إليك هذا المقال الذي يتناول فشل برامج تجربة الزبائن تحديداً. غالباً ما يُنظر إلى برامج تجربة الزبائن على أنها ذات أهمية استراتيجية. غير أنها سرعان ما تختفي من قائمة الأهداف الرئيسة للشركة وتغدو الغاية منها مجرد قياس بعض البيانات المتعلقة بالزبائن ومراقبتها. ومع مرور الوقت تتزايد البيانات وتتكدس، فيحدث الشلل. وهكذا تتحول الأهداف الاستراتيجية الكبرى إلى مجرد تحسين متدرج للنتائج بدلاً من الحصول على رؤية مفيدة تسمح بإحداث التغيير بثقة وثبات.
فأين يكمن الخطأ يا ترى الذي يؤدي إلى فشل برامج تجربة الزبائن تحديداً؟!
إن غالبية برامج تجربة الزبائن تتعطل بطرائق متشابهة:
1. إما أنها تُصمّم في معزل عن التفكير بإحداث أي تغيير أو تجديد.
2. أو أنها تكتفي بأهداف "متواضعة"، ولا تهدف إلى تحقيق نجاحات حقيقية للشركة.
3. أو أنها تتحرك ببطء ودون هدف محدّد.
أخطاء تؤدي إلى فشل برامج تجربة الزبائن
الخطأ الأول: إغفال التغيير والتجديد.
سَل قائد برنامج تجربة الزبائن لديك عن هدف البرنامج، فإذا كان جوابه شيئاً آخر غير "حتى نجري تغييرات ذكية تفيد الزبون والشركة في آن معاً"، فإنك قد تكون أمام معضلة حقيقية. فالهدف من برامج خدمة الزبائن يجب أن يكون التغيير.
وعلى المستوى الأبسط، يتتبع برنامج تجربة الزبائن الأساسي مسار الأداء مع مرور الزمن. صحيح أن ذلك مفيد، لكن أين تكمن أهميته؟ إنها تكمن في أنك تريد أن تحسن ذلك الأداء مع مرور الزمن. يجب عليك العمل بطريقة مختلفة عن ذي قبل. وفي حين أن ذلك بسيط وغير معقد، يتجاهل الكثيرون هدفاً رئيساً من أهداف برامج تجربة الزبائن، وهو التغيير.
إن ما تفعله برامج تجربة الزبائن الفعالة هو ترتيب ما يجري قياسه وفق الأولويات الموضوعة ومقابلتها مع أرقام النتائج المرجوة لتلك القياسات – الأمر الذي يطلَق عليه "تحليل عوامل الدفع". ولعل التحليل الناجع هو الذي يكشف أمامنا السبيل إلى إحداث أكبر تغيير بأقل خطوات ممكنة.
وبالرغم من أن تحليل عوامل الدفع سيحدث التغيير، ليس هو التغيير الفعلي. إنه مجرد المزيد من البيانات ما لم يجرِ توظيفها. ولعل أهم الأسباب التي تعرقل التغيير هي "شلل التسجيل"، وغياب "محطات التفكير"، وعدم التعاون.
قد يحدث "شلل التسجيل" عندما يكون فريق العمل منهمكاً كلياً في توزيع البيانات وضمان جودتها وإعداد التقارير حولها بحيث يغيب عنه الهدف الأساسي من تسجيل تلك البيانات أصلاً. فعندما تقيس وتسجل كل شاردة وواردة، وتوزع تقاريرك لجميع الجهات، فأنت لست استراتيجياً في تعاملك مع بياناتك.
قد يساعدك تضمين "محطات التفكير" في برنامج الزبائن في ذلك. بدلاً من مجرد إجراء القياسات وإعداد البيانات وتوزيعها، عليك أن تُدخل في البرنامج محطةً لفهم تبعات هذه البيانات وتطبيقاتها. وهذا ما سيمنحك الوضوح والثقة بما تراه ويساعدك على حل الأحجية وطرح الفرضيات ووضع خطط التغيير المنشود.
من المهم أيضاً التعاون مع الآخرين إذا كان المطلوب من برنامج تجربة الزبائن هو إحداث تغيير حقيقي على أرض الواقع. وعلى خبراء البرنامج أن يعملوا مع الأقسام والجهات الأخرى المعنية من أجل الدفع باتجاه تركيز الاهتمام اليومي على التحسينات والتغييرات الهادفة نحو إرضاء الزبون. وبالطبع من الصعب القيام بذلك عندما لا يُخصَّص الوقت الكافي لعقد الاجتماعات، فضلاً عن التعاون الفعلي. لكن من مزايا برنامج تجربة الزبائن أنه يوفر فرصة فريدة لتحفيز ذلك التعاون، فخبراء البرنامج هذا هم الذين يملكون الزبائن ويدافعون عن مصالحهم، ولديهم البيانات والتحليلات اللازمة. والأهم من ذلك أن برنامج خدمة الزبائن يذكر الجميع بواجبهم تجاه الزبائن وبأن عليهم تكريس وقت كافٍ للاهتمام بهم.
الخطأ الثاني: ربط القياسات بالنتائج التجارية للشركات.
تَستخدم غالبية برامج تجربة الزبائن نتائج وأرقاماً قياساتها بمثابة مؤشر مباشر على النجاح والفشل. فما إن يرتفع رقم أداء ما في تلك البرامج، حتى يُحتفى به ويُعد إثباتاً على أن فريق تجربة الزبائن قد أحرز تقدماً مهماً وتحسيناً في الأداء. وكثيراً ما تُعتمد قياسات برامج تجربة الزبائن على أنها قيم اسمية في أداء الشركات.
غير أن المشكلة في هذا النهج إنما تكمن في أنك لا تستطيع التحكم بجميع الأمور الأخرى التي قد تؤدي أيضاً إلى رفع أرقام الأداء. أيضاً، لا يمكنك الانطلاق من أن ارتفاع أرقام الأداء في برامج تجربة الزبائن يعني بالضرورة ارتفاع العوائد الصافية. لذلك، عندما يحين وقت تحديد مؤشرات الأداء الأساسية لبرنامج تجربة الزبائن. لا تنسَ أن تضمن انسجامها مع البيانات التي تردك من مدير التسويق ومن المدير المالي.
لكن، ما هي البيانات التي قد ترغب في أخذها بالحسبان؟ إليك بعض الأمثلة:
1. كلفة كسب الزبون وكلفة خدمة الزبون: كلما أحسنت فهم قاعدة زبائنك وتطلعاتهم، نجحت أكثر في تزويدهم بالتجربة والخدمة اللتين يرغبون بهما، وخفّضت بالتالي كلفة كسب الزبون وكلفة خدمته.
2. التغلغل في السوق وحصة الشركة من محفظة نقود الزبائن: في حين يعني التغلغل في السوق ببساطة ازدياد عدد الزبائن، فإن حصة الشركة من محفظة نقود الزبائن هي المقياس النهائي لكيفية صرف الزبائن لنقودهم عندما يتخذون قرارهم النهائي عند نقاط البيع. عليك أن تدرس جيداً العوامل المحفزة لهذين المقياسين وتلك التي تخفضهما بغية الوصول إلى الوضع الأمثل.
3. القيمة الدائمة للزبون: وهي القيمة الصافية الحالية لجميع عوائدك من الزبون طيلة حياته، مع الأخذ في الحسبان معدل الاستنزاف ونسبة الخصم التي يحظى بها. لا شك في أن حساب هذه القيمة أمر صعب ومعقد، بيد أن الشركات الناجحة تعرف كيف تحسبها، جاعلة منها جزءاً مهماً من بطاقة أدائها.
4. تشتت الزبائن: حتى برامج تجربة الزبائن الجيدة قد تنتج مكاسب على حساب زبائن يبتعدون عنك ويتحولون إلى منافسيك (ظاهرة تسرب الزبائن)، أو زبائن يتخلون عن خدمتك أو منتجك كلياً (ظاهرة هروب الزبائن).
وعلى العموم، هناك أيضاً مقاييس الأداء الاستطلاعية الشاملة مثل مقياس التشجيع الصافي، فالكثير من الشركات لا تمتلك الإمكانات الكافية لامتلاك برامجها الخاصة لقياس تجربة زبائنها، ولذلك نجدها تلجأ إلى ذلك المقياس أو ما يشبهه بوصفه المؤشر التجريبي الوحيد المتاح أمامها لقياس رضا زبائنها. في هذه الحالة، سيتعين عليك النظر بحذر إلى تقييم النجاح أو الفشل وفقاً لمؤشرات الأداء الأساسية فقط، فالزبون الراضي ليس بالضرورة زبوناً مربحاً.
الخطأ الثالث: التحرك ببطء، دون هدف محدد.
يشبه برنامج تجربة الزبائن كائن حي يتحرك ويتنفس. وهو إما في حالة نمو، أو في أعلى ذروة إنتاجه، أو في حالة تراجع. وتشبه برامج تجربة الزبائن تسلق الجبال، فإن لم تكن واثقاً من حل المعضلة التي تواجهك، فأنت تهدر طاقتك الثمينة دون معرفة أين وجهتك.
وفي حين أنه من الضروري أن يكون برنامج تجربة الزبائن قد صُمم جيداً ويعتمد على منطق إجرائي سليم، فقد تتسلل أحياناً بعض العمليات المضيّعة للوقت إلى آلية البرنامج وتعرقله. إن بطء البرنامج وغياب اندفاعه ينذران بتوقفه كلياً، ومن الضروري لقيادة البرنامج أن تمنحه الدفع الأولي اللازم لينطلق بقوة وزخم.
تنبع القيادة الحقيقية لبرنامج تجربة الزبائن من:
1. الملكية: يجب أن يكون هناك مالك للبرنامج: شخص واحد مسؤول مسؤولية تامة عن نجاح البرنامج وجودته.
2. التجربة والدراية: ليس من الضروري لقائد البرنامج ليكون فعالاً، أن يعرف كل شيء عن تفاصيل واستراتيجيات العمل وطرائق البحث والتحليل. غير أنه كلما عرف أكثر، كان برنامجه أكثر فاعلية ونجاحاً.
3. الموارد: ليس من الضروري تخصيص ملايين الدولارات دفعة واحدة لإنتاج البيانات القيمة أو التقاطها، بل ابدأ بميزانية أولية مماثلة لتلك التي تُرصد عادة لبرامج تكنولوجيا المعلومات، واربط رفع الميزانية بالمخرجات القيمة للبرنامج.
4. التمكين: امنح قيادة البرنامج السلطة اللازمة لنجاحه.
عندما تتباطأ سرعة برنامجك خارج إرادتك، فإن ذلك مؤشر واضح على أنه يفتقر إلى القيادة والاندفاع وأنه على وشك التوقف عن العمل.
وهناك الكثير من العقبات والعراقيل التي من ستمنعك من تحقيق العوائد المثلى من الاستثمار في برامج تجربة الزبائن. من خلال خبرتنا يمكننا القول إن أهم ثلاثة عراقيل هي التي ذكرناها أعلاه. ولتفادي تلك العراقيل، يجب عليك أن تتذكر أن برامج تجربة الزبائن ليست مجرد شاشات تراقب فيها أرقاماً تعلو وتنخفض، بل هي أدوات تهدف إلى خلق خبرات تشكل قيمة مضافة للزبائن وللشركة في آن معاً، وهذا يتطلب تغييراً مستمراً. عليك إذاً أن تنطلق من التجربة المثالية التي ترغب في تقديمها للزبائن وتعود خطوة خطوة إلى الوراء للوصول إلى ما يمكن أن يولّد تلك التجربة المرجوة. ويجب عليك أيضاً تسريع العمل، والتغيير والتجديد عند الحاجة.