أعد النظر في عرض القيمة المقدم لموظفيك

11 دقيقة
جذب المواهب والاحتفاظ بها

أصبح جذب المواهب والاحتفاظ بها تحدياً كبيراً يواجه أصحاب العمل بسبب موجة الاستقالة الكبرى وسوق العمل الشديدة التنافسية. ولذلك، لجذب المواهب والاحتفاظ بها، يتبع الكثير من أصحاب العمل استراتيجية أساسية: اسأل الموظفين عما يريدونه، وحاول أن تمنحهم إياه. على الرغم من أن هذه الاستجابة قد تبدو بسيطة، فإنها يمكن أن تكون فخاً. فهي عادة ما تجعل تركيز المناقشات منصبّاً على الجوانب المادية التي تشغل بال الموظفين القدامى والجدد في الوقت الحالي. في الماضي، كانت الأجور هي المسألة الأهم، ولكن في الآونة الأخيرة أصبحت المرونة هي الأهم، لا سيما فيما يتصل بالعمل عن بُعد والعمل الهجين. وعلى الرغم من أن العروض المادية تُعد أسهل المحفزات (إذ يمكنك أن تقرر منح مكافأة غداً) وتحظى بتقدير كبير على الفور، فمن السهل على المنافسين تقليدها، كما أن تأثيرها على استبقاء الموظفين لا يدوم طويلاً. ويمكن أن يؤدي الاعتماد المفرط على العروض المادية إلى بدء سباق إلى الهاوية، حيث يسعى أصحاب العمل جاهدين إلى المزايدة على بعضهم لجذب المواهب. هناك نهج أفضل بكثير؛ نهج يحسن عملية تعيين الموظفين واستبقائهم، ويحوّل تركيز القادة والعاملين من "ما يريدونه في الوقت الحالي" إلى "ما يحتاجون إليه لبناء مستقبل مزدهر ومستدام للمؤسسة ولأنفسهم" يتلخص في: تصميم عرض قيمة لموظفيك وتقديمه إليهم، وهو نظام يتكون من 4 عوامل مترابطة تشمل:

العروض المادية: التعويضات ومساحة المكتب المادية والموقع وبدل الانتقال وجهاز الكمبيوتر والمرونة وجداول المواعيد والامتيازات الإضافية.

فرص التطور والنمو: جميع الطرق التي تساعد بها المؤسسة الموظفين على أن يكتسبوا مهارات جديدة ويصبحوا أكثر قيمة في سوق العمل، على سبيل المثال من خلال تكليفهم بأدوار جديدة وإتاحة التناوب الوظيفي وتوفير التدريب ومنحهم ترقيات.

التواصل والمشاركة الجماعية: الفوائد التي تجنيها عندنا تكون جزءاً من مجموعة أكبر. وتشمل هذه الفوائد ما يجعلك موضع احترام وتقدير لما أنت عليه، ويمنحك شعوراً بالمسؤولية المشتركة ويتيح لك بناء علاقات اجتماعية. ولجني هذه الفوائد يلزم خلق ثقافة تحفيزية تسمح للموظفين بالتعبير عن آرائهم بصراحة وتولّد الشعور بالانتماء.

الشعور بالمعنى والغاية: من الأسباب الطموحة لوجود أي مؤسسة. وهذا يتسق مع رغبة الموظفين في تحسين المجتمع المحلي والعالمي، وهو يجيب أيضاً عن السؤال الأساسي حول سبب قيام الموظفين بعملهم.

تختلف هذه العوامل فيما يتعلق بكيفية تعرُّض الموظفين لها. أولاً، هي إما قصيرة الأجل وإما طويلة الأجل. على سبيل المثال، يتلقى الموظفون العروض المادية ويتواصلون ويشعرون بالمشاركة الجماعية على المدى القصير (على الرغم من أن التواصل والمشاركة الجماعية يستغرقان وقتاً طويلاً، فإنهما يحدثان في الوقت الحاضر؛ فالعلاقات والثقافة التي يواجهها الموظفون اليوم تُعد مصدر تحفيز لهم)، بينما يشهدون النمو والتطور ويشعرون بالمعنى والغاية على المدى الطويل.

ثانياً، هذه العوامل إما فردية أو جماعية. إذ يتم تقديم العروض المادية وفرص النمو والتطور للموظفين على أساس فردي، بينما يتم التواصل والمشاركة الجماعية والشعور بالمعنى والغاية على مستوى جماعي.

أبرزت الدراسات مخاطر التركيز المفرط على تقديم العروض المادية للموظفين.

ينبغي للقادة تناول العوامل بصورة شاملة للتأكد من أن التركيز على أحدها لا يقوض الآخر. على سبيل المثال، أحد أهم المطالب الحالية للموظفين هو السماح لهم بالعمل عن بُعد. في حين أن الموظفين المبتدئين قد يكونون سعداء لأن بإمكانهم أداء وظائفهم من المنزل، فإنهم يدركون أن هناك تكلفة لذلك. عندما سألت شركة جينيريشن لاب (Generation Lab) مؤخراً 544 طالباً جامعياً وخريجاً جديداً أميركياً عما سيفتقدونه إذا عملوا عن بُعد، ذكر 74% منهم أنهم سيفتقدون المشاركة الجماعية بالمكتب، وقال 41% إنهم سيفتقدون التوجيه.

خلال عملنا في تقديم الاستشارات وإجراء البحوث مع الشركات في قطاعات تتراوح من الخدمات المالية إلى البرمجيات إلى السلع الاستهلاكية، وجدنا أن قلة من المسؤولين التنفيذيين يفكرون في كيفية تأثير العوامل الأربعة على التعاملات مع العاملين. ولأنهم يدركون كيف يمكن أن تكون العلاقة بين الموظف والشركة هشة، فقد فكروا ملياً وحاولوا تحديد كل الأشياء التي يحتاج إليها موظفوهم بمرور الوقت للازدهار وإنتاج أعمال عالية الجودة. أخبرنا أحد هؤلاء المسؤولين التنفيذيين في قسم الموارد البشرية قائلاً: "نظراً إلى قلق القيادات العليا من فقدان الموظفين، فإنهم دائماً ما يحدثوننا عن إنفاق الأموال للاحتفاظ بهم. لكن عليهم أن يسألوا أنفسهم عما يفعلونه لتطوير مهارات الموظفين ومنحهم الشعور بالغاية". وتدعم دراسات عديدة وجهة النظر هذه. على سبيل المثال، أظهر بحث أجراه جينغ هو وجاكوب هيرش في جامعة تورنتو أن الموظفين سيقبلون برواتب أقل مقابل القيام بعمل ذي معنى.

أبرزت دراسات أخرى، بما في ذلك دراساتنا المستمرة، مخاطر التركيز المفرط على العروض المادية للموظفين. فقد حلل باحثون في مايكروسوفت وجامعة كاليفورنيا في بيركلي بالولايات المتحدة رسائل البريد الإلكتروني وجداول المواعيد والرسائل الفورية ومكالمات الفيديو والمكالمات الصوتية وساعات عمل 61,182 موظفاً أميركياً في مايكروسوفت خلال النصف الأول من عام 2020، ووجدوا أن العمل عن بُعد جعلهم أكثر عزلة وقلل التعاون بينهم. في الواقع، إن علاقات العمل بالغة الأهمية لكثير من الموظفين. تحدثنا مع عالمة شابة في مجال الكمبيوتر تركت مؤخراً منصباً مرموقاً في شركة كبيرة للخدمات المالية لأن سياسة العمل من المنزل التي تتبعها تعني عدم وجود أي شخص في المكتب، ولذلك حصلت على وظيفة في شركة تكنولوجيا تطلب من الموظفين الحضور إلى المكتب 4 أيام على الأقل في الأسبوع. ولأنها تخرجت حديثاً من برنامج يتسم بالمشاركة النشطة في مجال علوم الكمبيوتر في إحدى الجامعات الكبرى، حيث كان الطلاب يتعلمون من بعضهم ويستمتعون بالتواصل الاجتماعي معاً، فقد قدّرت الحماس وروح الزمالة ومشاركة الأفكار التي تترافق بطبيعة الحال مع العمل في المكان نفسه مع زملائها.

أظهرت مجموعة أخرى من البحوث أن الموظفين يميلون إلى إعطاء الأولوية لإشباع رغباتهم القصيرة المدى. وتُعد المناقشة التالية التي أُجريت مؤخراً مع رئيس قسم في شركة مالية خاصة مثالاً على ذلك. أخبر المسؤول التنفيذي أحدنا (مارك) أنه لا يتفق مع الضغط الذي يمارسه الرئيس التنفيذي لجعل فريقه يعود إلى المكتب "دون معرفة ظروف العاملين"، مجادلاً بأنه استمتع بالعمل من المنزل وأن المستوى العالي من إنتاجية أعضاء الفريق كان دليلاً على أنه ينبغي السماح لهم بالعمل عن بُعد بشكل كامل. قال مارك إنه اعتقد أن المسؤول التنفيذي ربما كان أكثر قدرة على الإنجاز، لكنه تساءل عما إن كان الموظفون المبتدئون يتلقون التوجيه الكافي وإن كان أعضاء فريقه لا يزالون يشعرون أنهم على اتصال وثيق ببعضهم. بدت علامات الإحباط على وجه المسؤول وأومأ برأسه قائلاً: "أنت محق، لم أفكر في ذلك". يتطلب التغلب على التحيزات التلقائية التي تعطي الأولوية للحاضر على المستقبل، ولاحتياجات الفرد على احتياجات الآخرين، أن يتواصل القادة بطريقة مدروسة وبارعة.

كيف تفوز في حرب المواهب؟

لتحسين عملية التوظيف واستبقاء الموظفين، ينبغي للشركات تقديم عرض قيمة جذاب إليهم. تختلف العناصر الأربعة لعرض القيمة في كيفية تجربة الموظفين له، ويجب إدارتها بشكل شامل لضمان ألا يتسبب التركيز على أحد العناصر في تقويض عنصر آخر.

لماذا من الضروري اتباع أسلوب منهجي؟

تُدار العوامل الأربعة لتصميم عرض القيمة للموظف بصورة منفصلة في العديد من الشركات. على سبيل المثال، يتولى قسم الموارد البشرية الأمور المتعلقة بالنمو والتطور، بينما يتولى شاغلو المناصب التنفيذية العليا بناء الشعور بالغاية. تميل الشركات أيضاً إلى تناول العوامل الأربعة بشكل متسلسل: فهي تركز على تقديم أجور تنافسية لجذب الموظفين الجدد، ثم تسلط الضوء على فرص التطوير التي توفرها للاحتفاظ بالموظفين الحاليين. ولكن هذا الأسلوب يتجاهل الكيفية التي تؤثر بها التغييرات في عامل واحد على العوامل الأخرى.

لنتأمل ما حدث في إحدى شركات البرمجيات التي تقدم خدماتها لشركات تعمل في مجالات الهندسة والإنشاءات والتصنيع. بعد أن تضاءلت حالات الإصابة بكوفيد-19، أراد الرئيس التنفيذي وكبار المسؤولين التنفيذيين الآخرين أن يعود الجميع إلى المكتب. لكن استطلاعات رأي الموظفين أظهرت أنهم لا يريدون العودة إلى المكتب. رضخ المسؤولون التنفيذيون، ما أدى إلى تدني مستويات اندماج الموظفين على مدار الأشهر القليلة اللاحقة. وكشفت المقابلات التي أُجريت مع الموظفين عن "انعدام فرص التواصل"؛ إذ قال العديد منهم إنهم اشتاقوا إلى رؤية زملائهم أو أن "شعورهم بالانتماء" قد تضاءل. ومع استمرار تدني مستويات الاندماج، اكتشف المسؤولون التنفيذيون أن الموظفين كانوا أقل سعادة على الرغم من منحهم ما يريدونه ظاهرياً. أدرك المسؤولون التنفيذيون أنهم لم يراعوا تأثير العمل عن بُعد على شعور الموظفين بالانتماء بمرور الوقت.

في حين أنه من السهل تقدير هذه التأثيرات المنهجية، فإن معظم الشركات تتجاهلها على أرض الواقع. على سبيل المثال، تستثمر الشركات ساعات لا حصر لها ورسوم استشارات لوضع معايير لتعويضات الموظفين، ولكنها نادراً ما تقيس رأي موظفيها في التعويضات التي تمنحهم إياها، لا سيما في سياق الشعور بالغاية وفرص الترقي والمشاركة الجماعية.

على الرغم من أن المشكلات غالباً ما تحدث عندما تركز الشركة على العروض المادية فقط، فإنها تظهر أيضاً عندما تركز على عوامل أخرى، وهو أمر اكتشفته منظمة اليونيسيف مؤخراً. عندما يتعلق الأمر بجذب المواهب، يمكن القول إن لدى اليونيسيف أحد أكثر الغايات إقناعاً وتحفيزاً، ألا وهي حماية أطفال العالم. وبالتالي ليس من المستغرب أن تظل هذه الرسالة أحد الأصول الأساسية في توظيف المواهب والاحتفاظ بها. لكن التحقيقات التي أجريت في عامي 2018 و2019 كشفت أن ثقافة "تحقيق النتائج بأي ثمن" المتعلقة برسالة المنظمة قد شجعت على التنمر والمضايقات وتسببت في مغادرة الكثيرين. خلال نقاشاتنا مع كبار المسؤولين في اليونيسيف أدركوا أنه من خلال قيام المنظمة بترويج غايتها المؤثرة للغاية حصراً، فإنها خلقت دون قصد ثقافة مضرة. وقد دفعهم هذا الإدراك إلى إطلاق مبادرات لتحقيق التوازن بين الغاية وتطوير مهارات الموظفين والتواصل والمشاركة الجماعية.

كما يتضح من كلا المثالين، فإن تقديم قيمة فعالة ودائمة للموظف يتطلب التعامل مع العوامل الأربعة لتصميم عرض القيمة كأجزاء مترابطة من نظام متكامل؛ فهذا هو ما يجعل التعاون ممكناً. تكشف تجربة الرئيس التنفيذي لشركة برمجيات كيف يمكن تحقيق ذلك. ففي أوائل عام 2021، أدرك أن هناك حاجة إلى وضع نهج متعدد الأبعاد ليندمج الموظفون في العمل. كانت سياسة العمل الهجين الجديدة، التي تأجلت مرتين بسبب المتحورات الجديدة لكوفيد، متكاملة على نحو رائع. فقد بدأت بالتشديد مجدداً على غاية الشركة: حل المشكلات معاً لبناء عالم أفضل. وتحدث كبار القادة كثيراً عن سبب أهمية العمل الذي تقوم به الشركة وكيف أسهم فيه الموظفون من مختلف الأدوار. كما أطلقت الشركة برنامجاً لتطوير القدرات القيادية لدعم ثقافة قوامها التعلم والأمان النفسي والتعاون، وقدمت مجموعة من فرص النمو والتطور التي بيّنت كيف يمكن للموظفين في كل قوة العمل الترقي في الشركة. والأهم من ذلك هو أن الرئيس التنفيذي أدرك أن عناصر البرنامج مكملة لبعضها؛ على سبيل المثال، ثقافة التعلم تدعم بوضوح نمو الفرد وتطوره، والتركيز على التعاون يعزز التوجيه المتبادل بين الزملاء ومشاركة أفضل الممارسات وأشكال التواصل الأخرى. أدى تجديد غاية الشركة إلى بث الحيوية في الثقافة، وفقاً لما أظهرته استطلاعات رأي الموظفين. ومع تناول هذه العوامل، اتجهت الشركة إلى عروضها المادية المتعلقة بالعمل عن بُعد. بموجب السياسة الجديدة طُلب من الموظفين قضاء يومين أو 3 أيام في المكتب كل أسبوع، وسُمح لكل فريق بتحديد الأيام ووتيرة العمل المفضلة لأعضائه، وضاعفت الشركة جهودها لجعل مكاتبها حول العالم جذابة لموظفيها. ثمة مثال آخر على فعالية القيمة المتكاملة المقدمة للموظف: عملية التحول التي قادها هيوبرت جولي في شركة بيست باي (Best Buy) بعد أن أصبح رئيسها التنفيذي في عام 2012. فقد بدأ بتحديد غاية الشركة بشكل مدروس: "إثراء حياة العملاء من خلال التكنولوجيا". وقال في مقال نشرته مجلة فوربس عام 2021: "حققنا هذا التحول من خلال سعينا إلى تحقيق غاية نبيلة والتعامل مع الربح كنتيجة وليس هدفاً". وأكد كيف أن الغاية النبيلة تتسق مع تعطش الموظفين لإيجاد المعنى، ما يخلق دورة محمودة من "السحر الإنساني" تُنشئ مجتمعاً مفعماً بالطاقة يركز على إسعاد العملاء. نعم، منح جولي العاملين امتيازات أفضل وأعاد تنظيم الخطط المتعلقة بالمتاجر، ولكن الأهم من ذلك أنه لم يخفض عدد الموظفين أو الأجور، وهو النهج التقليدي المتبع عند إجراء عمليات التحول في الشركات، وبدلاً من ذلك استثمر في غاية الشركة وفي الثقافة والتدريب أيضاً.

عندما يفكر كبار المسؤولين التنفيذيين بشكل منهجي، فإنهم عادة ما ينظرون في العلاقات بين العوامل المؤثرة في القيمة المقدمة للموظف، ويتساءلون: "كيف يمكن أن يؤثر هذا التغيير على الأشياء الأخرى التي يهتم بها الموظفون؟". غاري ريدج، الذي تقاعد العام الماضي من منصب الرئيس التنفيذي لشركة دبليو دي 40 (WD-40)، فعل ذلك بالضبط عندما أعرب موظفوه عن رغبتهم في مواصلة العمل عن بُعد مع انحسار الجائحة. أخبرنا: "وضعنا فلسفة تسمى 'العمل من أي مكان'، وقلنا فيها: 'لا يهمنا من أين تعمل، لكننا نناشدك أن تستخدم قيم شركتنا لاتخاذ قرارك'". ومن هذه القيم: "تكوين ذكريات إيجابية ودائمة في جميع العلاقات"، ما شجع الموظفين على التفكير بوضوح فيما إن كانت إسهاماتهم في مجتمع دبليو دي 40 (قيمة أخرى للشركة) تتأثر بتفضيلهم العمل من المنزل، وتحديد متى كان العمل عن بُعد فعالاً ومتى لم يكن كذلك. وحسب ما ذكره ريدج، اختار معظم الموظفين العمل في المكتب. وأضاف أن النهج التكاملي يعزز نفسه بنفسه، حيث قال: "نفكر في الأمر بصورة شمولية، ونتصرف وفقاً لذلك، ما يؤدي إلى زيادة الفوائد المتحققة". هناك أدلة تدعم ذلك: في استطلاع رأي أجري مؤخراً، قال 90% من موظفي دبليو دي 40 أن ثقافة الشركة قد تحسنت في العام الماضي، وهي الفترة التي زاد فيها شعور الموظفين بخيبة الأمل في العديد من المؤسسات. ومن الجدير بالذكر أن نسبة اندماج الموظفين في دبليو دي تجاوزت 90% على مدار الـ 22 عاماً الماضية. وخلال ذلك الوقت، ازداد إجمالي عائدات المساهمين بمعدل سنوي مركب يبلغ 15%، وازدادت عائداتها ثلاث أضعاف. كما ارتفعت قيمتها السوقية من 300 مليون دولار إلى 2.4 مليار دولار (منذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2022).

ما الذي ينبغي للقادة عمله؟

يستلزم الأسلوب المنهجي لجذب الموظفين والاحتفاظ بهم اتباع 3 خطوات:

1. تقييم ما تمتلكه شركتك وما يحتاج إليه موظفوك. ابدأ بفهم جانبيّ العرض والطلب في المعادلة

ويتطلب ذلك جمع معلومات حول ما تقدمه مؤسستك حالياً فيما يتعلق بكل عامل من العوامل الأربعة، وكيف يراه موظفوك، ومعرفة ما يريدونه. البيانات التي تم جمعها باستخدام الطرق التقليدية القائمة على إجراء استطلاعات رأي ومقابلات ستكون كافية. ولكن لا تنظر إلى الجوانب السطحية فحسب؛ فعندما تفحص مستوى اندماج الموظفين، لا تركز فقط على النتائج، بل تحقق أيضاً من أسباب التغيرات. على سبيل المثال، ربما يرجع عزمهم على المغادرة إلى تصوُّر انعدام فرص النمو أو شعور بالانفصال عن الزملاء. فكل سبب له انعكاسات مختلفة على العمل.

2. تغيير النهج المتبع في إجراء المحادثات

بمجرد حصولك على بيانات حول ما تقدمه مؤسستك وما يحتاج إليه موظفوك، تأكد من أن المدراء ومرؤوسيهم يناقشون القيمة المقدمة للموظف على نحو متكامل. إذا كنت صريحاً بشأن كيفية ارتباط العوامل ببعضها، فسيؤدي ذلك إلى تقليل الخلافات وحالات سوء الفهم حول "سبب" اتخاذ القرارات الرئيسية. لا تكتفِ بإعلان السياسة، بل اشرح أيضاً سبب أهميتها للشركة وكيف ستفيد الموظفين على المديين القصير والطويل. وكما هو الحال في أي محاولة لتغيير العقليات والسلوكيات، يُعد التكرار والاتساق من الأمور بالغة الأهمية. لذا، احرص على إجراء محادثات مدروسة ومنظمة حول العلاقات بين العوامل عند:

تعيين موظفين جدد وإعدادهم للعمل (بما في ذلك إعادة إعداد الموظفين الجدد الذين تم تعيينهم في أثناء الجائحة). لا تسأل المرشحين في أثناء المقابلات عما ينتظرونه من الشركة فقط، بل يجب أيضاً أن تحدد بوضوح نظام العروض التي ستقدمها شركتك بمرور الوقت. فمن خلال تحديد ما إن كانت احتياجات الموظفين المحتملين تتسق مع احتياجات الشركة، يمكنك تقليل أخطاء التوظيف المكلفة. ويمكن أيضاً أن تساعدك المناقشة الصريحة للأساس المنطقي الذي تقوم عليه القيمة المقدمة للموظف في صياغة عرض أكثر جاذبية من عروض منافسيك. عند إعداد الموظفين الجدد للعمل، تجنب الجلسات التي تخبرهم فيها عن ثقافة الشركة بحماسة مفرطة، بل أظهِر لهم كيف تدعم ثقافتك تنمية الفرد ورسالة الشركة.

إدارة الأداء. يجب أن يقيس نظامك العوامل الأربعة. فكر في إعداد تقييماتك (سواءً للفِرق أو وحدات العمل أو الشركة بأكملها) بناءً على الأسئلة التي تشجع الموظفين على التفكير في عملهم على نطاق واسع مثل: كيف يسهم عملي في تحقيق غاية المؤسسة؟ ما الذي أفعله لبناء علاقات ومجتمع والتمتع بطاقة إيجابية في فريقي؟ ما هي فرص التعلم والتطوير التي أسعى وراءها؟ وكيف يمكنني دعم الأعضاء الآخرين في فريقنا وتعلُّمهم؟ ما الذي أقوم به لضمان تحقيق نتائج رائعة أياً كان مكان عملي ومواعيده؟ احرص على إجراء محادثات مستمرة حول هذه الموضوعات لتعزيز القيمة المتكاملة المقدمة لموظفيك.

وضع السياسات وتعديلها. عند إدخال أي سياسة جديدة أو تحديث سياسة قائمة، احرص على أن تذكر بوضوح كيفية تأثير هذه السياسة على العوامل الأربعة. إذ سيساعد ذلك الموظفين على التفكير في التأثيرات الأوسع نطاقاً ومعرفة المفاضلات التي قد يغفلون عنها. كما أن ذلك سيجنّبك تلقي ردود فعل سلبية كتلك التي شهدتها شركة آبل في ربيع عام 2022، عندما اضطرت إلى التراجع عن تعليماتها بأن يعمل الموظفون في المكتب 3 أيام في الأسبوع. وفقاً لمؤسسة ناشيونال بابليك راديو (National Public Radio)، "قررت الشركة تأجيل خطتها بعد أن وقَّع أكثر من ألف موظف حالي وسابق على خطاب مفتوح وصف الخطة بأنها غير فعالة وغير مرنة ومضيعة للوقت".

3. التحديث المستمر

احتياجات الموظفين ديناميكية ويجب إعادة تقييمها بصورة منتظمة. سيكون جمع البيانات سنوياً كافياً في معظم الشركات، لكن الشركات التي تمُر بأحداث كبيرة مثل عمليات الاندماج أو الاستحواذ الكبيرة قد ترغب في القيام بذلك بوتيرة أسرع. يُعد القياس المستمر ضرورياً لتقييم الكيفية التي يمكن أن تتغير بها العلاقات بين العوامل في النظام بينما تتم تقوية حلقات التعزيز أو التحكم في حدة التوترات بمرور الوقت.

سيساعدك التعامل مع الأمور المتعلقة بجذب الموظفين والاحتفاظ بهم باعتبارها نظاماً على تجنب الدخول في سباق نحو الهاوية، وسيجعل من الصعب تقليد القيمة المقدمة للموظف، وسيساعدك أيضاً في صياغة قصة سردية واضحة تقلل من التوترات بين المدراء ومرؤوسيهم التي تكون على شاكلة نحن وهم. وهذا أيضاً يسمح لمؤسستك بالانتقال من الاستجابة لمتطلبات اللحظة الراهنة (سواءً كانت مكافآت توقيع أو العمل عن بُعد) إلى خلق بيئة تمكّن الموظفين من استغلال كامل طاقاتهم. وهذا هو السبيل إلى بناء مؤسسة تزدهر على المدى الطويل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .