تقرير خاص

التركيز على الموظفين في عمليات التحول بالقطاع العام

10 دقائق
عمليات التحول بالقطاع العام
shutterstock.com/G-Stock Studio
نشرة خاصة من ماكنزي آند كومباني
تعتبر عمليات التحول في القطاع العام مهمة معقدة، ما يجعل من حسن التعامل مع الموظفين أمراً بالغ الأهمية.
ليس من السهل إحداث تغييرات جذرية في مؤسسة كبرى بصرف النظر عن القطاع الذي تعمل فيه المؤسسة؛ فقد كشف تقرير أعدته ماكنزي عن أن 74% من جهود التحول في القطاع الخاص لا تنجح في تحقيق أهدافها، بينما تصل النسبة ذاتها في القطاع العام إلى 80%. وفي القطاعين، تمثل الممارسات المتعلقة بالموظفين عاملاً حاسماً، يكون عادة السبب الرئيس وراء النجاح أو الفشل. ومن دون شك، تتضمن العناصر الخمسة الرئيسة لنجاح برامج التحول الحكومي مكوناً أساسياً يتعلق بالموظفين (الشكل 1).

وتقول راتشنا غاندي، وهي مسؤولة تنفيذية سابقة في مجال الأعمال والتي ترأست برنامج "خدمات نيو ساوث ويلز" التابع للحكومة الأسترالية: "يمكن القول أن إحداث التحولات ضمن مؤسسات القطاع العام قد لا يكون أصعب منه في القطاع الخاص. هناك بالطبع عوامل مميزة للقطاعين، ولكن عامل الصعوبة هو ذاته في الحالتين، إذ يحتاج القطاعان إلى التركيز على إشراك الموظفين في مسيرة التحول وإيجاد رابط بينهم وبين هذه الجهود".

المفارقة أن أهمية الممارسات المتعلقة بالموظفين في عمليات التحول هي أمر جيد وسيئ في الوقت ذاته بالنسبة إلى قادة التغيير في القطاع العام؛ فمن جهة، تمنحهم مهمة الخدمة العامة الحكومية ميزة فريدة بالمقارنة مع أقرانهم في القطاع الخاص عندما يتعلق الأمر بحشد الموظفين وتمكينهم من تحقيق قيمهم والنتائج الاجتماعية. ومن جهة أخرى، تشير العديد من الأدلة إلى أن الهياكل التنظيمية والثقافات السائدة في المؤسسات الحكومية تجعلها أكثر مقاومة للتغيير بالمقارنة مع المؤسسات التجارية، ما يقلل من الصحة والفعالية التنظيمية بشكل عام.

وعليه، كيف يمكن للقادة في المؤسسات الحكومية التفكير إزاء التغيير الذي يقوده الموظفون؟ يحدد بحث أجرته ماكنزي في هذا الصدد، إلى جانب تصورات مستمدة من قادة عمليات التحول الناجحة، ثلاث ممارسات رئيسة هي:

  • التقييم الجاد للمؤسسة والتحديات الثقافية التي تواجهها.
  • البدء من الأعلى: بناء المهارات القيادية للتغيير والتوجهات الفكرية في ذاتك وفي الفريق الإداري.
  • تعزيز القدرات الصحيحة: يحتاج غالبية العاملين في القطاع العام، ابتداء من فريق التحول ووصولاً إلى فرق تقديم الخدمات المباشرة، إلى مهارات جديدة للنجاح في تحقيق التغييرات الكبرى.

التقييم الجاد للمؤسسة والتحديات الثقافية التي تواجهها

يمكن للمؤسسات قياس وإدارة الصحة التنظيمية، أي مستوى التنسيق والتنفيذ والتجديد، بالدقة ذاتها التي تدير فيها الأداء. وعملت ماكنزي في قياس الصحة التنظيمية لما يزيد عن 2,000 مؤسسة في القطاعين العام والخاص من خلال مسح مؤشر الصحة التنظيمية الذي شارك فيه إلى الآن ما يزيد عن خمسة ملايين شخص. ويشير هذا البحث إلى أن ما يزيد عن 75% من مؤسسات القطاع العام تقل درجاتها في مجال الصحة التنظيمية عن المتوسط العام. علاوة على ذلك، يكشف البحث عن أن الفجوات في الصحة التنظيمية في مؤسسات القطاع العام تتجلى بشكل خاص في الثقافة والتنسيق والقدرات (الشكل 2)، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الصحة التنظيمية في مؤسسات القطاع العام تتوافق مع تلك في المؤسسات الخاصة فيما يتعلق بمحور القيادة فقط.

وإلى جانب نقاط الضعف في الصحة التنظيمية، تواجه مؤسسات القطاع العام سلسلة من التحديات المعقدة المرتبطة بالموظفين، بدرجة أقل من تلك التي تواجهها مؤسسات القطاع الخاص في نفس المحور، ما يؤدي إلى اختلاف نقاط الانطلاق والمسارات بين مؤسسات القطاعين فيما يتعلق بإشراك الموظفين وبناء القدرات خلال جهود التحول.

أولاً، تسود في مؤسسات القطاع العام عادة ثقافة درء المخاطر بصورة أكبر بالمقارنة من شركات القطاع الخاص، حيث يكافأ الموظفون المبتكرون بسخاء. وفي ضوء بيئة المخاطرة في القطاع العام الذي ينطبق عليه وصف عدم التكافؤ، من المرجح أن تُفرض عقوبات على موظفي الخدمة المدنية في حال الإخفاق أكثر من إمكانية مكافأتهم عند الابتكار أو التفوق. فعلى سبيل المثال، من غير المرجح أن تعود تجربة جريئة قد تحسن مستوى الخدمة لغالبية متلقيها، بالثناء على موظف الخدمة المدنية المسؤول في حال تقدم عدد قليل من المواطنين بشكوى حول التغيير. وبالمثل، قد تتم "مكافأة" مدير في القطاع العام نجح في تحسين الفعالية في قسمه بتقليل الميزانية، ولكن يمكن أن يعاقب بسبب ضعف الأداء إن لم تنجح جهوده.

ومن المفهوم أن ينظر العديد من موظفي الخدمة المدنية إلى برامج التغيير الطموحة بحذر شديد. وللتغلب على هذا التخوف من المخاطرة، يتعين على قادة القطاع العام العمل بوعي لتحويل الثقافة التنظيمية، وإعطاء كبار موظفي الخدمة المدنية تفويضات واضحة للتغيير وإجراءات لتعزيز الأداء ترتبط بتحسين النتائج. ويمكنهم كذلك الاقتداء بقادة الأعمال الذين يحتفون بالفشل بين موظفيهم بصفته عاملاً أساسياً للابتكار.

ومن ضمن التحديات الأخرى التي يواجهها قادة التغيير في القطاع العام هي محدودية التفويض السياسي، فقد تتعطل جهود التغيير في القطاع العام بسبب نطاق التفويض السياسي الحكومي، الذي قد يكون ضعيفاً أو قصيراً كنتيجة لتواتر الانتخابات. وتتمثل إحدى التحديات ذات الصلة كذلك في قصر فترة ولاية قادة القطاع العام بالمقارنة مع نظرائهم في القطاع الخاص. على سبيل المثال، أظهرت دراسة شملت وزراء الصحة في 23 دولة بين عامي 1990 و2009 أن نصفهم تركوا مناصبهم خلال أقل من عامين. وبالمثل، فإن مدة العمل التي يمضيها موظفي الخدمة المدنية آخذة كذلك في الانخفاض؛ ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال، ارتفع معدل التناقص السنوي في مكتب رئاسة الوزراء من 20% عام 2010 إلى 35% عام 2016. وفي المقابل، يصل متوسط فترة ولاية الرؤساء التنفيذين في كبرى الشركات الأميركية إلى ثمان سنوات تقريباً.

في هذه الحالات، تتطلب عمليات التحول الناجحة في القطاع العام تركيزاً شديداً من القادة. وقد كشف بحث ماكنزي عن أن الجهود المرتكزة على مجموعة صغيرة من الأولويات الواقعية من المرجح أن تزيد من مستويات النجاح بالمقارنة مع المبادرات التي تسعى إلى إحداث تغيرات كبيرة مرة واحدة. بالإضافة إلى ذلك، يشير التغيير المتكرر لكبار الموظفين إلى ضرورة تركيز التحولات الناجحة في القطاع العام على طواقم التعامل المباشر مع متلقي الخدمات، أي الموظفين الذين سيواصلون العمل في المؤسسة عند مغادرة القائد. وهذا هو النهج الذي تم اعتماده في برنامج "خدمات نيو ساوث ويلز". فقد هدفت الوكالة إلى تبسيط إجراءات وصول المواطنين إلى الخدمات الحكومية، مع التحول نحو التعاملات الرقمية، ومنهجية "المركز متعدد الخدمات" لتحسين تجربة العميل. وقد ركزت مبادراتها بشكل أساسي على طواقم التعامل المباشر الذين تم تمكينهم لتطوير أفكار التحسين وتنفيذها. ولأن الموظفين المعنيين بتنفيذ المبادرات كانوا مسؤولين عنها، فقد حققت نجاحاً كبيراً، إذ وصل معدل رضا العملاء عن برنامج "خدمات نيو ساوث ويلز" 97%.

أما التحدي الثالث فيتمثل في أن العديد من جهود التغيير الكبرى يجب أن تغطي الدوائر أو الوكالات الحكومية المتعددة، إذ قد لا تتناسب الحلول الجديدة تماماً مع تلك الموجودة مسبقاً. ومن المرجح أن تتمتع كل مؤسسة معنية في التحول بنقاط قوة مميزة وفجوات في القدرات، إلى جانب التناقض في الحوافز، الأمر الذي قد يتطلب من قادة التغيير استثمار الوقت والجهد في إيجاد الدعم والتعاون بين الموظفين الذين لا يؤثرون عليهم بصورة مباشرة.

فبينما يتمكن رئيس تنفيذي في القطاع الخاص يسعى لإحداث تغيير من إشراك غالبية الموظفيين المعنيين في المؤسسة ذاتها، يحتاج الوزير أو رئيس دائرة حكومية إلى العمل مع مجموعة من الوزارات والدوائر الأخرى. على سبيل المثال، تتطلب جهود تحسين نتائج قطاع السياحة التعاون بين وزارة السياحة ووزارات النقل، والتنمية الاقتصادية، والشؤون الخارجية وغيرها، بالإضافة إلى التعاون مع محافظي المدن وممثلي القطاع الخاص. وقد كشف بحث "ماكنزي" عن أن 70% من جهود التحول في القطاع العام امتدت إلى أكثر من وزارة أو دائرة أو وكالة.

ولا بد أن يواجه أي قائد حكومي يسعى إلى إحداث تغييرات كبيرة هذه التحديات بشكل مباشر، واتخاذ خطوات مدروسة للحد منها. ومع ذلك، يتمتع القطاع الحكومي بمزايا واضحة بالمقارنة مع القطاع الخاص. وبشكل خاص، تحتل مؤسسات القطاع العام مكانة فريدة تمكنها من الاستفادة من المواهب عبر المجتمع الأوسع نطاقاً. على سبيل المثال، عندما واجهت ألمانيا تدفق مئات الآلاف من اللاجئين عام 2015، تمكنت من حشد مشاركة كبيرة من المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني. فقد تطوع فرد بالغ من بين 10 أفراد في ألمانيا لمساعدة اللاجئين في صيف 2015.

وفي الهند، طلبت ولاية ماهاراشترا من طلاب الجامعات تقديم أفكار لحل 11 تحدياً كبيراً ابتداء من القضاء على الجفاف واستخدام التقنيات لتعزيز العدالة. وقد استقطبت مسابقة تحويل ماهاراشترا (Transform Maharashtra) مشاركة أكثر من 11 ألف طالب. ولا يقتصر دور هذه المبادرات على "تجميع" الأفكار والقدرات من خارج نطاق الخدمة المدنية، بل تمكّن الحكومات كذلك من دفع التحول باستخدام نسبة أقل من الموارد الحكومية.

البدء من الأعلى: بناء المهارات القيادية للتغيير والتوجهات الفكرية في ذاتك وفي الفريق الإداري

حازت عمليات التحول الناجحة المشمولة بالدراسة على التوجيه والدعم من قادة يتسمون بالتزام كبير. فقد كرس كل منهم جزءاً كبيراً من وقته وجهده لإحداث التغيير، وتحمل المسؤولية الشخصية لنجاح أو فشل المبادرة، وكانوا قدوة واضحة للتغيير، كما تحلوا بالشجاعة لتحدي الافتراضات والاعتقادات السائدة. ويكرس هؤلاء القادة أنفسهم لمسيرة التغيير ويبذلون أقصى قدراتهم للتخطيط الاستراتيجي، والتكيف العاطفي، والقيادة الملهمة، كما يتحملون المسؤولية الشخصية عن التغيير. ومن الأمثلة على هذا النوع من القادة، مايك بوش، مفوض الشرطة النيوزيلندية، الذي ترأس عملية تحول جهاز الشرطة في الدولة ليصبح نموذجاً يركز على الوقاية. وقد علق قائلاً: "عليك أن تخصص ما لا يقل عن 60% من وقتك داخل المؤسسة لتحقيق التحول".

لا يعد أي من ذلك سهلاً. بالواقع، تمثل قيادة مبادرة تغيير على نطاق واسع تحدياً شخصياً كبيراً لأي مسؤول حكومي كبير. وهناك عدد بسيط من الحكومات التي تدرب القادة فيها على المهارات الشخصية اللازمة. كشف بحث أجراه مركز ماكنزي للحكومات (إم سي جي) (MCG) عن أن أقل من ثلث قادة التحول في القطاع العام تلقوا أحد التدريبات في المهارات القيادية للتغيير. وأشارت نتائج من مسح ماكنزي لمؤسسات القطاعين العام والخاص إلى أن مدراء القطاع العام يفتقرون إلى ثلاث مهارات شخصية مهمة على الأقل وهي تقديم الملاحظات والتعقيبات، وتحفيز الموظفين، ودعم تطورهم. وقد اتفق المشاركون في المسح من القطاع العام بشكل أقل بالمقارنة مع المشارك العادي مع أن المدراء في مؤسساتهم يتلقون التدريب في هذه المهارات (الشكل 3).

ولبناء المهارات القيادية والتوجهات الفكرية اللازمة للحث على التغيير والمحافظة عليه، نوصي بثلاثة تدخلات رئيسة والتي أثبتت تأثيرها عبر مختلف جهود التحول.

أولًا، جمع كبار قادة التحول معاً، فقد تكون قيادة التحول تجربة منفصلة وغير مألوفة، مع بعض الاستثناءات، هناك عدد قليل من موظفي القطاع العام الذين يقودون أكثر من وكالة أو دائرة واحدة خلال مسيرتهم المهنية. وقد أكد العديد من كبار القادة الذين أجرينا معهم المقابلات بأنهم يفتقرون إلى شبكة النظراء الذين يمكنهم التواصل معهم لاختبار الأفكار وتبادل الخبرات، الأمر الذي يعني بأنهم اضطروا للتعلم خلال العمل عندما كانت مستويات الخطورة عالية جداً. ولمواجهة هذا التحدي، أنشأت بعض الحكومات منتديات خاصة لجمع القادة من مختلف الوزارات والوكالات لتنمية المهارات الأساسية وبناء الشبكات لدعم جهود التحول لسنوات عديدة قادمة. على سبيل المثال، قامت حكومة نيوزيلندا بتعريف كبار قادة الخدمة المدنية على مفاهيم رقمية ومبتكرة من خلال عقد تدريب تنفيذي ليوم كامل والذي غطى مواضيع مثل أفضل الممارسات في مجال الرقمنة وتوظيف المهارات الرقمية. وتضمن التدريب كذلك "هاكثون" مباشر أتاح للمشاركين إعادة تصميم ورقمنة سلسلة من التعاملات المدنية باستخدام منهجيات مرنة.

ويشير ذلك إلى خطوة ثانية أساسية هي تصميم برامج التدريب القيادية التي تتخطى الجانب النظري وتمنح المشاركين فرصة ممارسة وصقل مهارات جديدة ضمن تجارب واقعية. وقد وجدنا أن هناك العديد من مؤسسات القطاع العام التي تعتمد نهج "الميادين والمنتديات" لبناء القدرات. وبدلاً من مجرد تقديم التدريب وافتراض أنه سيتحول إلى ممارسات مؤسسية على أرض الواقع، يوفر نهج "الميادين والمنتديات" تدريباً صفياً ضمن سلسلة من ورشات العمل ومن ثم تعتمد نهجاً منظماً لترجمة النظريات إلى ممارسات عبر مشاريع واقعية في الميدان. وقد استخدمت وكالة عمل أوروبية على سبيل المثال هذا النهج لتدريب ما يزيد عن 150 مديراً. وبعد إكمال البرنامج، أشار 93% من المشاركين إلى أنهم شعروا بالتحفيز لتطبيق القدرات الجديدة في مهامهم اليومية.

ويتمثل التدخل الرئيس الثالث بالنسبة لقادة التحول في تطوير المهارات وتعزيز الشغف للتواصل على نحو ملهم مع كافة الجماعات المتأثرة بالتغيير، وبشكل خاص الموظفين في المؤسسة ذاتها. بالطبع، تحرص كافة الحكومات على التواصل، ولكن عدداً قليلاً منها ينجح في اجتياز المعوقات بفعالية لكسب القلوب والعقول. ولا تزال العديد من المؤسسات الحكومية مؤسسات هرمية تتبع بروتكولات من الأعلى إلى الأسفل، والتواصل من جهة واحدة معتمدة على فرضية مفادها أن موظفي الخدمة المدنية يحتاجون ببساطة إلى إرشادات واضحة للعمل بفعالية. ولكن، ما تحتاجه هذه المؤسسات هو التواصل باتجاهين والإشراك الفعلي للجميع. تؤكد نتائج مسح تحول الحكومات لمركز ماكنزي للحكومات على هذه الحقيقة. ففي أكثر عمليات التحول نجاحاً، يتواصل كبار أعضاء الفريق الإداري بانفتاح عبر مختلف الأقسام بشأن التقدم المحرز. وقد أشار حوالي 90% من المشاركين في التحول بأن احتمالية النجاح قد تتحسن من خلال التواصل بشكل متكرر مع موظفي الخدمات المباشرة.

وبخلاف نظرائهم في القطاع الخاص، فإن أولئك الذين لا ينجحون في تحقيق الإنجازات في القطاع العام لا يفقدون وظائفهم، الأمر الذي ينطبق غالباً على الموظفين لديهم. ذلك، إلى جانب الأثر الاجتماعي الذي تحققه عمليات التحول الحكومي الفاعلة، والذي يؤثر بشكل كبير على الطرق التي يقوم من خلالها قادة القطاع العام بإيجاد حافز داخلي للموظفين لحثهم على التغيير، ولا بد أن يتمتعوا بمهارة التعبير عن التحول بطريقة إيجابية. وتوضح راتشنا غاندي من برنامج "خدمات نيو ساوث ويلز" هذا الأمر بقولها: "لم نتوجه إلى موظفي الخدمات المباشرة ونخبرهم بأننا نسعى إلى التحول الرقمي، ليشعروا بالمقابل بالتهديد من ذلك ليتساءلوا: هل يعني ذلك أننا سنفقد وظائفنا؟ بل أخبرناهم أن العميل يرغب في المزيد من الخدمات الرقمية، وعلينا تدريب الموظفين لتحقيق الأمر. كيف يمكننا تحقيق ذلك؟".

تعزيز القدرات اللازمة للتغيير: الاستثمار في الموظفين، ابتداء من فريق التحول وحتى طواقم تقديم الخدمات المباشرة

تماماً مثلما تحتاج الحكومات إلى الاستثمار في مهارات التحول للقادة، لا بد لها من السعي لبناء قدرات التغيير عبر مختلف أقسام المؤسسة، ابتداء من الفريق المسؤول عن إدارة برنامج التحول وحتى طواقم تقديم الخدمات المباشرة. وقد كشف بحث مركز ماكنزي للحكومات عن أن برامج بناء القدرات التي صممت لمساعدة الموظفين على تلبية أهداف التحول تساهم في مضاعفة نجاح مبادرات التغيير في القطاع العام بثلاثة أضعاف.

إذن، ما هي برامج بناء القدرات المطلوبة؟ بالطبع ليست المهارات السياسية والدبلوماسية التي اعتادت الحكومات التركيز عليها، بل هناك حاجة إلى بناء القدرات في مجموعة جديدة من المهارات التي تتضمن مجالات التنفيذ التشغيلي، والتحليل، وإدارة التغيير، والاتصالات (الشكل 4). وتتطلب هذه المهارات الجديدة استثماراً جديداً، الأمر الذي قد يعني أن على الحكومات عكس النمط الحالي المتمثل في خفض الإنفاق العام على تدريب القوى العاملة والدعم الذي لوحظ في غالبية مؤسسات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على مدى السنوات العشرين الماضية. ويتعين على الحكومات كذلك إعادة تخصيص ميزانية التدريب وتحويل توجهها من التدريب القائم على الامتثال إلى البرامج التي تعزز المهارات المهمة لدعم التحول. في إيرلندا على سبيل المثال، التزم قادة الحكومة بشكل تام بتخصيص المزيد من الوقت والموارد للتدريب، فقد رفعوا الميزانية الحكومية للتعليم والتطوير بأكثر من 3% من الأجور مع التركيز على المهارات الأساسية مثل القدرات الرقمية.

ولكن، ينبغي على قادة القطاع العام أن يقوموا بأكثر من مجرد تحويل ميزانيات التدريب، فعليهم العمل على تحويل الثقافات. وقد عبر أحد القادة الذين أجرينا معهم المقابلات الشخصية عن العديد من نظرائه في القطاع العام عندما قال: "أمضيت حياتي من دون أن أطور هذه المهارات. بالواقع، لقد نصحت بعدم تقلد أدوار تركز على هذه المهارات إذ إنها ليست ذات أهمية".

بالإضافة إلى ذلك، وكما أشرنا سابقاً، تحتاج مؤسسات القطاع العام عادة إلى إعطاء الأولوية لبناء القدرات أكثر من نظيراتها في القطاع الخاص، إذ لطالما كان تطوير وتدريب الموظفين في الحكومات أقل قوة عموماً. على سبيل المثال، كشف مسح أجرته "ماكنزي" عن أن 28% فقط من مدراء القطاع العام حصلوا على التدريب في دعم تطور الموظف، بالمقارنة مع 41% من المدراء في جميع القطاعات الأخرى. وبالمثل، كما يظهر الشكل 3، حصل مدراء القطاع العام على تدريب أقل في مجال تقديم الملاحظات والتعقيبات للموظفين.

وإلى جانب هذه الخطوات العريضة في مجال بناء القدرات، يتعين على الحكومات كذلك احتضان الفرق المسؤولة عن إدارة جهود التحول. فمن المهم ضمان تجهيز هذه الفرق بموظفين يتمتعون بإمكانيات عالية مع تحديد الأدوار والمسؤوليات بوضوح، بالإضافة إلى ضمان تدريب الموظفين بفعالية لتنفيذ هذه المسؤوليات (الشكل 5)، فعندما تنجح الحكومات بتحقيق ذلك، يمكنها مضاعفة معدل نجاحها في جهود التغيير واسعة النطاق.

في مختلف أنحاء العالم، تواجه الحكومات ومؤسسات القطاع العام ضرورة ملحة لتحقيق نتائج أفضل وتحسين تجربة المواطنين في الحصول على الخدمات العامة، بالإضافة إلى زيادة حجم الميزانيات المحدودة. يستدعي تحقيق هذه النتائج تحولات طموحة على نطاق واسع. ولكن، لتحقيق أقصى فائدة من برامج التغيير، يتعين على الحكومات التركيز الدائم على الموظفين والموظفين ثم الموظفين. وعليها كذلك أن تستوعب العوامل الثقافية التي تؤخر التغيير وتتعامل معها، وبناء المهارات القيادية للتغيير والتوجهات الفكرية بين أعضاء الإدارات العليا، وتعزيز القدرات الجديدة في مختلف أقسام المؤسسة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي