ملخص: استمرت الشركات في استخدام عملية تقييم الأداء بطريقة 360 درجة على مر الأعوام لأنها طريقة ناجحة. لكن كي تكون مجدية، يجب تطبيقها بطريقة تضمن مشاركة القادة من أجل تحفيزهم لتأدية عملهم على نحو أفضل وإلزامهم بذلك. فعندما يطلع القائد من خلال الآراء والتقييمات على نظرة الآخرين له ويعرف أنها مختلفة عن نظرته لنفسه؛ ويحدد مواطن الضعف التي يجب عليه تصحيحها أو مكامن القوة التي يجب عليه بناؤها؛ ويفهم الأثر الذي يوقعه أسلوبه في القيادة على إنتاجية مرؤوسيه واندماجهم في العمل، سيتمكن من استخدام هذه المعلومات والاعتماد عليها في الخطوات التي سيتخذها من أجل تحسين نفسه والشركة في آن معاً.
لا تتعامل نسبة كبيرة من الشركات مع عملية "تقييم الأداء بطريقة 360 درجة" بالقدر الكافي من الجدية، بل تقوم بها غالباً على النحو التالي: بعد البحث عن أداة مناسبة لإجراء عملية التقييم بطريقة 360 درجة واختيارها، يقوم أخصائيو إدارة المواهب بتطبيقها على زملاء كل مشارك. وبعد تجميع البيانات، يرسل هؤلاء الأخصائيون تقريراً موجزاً إلى القائد ليقرأه بشيء من الاهتمام ثم يضعه جانباً، وأحياناً لا تتم مناقشة هذا التقرير مرة ثانية على الإطلاق.
وما هي النتيجة؟ تغيير ضئيل، إن لم يكن معدوماً، إذ لا يغير القائد الذي تلقى تقرير التقييم طريقة تفكيره، ولا يغير سلوكه تجاه الآخرين. وفي معظم الحالات، لا تسبب هذه العملية ضرراً عدا عن هدر الوقت والمال، لكنها في الحقيقة فرصة ضائعة للقائد والشركة على حد سواء.
أما الشركات التي تأخذ العملية على محمل الجد فتحقق نتائج أفضل كثيراً، بالطبع. وقد تستخدم أداة تقييم الأداء بطريقة 360 درجة نفسها، لكن طريقة تطبيقها مختلفة تماماً ومتناقضة مع ما وصفناه آنفاً، ونحن نوصي بها بشدة. وفيما يلي بعض الاختلافات الرئيسية:
- يساعد القائد في اختيار زملائه الذين يجب أن يشاركوا في الدراسة الاستقصائية.
- يتواصل القائد مع المشاركين شخصياً ويطلب منهم تقديم ملاحظاتهم الصريحة.
- يُقدم التقرير إلى القائد، سواء كان يعمل ضمن مجموعة ويطبق الأداة على أكثر من موظف في نفس الوقت، أو يعمل في جلسات فردية يجري فيها محادثات توجيهية.
- يتم تعريف القائد على المضمون ويقدم له التوجيه اللازم كي يتمكن من فهم البيانات.
- كما يتلقى القائد مجموعة مخصصة من توصيات التطوير المحددة وفقاً للكفاءات القيادية في الشركة، من أجل مساعدته على وضع خطة تطوير شخصية.
- يقوم أخصائيو إدارة المواهب بعملية متابعة من أجل ضمان أن يتحمل كلّ فرد مسؤوليته.
فوائد تطبيق عملية تقييم الأداء بطريقة 360 درجة
ثمة أسباب كثيرة تدعو لاتباع عملية كهذه. ومن خلال خبراتنا التي تتجاوز الـ 30 عاماً من العمل في مساعدة الشركات والقادة على تطبيق أدوات تقييم الأداء بطريقة 360 درجة، رأينا أن العملية تولّد الفوائد التالية:
توسيع الوعي الذاتي
هذه واحدة من أهم النتائج التي تولدها أي عملية تقييم للأداء. غالباً، يشعر الشخص الذي يعاني من نقص الوعي الذاتي بالحيرة من سلوك الآخرين تجاهه. وقد يتساءل: "لماذا لا يشركني الموظفون الآخرون في محادثاتهم غير الرسمية؟"، أو "لماذا ينتهي بي المطاف في جدال محتدم؟"، أو "لماذا لم يتم اختياري لقيادة هذا المشروع؟ فأنا أعرف أكثر من الشخص الذي تم اختياره". عندما يتم إجراء عملية تقييم بطريقة 360 درجة كما وضحنا أعلاه، يكون القائد قادراً على مقارنة هذه التقييمات الذاتية مع تقييمات الآخرين. وتوفر التقييمات التي يقدمها عدة أشخاص (نوصي بجمع التقييمات مما لا يقل عن 12 موظفاً) أدلة أكبر على أن هذه التقييمات ليست مجرد رأي شخص واحد. وبترافق هذه الأدلة مع تحميل المسؤولية، سينشأ حافز قوي للتغيير.
في تجربتنا، يُسر القادة عندما تفاجئهم الاختلافات بين آرائهم عن أنفسهم وملاحظات الآخرين عنهم. وعادة، ترد بعض التقييمات المربكة التي تدفع القائد للتساؤل عن السبب الذي يدفع أي أحد للتفكير بهذه الطريقة. يعتبر كل ذلك جزءاً من توسيع وعي القائد الذاتي، إذ يتعلم المزيد عن مكامن قوته ومواطن ضعفه، فيصبح عالمه منطقياً أكثر.
تكرار الرسائل المهمة
سيفكر القائد الذي يقوم بعملية جادة لتقييم الأداء بطريقة 360 درجة بتعليق أو تقييم ويقول: "لقد سمعت ذلك من قبل. فقد قاله لي (شريكي / زوجتي / زميلي في السكن)، لكني لم أعتقد أنه بهذه الأهمية". ولكن الآن، إذا لاحظ 10 موظفين، أو أكثر، جميعهم أن القائد ليس مستمعاً جيداً مثلاً، فستكون الرسالة أعلى صوتاً وأشدّ وضوحاً. تؤكد عملية تقييم الأداء بطريقة 360 درجة على أهمية التقييمات ومصداقيتها.
يعني عدم الكشف عن هوية المشاركين في العملية أن الزملاء يقدمون التقييمات وهم يعرفون أنها ستكون سرية، والنتيجة هي تقييمات أكثر صدقاً ونزاهة. ويسعدنا قول إنه بعد عقود من إجراء آلاف عمليات تقييم الأداء بطريقة 360 درجة ومراجعة تقاريرها، لم نعد نرى أي رسائل لاذعة أو حادة بصورة متعمدة.
زيادة احتمال التغيير
يتطلب منك تحسين فاعلية قيادتك تغيير سلوكك. وعندما تجرى عملية تقييم الأداء بطريقة 360 درجة على النحو الصحيح فهي تزيد فرص إجراء التغيير بدرجة كبيرة. إذ إن القائد الذي يرى اختلاف نظرة الآخرين إليه عن الصورة التي يريد رسمها عن نفسه لديهم، يقف أمام خيار بسيط، فإما أن يغير نظرته لنفسه، وإما أن يغير سلوكه. مثلاً، إذا أخبرني أحدهم أني صارم جداً ولا أستمع إلى وجهات النظر الأخرى، فسأحاول أن أتمالك نفسي وأجبرها على الإصغاء للآخرين عندما أخوض نقاشاً حول مسألة مثيرة للجدل في المرة القادمة. لكن إذا واصلت الجدال وتشبثت برأيي، فسأجد نفسي في مواجهة حقيقة أن نظرة الآخرين إليّ صحيحة.
كما أن احتمال التغيير يكون كبيراً إذا خضع عدة قادة لهذه العملية معاً، فالدعم الاجتماعي يساعد الجميع على تقبل الأفكار الجديدة والتقييمات ويجعله أسهل. ولنفس السبب، فإن عمل القائد مع المدرب يساعده على التغيير، لأن المدرب سيحاسبه على التزامه بتغيير سلوكه ويتابعه كي يتأكد من أنه قام بذلك فعلاً.
بين بحثنا علاقة ترابط قوية بين سلوكيات محددة والكفاءات التي يسعى القائد لتطويرها. مثلاً، تكشف بياناتنا أن الأشخاص الذين يحرزون درجات عالية في التفكير الاستراتيجيّ تزداد لديهم احتمالات القيام بما يلي:
- زيارة عملائهم
- التأكيد على الحلول المبتكرة
- تحليل التوجهات
- التواصل مع الروايات والرسوم التوضيحية والأمثال
- وضع أهداف ممتدّة
نعلم جميعاً أن العلاقة الترابطية لا تثبت السببية، لكن معرفة السلوكيات المحددة التي تسير جنباً إلى جنب مع الكفاءة التي ترغب في تحسينها ستمنحك أدلة مفيدة حول السبل غير الواضحة التي يمكنك اتباعها كي تصبح قائداً أفضل.
الروابط بين نتائج أعمال الشركة والسلوك القيادي
يتمثل الدافع الآخر الذي يحث القائد على تغيير سلوكه في رؤية أثر التغيير على النتائج القابلة للقياس، مثل اندماج الموظفين وجهودهم. وعندما يفهم القائد أن تغيير أسلوبه في القيادة قد يفضي إلى تحسين الأداء، فستزداد احتمالات أن يواصل سعيه لتحقيق هذا التغيير.
مثلاً، تعمل أفضل عمليات تقييم الأداء بطريقة 360 درجة على قياس المستوى الحالي لاندماج المرؤوسين المباشرين للقائد والتزامهم. وعندما يتضح الرابط بين سلوك القائد ومقياس مهم كاندماج الموظفين، فسيتمكن القائد من استيعاب نتائج سلوكه.
ونحن نعلم من مئات الدراسات أنه مع ارتفاع كفاءة القيادة ترتفع نسب استبقاء الموظفين الذين تثمنهم المؤسسة ورضا العملاء والربحية والإنتاجية واندماج الموظفين. يوضح الرسم البياني أدناه نتائج تقييم 97,617 قائداً، حيث عمل مرؤوسوهم المباشرون على تقييمهم فيما يخص 49 سلوكاً يميز القادة أصحاب الأداء الضعيف عن القادة العظماء. المحور الأفقي هو متوسط الدرجات التي حصل عليها القادة فيما يخص هذه السلوكيات، وهو مؤشر لكفاءة القيادة الكلية. أما المحور الرأسي فيظهر الاندماج، كالرضا والالتزام مثلاً، لدى مرؤوسي القادة المباشرين. لاحظ أن الاندماج يزداد أكثر من 5 نقاط مئوية مقابل كل جزء عشري من التحسينات في مؤشر كفاءة القيادة الكلية.
تحسين الأداء لأكثر من قائد واحد
عندما يزيد القائد كفاءته، فلن يعود ذلك بالنفع عليه هو ومرؤوسيه المباشرين فحسب، بل وعلى الموظفين الآخرين في المؤسسة أيضاً. ولاحظنا أنه عندما يحسّن القائد كفاءته فإنه يشجع الآخرين على فعل المثل، ما ينشئ أثراً مضاعفاً يستمر مع مرور الزمن.
وفي الحقيقة، فإن جميع مستويات القيادة في المؤسسة تتأثر بالفاعلية الجماعية للفريق القيادي الأعلى. وقد رأينا في بحثنا أنه إذا أحرز الفريق القيادي الأعلى درجات أعلى من المتوسط بقليل على مؤشر الكفاءة القيادية الكلية، فإن المستويات القيادية الأدنى ستحرز درجات أقل بالتتالي. وفي المقابل، إذا أحرز الفريق القيادي الأعلى درجات يصل مجموعها إلى 80%، فإنه يخلق "تياراً صاعداً" في المؤسسة وتصبح الدرجات أعلى في جميع المستويات القيادية. وبالطبع، هذا يعني أن الاستثمار في تطوير القدرات القيادية في الفريق القيادي الأعلى يدر أرباحاً كبيرة. وسيتمثل أفضل تأثير للفريق القيادي الأعلى على الشركة في توضيح أن جميع أفراده يسعون لزيادة كفاءتهم في أدوارهم.
استمرت الشركات في استخدام عملية تقييم الأداء بطريقة 360 درجة على مر الأعوام لأنها طريقة ناجحة. لكن كي تحقق هذه العملية النتائج التي تحدثنا عنها أعلاه، يجب تطبيقها بأسلوب يضمن مشاركة القادة من أجل تحفيزهم على السعي ليصبحوا قادة أفضل وإلزامهم بذلك. فعندما يطلع القائد من خلال الآراء والتقييمات على نظرة الآخرين له ويعرف أنها مختلفة عن نظرته لنفسه؛ ويحدد مواطن الضعف التي يجب عليه تصحيحها أو مكامن القوة التي يجب عليه بناؤها؛ ويفهم الأثر الذي يوقعه أسلوبه في القيادة على إنتاجية مرؤوسيه واندماجهم في العمل، سيتمكن من استخدام هذه المعلومات والاعتماد عليها في الخطوات التي سيتخذها من أجل تحسين نفسه والشركة في آن معاً.