مخاطر الثقافة “اللطيفة” في الشركة

5 دقائق
غرس اللطف

ملخص: تتمتع شركات كثيرة جداً بمظهر التناغم والتوافق، لكنها في الحقيقة تعاني غالباً من خلل يغلي تحت السطح. غالباً ما تكون نية الشركة في غرس اللطف نية خالصة، ويؤمن القادة بأنهم يقومون بأمر جيد يحفز الموظفين ويخلق الشمول في الشركة. لكن غالباً ما يعود ذلك بأثر معاكس وتكون النتيجة فقدان التواصل الصادق والجرأة الفكرية والابتكار وتحمل المسؤولية. ومن أجل مكافحة ثقافة تتسم باللطف السامّ يقترح المؤلف عليك بوصفك قائداً استخدام 4 وسائل: توضيح التوقعات ومعايير الأداء، وتحدي الوضع الراهن علناً وحتى إن ساهمت في إنشائه، وتقديم الحماية للموظفين الذين يعبرون عن آرائهم، والتصدي لمشكلات الأداء على الفور.

 

هل حضرت يوماً اجتماعاً ليس باجتماع؟ حيث يكون جميع الحاضرين دمثين ومنسجمين فيما بينهم، لينصرفوا من الاجتماع ويخوضوا في أحاديث سرية ويعقدوا محاكمات هزلية. هذا النوع من التمثيليات هو أحد أعراض الثقافة "اللطيفة". ولكن ما يوصف بأنه لطف لا يكون غالباً أكثر من مجرد مظهر من مظاهر الكياسة وإشارة جذابة للسلامة النفسية وصورة زائفة عن الشمول والتعاون والأداء العالي. في كثير من هذه الثقافات يكسي القادة أحاديثهم بأسلوب مهذب لكنه مغلف بالتخويف، فتبدو في ظاهرها انسجاماً وتوافقاً بين الموظفين، بينما تنطوي في الحقيقة على خلل يغلي تحت السطح يؤدي إلى فقدان التواصل الصادق والجرأة الفكرية والابتكار وتحمل المسؤولية.

لماذا تسعى الشركات إلى غرس اللطف؟

غالباً ما تكون نية الشركة في غرس ثقافة لطيفة نية خالصة، وفقاً لخبرتي مثلاً، من الشائع في المؤسسات ذات الرسالة المؤسسية النبيلة كالمؤسسات التعليمية ومؤسسات الرعاية الصحية والهيئات الحكومية والمنظمات غير الربحية والجمعيات التطوعية أن تغرس بيئة تتسم بروح الزمالة النابعة من رسالتها. يتمثل هدف الجمعية التطوعية في احتضان بيئة تطوعية، وهذه البيئة تولد اللطف. على سبيل المثال، عملت مع شركة للتكنولوجيا الحيوية لديها رسالة راسخة تتمثل في الحفاظ على سلامة المرضى، لكن المفارقة هي أن روح التعاطف مع المرضى تحولت إلى ثقافة لطيفة أوصلت قول الحقيقة حدّ الضجر.

لدى القادة أسباب كثيرة للسعي إلى غرس اللطف، وفيما يلي أهم 4 أسباب توصلت إليها بناء على خبرتي في العمل مع مئات المؤسسات وآلاف القادة على مدى الأعوام العشرين الماضية.

تفادي النزاعات وكسب التأييد

غالباً ما يلجأ القادة إلى تجنب النزاعات ووصم المعارضة رغبة في كسب إعجاب الآخرين، فيفضلون التعامل بلطف على توجيه الإساءة ظناً منهم أن هذين هما الخياران الوحيدان المتاحان.

التعويض عن الشمول الحقيقي

تعتبر بعض المؤسسات غرس اللطف بديلاً عن الشمول، وتؤمن بأن الإنسانية تساوي اللطف. عندما يقسّم عدد من الموظفين المتنوعين أنفسهم على أساس مجموعات التقارب الطبيعية فقد يكون ذلك دليلاً على فلسفة "انفصال ولكنها لطيفة" غير معلنة.

إظهار احترام مبالغ فيه للتسلسل الإداري

في المؤسسات المبنية على الخوف، يبقيك غرس اللطف بأمان. والسبب المنطقي هو أنك إذا لم تثر حفيظة أصحاب السلطة فستتمتع بشيء من الأمان الوظيفي.

تحفيز الموظفين بدلاً من تحميلهم المسؤولية

أجل، فالود بين الموظفين يخلق مجالاً للتأثير والنفوذ، ومع ذلك لا يزال من الضروري أن يتحملوا المسؤولية. عملت مرة مع رئيس تنفيذي ودود للغاية تسبب خوفه الدائم بخلق بيئة لطيفة سامة حيث يعانق الموظفون بعضهم البعض ثم لا يلتزمون بواجباتهم.

الجانب السلبي الخطير للثقافة اللطيفة

إن التبعات السلبية للطف ليست مزعجة وحسب، بل يمكن أن تكون كارثية بالنسبة لأي مؤسسة، وهي تتضمن ما يلي.

تفعيل الأزمة

في بعض الأحيان يصبح القصور الذاتي ضمن الثقافة اللطيفة قوياً لدرجة أن المؤسسة تفقد القدرة على التصرف بصورة استباقية. ينتظر الموظفون إلى أن تصبح المشكلة أكبر مما يمكن تجاهله. مثلاً، هل يعقل أن تستغرق جامعة جنوب كاليفورنيا أكثر من 25 عاماً للاعتراف بادعاءات التحرش ضد اختصاصي أمراض النساء في حرم الجامعة الدكتور جورج تيندال والتصرف بشأنها، لينتهي بها المطاف إلى دفع تسوية وصلت إلى 1.1 مليار دولار؟ عملت بصورة شخصية مع ما يزيد على 30 جامعة على مدى الأعوام العشرين الماضية، ولاحظت أنها اشتهرت بتجاهل أصحاب الأداء الضعيف والمسيئين بدلاً من معالجة مشكلات أدائهم بصورة مباشرة. تميل الثقافات اللطيفة إلى تعزيز مفهوم الانقسام الخاطئ الذي يقول إنك إما أن تكون لطيفاً مع الآخرين وإما أن تحمّلهم المسؤولية، ولا يمكن أن يجتمع الأمران معاً.

خنق الابتكار

الابتكار بطبيعته يزعزع الوضع الراهن، وهو مع ذلك شريان الحياة الذي يغذي النمو. الابتكار أيضاً هو العملية الاجتماعية التي تتطلب تفكيراً تباعدياً وحواراً جريئاً. واللطف واسع الانتشار يعيق هذه العملية بإنشاء حاجز فكري ربما يحوّل فرق أصحاب المواهب الاستثنائية إلى مجموعات مفككة. أعمل في كثير من الأحيان مع مؤسسات في أمس الحاجة إلى تعزيز الابتكار لكن ثقافتها اللطيفة تتسبب في تباطؤ عملية الاستكشاف.

تسرب المواهب

يرغب أصحاب المواهب في المساهمة على نحو مفيد. ويرغب أصحاب الأداء العالي الموهوبون في بيئة صحية تكافئهم على تحدي الوضع الراهن. قال لي موظف عالي الأداء في شركة كبيرة للصناعات الدوائية: "أفضل العمل في ثقافة استبدادية سامة على العمل في ثقافة لطيفة سامة، لأن القيادة في الثقافة الاستبدادية السامة ستقول لي على الأقل إني مخطئ إذا تحديت الوضع الراهن، ويمكنني استفزاز النظام وإرغامه على إبداء رد فعل وربما أدى ذلك إلى نتيجة ما. أما في الثقافة اللطيفة السامة فالجميع يلاطفونك ولا يحدث شيء على الإطلاق".

عملية صناعة القرار البطيئة

الثقافة اللطيفة تضغط على الموظفين لمجاراة بعضهم البعض حرصاً على الانسجام فيما بينهم. يؤدي عدم تقبل الصراحة إلى جعل النقاشات والتحليلات الضرورية اللازمة لعملية صنع القرار سطحية وبطيئة. فإما أن تنشأ لديك غرفة صدى حيث يقدم لك تجانس التفكير قراراً معيباً وإما أن تخوض نقاشات مستمرة لا تنتهي في محاولة التوصل إلى إجماع، وفي نهاية المطاف قد يؤدي ذلك إلى عجز مزمن عن اتخاذ قرار. مثلاً، عملت مع مؤسسة رعاية صحية أصبحت في غاية اللطف وقررت قيادتها تبني نموذج صناعة القرار بالإجماع، لكن التجربة كانت كارثية فأوقفها الرئيس التنفيذي بعد ثلاثة أشهر شاقة اكتنفها الغموض.

العجز المُكتسب

يمكن أن تحفز قاعدة غرس اللطف الخفية الرضوخ والسلبية والعجز المكتسب، ما يخفض مستوى معايير الأداء. مثلاً، استمعت إلى إداريين ومدرسين وموظفين في جامعات راقية يشتكون بمرارة من شعار اللطف المحبط في الوسط الأكاديمي وما تسبب به من تدمير للمعنويات وإفشال للمبادرات. أخبرني أحد الإداريين الجامعيين أن اللطف أصبح قيداً يعرض الإصلاح المؤسسي لخطر كبير، وأن الجميع يتملصون من المسؤولية ويلتزمون الصمت بدلاً من التصدي لهذه البيئة أملاً بتحسين الوضع.

مكافحة "اللطف"

تتوفر عدة استراتيجيات يمكنك تطبيقها لتفادي التبعات السلبية التي ناقشناها أعلاه بإنشاء بيئة "مراعية" بدلاً من البيئة "اللطيفة".

وضح التوقعات ومعايير الأداء وأنواع الاجتماعات

يغذي الغموض اللطف السام، لذا يجب أن توضح ما تتوقعه من الموظفين فيما يتعلق بالتعامل بينهم وتحميل بعضهم المسؤولية لبعض. قل لهم صراحة إنك تتوقع منهم إبداء أمانة فكرية وتقديم تقييمات صادقة وطرح أسئلة صعبة. لن يكون هذا التغيير سهلاً، ولذلك من الضروري أن تشرح بوضوح وضع المؤسسة الحالي ووضعها المستقبلي وكيف ستتم عملية الانتقال بينهما. وما أن تعلن للموظفين عن التوقعات الجديدة حملهم مسؤولية مخالفتها. وأخيراً، عندما ترغب في عقد اجتماع احرص على وضع جدول أعمال له وكن واضحاً في شرح نوع الاجتماع الذي تعتزم عقده: إذا كان هدفك منه مناقشة المشكلات وتحديدها فقل ذلك، وإذا كان اجتماعاً استكشافياً يهدف إلى توليد الأفكار والابتكار فاحرص على إعلام الجميع بذلك مسبقاً، وإذا كان يتعلق بالتواصل والتنسيق فلا تخفِ ذلك.

تحدّ الوضع الراهن علناً وإن ساهمت في إنشائه

لا تتوقع من الآخرين أن يتصرفوا بشجاعة في ظل الخوف ويبادروا في بدء حقبة جديدة من قول الحقيقة إذا لم تفعل ذلك بنفسك أولاً لتكون قدوة لهم. يجب أن تكون أول من يتحرك في هذا الاتجاه وأن تظهر ضعفك وتبدي أنك عرضة للخطأ وتبرهن لهم أن الصدق سلوك يكافؤون عليه. عندما يرى الآخرون أنك تضع جانباً آليات الدفاع عن نفسك وافتخارك بما بنيته في الماضي فستمنحهم الشجاعة.

احمِ الصراحة

احمِ الموظفين عندما يمتلكون الشجاعة للتعبير عن آرائهم المعارِضة والتحدث بصراحة. احرص على الحدّ من خطورة تعرضهم للتسفيه عن طريق توجيه الشكر لهم. ومع تقبلك للمعارضة ستتمكن تدريجياً من فرض القاعدة إلى أن تتحول إلى مطلب ثقافي ثابت.

تصدّ لمشكلات الأداء على الفور

إذا لم تعالج مشكلة في الأداء فأنت تتغاضى عنها، وإذا ترددت في التصرف حيالها فستسبب التشويش. حمّل الموظفين مسؤولية أدائهم على انفراد وباحترام. وضع من لا يحترم هذه الحدود الجديدة أمام خيارين، فإما أن يتبع القواعد الجديدة وإما أن يبحث عن فرصة جديدة، وبذلك لن يتمكّن من التخلي عن مسؤولياته في العمل لأن ذلك لم يعد خياراً متاحاً.

قال مارتن لوثر كينغ الابن في رسالته الشهيرة من سجن برمنغهام: "...ثمة ضغط بنّاء وغير عنيف، وهو ضروري للنمو". لا تسمح لمحاولة التعامل بلطف بحجب هذا الضغط بل وجهه واعمل على إدارته، هذه هي المراعاة الحقيقية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي