استخدمت الشركات عبر التاريخ تقنيات وطرقاً مختلفة لتقديم منتجاتها المنافسة من أجل معرفة استراتيجية المنصات الناجحة بشكل صحيح، وقد كانت الطريقة التقليدية الأشهر مبنية على المثل القائل: "قم بصناعة مصيدة فئران أفضل وسيسلك العالم طريقه من بابك"، إلا أن هذه المقولة لم تعد نافعة في عصر التطور الرقمي، إذ على الشركات أن تعرف أن بناء المنصة الأفضل لمنتجاتها هو ما سيرفع من قدرتها التنافسية.
في عالم البناء على سبيل المثال تشكّل المنصة هي الرافعة التي يتم بها نقل العمال والمعدات لبناء العقار، وهذا الأمر يسري على عالم الأعمال، فعندما تبني منصة رقمية، عندها تستطيع المشاريع الأخرى أو الأعمال، التواصل معك، كما يمكنها خلق الخدمات والمنتجات أيضاً، وكذلك المشاركة في خلق القيمة. تُعد هذه القدرة على "التوصيل والتشغيل" خاصية معرِّفة ومحدّدة بشأن أهمية تفكير المنصة.
خذ على سبيل المثال سوق الهواتف الذكية، إذ تعيش شركتا نوكيا وبلاك بيري حالياً على أمجاد الماضي، إذ استطاعت تقنيات ومنتجات آبل وأندرويد التقدم عليهما. غير أن النجاح الذي حققته كل من آبل وأندرويد لا يعود إلى الميزات والوظائف، إنما إلى متجر التطبيقات الذي عززه المطورون الخارجيون. حيث حصلت مايكروسوفت على مراجعات متميزة بفضل التقنية في هواتفها الجديدة، ولكن يبقى نجاحها في نهاية الأمر مرهوناً بقدرتها على خلق منصة ناجحة.
يمتد تفكير المنصة إلى ما وراء الناحية التقنية. فها هم تجار التجزئة يتحولون من قنوات لتوزيع المنتجات، إلى منصات تتشارك في خلق القيمة. وكانت شركات التجزئة عبر الإنترنت مثل إيباي وإتسي وأمازون السباقة في هذا المجال، قبل أن تحذو شركات التجزئة التقليدية حذوهم.
لقد جعلت شركة جيه سي بيني (JC Penney) من فكر المنصة ركيزة لاستراتيجيتها في التغيير الجذري، فقد سمحت للآخرين بإدارة بعض محالها الصغيرة، وليس من قبيل المصادفة أن الرئيس التنفيذي للشركة هو رون جونسون، الذي كان يعمل في ما مضى في شركة آبل. وقد قال جونسون: "كل هذه المحال الصغيرة إنما هي التطبيقات. كل ما تصنعه جيه سي بيني هو إنشاء واجهة بينية جديدة". وفي حين أن الاستراتيجية التسعيرية لدى جيه سي بيني أثارت جدلاً كبيراً، إلا أن التحليل كان إيجابياً للغاية بشأن المحل الصغير داخل المتجر.
تُعد شركة نايكي (Nike) نموذجاً آخر للشركات التي تحولت من المنتجات إلى المنصات. قامت نايكي مؤخراً، واعتماداً وبناءً على نجاح منتجاتها الرياضية الرقمية، بإطلاق Nike+ Accelerator لمساعدة الشركات في البناء على منصة Nike+. ونلحظ من تصريح نايكي التالي، أنه يعكس تفكير المنصة. "إننا نبحث عن أولئك الأشخاص الذين يرغبون في خلق شركات تبني على نجاح [Nike+] في محاولة لجعل العالم أكثر نشاطاً".
اقرأ أيضاً: دراسة لأكثر من 250 منصة تكشف لماذا فشل معظمها
هناك ثلاث تقنيات تحويلية تدفع المنصات في وقتنا الحالي هي: التقنية السحابية، وتقنية التواصل الاجتماعي، وتقنية الأجهزة المحمولة. فالتقنية السحابية تعطي القدرة لإنشاء بنية تحتية عالمية قادرة على الإنتاج، بما يتيح لأي شخص إنشاء محتوى وتطبيقات للجمهور العالمي. أما شبكات التواصل الاجتماعي فهي تربط الأشخاص على مستوى العالم وتُبقي على هويتهم ووجودهم على شبكة الإنترنت. أما تقنية الأجهزة المحمولة، فإنها تتيح الاتصال بتلك البنية التحتية العالمية في أي زمان وفي أي مكان. والنتيجة من ذلك كله خلق شبكة عالمية يمكن الوصول إليها من أي مكان في العالم من قبل رواد الأعمال والعاملين والمستهلكين ممن هم متاحون لإنشاء الأعمال، والمساهمة بالمحتوى، وشراء السلع والخدمات.
هناك ثلاث تقنيات تحويلية تدفع المنصات في وقتنا الحالي هي: التقنية السحابية، وتقنية التواصل الاجتماعي، وتقنية الأجهزة المحمولة.
سوف يتعرّف القارئ على عدد من الأسس الفكرية لتفكير المنصة. وتتراوح هذه الأسس من النظام الإيكولوجي لجيفري مور إلى تركيز جون هاغيل الثالث وجون سيلي براون على "قوة الجذب". ففي حين أن النظم الإيكولوجية التقليدية تدفع، فإن هذه المنصات الجديدة تجذب. كما تعتمد المنصات على قوة تأثير الشبكة فكلما جذبت المزيد من المستخدمين، تصبح هذه المنصات ذات قيمة أكبر بالنسبة لأولئك المستخدمين. وهناك عدد متزايد من الأدبيات الأكاديمية التي تتناول الجودة الفريدة لخلق القيمة على ما يُسمى المنصات متعددة الجوانب".
استراتيجية المنصات الناجحة
من وجهة نظرنا، يتحدد نجاح استراتيجية المنصات بثلاثة عوامل:
الاتصال: مدى اليسر والسهولة في قدرة الآخرين على الاتصال بالشبكة للمشاركة وإجراء المعاملات من أجل تحديد استراتيجية المنصات الناجحة بشكل دقيق.
الجذب: مدى قدرة الشبكة على جذب المشاركين، من المنتجين والمستهلكين على السواء.
التدفق: مدى تعزيز المنصة لتبادل القيمة والمشاركة في خلق هذه القيمة.
تحقق المنصات الناجحة هذه الأهداف بثلاث دعائم أساسية:
صندوق الأدوات ـ يقوم صندوق الأدوات بإنشاء الاتصال عن طريق تيسير دمج الآخرين بالمنصة. تتيح هذه البنية التحتية التفاعلات بين المشاركين. فعلى سبيل المثال، تزود آبل المطورين بنظام التشغيل ومكتبات لغات البرمجة الأساسية، وتزود يوتيوب المبدعين بالبنية التحتية الخاصة بالاستضافة، كما أن ويكيبيديا تزود الكتاب بالأدوات اللازمة للتعاون والمشاركة في كتابة المقالات، وتوفر جيه سي بيني المتاجر لشركاء المحال الصغيرة لديها.
المغناطيس ـ ينشئ المغناطيس قوة الجذب التي تستدعي المشاركين إلى المنصة بنوع من الجذب الاجتماعي. بالنسبة لمنصات المعاملات، يجب تواجد كل من المنتجين والمستهلكين من أجل تحقيق الكتلة الحرجة. احتاجت آبل لجذب كل من المطور والمستخدم. أيضاً، كانت إيباي (eBay) بحاجة إلى كل من المشتري والبائع. يجدر بالقائمين على بناء المنصات الانتباه لتصميم الحوافز، وأنظمة السمعة، ونماذج التسعير. يجب عليهم أيضاً تسخير وسائل التواصل الاجتماعي للاستفادة من تأثير الاتصال بالشبكة لتحقيق النمو السريع.
الوسيط ـ يعزز الوسيط القيمة عن طريق إنشاء الروابط بين المنتجين والمستهلكين. تأتي البيانات في قلب عملية الوساطة الناجحة، وتميز المنصات عن غيرها من نماذج الأعمال الأخرى. يقوم الوسيط بالتقاط البيانات الغنية حول المشاركين ويستخدمها في تيسير عمليات الاتصال بين المنتجين والمستهلكين. على سبيل المثال، تقوم جوجل ـ كوسيط ـ بالتوفيق بين العرض والطلب فيما يتصل بالمحتوى على الإنترنت في حين تقوم أسواق مثل إيباي (eBay) بتوصيل المشترين بالمنتجات ذات الصلة.
اقرأ أيضاً: هل يجب أن تعتمد استراتيجية تقنيات الصوت في شركتك على منصات مثل أليكسا؟
لا تولي جميع المنصات القدر نفسه من الاهتمام والتأكيد على كل هذه الدعائم الثلاث. فقد ركزت خدمات الويب التي توفرها أمازون على بناء صندوق الأدوات. في حين ركزت إيباي وإير بي إن بي (AirBnB) بشكل أكبر على المغناطيس ودور الوسيط. وركزت فيسبوك على صندوق الأدوات والمغناطيس، وهي تقوم بفاعلية ونشاط ببناء قدرتها كوسيط.
سوف نشهد في المستقبل تحول أعداد متزايدة من الشركات من المنتجات إلى المنصات. حتى تلك الشركات التي تعمل في مجالات إبادة الآفات.
اقرأ أيضاً: التحول من المنتجات إلى المنصات في الشركة
سيقل قلقها بشأن تحسين نوعية مصائد الفئران. على سبيل المثال، تخيل مصيدة فئران ذكية مع مجسّات متصلة لاسلكياً بخدمة سحابية لاصطياد الفئران. يستطيع أصحاب المنازل وشركات إبادة الآفات مراقبة حالة المصيدة على هواتفهم الذكية، واستقبال رسالة نصية عندما ينفد ما بها من طُعم أو تحتاج إلى فحص. المصائد الذكية موجودة بالفعل. ولكن التحول من المنتجات إلى المنصات سيركز على بناء خدمة مثل (متجر المصائد "Trapp Store") التي تسهل مهمة أي شخص لديه مصيدة ذكية.
يواجه كل عمل أو مشروع اليوم ذلك السؤال الجوهري حول استراتيجية المنصات الناجحة الذي يشكل الأساس لتفكير المنصة: كيف أستطيع تمكين الآخرين من خلق القيمة؟ ربما ما يزال من غير الممكن تحسين المصيدة، وبالتالي تحقيق الأهداف المنشودة، ولكن ربما تنجح المنصة المناسبة في القيام ذلك.
اقرأ أيضاً: يمكن إنشاء منصات الإعلام الاجتماعي بناء على الجودة لا الحجم