هل انتهاء عهد متاجر تويز آر أص ينذر بنهاية عصر متاجر التجزئة؟

4 دقائق

أدى إعلان إفلاس سلسلة متاجر تويز آر أص مؤخراً إلى تكدير صفو مجال صناعة الألعاب. إلا أن صراع هذه الشركة من أجل البقاء ليس وليد اللحظة، فقد تم استملاك أسهمها بشراء أصول حقوق الملكية عام 2005 بمبلغ 6.6 مليار دولار، وذلك بهدف تجنب الانهيار، إلا أن الديون المترتبة أثبتت أنها أصول معطلة.

لقد شاعت الأخبار عن التوجه بشكل أكبر نحو إغلاق الشركات والذي أطلق عليه البعض نهاية عهد تجارة التجزئة. ومع نهوض التجارة الإلكترونية وتحول أولوية المستهلك نحو تناول الطعام في الخارج بدلاً من التسوق، بالإضافة إلى سنوات من الإفراط في التطوير، كل ذلك، جعل من اقتصاديات البيع بالتجزئة التقليدية اقتصاداً مستهجناً بلا شك.

لكن حاول أن تلقي نظرة أعمق، فالحكاية الشائعة ليست كما تبدو تماماً. فقد حققت شركة أمازون خطوة كبيرة في تجارة التجزئة المادية، وتَوّجت هذه الخطوة بشراء سلسلة متاجر هوول فودز بقيمة 13.7 مليار دولار. كما انتقلت شركات أخرى ذات حضور رقمي كبير بدءاً من آبل ووصولاً إلى واربي باركر، إلى استملاك المتاجر المادية. ولذلك، فمن الواضح أن المعضلة لا تكمن في تجارة التجزئة بحد ذاتها، بل بعدم قدرة الشركات الموروثة على التأقلم مع نموذج جديد.

وكما ناقش داريل ريغبي في مقالته التي نُشرت في مجلة هارفارد بزنس ريفيو عام 2011، تمر صناعة البيع بالتجزئة باختلال رئيس كل 50 عاماً، حيث أدى نهوض المراكز الحضرية إلى نشوء المتاجر الكبرى، لتبدأ صناعة المركبات وبناء الضواحي ومراكز التسوق. وظهرت تويز آر أص في موجة سلسلة متاجر البيع بالتجزئة المخفضة ومتاجر خصم الأسعار التي نشأت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي.

بعد ذلك، وكما هو الحال الآن، بدأ الاقتصاد بالتحول على عجل. وبين انتقال العائلات إلى الضواحي، ودور الطرق السريعة التي تربط بين الولايات في تحسين القدرة على التوزيع والتسويق، كان اختيار موقع موحد يركز على مجال معين من المنتجات أمراً منطقياً جداً. وهنا سحقت سلسلة المتاجر الكبرى التي توفر أسعاراً منخفضة وخيارات واسعة، متاجر البيع بالتجزئة ضيقة النطاق في الساحات ومراكز التسوق في البلدة.

هذه هي البيئة التي ازدهرت فيها متاجر تويز آر أص. ويتذكر اليوم معظم الناس من أعمار معينة الشعور بالإثارة عند زيارة الممرات التي لا نهاية لها من الأشياء الرائعة، حيث يعد كل صندوق ألعاب بساعات من اللعب الرائع. وبالمقارنة جعل ذلك متاجر الألعاب المحلية تبدو مملة بعض الشيء. أما من جانب الآباء، فقد كان يجذبهم "الأسعار اليومية المخفضة".

تجارة التجزئة اليوم، في طور إعادة الابتكار مرة أخرى، لكن متاجر تويز آر أص فشلت في مواكبة هذا التطور، فقد انقلبت اقتصاديات هذه الصناعة ضدها. وأصبحت تلك الممرات التي لا نهاية لها فارغة مقارنة بما هو متاح على الإنترنت، ويمكن العثور على أقل الأسعار في مواقع أمازون، ووول مارت وتارغت.

وعلى مستوى أعمق، تتمثل التحديات لتجار التجزئة مثل تويز آر أص في أن الوظيفة الأساسية للموقع الفعلي قد تغيرت. تقليدياً، حُسّنت المتاجر من أجل تسيير المعاملات.

فكانت آلات تسجيل المدفوعات النقدية كثيرة ويسهل العثور عليها، وكان النجاح يُقاس باستخدام مقاييس كالمبيعات لكل قدم مربع ومتوسط حجم المعاملة.

أما الآن، فيمكن للمعاملات أن تنجز في أي مكان وزمان. بدءاً من الجلوس إلى طاولة المطبخ وصولاً إلى الانتظار في محطة القطار، وأصبح المستهلكون يتمتعون بالقدرة على التصفح ومقارنة الأسعار والطلب من آلاف تجار التجزئة الذين يتنافسون للحصول على اهتمامهم. واستُبدلت جاذبية الممرات اللانهائية بالتشويق الناتج عن الإشباع الفوري. فيجب على المواقع الفعلية اليوم أن تجتهد بأكثر من هذا.

لفهم هذا التحول، ما عليك سوى زيارة أقرب متجر لآبل، حيث تجد مجموعة محدودة من المنتجات دون أي آلات دفع نقدية. عندما تدخل، سيرحب بك شخص حقيقي دُرّب للإجابة عن أسئلتك وتقديم المشورة لك. وستجد أن هذه التجربة تتطلب خدمة مباشرة أكثر من التكنولوجيا الحديثة.

ويعزى السبب في ظهور متاجر آبل بهذه الصورة إلى أنها  ليست مصممة لتسيير المعاملات فحسب -بل مصممة للقيام بكل ما يتعذر القيام به على الإنترنت، مثل بناء العلاقات وعرض الخدمات وحل المشكلات والترويج.

وليست آبل وحدها من تفعل ذلك. فقد بدأ العديد من تجار التجزئة الناجحين على الإنترنت يركزون بشكل متزايد على العالم المادي لعدة أسباب. فمثلاً، شراء شركة أمازون لسلسلة متاجر هوول فودز يوفر لها توزيعاً أكثر شمولاً يساعدها على زيادة كفاءة نماذجها الموجودة على الإنترنت.

وهناك تطور آخر لافت، وهو تطور وثيق الصلة بالتحديات التي واجهتها تويز آر أص- ويتمثل في ظهور "صالات عرض التسوق". فيمكن تزويد الزبائن في مراكز دليل التسوق التابعة لشركة بونوبوس، و"المعرض" التابع لشركة هيلبرن، باللباس المناسب، وتمكينهم من استشارة مصممي الأزياء، وإرجاع المنتجات كما هو الحال تماماً في المتجر التقليدي، إلا أن هذه المراكز لا تخزن أي بضاعة، ما يتيح استثمار مواقع أصغر وتوفير التكاليف. تختبر شركة نوردستروم الآن مفهوماً مماثلاً.

تخيل لو أن تويز آر أص اتبعت هذا النموذج بافتتاح صالات لعب صغيرة يمكن للآباء إحضار أطفالهم إليها لتجربة مجموعات متجددة من أحدث الألعاب. يمكنك أن تتصور كيف سيتوسل صغارهم لطلب شراء اللعبة التي أسعدتهم لمدة ساعة كاملة. باستخدام المواقع الفعلية التقليدية التي تعمل كمراكز توزيع، يمكن التنسيق ليتم التوصيل في اليوم ذاته وبأقل التكاليف.

ومع ذلك وبدلاً من اتباع أسلوب التواصل المباشر، اختارت تويز آر أص أسلوب التكنولوجيا الحديثة، طارحة مميزات جديدة مثل "الاكتشاف السريع"، لتتيح للزبائن معرفة أي المتاجر لديها الألعاب التي يرغبون باقتنائها، واستخدام برنامج ولاء العملاء في إعلانات هادفة وإدارة دورة حياة منتج أفضل. لا تعدّ أي من هذه الأفكار سيئة بالضرورة، لكنها تفشل في معالجة التحولات الاقتصادية للبيع بالتجزئة. ومع ذلك اختاروا السعي إلى تحسين نموذج فاشل.

روّج كل من تشان كيم ورينيه موبورن في كتابهم الصادر عام 2005 لفكرة استراتيجية المحيط الأزرق في التسويق، والتي تركّز على الأسواق الجديدة بدلاً من محاربتها في "المحيطات الحمراء" المليئة بالمنافسة المسعورة. ولكن أشار ديفيد روبرتسون بصفته أستاذاً في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) إلى أن البيئة الحالية لتجارة التجزئة ليست محيطاً أحمراً ولا أزرقاً، بل هي أشبه بالبحر الميت، تقتل جميع أشكال الحياة المعروفة ولكن توفر نظاماً بيئياً جديداً يمكن لكائنات حية مختلفة النمو فيه.

وأعطى كمثال على ذلك مراكز ليغو ديسكفري، حيث يُبنى موقع نموذجي في متجر فارغ، ويوفر إصدارات مصغرة من بعض المعالم التي يمكن العثور عليها في حدائق الملاهي العملاقة. وتمنح هذه الاستراتيجية ليغو مركزاً قوياً للتفاوض مع مالكي مراكز التسوق الذين هم في أمس الحاجة إلى ملء بعض المساحة.

ويستغل بعض تجار التجزئة الآخرون الاقتصاديات المتغيرة لتجارة التجزئة لاختبار المتاجر الناشئة، والتي يمكن استخدامها لاختبار مفاهيم جديدة أو لتوفير مساحة أكبر خلال الفترات الزمنية الحساسة. ومع تمتع ملاك العقارات التجاريين بمرونة أكبر هذه الأيام، يتعلم بعض التجار حب هذا العهد الجديد من تجارة التجزئة.

إذاً، ما يمكننا تعلمه من فشل تويز آر أص في التأقلم أن الحل في معضلة الاختلال لا يكمن في مضاعفة الرهان على نموذج فاشل أو محاولة التحسن في مجالات لا يأبه الناس بها. بل يكمن في تحويل جهودك إلى ما يرغب به الناس أكثر. فالقيمة لا تتلاشى مطلقاً، بل تنتقل إلى مكان آخر فحسب.

اقرأ أيضاً: مميزات تجارة التجزئة

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي