اجتمعت أنا وزميلي مؤخراً برئيس تنفيذي وفريق القيادة الخاص به، وراقبناهم خلال مناقشة حول كيفية تطوير فريق العمل وتحسين عملية التخطيط السنوية. وبدأ لهيب المناقشة يزداد ضمن الفريق المكون من عشرة أفراد مع محاولتهم استكشاف عملياتهم الحالية. وبعد مرور 45 دقيقة على الاجتماع، لم يكن هناك إمكانية لمعرفة من يقود النقاش وما هي أهدافه، كما كانت أغلب التعليقات خارج السياق وبعيدة عن تقديم إجابات.
وأوقفنا الاجتماع بشكل مؤقت لنطرح السؤال التالي: كيف ترى استجابتك لهذه المحادثة وما الذي يتسبب بها؟
وكانت إجاباتهم عبارة عن نظرات خاوية تطلب منا تكرار السؤال، ربما لشعورهم بالمفاجأة من طلبنا منهم تحمل مسؤولية استجاباتهم، ولكن كانت نيتنا بالفعل سؤالهم عن الأخطاء التي كان الآخرون يرتكبونها في النقاش من خلال سؤالنا هذا.
اقرأ أيضاً: طريقة بسيطة لضمان التفاف فريق القيادة حول الاستراتيجية
غالباً ما يقول لنا القادة والزملاء أنّ فريقهم "مختل" (بحسب تعبيرهم، وليس تعبيرنا) ويطلبون منا المساعدة في تحديد المشكلة وحلها. وعندما نتعمق أكثر في المشكلة ونطلب منهم وصف ما يلاحظونه بالتفصيل، نسمع عبارات تشير إلى أنّ بعض أعضاء الفريق إشكاليون وبحاجة إلى تغيير سلوكهم. ونسمع أيضاً تصريحات غامضة تشير إلى أنّ "الآخرين" (أي البقية) لا يعرفون كيفية العمل بفعالية. وعلى اعتبار أننا مختصون مخضرمون بتطوير الفرق، نعلم أنّ هذه التقييمات ليست دقيقة أو مفيدة للحالة.
كيفية تطوير فريق العمل
إنّ الفرق منظومات معقدة تتألف من أفراد ذوي تفضيلات ومهارات وخبرات ورؤى وعادات مختلفة. وستتناسب احتمالات تحسين هذه المنظومة المعقدة بطريقة مجدية ومستدامة طرداً مع تعلم كل عضو في الفريق، بمن فيهم القائد، القدرات الأساسية التالية: الوعي الذاتي الداخلي، والوعي الذاتي الخارجي، والمساءلة الشخصية.
الوعي الذاتي الداخلي
سألت ذات مرة مديراً تنفيذياً كنت أدربه عن شعوره حيال موقف مليء بالتحديات؛ فأجاب: "أتقصد مشاعري؟ أنا مهندس ولا أفكر بشكل عاطفي". ثم قام بتغيير الموضوع.
يفتقر هذا المدير التنفيذي إلى وعي ذاتي داخلي.
اقرأ أيضاً: كيف أعدنا تنظيم فريق إنستغرام الهندسي حين تضاعف حجمه أربع مرات؟
يشمل الوعي الذاتي الداخلي على فهمك لمشاعرك ومعتقداتك وقيمك؛ بمعنى آخر، روايتك الداخلية؛ إذ أنه عندما لا نفهم أنفسنا، من المرجح أن نستسلم لخطأ تبني معتقدات ترى سلوكيات الآخرين نتاج نية أو شخصية سلبيين ("لقد تأخر لأنه غير مبال") أو الاعتقاد بأنّ سلوكياتنا ناتجة عن الظروف المحيطة ("تأخرت بسبب زحمة السير"). وعادة ما يرى أعضاء الفريق ذوي الوعي الذاتي الداخلي المنخفض معتقداتهم وقيمهم على أنها "الحقيقة" وذلك بشكل يخالف ما هو حقيقي لهم بناء على مشاعرهم وتجاربهم السابقة. وقد لا يتمكنوا من إدراك أنه يمكن أن يكون للآخرين وجهات نظر صحيحة بقدر وجهات نظرهم.
ولننظر إلى مثال آخر: منير، والذي هو قائد ذي وعي ذاتي داخلي منخفض، وزميلته تالا. فخلال اجتماع التخطيط لمنتج، تقول تالا والتي تفكر عادة بالصورة الأوسع: "نحتاج إلى التفكير في هذه الخطة في سياق استراتيجيتنا الأوسع". ويتسبب ذلك باستجابة غير واعية من الغضب والإحباط لدى منير، القائد الذي يركز على التنفيذ والذي كان يفضل التركيز على الخطة التفصيلية والتنفيذ. ولكن بدل أن يعترف أنّ سبب عدم ارتياحه، وأصل اعتقاده بأنّ الاستراتيجية غير مهمة يعود إلى أسلوبه الفكري المختلف، يصل إلى خلاصة بينه وبين نفسه مفادها أنّ تالا لا تفهم الوضع ومزعجة وليست الشخص المناسب للمشروع. وقد أخبر لاحقاً زميلاً آخر له بوجوب إخراجها من الفريق.
ونرى هنا خسارة الجميع؛ فقد أُسيء فهم تالا وقُلل من قدرها وربما قد تكون أُزيلت من الفريق، ولم يوسّع منير منظوره أو يتعلم كيفية العمل مع الأشخاص الذين يفكرون بشكل مختلف عنه.
اقرأ أيضاً: فريقك ليس قادراً على قراءة أفكارك
ولكن الجانب المشرق هنا هو أنّ في إمكان المرء اكتساب الوعي الذاتي الداخلي. وفي البداية، يمكنك، كقائد للفريق أو كعضو فيه، الاطلاع على الأسئلة التالية وتأملها والنظر إليها كلما وجدت نفسك في سيناريوهات مليئة بالتحديات أو مشحونة بالعواطف.
ما العواطف التي أواجهها؟
ما هي افتراضاتي بشأن الشخص الآخر أو الوضع؟
ما هي الحقائق في مقابل تأويلي؟
ما هي قيمي الأساسية، وكيف يمكن أن تؤثر على ردود أفعالي؟
وقد تتعلم الكثير عن نفسك إذا اتخذت ما يكفي من الوقت للنظر في استجاباتك ومقاومة الدافع لتقديم إجابة متسرعة. وكما قال ويليام ديريزيويتز، مؤلف كتاب "العزلة والقيادة" (Solitude and Leadership)، في خطاب ألقاه في ويست بوينت (West Point)، "لم تكن أول فكرة قط الفكرة الأفضل".
الوعي الذاتي الخارجي
ينطوي الوعي الذاتي الخارجي على فهم كيف تؤثر كلماتنا وأفعالنا على الآخرين، إذ ليس لدى معظم عملائنا من القادة وأعضاء الفرق أدنى فكرة عن تأثير سلوكياتهم على زملائهم، ما يُصعّب عليهم نتيجة لذلك التعرف على نقاط قوتهم التي تجعلهم زملاء منتجين، وكذلك تحديد السلوكيات التي تؤثر سلباً على الفريق وتصحيحها؛ ولا يمكن تحسين ذلك من دون هذه المعرفة.
وتتمثل إحدى طرق بدء بناء الوعي الذاتي الخارجي في ملاحظة ردود أفعال الآخرين أثناء المناقشات. هل رفع أحدهم صوته؟ هل توقف عن الكلام؟ هل قام بإيماءة؟ هل ابتعد بمقعده عن الطاولة؟ هل ابتسم؟ ويمكنك جمع بعض المعلومات القيمة بهذه الطريقة، لكن يجب أن تضع في اعتبارك حقيقة أنك قد تصل إلى استنتاجات غير دقيقة أحياناً. وفي هذه الحالات، تذكر أنك تحاول تفسير سبب استجابة زملائك بتلك الطرق، وأنّ محاولتك لتفسير ذلك ستكون بناء على معتقداتك وتجاربك الشخصية. وسيساعدك هنا الانتباه إلى وعيك الذاتي الداخلي وتأمل كيفية وصولك إلى استنتاجاتك الأولية.
وهناك نهج مباشر يتمثل في طلبك من زملائك في الفريق تقديم ملاحظاتهم عنك بطريقة محددة ومباشرة:
ما الأمور المفيدة التي أفعلها في اجتماعات الفريق؟
ما الأمور غير المفيدة؟
إذا كان بإمكانك تغيير جزء من كيفية تفاعلي مع الفريق، فماذا سيكون؟
قد تكون هذه الطريقة محفوفة بالمخاطر وغير مريحة، ولكنها قد تكون الطريقة الوحيدة التي يمكنك من خلالها الحصول على بيانات دقيقة حول تأثير كلماتك وأفعالك.
اقرأ أيضاً: كي تزيد فعالية الفريق، اعثر على القواسم المشتركة بين أعضائه
وفيما يتعلق بالتوقيت، يجب عليك تقييم ما إذا كان طلبك للملاحظات خلال الاجتماع سيثري المناقشة، أو سيكون من الأفضل طلبها لاحقاً خلال محادثة فردية مع أحد الزملاء الموثوق بهم مثلاً في وقت لاحق تقوم خلاله بطرح تلك الأسئلة عليه. وقد يؤدي إيقاف المناقشة بشكل مؤقت اجتماع الفريق الكبير للحصول على تعليقات شخصية إلى الإخلال بما يحاول فريقك تحقيقه.
المحاسبة الشخصية
عندما نفكر في المساءلة، نفكر عادة في مساءلة الآخرين. لكن أكثر القادة وأعضاء الفرق كفاءة هم الأكثر تركيزاً على مساءلة أنفسهم.
وقد يبدو هذا سهلاً، حاله حال الوعي الذاتي، لكن من النادر أن يكون كذلك؛ إذ يُنشئ العديد منا أنماطاً غير صحية عندما نواجه تحد أو عدم ارتياح، على سبيل المثال: إلقاء اللوم على الآخرين أو انتقادهم أو الدفاع عن أنفسنا أو التظاهر بالارتباك أو تفادي القضية بالمرة.
وإذا لم يعمل أعضاء الفريق معاً بشكل جيد، فمن المحتمل أن يكون كل عضو من أعضاء الفريق مساهماً في تلك الصعوبة بطريقة ما، وعلى كل واحد منهم القيام بالمساءلة الشخصية لجعل الفريق أكثر فعالية.
خطوات المساءلة الشخصية
ولكي تكون قائداً أو عضو فريق يقوم بالمساءلة الشخصية، عليك القيام بالخطوات التالية:
تعرّف على المشكلة عندما تحدث
وقد يكون هذا في بعض الأحيان الجزء الأصعب نظراً لأننا نفضل في حالات مثل هذه الإشاحة بنظرنا أو التحدث عن مدى انشغالنا. إلا أنه يجب مقاومة الرغبة في القيام بذلك. وتقبّل أنك جزء من المشكلة، لأنك تساهم قطعاً فيها.
تحمل المسؤولية الشخصية عن حل المشكلة والتزم بالأمر حتى يتم حلها تماماً
وبالعودة إلى مثال منير، وفي حال كان يمارس المساءلة الشخصية، لأدرك في البداية أنه في حالة نزاع مع تالا، وهذا هو السبب الذي كان يؤثر على قدرة الفريق على وضع خطة قوية. وباعترافه هذا ستتكون لديه عقلية تتقبل أنه كان جزءاً من الصراع، سيحول تفكيره إلى العمل علاقة أكثر إنتاجية مع تالا وتجنب إغراء القفز إلى الاستنتاجات والتحدث من وراء ظهرها.
سيؤثر التحول في العقلية بشكل مباشر على السلوكيات ويمكن أن يكون له تأثير إيجابي كبير على كامل الفريق.
قم بالتصرّف
قد تكون الاستجابة النموذجية للإحباط في معظم الفرق "زميلي في الفريق مزعج". ولكن بدل التفكير بذلك الشكل، على عضو الفريق المحبط تطبيق النصائح المذكورة أعلاه:
استكشاف استجاباته عبر تأمل مشاعره ومعتقداته وقيمه، وسؤال نفسه عن سبب تلك الاستجابة (الوعي الذاتي الداخلي).
النظر في التأثير الذي قد يحدثه على الآخرين من خلال الملاحظة أو الاستفسار (الوعي الذاتي الخارجي).
تقييم كيفية إسهامه في الموقف واتخاذ خيار مدروس بشأن كيفية التفاعل لتحسين نتائج الفريق (المساءلة الشخصية).
تتعلم معظم الفرق التي نعمل معها كيفية العمل بشكل أكثر فاعلية من خلال بناء هذه القدرات الثلاثة وتعزيزها بمرور الوقت. ويتطلب تغيير الطريقة التي نتعامل بها مع المعلومات والاستجابة تعلم هذه المهارات الجديدة من ناحية، ومن ناحية أخرى الصبر عليها لفترة طويلة بما يكفي لتصبح عادات متأصلة. ويعتقد أعضاء الفريق أصحاب الفعالية أنه في بعض الأحيان، عليك السير ببطء للتقدم بسرعة، حيث يستثمرون الوقت والجهد اللازمين لبناء هذه المهارات التأسيسية لكي يكونوا أفضل في التعامل مع الفرص التجارية الصعبة والتحديات التي يواجهونها عند محاولة تطوير فريق العمل.
اقرأ أيضاً: عندما يعود فريقك إلى اتباع الاستراتيجية القديمة