية.
على الأرجح نعم: موظفو التخطيط الاستراتيجي من يقدم الاستراتيجية إلى مجلس الإدارة.
على الأرجح لا: المسؤولون التنفيذيون من يقدم الاستراتيجية إلى مجلس الإدارة.
على الأرجح نعم: يصر أعضاء مجلس الإدارة على إثبات نجاح الاستراتيجية قبل الموافقة عليها.
على الأرجح لا: يطلب أعضاء مجلس الإدارة وصفاً دقيقاً للمخاطر التي تنطوي عليها الاستراتيجية قبل الموافقة عليها.
كيف يمكن للشركة تفادي هذه المزالق؟ بما أن أساس المشكلة نفور الناس الطبيعي من القلق والخوف، فإن العلاج الوحيد هو اعتماد نظام صناعة استراتيجية يشعرك ببعض القلق. يتضمن ذلك الحرص على توافق عملية صناعة الاستراتيجية مع ثلاث قواعد أساسية. إن الالتزام بالقواعد ليس بالأمر السهل ولن يؤدي بالضرورة إلى استراتيجية ناجحة، فمنطقة الراحة مغرية دائماً. ولكن إذا تمكنت من اتباعها، فستضمن على الأقل أن استراتيجيتك لن تكون سيئة.
القاعدة رقم 1: اجعل بيان الاستراتيجية بسيطاً
ركّز طاقتك على الخيارات الرئيسية التي تؤثر في المتحكمين بالإيرادات؛ أي العملاء. لأنهم سيقررون إنفاق أموالهم لصالح شركتك في حال كان عرض القيمة الذي تقدمه متفوقاً على المنافسين. ثمة قراران يحددان النجاح: قرار اختيار ميدان العمل (أي العملاء المستهدفين) وقرار طريقة الفوز (طريقة تقديم عرض قيمة مقنع لهؤلاء العملاء). إذا لم يكن العميل موجوداً في القطاع أو المنطقة التي تختار الشركة العمل فيها، فمن المحتمل ألّا يكون على دراية بطبيعة عروضها ومدى توافرها. إذا تواصلت الشركة مع هذا العميل، فإن خيار طريقة الفوز سيحدد إذا ما كان سيجد العميل معادلة القيمة المستهدفة للعرض مقنعة.
وفي حال كانت الاستراتيجية تتعلق بهذين القرارين فحسب، فلن تحتاج إلى تضمين وثائق تخطيط طويلة ومملة. لا يوجد ما يمنع من تلخيص الخيارات الاستراتيجية للشركة في صفحة واحدة بكلمات ومفاهيم بسيطة. إن تحديد الخيارات الرئيسية كميدان العمل وطريقة الفوز يبقي المناقشة واقعية ويزيد احتمالية مشاركة المدراء في التحديات الاستراتيجية التي تواجهها الشركة بدلاً من التراجع إلى منطقة التخطيط المريحة لهم.
القاعدة رقم 2: اِعلم أن الاستراتيجية لا تستوجب المثالية
كما ذكرت سابقاً، يشعر المدراء دون وعي أن الاستراتيجية يجب أن تحقق الدقة والقوة التنبؤية الموجودة في تخطيط التكلفة، وبعبارة أدق، يجب أن تكون قريبة من المثالية. وبما أن الاستراتيجية تتعلق أساساً بالإيرادات وليس بالتكلفة، فإن المثالية تعد معياراً مستحيلاً. وبالتالي، تقلل الاستراتيجية في أفضل حالاتها من مخاطر مشاريع الشركة. يجب على المدراء استيعاب هذه الحقيقة إن أرادوا عدم القلق من عملية صناعة الاستراتيجية.
ولكي يحدث ذلك، تحتاج مجالس الإدارة والجهات التنظيمية إلى تعزيز فكرة أن الاستراتيجية تنطوي على المجازفة، وليس على إلغائها. وما يضعف عملية صناعة الاستراتيجية هو طلب مجلس الإدارة من المدراء ضمان استراتيجياتهم، وطلب الجهات التنظيمية منهم التصديق على دقة عمليات صناعة القرار الخاصة بالاستراتيجية. ومهما رغبت مجالس الإدارة والجهات التنظيمية في أن يكون العالم قابلاً للتنبؤ ويمكن السيطرة عليه، فالواقع مختلف تماماً. وإن لم تتقبل ذلك، فسوف تحصل على التخطيط بدلاً من الاستراتيجية، والكثير من الأعذار حول أسباب غياب الإيرادات.
القاعدة رقم 3: أوضح المنطق في الاستراتيجية
الطريقة الوحيدة المؤكدة لتحسين معدل نجاح اختياراتك الاستراتيجية هي اختبار منطق تفكيرك. لكي تكون اختياراتك منطقية، ما الذي يجب عليك أن تفكر فيه بشأن العملاء، وتطور القطاع، والمنافسة، وقدراتك؟ ومن المهم أن تكتب الإجابات عن هذه الأسئلة، لأن العقل البشري يميل إلى إعادة صياغة التاريخ وتصور الأحداث بأنها جرت بالشكل المخطط له بدلاً من تذكر كيف جازف في اتخاذ القرارات الاستراتيجية ولماذا. ففي حال سجلنا منطق الاستراتيجية ثم قارناه بالأحداث الحقيقية، سيتمكن الإداريون من التعرف بسرعة على الحالات التي لا تحقق الاستراتيجية فيها النتائج المرجوة وكيف، وسيتمكنون من إجراء التعديلات اللازمة، كما رأى هنري مينتزبرغ تماماً. بالإضافة إلى ذلك، سيتمكن المدراء من تحسين عملية اتخاذ القرار الاستراتيجي من خلال مراقبة الخطوات الفعالة وغير الفعالة بدقة.
ستتلاشى مخاوف المدراء من اتخاذ خيارات استراتيجية في حال اتبعوا هذه القواعد، وهو أمر جيد إلى حد ما. إذا اتخذت الشركة الخيارات المريحة، فقد تفوّت تغييرات مهمة في بيئة عملها. وقد بيّنتُ أن التخطيط وإدارة التكاليف والتركيز على القدرات مزالق خطرة لصانعي الاستراتيجية. ومع ذلك، فإن هذه العمليات ضرورية؛ ولا يمكن لأي شركة إهمالها. فإذا كانت الاستراتيجية هي التي تقنع العملاء على منح الشركة إيراداتها، فإن التخطيط ومراقبة التكاليف والقدرات تحدد إذا ما كان بإمكان الشركة الحصول على الإيرادات بسعر مربح. ونظراً للطبيعة البشرية، سيسيطر التخطيط والأنشطة الأخرى دائماً على الاستراتيجية بدلاً من خدمتها ما لم يُبذل جهد مستمر لمنع ذلك. وفي حال كانت استراتيجية شركتك مريحة، فمن المرجح أنك لا تبذل ذلك الجهد.