إليك هذا المقال الذي يشرح كيف تقول لا للأشياء التي تحبها أحياناً. من منّا لم يسمع هذه النصيحة: إذا أردت إنجاز المزيد، فعليك بتقليص ساعات مشاهدة التلفاز وتصفح موقع "فيسبوك" (Facebook)، وستندهش عندما تكتشف أنك استعدت نحو خمس إلى عشر ساعات من حياتك أسبوعياً.
ولكن هذا اقتراح ساذج بالنسبة للمهنيين الطموحين.
إننا نؤدي مهاماً متعددة في آنٍ واحدٍ لتوفير الوقت، فعلى سبيل المثال، نستمع إلى الكتب الصوتية أثناء غسل الصحون، ونرد على رسائل البريد الإلكتروني أثناء الانتظار في طوابير متاجر البقالة، ونرد أيضاً على الرسائل الصوتية أثناء القيادة في طريق عودتنا إلى المنزل من العمل.
لذلك إذا كنا نرغب حقاً في زيادة إنتاجيتنا، فليس أمامنا سوى حل وحيد، وهو حل غير يسير. علينا تعلم كيفية الإحجام عن الأمور التي تبدو محببة بالنسبة لنا.
كيف تقول لا للأشياء التي تحبها؟
ربما يجد الشخص المتحمس والمتفائل صعوبة في الامتناع عمّا يرغب فيه. لكن ما يعينه على ذلك وييسر عليه اتخاذ قرار الرفض هو عدم جاذبية الأمر المعروض عليه، مثل إلقاء خطاب غير مدفوع الأجر في مكان وزمان غير مناسبين، أو الاستمرار في جلسة حوار طويلة وشاقة لا طائل من ورائها. وقد يترتب على الإحجام عن قبول فرص لا تعوّض شعور بالحسرة والندم، وما قد يهون على الإنسان وطأة ذلك الشعور أن تلك الفرص لا تقع ضمن نطاق أولوياته التي وضعها لنفسه بمحض إرادته.
اضطررت مؤخراً إلى كتابة رسالة إلكترونية شعرت بعدها بالاستياء، فقد رفضت فرصة لإلقاء خطاب في جزيرة "جراند كايمان" عرضها عليّ صديق قديم، على الرغم من أنني كنت لأقتنصها في الماضي بلا شك، لقد اجتمعت في هذا العرض عناصر لا يمكن مقاومتها: رحلة إلى جزر الكاريبي بصحبة صديق حميم ومبلغ من المال. لكنني رفضت، وأرى ذلك القرار، لأن إحجامي عن تلك الفرصة منحني متسعاً من الوقت للسعي وراء تحقيق أهدافي بعيدة الأمد.
ربما يكون هذا المثال صارخاً، وأفترض أن عدة فرص مغرية صادفتك أيضاً، لكن ليس لديك الوقت الكافي لاقتناصها جميعاً، أو ربما معظمها. لذا سأعرض عليك السبيل الذي سيساعدك على إبداء الرفض، وكذلك الأسئلة التي تطرحها على نفسك لشحذ عزيمتك لتواصل التركيز على أهدافك.
ما أهم أولوياتك المهنية ثم كيف تقول لا للأقل أهمية؟
لا شك أنك ستشعر بحماسة غامرة لاقتناص الفرص الجديدة التي تُعرض عليك، لكن لا يجب أن يؤثر ذلك على الخطة التي وضعتها لنفسك بعناية. ما أهم هدفين أو ثلاثة أهداف وضعتها خلال العام الحالي؟ كانت أهدافي، إجراء بعض الأبحاث، وتأليف كتاب جديد، وإطلاق دورة تدريبية عبر الإنترنت، وتوفير دخل معين عبر إلقاء الخطابات وتقديم الاستشارات. (رغم المتعة الكبيرة التي كنت سأحصل عليها في مغامرة الجزيرة، إلا أنني سأفقد جزءاً من دخلي المعتاد، وسأخسر جزءاً من الوقت الذي حددته لتحقيق هدفيّ الأول والثاني).
ما المقصود بالالتزام الكامل؟
من السهل التركيز على الجانب "المشرق" من الفرصة المعروضة عليك، حتى لو كان ذلك الجانب هو مجرد الشعور بالفخر وتقدير الذات الناتجين عن تلقي دعوة لأداء مهمة ما. ولكن عليك التعرف على ماهية العرض. إلى جانب الالتزام نفسه، هل يشمل مهاماً مثل التخطيط أو إنجاز عمل تحضيري سلفاً؟ ما توقيت السفر؟ هل ستُجري مكالمات متابعة؟ إن التأني في هذه الأمور سيجعل العائد (أو فقدانه) أكثر وضوحاً. لذا من الضروري دراسة الفرصة من جميع الجوانب قبل إبداء موافقتك. فالموافقة على تقديم ندوة عبر الإنترنت، على سبيل المثال، قد تبدو بمثابة التزام لمدة ساعة واحدة فقط، لكن في الواقع ينطوي الأمر على إعداد الشرائح وتحريرها حسب التعليقات التي وردت إليك، وإجراء مكالمات تحضيرية مع الجهة المعنية، وإعداد ملخص فني قبل انعقاد الندوة بعدة أيام، ما يستهلك عدداً من الساعات الإضافية من العمل "الخفي".
ما تكلفة الفرصة البديلة؟
مؤخراً، وصف لي أحد عملائي، ويعمل مدرباً، ما أصابه من خيبة أملٍ عندما وافق على إلقاء خطاب تطوعي، فلم يكن مشغولاً خلال تلك الفترة، وحدثت المفارقة بأن تلقى بعد ذلك دعوة لإلقاء خطاب مدفوع الأجر في التوقيت ذاته، فما كان منه إلا الاعتذار عن قبول العرض. تذكر دائماً أنه برفضك فرصة ما، فإنك بذلك تخلق مساحة لاحتمالات أخرى قد تُدِر عليك ربحاً أعظم، أو تمنحك فرصة إنشاء قنوات اتصال ذات قيمة مماثلة أو أعلى قيمة، أو ربما تكون أكثر ملاءمةً وتناغماً مع خطة أهدافك لهذا العام. وحتى إذا لم تُتَح أمامك أي فرص أخرى، فسيتوفر لك الوقت الكافي للتركيز على أهم أولوياتك.
ما المردود المادي والنفسي؟
في النهاية، لا تقتصر أسباب رفض فرصة لا تفوّت على جدوى مقابلها المالي وتماشيها مع أهدافك المهنية. بل إن المحافظة على صحتك لا تقل أهمية، وهو ما يتجاهله الكثيرون. في عام 2015، ألقيت 74 خطاباً في أربع قارات، وبعد تعرضي لنوبة إنفلوانزا شديدة في طريق عودتي بعد المشاركة في حدث دولي، عاهدت نفسي أن أكون أكثر وضوحاً وأن أنتقي خياراتي بحرص أكثر، حتى أستطيع رفض أي عرض يخالف أهدافي الاستراتيجية أو المقابل الذي أنشده، وكان هذا الاكتشاف سبيلي الوحيد لأكون جاهزاً دائماً.
ندرك جميعاً أهمية التركيز من الناحية الذهنية. فنحن نعي تماماً استحالة تحقيق أهدافنا طويلة المدى دون منحها الوقت الكافي. مع ذلك، نتألم عند الإحجام عن استغلال الفرص الجيدة. في الحقيقة لا يتقبل معظم الناس تلك الفكرة، ما يدفعهم إلى تحمل ما يفوق قدراتهم ويستنفد طاقاتهم، فينتهي بهم الأمر إلى الشعور بالتوتر والإحباط. معظمنا ينجح في بداية مسيرته المهنية بسبب قبول كل ما يُعرَض علينا تقريباً. ويتطلب تعلّم كيف تقول لا إصراراً وعزيمةً، لأنه السبيل الوحيد إلى تحقيق المستوى المطلوب من التركيز والإنتاجية للوصول إلى المكانة المنشودة.
اقرأ أيضاً: