كيف تُنشيء مجلساً من الشباب يُساعد على تحقيق قفزة نوعية في أداء الشركة؟

7 دقائق
مجلس الظل
shutterstock.com/Lamyai
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أصبح التحول حديث الساعة في المؤسسات والشركات أكثر من أي وقت مضى. ولكن تقرير ماكنزي “حالة المؤسسات لعام 2023” يكشف أن عدداً كبيراً منها غير مستعد على الإطلاق للتغيير المزعزع الكبير الذي أصبح الوضع الطبيعي مؤخراً. ويقول نصف القادة الذين شملهم استطلاع التقرير إن شركاتهم مستعدة لتوقع التغيير الخارجي والتفاعل معه، ويرى ثلثاهم أن هيكلية مؤسساتهم معقدة جداً وتفتقر إلى المرونة.

بالإضافة إلى هذه التحديات، لا يكفي التفاعل مع الزعزعة المدفوعة من الخارج، فكي تتمكن الشركات من مواكبة التطور يجب عليها أن تحرص على الاستمرار في رصد الابتكار الجذري وتشجيعه. بعبارة أخرى، ينبغي أن تبادر هي بالزعزعة، وأن تتبنى ما أسميه “التحول الفائق”؛ أي تحويل عناصر متعددة في وقت واحد وبوتيرة متسارعة. يختلف التحول الفائق بدرجة كبيرة عن مدرسة التغيير السابقة التي تنطوي على نهج التغيير التدريجي الذي يركز على أحد عناصر المؤسسة الرئيسية فقط ويعده مشروعاً قائماً بذاته؛ القادة الذين يتبعون هذا النموذج اليوم محكوم عليهم بالفشل.

أكثر الشركات قدرة على إتقان التحول الفائق هي التي تجعل الزعزعة المتواصلة جزءاً واضحاً من استراتيجيتها، وهو ما تحقق في بعض النماذج الناجحة بتشكيل مجلس ثانٍ لدعم مجلس الإدارة وتحفيزه وتجاوز الوضع الراهن السائد: مجلس الزعزعة الذي يتمتع بصلاحيات أعلى طموحاً من “مجلس الظل“. المعتاد

نضال من أجل التغيير

تتمثل إحدى مفارقات التغيير في الصعوبة الكبيرة التي يعانيها القادة ومجالس الإدارة حالياً في الإقرار بضرورته، في ظل ما يسميه بعض المراقبين “إجهاد التغيير”. وفقاً لاستطلاع أجرته شركة غارتنر، شهد الموظف العادي 10 تغييرات مخططة في الشركة خلال عام 2022، ارتفاعاً من موظفين اثنين في العام 2016، ولكن في الفترة نفسها، تقلصت نسبة دعم الموظفين لتغيير الشركة من 74% إلى 43%.

يؤكد بحثي الخاص هذا النهج الاعتباطي للتغيير، وطرح عليّ مؤخراً، أنا و45 من قادة الفكر العالميين، سؤالاً بدا بسيطاً ومباشراً: ما أهم الموضوعات التي تناقشها مجالس الإدارة الآن؟ النتيجة: قائمة من 166 أولوية مختلفة، وستستمر وتيرة التحديات التي تتطلب اهتماماً فورياً بالتسارع. تتراوح القضايا التي تجد الشركات صعوبة في التعامل معها ما بين التكنولوجيا حديث الساعة (كانت ميتافيرس في العام الماضي، والذكاء الاصطناعي التوليدي هذا العام)، والتغييرات السياسية والاجتماعية الواسعة النطاق (الاستدامة في أوروبا، والتنوع والشمول في الولايات المتحدة)، والتحولات الجيوسياسية (النزاعات المسلحة وغير المسلحة، والتوسع في عضوية مجموعة البريكس).

مجالس الإدارة والمدراء التنفيذيين الغارقين في العمل والميّالين بالفعل إلى الحلول القصيرة الأجل غير مؤهلين للابتعاد عن المشتتات والتفكير في المستقبل بوضوح ورؤية محددة. والوقت مناسب لنساعدهم، وتقدم لهم بعض التحفيز.

من مجلس الظل إلى مجلس الزعزعة

كان الرئيس التنفيذي السابق لشركة جنرال إلكتريك، جاك ويلش، أول من طرح فكرة “مجلس الظل” في بدايات الألفية الجديدة، ويمكن اعتبارها امتداداً لنظام التوجيه العكسي الذي وضعه من قبل، حيث يعمل كل مدير تنفيذي قديم مع مدير تنفيذي شاب بهدف نقل المعارف التكنولوجية من الجيل الجديد الأكثر خبرة فيها إلى الجيل الأكبر. أضفى مجلس الظل الطابع المؤسسي على هذه الديناميكية من خلال منح المواهب الشابة غير التنفيذية في الشركة مساحة للمشاركة المنتظمة في التخطيط الاستراتيجي وصنع القرار،

وكان توفير منصة للموظفين الأصغر سناً هدفاً واضحاً لمجالس الظل منذئذ، حتى إن بعض الشركات، مثل شركة الاستشارات، كابجيميناي (Capgemini)، تُسميه “مجلس الألفية”. وكان أيضاً وسيلة لتقديم حل شامل للطبيعة المتكاملة لمعظم أنماط التخطيط الاستراتيجي. وفي حين وجدت غارتنر أن 75% من الشركات تتبنى مثل هذا النموذج الشامل لمبادرات التحول، فاتباع نهج أشمل يؤدي إلى فرصة أكبر للنجاح بنسبة 24%.

من الأمثلة التي نستشهد بها في كثير من الأحيان لقوة إمكانات مجلس الظل التجربتان المتناقضتان لعملاقي الموضة برادا وغوتشي على مدار العقد الماضي. اشتهرت الشركتان لسنوات بتقديم أرقى الأزياء للمستهلكين. لكن مبيعات برادا بدأت بالانخفاض بعد عام 2014، واعترف رئيس تنفيذي سابق في وقت لاحق بأنهم لم يدركوا بعض القوى الجديدة التي فرضت واقعاً جديداً في قطاع الأزياء إلا بعد فوات الأوان، ومنها القنوات الرقمية والمدونون “المؤثرون”. وعلى النقيض من ذلك، شكّلت غوتشي مجلس ظل في عام 2015، وقال الرئيس التنفيذي ماريو بيزاري إنه كان بمثابة “جرس إنذار للمدراء التنفيذيين”. وفي حين انخفضت مبيعات برادا بنسبة قاربت 12%، ارتفعت مبيعات غوتشي بنسبة 136%.

وهناك قصة نجاح أخرى لشركة فنادق أكور هوتيلز (AccorHotels) الفرنسية، التي كانت تواجه منافسة شديدة من شركة إير بي إن بي (Airbnb) المزعزعة، وباءت جهودها لتطوير علامة تجارية جديدة جذابة لجيل الألفية بالفشل على مدار عامين، ولكن بعد ذلك حوّل الرئيس التنفيذي للمواهب والثقافة في الشركة المشروع إلى مجلس ظل. ولّدت مبادرة التحول هذه ابتكارين رئيسيين: العلامة التجارية الجديدة، جو آند جو (Jo&Joe)، التي سُوقت بوصفها وجهة حضرية مناسبة لجيل الألفية. وخدمة أكور باس (Accor Pass)، وهي اشتراك في الخدمات الفندقية للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً.

وعلى الرغم من قصص النجاح هذه، فمجلس الظل يبقى محدود القدرات، وأول أسباب ذلك هو أن تكوينه يتألف غالباً من الموظفين الأصغر سناً ذوي الإمكانات العالية. في حين أن صقل المواهب الشابة من الثمار الإيجابية لمجلس الظل، إذا رأى أعضاؤه أن التقدم في الشركة هو السبب الرئيسي للانضمام إليه فمن غير المرجح أن يعملوا بجد على تغيير الوضع الراهن.

ثاني الأسباب أن صلاحيات مجلس الظل محدودة ومحددة، وغالباً ما ينصبّ تركيزه على تطوير خطوط إنتاج جديدة للعملاء الأصغر سناً، وإذا كان لمجلس الظل أن يساعد في دفع تحول فائق حقيقي فيجب منحه صلاحيات أوسع نطاقاً وأكثر جرأة. وفي تسمية مجلس الظل بمجلس الزعزعة ما يتجاوز الاختلاف الدلالي؛ فهو يعطي الأولوية لمهمة فرض واقع جديد.

وبعيداً عن مسألة المهمة والصلاحيات هذه، يجب على مجلس الزعزعة النظر في 3 عناصر حاسمة إن كان له أن يكون فعالاً: أعضاؤه، ومدته، وحوكمته.

العنصر الحاسم الأول: الأعضاء

منذ البداية كان الهدف الأساسي من مجلس الظل توفير منبر للموظفين غير التنفيذيين الأصغر سناً لإبداء آرائهم، ويضمن هذا التكوين اختلافه مع مجلس الإدارة التقليدي، الذي يتكون في الغالب من أعضاء ذكور في منتصف العمر. تعمّد مجلس الظل في شركة غوتشي، الذي تناولناه سابقاً، اختيار شباب تقل أعمارهم عن 30 عاماً، في المقابل، كان أعضاء مجلس الظل في شركة بيزلي (Beazley)، وهي إحدى شركات مجموعة لويدز أوف لندن (Lloyd’s of London) للتأمين، في بدايات العشرينيات من العمر، ونصفهم من الإناث،

فالهدف هنا ليس التنوع الديموغرافي وحده بل التنوع المعرفي أيضاً، والهدف الأكبر هو ضمان التدفق المستمر للأفكار الجديدة التي تنبع من تجربة أجيال مختلفة تماماً. يعد موظفو جيل الألفية والجيل زد على وجه الخصوص التنوع والشمول قيمة أساسية لا مجرد قيمة إضافية أو متطلباً يجب استيفاؤه، ويفيد تمكين هذه الأصوات الشابة في تعزيز إمكاناتها على المدى الطويل في الشركة وتعميق ولائها.

ومع ذلك، وكما سبق أن ذكرنا، عندما تقتصر عضوية مجلس الظل على الموظفين “ذوي الإمكانات العالية”، ينشأ من دون قصد تصور بأن المشاركة في مجلس الظل هي السبيل إلى التقدم الوظيفي في الشركة، وإذا نظر المشاركون إلى الأمر من خلال هذا المنظور بالأساس، فعلى الأرجح أنهم سيتحولون إلى صدى لمجلس إدارة الشركة وآرائه بدلاً من أن يكونوا وسيلة لتغيير الوضع القائم بفعالية وجرأة.

حدد باحثون في المعهد الدولي للتنمية الإدارية عدداً من مزايا تشكيل مجلس الظل من خلال عملية مفتوحة لتلقي طلبات التقدم للعضوية، على عكس العملية التي تستهدف مجموعة الموظفين ذوي الإمكانات العالية على وجه التحديد. والعملية المفتوحة لتلقي طلبات التقدم للعضوية تولّد مجموعة أكثر تنوعاً من المتقدمين، وهي أفضل في الكشف عن المواهب الدفينة وتُشعر الموظفين الذين لم يقع عليهم الاختيار بأن رأيهم مهم. وعلى النقيض، فعملية تحديد الموظفين ذوي الإمكانات العالية تفتح باب التحيز،

فإذا كنت تسعى إلى إنشاء مجلس زعزعة يتحدى الوضع القائم بجرأة وبلا خوف، فعليك بتوسيع قاعدة اختيار أعضائه قدر الإمكان. وفي تعمد تجاوز “المطلوبين المعتادين” رسالة لهم (وإلى بقية الشركة) أنك تعطي الضوء الأخضر لاستكشاف منطقة مجهولة وطرح أسئلة صعبة، وتقديم التحول على التسلسل الإداري والإجماع.

العنصر الحاسم الثاني: مدة تولى الوظيفة

ترسل مدة التعيين في مجلس الزعزعة رسالة قوية، غالباً ما تكون مدة التعيين في مجلس الظل قصيرة كذلك، ويمكن القول إنها يجب أن تكون أقصر في مجلس الزعزعة. إذ يفرض قصر المدة جدولاً زمنياً مضغوطاً يعزز بدوره الشعور بأهمية الإسراع في تنفيذ المهام، وهو عنصر حاسم في تحقيق التحول الفائق. كما أن في التعيين القصير المدة رسالة واضحة مفادها ألا مجال للحذر أو السياسة؛ فالعمل ضد الساعة يحفز الأعضاء للعمل بأسلوب الحسم، ويدفعهم لتقديم أفكارهم الابتكارية بكل جرأة.

وسوف أذكر هنا نموذجاً يتعلق بمجموعة شركات عائلية كويتية، أعرفها ولكنني لست في حلٍّ من ذكر اسمها؛ فعند تغيير رئيسها التنفيذي بعد فترة ناجحة دامت 15 عاماً، شكلت مجلس زعزعة مهمته صياغة رؤية جديدة للمستقبل، وحددت فترة عضوية مدتها سنتان غير قابلة للتجديد، وهي أقصر من الفترة المعتادة لمجلس الظل، وكانت النتيجة تياراً متدفقاً من الآراء الجديدة الجريئة.

ونجد لدى شركة الاستشارات الإدارية، أوليفر وايمان (Oliver Wyman)، مدة أقصر لنسختها من مجلس الزعزعة، الذي تسميه مجلس فريق القيادة الشامل، إذ تستمر مدة التعيين في المجلس عاماً واحداً فقط. لكن الشركة ترى أن هذه التجربة المبتكرة حققت نجاحاً هائلاً، وتنسب الفضل إليها في تقليل تناقص الموظفين بنسبة 30% في العام 2022.

العنصر الحاسم الثالث: الحوكمة

بالإضافة إلى منح مجلس الزعزعة صلاحيات واسعة، فمن الضروري كذلك أن توضح تماماً أدواره وما هو متوقع منه، وهذا ينطوي على وضع هيكل ومسارات واضحة للمساءلة من أجل تعزيز الابتكار مع ضمان توافقه مع الأهداف الاستراتيجية الشاملة للشركة في الوقت نفسه. ويجب أن يكون واضحاً منذ البداية أن مجلس الزعزعة جزء لا يتجزأ من آلية صنع القرار في الشركة، وليس عنصراً ثانوياً.

خذ مثلاً شركة المحاماة، شكسبير مارتينو (Shakespeare Martineau)، ومقرها في المملكة المتحدة، إذ تستثمر قدراً كبيراً من وقتها في تهيئة أعضاء مجلس الظل وبناء علاقة تفاهم بين مجلس الظل ومجلس الإدارة. وفي اجتماع للمجلسين، عمل أعضاؤهما معاً على وضع مبادئ الحوكمة التوجيهية. يقول الرئيس التنفيذي إن هذا التعاون “مهّد أرضية مشتركة ووضع قواعد تعامل غير رسمية بين مجلس الظل ومجلس الإدارة”؛ وهو ما أثمر فوائد عدة، منها طمأنة أعضاء مجلس الإدارة التنفيذي بعد أن أدركوا أن مجلس الظل لا يهدد سلطتهم. يوصي بعض الخبراء بعقد عدة اجتماعات مشتركة خلال العام، حتى يكون المجلسان متكاملين لا متنافسين.

الجميع مشاركون

في عصر لا يكفي فيه التغيير التدريجي البطيء، وحيث التحولات الفائقة السريعة المتزامنة هي القاعدة، لا تحتمل الشركة التخلف عن الوضع القائم والاستمرار في اتباع طريقة العمل القديمة. وفي تشكيل مجلس الزعزعة سبيل إلى تنشيط طاقة الشركة وتزويدها بأفكار جديدة تعزز عملية صنع القرار وتحسّن البراعة وتُأهل الشركة للتعامل بطرق أفضل مع تعقيدات مشهد الأعمال السريع الوتيرة الذي لا ينفك يتغير.

يتطلب إنجاح هذه المبادرة تعاوناً حقيقياً بين المجلسين، والخطوة الأولى هي اختيار مجموعة متنوعة ومتحمسة من الموظفين الشباب لعضوية مجلس الزعزعة، شريطة أن يؤيد الرئيس التنفيذي ومجلس الإدارة هذه العملية بالكامل؛ أي أن يروا في المزعزعين الشباب أصلاً من أصول الشركة لا مصدر تهديد لهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .