واحد من القرارات الأكثر صعوبة التي يواجهها أصحاب العمل الحر، ورواد الأعمال، والمستشارون المستقلون هو كيفية تسعير خدماتهم، أو بمعنى آخر كيفية فرض الأثمنة العالية وكيفية تحديد مقابل وقتهم وخبراتهم. فماذا لو اشتكى العملاء من ارتفاع الأسعار، أو ما هو أسوأ من ذلك، أن ينسحب العميل من الصفقة تماماً؟ ولكن الإجابة عن هذا التساؤل لا تتضمن إطلاقاً الاتجاه إلى النقيض بتحديد أسعار متواضعة ستندم عليها في النهاية.
وكما ناقشت في كتابي "كيف تصبح رائد أعمال"، فإنك لن تتمكن من تقديم عمل جيد للآخرين إذا لم يكن بمقدورك الاستمرار في ذلك العمل. وبالتالي، فإن فرض أسعار منصفة هو ما يسمح لك بخلق القيمة على المدى البعيد. وإذا كنت ممن يواجهون تلك الصعوبة، إليك أربعة عوامل ينبغي عليك مراعاتها لتكون أكثر ثقة فيما يتعلق بتحديد الأسعار التي تستحقها فعلاً.
كيفية فرض الأثمنة العالية
الأسعار المنخفضة ترسل إشارة سيئة للعميل
نعلم جميعاً مخاطر التسعير المبالغ فيه، حيث ستخسر الصفقة بأكملها. ولكن التسعير المنخفض أيضاً يمكن أن يكون محفوفاً بالمخاطر. وقد تعلم الكاتب، كيفن كروز، درساً بشأن إدراك قيمة الفرد، قبل عدة سنوات، من مصدر غير متوقع على الإطلاق: وهو شخص كان يحاول تعيينه كمتحدث. في ذلك الوقت، كان كروز يدير جمعية "لايف ساينسز" (life sciences) غير الهادفة للربح، وكانت مهمته تنظيم المؤتمر السنوي للجمعية. وقد كان لدى مجلس الإدارة اقتراح محدد لهوية الشخص الذي سيكون المتحدث الرئيسي، وبالرغم من أن كروز كانت لديه ميزانية تبلغ 30,000 دولار، فإنه لم يكن واثقاً من إمكانية الاتفاق مع ذلك المتحدث بهذه الميزانية، إذ كان الأخير مؤلفاً لأحد أكثر الكتب مبيعاً في صحيفة "نيويورك تايمز"، وحاصل على الدكتوراه من رابطة جامعات إيفي ليج "رابطة اللبلاب"، إضافة إلى ظهوره المكثف في وسائل الإعلام.
اقرأ أيضاً: هل تصبح "هوول فودز" المختبر الواقعي لنهج التسعير في "أمازون"؟
ولكن حينما تواصل معه، فوجئ بطلب المؤلف مبلغاً منخفضاً للغاية بقيمة 3,000 دولار فقط. يقول كروز: "كان يبدو من الخارج بأنه يتمتع بكافة مؤشرات النجاح والمصداقية، وكنا سندفع بكل سرور عشرة أضعاف المبلغ المطلوب تماماً". وحينها، تساءل كروز ما إذا كان المبلغ المنخفض الذي يطلبه المتحدث قد أخاف الكثير من العملاء وصرفهم عن التعاقد معه، بل إنه فكر بأن هذا الشخص على الأغلب لن تكون لديه الخبرة الكافية للتحدث أمام الجمهور. وهكذا، عادةً ما يُعبّر السعر عن مستوى الجودة، وعندما تضع نفسك في أدنى مستويات الأسعار، فإن ذلك يعكس عدم الثقة في قيمتك، أو عدم وجود القيمة من الأساس. وكلا الأمرين ليس جيداً للعملاء المحتملين.
طوّر شبكة من الزملاء الموثوق بهم
لا يرغب أولئك الذين يتخذون قرارات الشراء، أو التعيين، في الكشف عن الأسعار القياسية التي يتعاملون بها، حيث يملكون بذلك ميزة تنافسية. فإذا كنت لا تعلم أن السعر الحالي لعقد معين هو 10,000 دولار، وطلبت في المقابل 5,000 دولار فقط، فإن هذه الصفقة تعتبر بالنسبة لهم بمثابة ربح متبادل، فقد حصلت على السعر الذي يرضيك، وهم كذلك تمكنوا من تقليص بعض النفقات. ولكن إن اكتشفت لاحقاً أنك تجني أقل من الآخرين، فسيكون ذلك بمثابة خيبة أمل مريرة لك. والحل هنا يكمن في تطوير شبكة موثوقة من الزملاء، لتزوديك بالمعلومات الصادقة بشأن الأسعار الحالية، ومختلف شروط التعاقد. فربما يقلقك أن ترفع أسعارك، ولكن إن اكتشفت أن الجميع يحصلون على 10,000 دولار مقابل ذلك العمل، فسيشعرك ذلك بالثقة في قرارك.
لا يمكنك أن تفكر في الأسلوب الذي تكتسب به المزيد من الثقة - بل عليك أن تتصرف
يتذكر مايكل بنغاي ستانير، مؤلف كتاب "عادة التدريب"(The Coaching Habbit) ومالك إحدى شركات التدريب الناجحة، أنه في الفترة الأولى من العمل، كان يطالب العملاء بحوالي 200 دولار كرسوم مقابل أربع حصص تدريبية شهرياً، مدة كل حصة ساعة. ولكن، سرعان ما وجد نفسه مرهقاً وقرر رفع أجره لتجنب الإرهاق الشديد. والسؤال هنا: كيف شعر بالثقة للمطالبة بأسعار أعلى؟ فيقول مايكل: "على المستوى التكتيكي، إنها مجرد ممارسة، فقد أخبرني أحدهم ذات مرة، ’إن سعرك الحالي ينبغي أن يكون عند حاجز الخوف وأضف إليه 10%’، وقد أحببت ذلك الأسلوب كثيراً، فمثلاً ما هو مستوى السعر الذي تشعر بالثقة عند طلبه، ليكن 1,000 دولار مثلاً، فأضف 10% لذلك السعر ليصبح السعر المطلوب هو 1,100 دولار. الآن، كرر ذلك السعر أمام المرآة 20 مرة مثلاً، ستشعر بالحماقة، ولكن ما يحدث بعد ذلك أن التكرار سيجعل الجملة تفقد الكثير من قوتها".
اقرأ أيضاً: مسح 1,700 شركة يكشف عن أخطاء التسعير الشائعة في التجارة بين الشركات
اختبر ببطء معدل الطلب في السوق
لن تكون تلك الاستراتيجية فعّالة في التفاوض على الراتب، حيث تحدث عملية التفاوض مرة واحدة في بداية التعاقد ومن ثم يتم التعامل بناءً عليها طوال فترة تواجدك في الخدمة لدى صاحب العمل. ولكن إذا كان نموذج العمل الخاص بك يتضمن العمل مع أكثر من عميل، فستكون لديك مرونة في تجربة عملية التسعير، حيث يمكنك زيادة أسعارك بشكل مطرد ومتزايد حتى تشعر أنك تحصل على ما تستحقه بالفعل. يقول جيني بليك، مؤلف كتاب "المحور" (Pivot): "ما زال لديّ حتى الآن عميل يسدد لي 500 دولار شهرياً لأننا نعمل سوياً منذ فترة كبيرة أي قبل تغيير القواعد، ولكن في المرة القادمة التي تقدم فيها سعرك للعميل، سيكون السعر 850 دولاراً، والمرة التالية سيكون 1,000 دولار". وإذا وصلت لمرحلة يقاوم فيها العميل معدل السعر المعروض، يمكنك أن تفكر حينها في تجميد أسعارك أو تقليصها، حتى تتمكن من تطوير مصادر دخل أخرى، أو حتى تعزز من شهرتك التجارية بأسلوب ما (كأن تتعاقد مع أحد كبار العملاء، أو تكتب لإحدى المطبوعات المرموقة) مما سيؤهلك لطلب أسعار أعلى.
اقرأ أيضاً: بحث علمي: تقلبات أسعار النفط والإنفاق الحكومي في المملكة العربية السعودية
يعد تحديد الأسعار أحد أصعب القرارات التي يواجهها المهنيون، حيث يؤثر هذا القرار بشكل مباشر على قدرتهم على اجتذاب العملاء وخلق جودة حياتهم بالشكل الذي يرغبون به. بالإضافة إلى ذلك، فإنه يتعلق بشكل أساسي بنقاط عدم الثقة التي قد تكون لدينا: ما هي أوجه التميز الحقيقي في الخدمة أو المنتج الذي أقدمه للعملاء؟ هل أستحق فعلاً هذه الأسعار؟
قد تدفعنا هذه الشكوك حول كيفية فرض الأثمنة العالية إلى خفض أسعارنا وطلب أسعار أقل، ولكن إن كانت لديك معرفة جيدة بمعايير السوق ولم تكن تطالب بأسعار غريبة تماماً، فإن هذا التصرف لن يكون هو القرار الصحيح. وكما تُظهر تجربة كروز في تعيين المتحدث ذي السعر المنخفض، فغالباً ما يعتبر السعر معبراً عن الجودة. لذلك، اطلب ما تستحق من أسعار، إذا كانت مهاراتك وقدراتك تبرر ذلك. وفي النهاية قد تحصل على القيمة التي تطلبها بالفعل - إضافة إلى المزيد من الاحترام.
اقرأ أيضاً: كيفية التفاوض على الراتب