لا تُعين خبيراً رقمياً لقيادة عملية التحول الرقمي

6 دقائق
إدارة التحول الرقمي

من هو الشخص المناسب لقيادة عملية التحول الرقمي في شركتك؟ تخيل أن عليك اختيار أحد هؤلاء المرشحين الثلاثة:

  • سامي، مطلع من داخل الشركة وصاحب سجل حافل، إلا أنه غير ملمّ بالمجال الرقمي.
  • سارة، خبيرة رقمية شابة تولت قيادة مهمة توسيع إحدى الفئات في شركة أمازون.
  • صوفيا، مستشارة ذكية كانت تعمل سابقاً في شركة ماكنزي، وصاحبة خبرة في تقديم النصائح في المجال الرقمي.

من الذي ستختاره؟ يختار معظم المسؤولين التنفيذيين المشمولين في دراستنا الاستقصائية سارة الخبيرة الرقمية. ولكن هل هذا هو الخيار الصحيح؟

إدارة التحول الرقمي في الشركات

خذ هذا المثال من تجربة حقيقية لشركة عالمية لتصنيع الأجهزة، والتي عينت مثل هذه الخبيرة الرقمية لقيادة عملية التحول الرقمي في الشركة. وظف فريق القيادة المسؤولة التنفيذية من الشركة المكافئة لأمازون في أوروبا. لا يقتصر سجل هذه المرشحة على خبرتها العميقة في شركة تجارة إلكترونية قائمة على الرقمنة وحسب، بل تولت أيضاً قيادة عدة عمليات ناجحة لتوسيع فئات في تلك الشركة، وكانت تعمل في كل مرة على تطوير رحلة عميل جديدة وإعادة النظر في نموذج العمل. كانت تبدو مرشحة مثالية قادرة على التكيف مع عملية التحول الرقمي وقيادتها.

جالت الشركة لمدة شهرين لشرح الاستراتيجية الجديدة لكبار المسؤولين التنفيذيين. وجدت بعد جولتها أنه وعلى الرغم من أن غالبيتهم مهندسون موهوبون، إلا أنهم متخوفون من التغيير المصاحب للرقمنة. لهذا قررت أنها بحاجة إلى استحداث وحدة عمل منفصلة عن المقرات الرئيسة؛ لتتمكن من توظيف أفضل المهارات الرقمية وتنفيذ استراتيجية لإعادة ابتكار العمل دون أن يكون مقيداً بموظفين متوترين من داخل الشركة.

بدا كل شيء جيداً في بداية الأمر: درس فريق المهام الابتكارية تجربة العميل (كان العملاء غالباً شركات تتعامل مع شركات أخرى، بما أن شركة التصنيع كانت تبيع إلى شركات التجزئة)، كما طور الفريق أدوات القناة الرقمية. وبعد إطلاقها، حقق بعض المبيعات المبدئية من خلال القنوات الإلكترونية. ومع ذلك لم تكن المبيعات كما يجب، والسبب يعود باعتقاد الفريق إلى محدودية ميزانية التسويق الإلكتروني. وباستخدام شبه موافقة من الرئيس التنفيذي، أعادت المسؤولة توجيه ميزانيات التسويق التقليدي نحو المبادرة الإلكترونية لتحقيق المزيد من المبيعات. وقد ازدادت المبيعات بمقدار بسيط.

ولكن في هذه الأثناء كانت الفوضى تعمّ أرجاء المؤسسة. وكان الشركاء المتخبّطون يتصلون للاستفسار عن سبب اختلاف التسعير بين البوابة الإلكترونية وفريق المبيعات الذي يزور المتجر. كما بدأ الزبائن الغاضبون بمجادلة ممثلي الشركة ليتمكنوا من فهم سبب عدم تفاعل القناة الإلكترونية مع الطلبات التي قدموها عبر مندوبي المبيعات وكذلك سبب عدم وصول المنتجات إليهم. والأسوأ من ذلك أن مبيعات القنوات التقليدية، والتي لا تزال تمثل 99% من الإيرادات، بدأت بالانخفاض. ومع استجابة المسؤولين التنفيذيين عبر المؤسسة لهذه التطورات، توقف التعاون وانهارت المبيعات الرقمية تماماً. وكانت النتيجة أن تحولت مبيعات الخبيرة الرقمية من صفر إلى صفر آخر خلال ثمانية أشهر.

ما سبب فشل الاستراتيجية النظرية؟ هل يمكن إرجاع سبب الفشل إلى المتّهمين الكلاسيكيين وهم كبار المسؤولين التنفيذيين غير المنفتحين على أي جديد، والذين يحاولون حماية نموذج عملهم القديم؟ أم إلى نقص الموارد والدعم؟ ربما يكون كذلك.

ولكن لو سرّعنا الشريط بضعة أشهر عندما حاولت الشركة المحاولة مرة أخرى نرى صورة مختلفة. بمساعدة أحد مؤلفي هذا المقال، اختار الفريق التنفيذي شخصاً غير متوقع من داخل الشركة لقيادة المبادرة الرقمية: الرئيسة السابقة لمؤسسة المبيعات ذاتها، والتي كانت الأكثر مقاومة للتحول الرقمي، كانت قائدة بخبرة ضئيلة في المجال الرقمي وذات شخصية حادة الطباع، إلا أنها حققت نتائج جيدة وكانت مستعدة للتعلم.

اقرأ أيضاً: كيف نجحت إحدى الرئيسات التنفيذيات في قيادة عملية التحول الرقمي؟

على الرغم من رفضها لقيادة المبادرة في البداية، إلا أنها عندما قبلت العرض حافظت على الفريق الرقمي بأكمله ثم قررت، بما تتصف به من تصميم، فهم احتياجات الزبائن، و الشركة، من خلال مقابلة كبار المسؤولين التنفيذيين داخل الشركة ومع شركائهم في البيع بالتجزئة لفهم احتياجاتهم واستراتيجيات التسعير وقنوات التوزيع.

أعادت بعد ذلك تصميم الاستراتيجية الرقمية، محققة التوازن بين مبيعات القنوات التقليدية والإلكترونية. وبعد ذلك، ركزت على تدريب فريق المبيعات والمسؤولين التنفيذيين في الشركة على الطرق التي يمكن أن تساعدهم بها المبادرة الرقمية على تحقيق أهدافهم، مع إرشادهم حول النماذج التشغيلية ونماذج التسعير المختلفة، وكيف بإمكانهم الاستفادة من الرقمنة على المدى الطويل. ثم عملت مع كل زبون على حدة لفهم كيفية مساعدة فريق المبيعات والمسؤولين التنفيذيين على النجاح، على سبيل المثال، من خلال العمل المشترك على إعطاء منتجات شركة الأجهزة أولوية قصوى في متاجر البيع بالتجزئة الإلكترونية. كررت العملية، وعملت على تحسين النموذج مع تسجيل كل زبون جديد.

اقرأ أيضاً: ما هي القواسم المشتركة بين التحولات الرقمية الناجحة؟

كان الجهد الجديد ناجحاً جداً، وأصبحت الشركة رائدة في المجال الرقمي من خلال عملها مع شركائها من الشركات التي تتعامل مع شركات أخرى، وعبر استكشاف المبادرات الرقمية للتعامل التجاري بين الشركات والأفراد عندما يكون ممكناً (وغالباً ما يكون ذلك في مناطق تتمكن فيها هذه الشركات من إضافة قيمة فريدة تعجز شركات التجزئة عن تقديمها).

استخدام الأدوات الرقمية بشكل فعال

بعد أن اتضحت الصورة، يمكنك فهم سبب فشل الجهد الأول الذي تبع الاستراتيجية النظرية، وسبب نجاح الجهد الثاني والذي كان يبدو في بداية الأمر كما لو أنه تأخر رقمي. وكما أشرنا في مقال سابق في هارفارد بزنس ريفيو "الرقمية لا تعني الزعزعة دائماً"، لا يعني التحول الرقمي إعادة التفكير الثورية بقدر ما يُعنى بتعلم كيفية استخدام الأدوات الرقمية لخدمة الزبائن بصورة أفضل. وهذا قد يتطلب إعادة تنظيم داخلي، بما في ذلك فتح الأبواب المغلقة لخدمة احتياجات الزبائن واستخدام البيانات، ولكن حتى في هذه الحالات فالأمر يتعلق بالتغيير المؤسسي والقيادة بقدر ما يتعلق بالرقمية أيضاً.

قد يكون الخبراء الرقميون قادرين على بدء تجارة رقمية من الصفر دون القيود التي تواجهها الشركات الراسخة، ولكن عند العمل في بيئة حقيقية لشركة ما، عادة ما يفشلون لأنهم ببساطة لا يفهمون جوهر العمل التجاري. وعادة ما يبدأ سقوطهم مبكراً بمجرد ما يبدؤون في نشر رؤيتهم حول عملية التحول الكامل للشركة دون أخذ طريقة العمل بعين الاعتبار، أو حتى تقدير الاحتياجات الحقيقية للقادة والزبائن. وعادة ما يكون هذا متبوعاً بفترة يوبخ فيها الخبير الرقمي بقية أفراد الشركة بسبب بطئهم وفتور همتهم، وتبلغ هذه الفترة ذروتها عندما يفصل الجانب الرقمي إلى وحدة منفصلة يتمتع فيها الفريق بحرية ابتكار ما يتصوره والذي يكون بعيداً جداً عن جوهر نجاح المؤسسة. وكان هذا ما رأيناه بالضبط في جميع الشركات التي درسناها تقريباً، والتي اختارت خبيراً رقمياً لهذه المهمة.

وفي المقابل، نجح المطّلعون من داخل الشركة من أصحاب الخبرة الرقمية البسيطة عندما عُينوا لقيادة المبادرات الرقمية في 80% من الأوقات (من بين الحالات الخمسين التي درسناها). ما هو سبب نجاحهم؟ لأن التحول الرقمي في النهاية يُعنى بالتغيير المؤسسي بقدر ما يتعلق بالتقنية. يتميز الموظفون من داخل الشركة، والمستعدون للتعلم، بأنهم مطّلعون على طريقة العمل، ولديهم العلاقات اللازمة لإنجاز الأمور، والأهم من هذا، أنهم قادرون على تحديد الأمور التي يجهلونها. وأيضاً يدركون الحالات التي يحتاجون فيها إلى مساعدة: لذلك يوظف المطّلعون الأذكياء خبراء رقميين في فريقهم، ومن ثَم يقودونهم إلى النجاح، بناء على فهمهم الخاص لطريقة استخدام الأنظمة الرقمية لخدمة العمل.

وكمثال ختامي، تأمّل المشاكل التي تواجه شركة تجزئة كبيرة تحاول إطلاق قناة تجارة إلكترونية. بدأت هذه الشركة بتوظيف خبير رقمي من إحدى أفضل شركات التجزئة الإلكترونية. ومع أن الخبير كان يتقن الأمور الإلكترونية بصورة جيدة، إلا أنه عانى لفهم طريقة عمل الشركة، وبدأ سريعاً بإهانة المطّلعين من داخل الشركة، والذين كان بحاجة إليهم لإنجاح العمل. فشلت المبادرة فشلاً كاملاً بعد عامين من بدئها. ومع استمرار معاناة الفريق التنفيذي لتحديد المرشح التالي لهذه المهمة، أخبرناهم بما يلي، "انسوا قليلاً أن الأمر يتعلق بالتحول الرقمي: وتخيلوا أنكم على وشك الدخول إلى الصين، من الذي قد تختارونه لقيادة هذه المبادرة الصعبة؟" أجابوا مباشرة: طارق، من أفضل المسؤولين التشغيليين في الشركة وصاحب سجل إنجازات في النجاح ضمن الظروف الصعبة. وكان ردنا عليهم "هذا الشخص هو القائد المناسب". إلا أن طارق ضحك عندما عرضنا عليه الأمر. "ليس لدي أدنى فكرة عن المجال الرقمي، ولكنني مستعد للتعلم".

بدأ طارق مباشرة بأكثر عمل يتقنه، وهو بناء فريق رائع. يعتقد طارق أن الفِرق السعيدة والمنتجة أكثر فاعلية في توليد إيرادات بدلاً من المبيعات. ولكن عوضاً عن البدء من الصفر، احتفظ طارق بالخبراء الرقميين المعينين سابقاً وبدأ باستكشاف الطريقة المناسبة لجعلهم يعملون سوية. وبعد ذلك عمل طارق على فهم كيفية إنجاح التحول الرقمي بما يتناسب مع الشركة، عبر الاجتماع مع رؤساء فئات المنتجات وفرق المبيعات للحديث حول الطرق التي يمكنه مساعدتهم بها على النجاح. وبعد فترة قصيرة تحول المشروع الرقمي من فشل كامل وعدم قدرة على جرد المخزون بسبب الصراع الداخلي مع رؤساء الفئات، إلى جهد مشترك تآزري في الشركة التي نمت بسرعة.

ولكن هذا لا يعني أن طارق لم يكن مضطراً إلى تحدي الوضع الراهن. كمثال على ذلك، كانت الشركة تؤمن أنه "يجب إدراج" بعض المنتجات في المبادرة الإلكترونية لأنها كانت جزءاً من هوية الشركة الأساسية. ولكن عندما أجرى طارق تحليل وحدة حفظ المخزون، وجد أنه يخسر المال على هذه المنتجات. ولأن طارق كان مستوعباً للتغيير المؤسسي والسياسة، ذهب إلى مسؤولي المنتجات وشاركهم معضلته بدلاً من انتهاك قواعد الشركة بإيقاف هذه الفئات وحسب كما فعل الموظف الذي قبله: "أنا أخسر المال على هذه المنتجات. كيف يمكننا معالجة هذا الأمر سوية لأتمكن من بيع المزيد من هذه المنتجات؟" وقد توصلوا سوية إلى بعض الحلول المبتكرة.

وعندما بدأت متاجر التجزئة تشكو عائدات المشروع الإلكتروني، ذهب طارق بنفسه إلى مدراء المتاجر وأخبرهم "هذه مشكلتي أنا، كيف يمكنني إصلاحها؟" تحول مدراء المتاجر بفضل سلوك طارق من أعداء إلى أصدقاء وتوصلوا سوية إلى حلول مناسبة، فقد غيروا على سبيل المثال طريقة وصف بعض المنتجات التي تُعاد عادة. وفي النهاية، نجح طارق وهو المطّلع من داخل الشركة، بينما فشل الخبير الرقمي، وهذا ليس بسبب اطلاعه على الأمور التقنية، بل لأنه فهم جوهر العمل وركز على الناس والعلاقات معهم. في النهاية، يتعلق التحول الرقمي بالتغيير المؤسسي بقدر ما يتعلق بالأنظمة الرقمية التي تساعد في إدارة التحول الرقمي.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي