حتى بالنسبة لصنّاع الصفقات أصحاب الخبرة، لابد أن تكون أول عملية استحواذ رقمية تجربة تعلّم لهم. تقوم الشركات بعملية الاستحواذ لتسريع استراتيجيتها الشاملة وتحولها الرقمي، مثلما فعلت شركة "ببليسيس غروب" (Publicis Groupe) عندما استحوذت على "سابينت" (Sapient) بـ3.7 مليار دولار سنة 2014، وذلك لمساعدتها على القيام بقفزة من كونها شركة إعلان تقليدية إلى شركة إعلان رقمية، فماذا عن عمليات الدمج والاستحواذ الرقمية التي تحصل في عالم الأعمال؟
عندما تتحول الشركات إلى عمليات "الدمج والاستحواذ" (M&A) وذلك لمساعدتها على التعامل مع الزعزعة الرقمية، عادة ما تكتشف أنه ليست عملية الدمج والاستحواذ عملية وحشية مقارنة مع الدمج والاستحواذ التقليدي، بل يكتشفون كذلك أنّ كل ما كانوا يعتقدون أنهم يعرفونه عن الدمج والاستحواذ الرقمي لا يساعدهم في الحقيقة. ومن المرجح أن يدفعوا مبلغاً أعلى من المفترض دفعه للاستحواذ، مراهنين على التطور السريع (وإن كان ذلك غير مؤكد).
عمليات الدمج والاستحواذ الرقمية
ليس هناك إلا عدداً قليلاً من المدراء التنفيذيين يبدون مستعدين لمواجهة تحديات عمليات الدمج والاستحواذ الرقمية. عندما أجرينا مؤخراً مقابلات مع كبار المدراء التنفيذيين لعمليات الدمج والاستحواذ في أوروبا حول تجربتهم، قال 75% منهم أنّ الزعزعة الرقمية كان لها تأثيراً كبيراً نسبياً حتى تطلب الأمر تعديلاً كاملاً لاستراتيجياتهم لعمليات الدمج والاستحواذ. ومع ذلك، وصف 11% منهم فقط أنفسهم بأنهم إما "ناضجون" أو "متقدمون" على منحنى التعلم.
اقرأ أيضاً: التقارب بين الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية يجعل عمليات الاندماج أكثر نجاحاً
إذاً، ما الذي تحتاج إلى معرفته للارتقاء في منحنى التعلم؟، يعني القيام بعمليات الدمج والاستحواذ الرقمي بشكل صحيح تغييراً كاملاً للطريقة التي تُقارب بها الشركات التمويل، وعملية الفحص النافي للجهالة، والدمج.
دعونا نبدأ بتمويل الصفقة. فتحديد التقييم الصحيح يبدأ بفهم كيف ستؤثر عملية الاستحواذ على قيمة شركتك المالية. والهدف النهائي هو إعلام السوق أنّ الاستحواذ الرقمي جزء من سلسلة التحركات التي ستساعدك على التكيف والربح في رقمنة مجالك.
في الوقت نفسه، ولأن الأهداف الرقمية تميل إلى أن تكون مكلفة، والمستحوذون محدودون في قدرتهم على استخدام الأسهم لتمويل الصفقة. سيكون التأثير المخفّض لقيمة أسهم المساهمين الحاليين مرتفعاً جدًا.
من ناحية أُخرى، يعرّض الحصول على هدف رقمي محفوف بالمخاطر في صفقة نقدية بنسبة 100٪ الشركة إلى شهرة مبالغ فيها وصفقات مستقبلية خاسرة. وللتخفيف من المخاطر المرتبطة بالمضاعفات المرتفعة للهدف، يتعين عليك تقييم جميع حلول التمويل المحتملة، مع مراعاة شروط الدفع المعدلة مثل المكاسب المستقبلية أو آليات الدفع المؤجلة الأُخرى. وعندما تُصبح شركتك في نهاية المطاف لاعباً رقمياً أكثر قانونية، تستطيع أن تكون أكثر مرونة في كيفية تمويل الصفقات المستقبلية.
في مارس/آذار 2016، اشترت "تيلز" (Thales) شركة "فورمترك" (Vormetric)، وهي شركة أمن رقمي نامية، مقابل 400 مليون دولار وهو مبلغ يفوق مبيعات "فورمتريك" الفعلية بـ5.7 مرات. أبلغت عملية الاستحواذ السوق بأن شركة "تيلز" تقوم بتحويل مسارها المالي إلى الأعمال التجارية ذات النمو المرتفع.
مع مرور الوقت، ستستمر استراتيجية "تيلز"، بما في ذلك عمليات الاستحواذ المتعددة ضمن مجال الأمن الرقمي، على نحو متزايد في نسبة السعر إلى الأرباح خاصتها وتقييمها العام، ما يساعدها على جذب مستثمري النمو. وفي الواقع، بنهاية ديسمبر/كانون الأول 2016، تداولت "تيلز" نسبة السعر إلى الأرباح مضاعفة بقيمة 21.8 وهو ما يفوق 15% من النسبة المتداولة في مجالي الطيران والدفاع، التي تقدر بالمتوسط 18.9.
اقرأ أيضاً: الصحة التنظيمية للمؤسسة هي العنصر السري في نجاح صفقات الاستحواذ الكبرى
بعد ذلك، عليك أن تفهم كيف تقلب عمليات الدمج والاستحواذ الرقمية عملية الفحص النافي للجهالة التقليدية رأساً على عقب. وللحصول على تقييم جيد، تتفحص الشركات الهدف قبل أن تتحول قيمته فعلاً إلى نقد، ولابد لذلك أن يعوّض عن غياب الموارد المالية.
بخلاف الطريقة التقليدية التي تمضي بها عملية الفحص النافي للجهالة عادة، يحتاج المستحوذون لأن يكونوا أكثر تطلعاً، وذلك باستخدام مقاربات تقييم النجاح الممكن لنموذج عمل تجاري تحت سيناريوهات مختلفة. يبني أفضل المستحوذين ويديرون مجتمعاً من الخبراء الخارجيين، معتمدين عليهم بشدة لمساعدتهم في عملية البحث والاستقصاء في مجالات من الصعب تقييمها موضوعياً.
تبدأ عملية الفحص النافي للجهالة بطرح سؤال أساسي: هل المستحوذ مؤهل لأن يصبح شركة أمّ قوية؟ يفكر المدراء التنفيذيون أول الأمر كيف أنّ الاستحواذ سيساعدهم في تحويل أعمالهم التجارية، بدل التفكير بكيف يستطيعون تسريع التطوير المربح للأصل الرقمي الذي استحوذوا عليه، من خلال الموارد المالية، والوصول للسوق، والإمكانيات أو التكنولوجيات.
لحسن الحظ، هناك أدوات رقمية لتكميل مصادر المعلومات التقليدية. على سبيل المثال، تستخدم بعض الشركات الأدوات التي تستطيع تقييم تصور السوق وتعرفه على الهدف. وفيما يخص تفحص القطاعات والشركات، يساعد موفر البيانات "سي بي انسايتس" (CB Insights) على تطوير ملفات تعريف للشركات وهذه الملفات تكون غنية بالمعلومات، إضافة إلى تصوير حركيات المنافسة والكشف عن مقاييس الأداء غير المالية.
أما بالنسبة لعملية الفحص النافي للجهالة عن شركة محددة، يوفر تحليل الويب مؤشرات عن حصة السوق وزخم النمو، مثل تحليل عدد الزيارات على الشبكة والتغطية الجغرافية مقابل المنافسين على مر الزمن، وذلك باستخراج مكان المواقع. وتقدم شركة "سيسوموس" (Sysomos) خدمة تحليل للشبكات الاجتماعية، حيث تستطيع هذه الخدمة مساعدة المستحوذ على فهم ما الذي يقوله الناس عن هدف ما.
اقرأ أيضاً: أحد أسباب فشل الاندماج: عدم توافق ثقافات الشركات
أما خدمة تحليل الويب من قبل شركة "كواد أناليتكس" (Quad Analytix) فتقوم بسحب مجموعة مختلفة من البيانات بما فيها نقاط الأسعار من عدة مواقع للبيع بالتجزئة وذلك لمساعدة المستحوذين على فهم حركيات السوق. يستطيع المستحوذون كذلك استخدام "غلاسدور" (Glassdoor) أو "لينكدإن" لتقييم الثقافة، أو الاعتماد على أدوات توفر رؤى عن نموذج تشغيل الشركة المستحوذة، وهي تحركات تساعدهم على تخفيف مشاكل الدمج المحتملة.
في الحقيقة، يُعتبر دمج الأصول الرقمية مشكلة ضخمة وشائكة محفوفة بالقضايا الثقافية.
كيف تستطيع احتواء الكيان الجديد الذي استحوذت عليه دون أن تقتله؟
إذا كانت الصفقة مقصودة لتوسيع نطاق شركتك بعملاء ومنتجات وأسواق أو قنوات جديدة، فمن الأرجح أنك لا تبحث إلا عن نوع محدد من الدمج. وهذا يعني التحقيق في المجالات التي يمكن لكل شركة أن تستفيد بها من الأُخرى من ناحية التكنولوجيات، والقرب من العملاء والوصول إلى الأسواق وغيرها من القدرات.
بعد أن استحوذت "مايكروسوفت" على "لينكد إن" بمبلغ 26 مليار دولار سنة 2016، أكد المدير التنفيذي "لمايكروسوفت" أنّ "لينكد إن" سيبقى مستقلا، ولكن سيتم تكليف مهندسي "مايكروسوفت" لاستكشاف كيف يمكنهم الابتكار مع هذا الأصل الجديد.
مع ذلك، إذا كانت شركتك تواجه زعزعة كبيرة في نموذج العمل التجاري تتعلق بالمجال الرقمي وقمت بالفعل بعدة استحواذات في المجال المحدد، فقد يكون من المنطقي أن تدمج الشركة المستحوذة دمجاً كاملاً. ربما تريد أيضاً أن تفكر في أسلوب استحواذ عكسي، حيث تمنح فيه قادة الأصل الرقمي المستحوذ عملاً تجارياً أو مسؤولية وظيفية أوسع داخل الشركة المندمجة، مستبقاً بذلك تحديات مساعدتها على التكيف داخل مؤسسة أكبر.
بعد استحواذها على "سابينت" (Sapient)، منحت "بوبليسيس" (Publicis) بشكل فعال المدراء التنفيذيين لهذه الشركة مسؤولية أكبر في تطوير القسم الرقمي من عملها التجاري. بعد بضع سنوات، أنشأت كذلك "سابينت إنسايد" (Sapient Inside)، وهي شبكة من المتخصصين الرقميين في "سابينت" ساعدوا وكالاتها الإعلانية التقليدية على الاستفادة من أفضل الأدوات وطرق الممارسة. والآن تحصل "بوبليسيس" على 50% من إيراداتها عبر القطاع الرقمي، وهذا ما يفوق هدفها للعام 2018.
في كلتا الحالتين، يحتاج المستحوذون لأن يديروا بعناية التحول الذي يتخلى فيه قادة الأصل الرقمي عن جزء العمل الريادي من وظائفهم ويصبحون مدراء بشكل حصري.
لا يمكن اعتبار قادة الأصل الرقمي دائماً بارعين في الانتقال داخل مصفوفة تنظيم شركة كبيرة، وذلك ما يجعلهم محتاجين لدعم وتدريب خاص من قادة الشركة المستحوذة. لابد على المستحوذ أن يوفّق بين الاختلافات الحتمية في سرعة صنع القرار، ويعني ذلك تعديل حوكمة المستحوذ نفسه أو وضع حوكمة خاصة قيد العمل للتعامل مع الأصل المستحوذ أو المجال التجاري المتأثر بالأصل المستحوذ.
وعلى نطاق أوسع، يواجه المستحوذون الحاجة إلى نشر ثقافة وعقلية الاستحواذ الرقمي المخاطرة داخل مؤسستهم الكبيرة.
وفي نهاية الحديث عن عمليات الدمج والاستحواذ الرقمية بشكل خاص، ستصبح الزعزعة الرقمية أكثر شدة. وبينما تفعل ذلك، ستتحول الشركات في جميع المجالات إلى عمليات الدمج والاستحواذ. لكنهم سيحتاجون جميعاً إلى تطوير مهاراتهم في عقد الصفقات ضمن القطاع الرقمي. ستنشئ أفضل الشركات حلقة ردود الفعل، وتتعلم من أخطائها الابتدائية التي لا مفر منها لتحسين وبناء قدرات ثابتة وقابلة للتكرار في المستقبل.
اقرأ أيضاً:بحث: الرؤساء التنفيذيون الذين لا يفوزون بالجوائز يجرون عمليات استحواذ أكثر