كيف يمكننا الخوض في نقاشات صحية وأكثر جدوى؟

6 دقائق
الخوض في النقاشات

ملخص: عندما يكون لدى شخص ما وجهة نظر مختلفة تماماً عن وجهة نظرك، يتمثّل رد فعلك الطبيعي إما في تجنب الحديث مع ذلك الشخص أو محاولة إقناعه بأنه مخطئ، إلا أن النهجين عديما الجدوى. تؤكد البحوث على وجود نهج أفضل للتواصل يتمثّل في إبداء رغبتك في التفاعل مع آراء الآخرين باستخدام لغة تشير إلى أنك مهتم حقاً بوجهة نظر ذلك الشخص. ويمكن تعلم ذلك السلوك وتحسينه على حد سواء، يمكنك تعلم طريقة النقاشات الصحيحة وذات الجدوى.

 

كما هو الحال في المجتمع الفاعل، تطلب المؤسسة الفاعلة من موظفيها وقادتها على حد سواء إجراء نقاشات مثمرة، حتى وإن كانت وجهات نظرهم وآراؤهم مختلفة؛ في الواقع، تطلب منهم إجراء تلك النقاشات عند اختلاف وجهات نظرهم على وجه الخصوص.

بيد أن الأقوال أسهل من الأفعال في وقتنا الحالي، وعادة ما نجد أنفسنا نتواصل مع أشخاص تتعارض معتقداتهم وقيمهم الأساسية مع معتقداتنا وقيمنا. وغالباً ما تتطور تلك الخلافات إلى نقاشات حادة، كالخلاف الذي يدور حول ما إذا كانت الكمامات تبطئ من انتشار فيروس "كورونا"، أو ما إذا كان ينبغي السماح للموظفين بالعمل من المنزل في ظل الجائحة، أو هوية من كان يجب أن يفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

في المقابل، يحاول الكثير منا تجنّب الانخراط في محادثات قد تكون صعبة أو محرجة تماماً. لكن قد يوجد نهج أكثر فاعلية، ألا وهو استخدام التجاوب في الحوارفي محادثاتنا، بمعنى آخر، يجب على الأطراف المعارضة أن تعرب عن استعدادها لمناقشة وجهات النظر الأخرى. وينطوي ذلك النهج على استخدام لغة تشير إلى أن الشخص مهتم حقاً بوجهة نظر الشخص الآخر. وجدت وزملائي في بحث أعددناه إمكانية تعليم ذلك السلوك وتحسينه.

الأسباب الجذرية. يتمثّل السبب الذي يجعل الكثير منا يحاول تفادي النقاشات التي قد تكون مثيرة للجدل بشكل طبيعي في رغبتنا في الانخراط في محادثات مع أولئك الذين سيدعمون معتقداتنا بدلاً من دحضها. وقد يحدث ذلك لأننا نضع توقعات غير دقيقة حول ماهية مشاعرنا في أثناء إجراء تلك المحادثات. على سبيل المثال، يبالغ أعضاء الأحزاب السياسية في تقدير مدى انزعاجهم عند الانخراط في محادثات مع أشخاص يعارضونهم في الرأي، وجاء ذلك بحسب بحث حديث أجراه تشارلز دوريسون وجوليا مينسون وتود روجرز في كلية "جون كينيدي" للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد.

بالإضافة إلى ذلك، عندما نتعامل مع أشخاص تتعارض آراؤهم مع آرائنا، فإننا نحاول عادة إقناعهم بالتخلي عن وجهة نظرهم وتبني آرائنا، على افتراض أننا على حق وأنهم مخطئون، فندافع عن وجهة نظرنا ونحاول "الفوز" في النقاش. لكن تنطوي المشكلة على احتمالية أن يفكر الجانب الآخر بالطريقة ذاتها بالضبط، وهو ما قد يُسفر عن نتائج عكسية ويضعنا تحت وطأة نزاعات يصعب علينا فضّها.

هل يوجد نهج أفضل؟ يظهر بحثنا أننا عندما نُبدي تقبّلنا للاستماع إلى وجهات نظر الآخرين المعارضة واحترامها، تكون حججنا أكثر إقناعاً. بالإضافة إلى ذلك، تتصف لغة الحوار المتجاوبة بأنها لغة معدية، فهي تجعل أولئك الذين نختلف معهم يستخدمون اللغة ذاتها بدورهم. في الواقع، ينجذب الأفراد عادة إلى أولئك الذين يبدون تقبلهم لمعتقداتهم وآرائهم ويسعون إلى توطيد علاقاتهم معهم.

حددنا الميزات الأساسية للغة الحوار بعد أن طلبنا من آلاف الأفراد كتابة ردود على التصريحات السياسية التي يختلفون معها. ومن الأمثلة على تلك التصريحات: "يجب إلغاء عقوبة الإعدام في جميع الولايات الأميركية"، و"بشكل عام، يجب كبح جماح نقابات القطاع العام"، و"إن رد الفعل العام على المواجهات الأخيرة بين الشرطة والمشتبه في ارتكابهم جرائم ضد الأقليات مبالغ فيه". ثم طلبنا من آلاف المشاركين الآخرين تقييم كل رد من حيث مدى تفاعل كاتبه وتجاوبه وانفتاحه. اتفق المقيمون بشكل عام على هوية المعلقين الذين أبدوا استعدادهم لقبول وجهات النظر الأخرى والآخرين الذين لم يُبدوا أي نوع من القبول. ثم قمنا بتطوير خوارزمية لتحديد الكلمات والعبارات التي يستخدمها الأفراد في ردودهم والتي تدل على مدى تقبلهم أو استعدادهم للخوض في مناقشات مع الآخرين.

وقادنا ذلك العمل إلى تحديد 4 استراتيجيات قد تساعدنا في الاستفادة من لغة الحوار في المناقشات الحادة والمحادثات المسيّسة.

الاستراتيجيات الأربع التي تساعد في المناقشات الحادة

1. ضع في اعتبارك وجهة نظر الشخص الآخر

إن تقبّل وجهة نظر شخص لا تتفق معه يدل على أنك منخرط في المحادثة، كأن تقول: "أفهم أن ..." أو "أعتقد أن ما تقوله يعني ...". وقد يتضمن التقبل أيضاً شكر الشخص الذي لا تتفق معه على مشاركة وجهة نظره.

فالإعراب عن الشكر بقولك "شكراً لك لأنك..." يتيح لك الإقرار بوجود بعض الآراء القيّمة في وجهة نظر الشخص الآخر، حتى إن كنت لا تتفق معه تماماً، وتلك نتيجة توصّل إليها بحث غير منشور أجرته عالمة البحوث في جامعة ستانفورد شوان تشاو وزملاؤها. وتُعتبر عبارة "شكراً لك" مهمة، وكثيرة هي البحوث التي تشير إلى أن المجاملات قد تُسفر عن محادثات أفضل وسلوك اجتماعي أكثر إيجابية. ويمكن للتعبير البسيط عن الامتنان أن يجعل الآخرين يشعرون بالتقدير والثقة، وهو ما يعزز خطوط التواصل في النهاية.

وتنطوي كلمة "لأن" على القدر نفسه من الأهمية، فهي تشجع الأفراد على التركيز على "السبب" والإصغاء إلى بعضهم البعض والرد بشكل مناسب، كما أنها تقلل من احتمالية أن يُفسر شخص ما انتقادك على أنه إهانة شخصية. إن الإقرار بأهمية بعض الآراء لا يعني الموافقة على ما يقوله الشخص الآخر أو يفكر فيه، لكنه يعني أننا استمعنا وأدركنا وجود منظور مختلف تماماً.

2. تحوط في حديثك

يوجه مجتمعنا رسالة تُفيد بضرورة أن نكون أقوياء وواثقين بأنفسنا، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بمعنى أن نسعى إلى الحصول على ما نريد وأن نعبّر عن آرائنا بطريقة مباشرة وقوية. على النقيض من ذلك، قد توصف أنك شخص ضعيف وتعوزه رجاحة العقل عندما تكون غير واثق من نفسك أو تشعر بالتردد أو تفشل في اتخاذ قراراتك. وتحظى كل من سمتي الإصرار والانفتاح بالتقدير عادة، في حين يرتبط التواضع بالخزي. إلا أن تلك المعتقدات خاطئة. بل يُشير الغموض والتردد في ادعاءاتنا إلى استعدادنا للتجاوب مع وجهات النظر الأخرى. قارن بين وجهتي النظر هاتين: "السماح للأشخاص باتخاذ خياراتهم الخاصة عندما يتعلق الأمر بالعمل المرن قد يزيد من التزامهم تجاه المؤسسة" و"لا شك أن السماح للأشخاص باتخاذ خياراتهم الخاصة عندما يتعلق الأمر بالعمل المرن سيزيد من التزامهم تجاه المؤسسة"، تُشير وجهة النظر الأولى إلى حالة من الغموض وتبدو أقل جزماً من العبارة الثانية، وهو ما قد يزيد من احتمالية تقبلها بشكل أفضل.

3. استخدم عبارات إيجابية في أقوالك

من السهل علينا في أثناء النزاعات استخدام عبارات سلبية للإشارة إلى ادعاءات الشخص الآخر التي لا نوليها أي أهمية، لكن يجب علينا في المقابل أن نستخدم لغة إيجابية. على سبيل المثال، يمكنك أن تقول: "لنفكر في الفوائد المحتملة لوجود عدد قليل من الأشخاص العاملين في مبادرة التسويق" بدلاً من: "لا ينبغي أن تضم مبادرة التسويق عدداً كبيراً من الموظفين". قد تبدو لهجة الجملة الأخيرة مباشرة وسلبية، وهو ما يشير إلى أن المتحدث ليس منفتحاً على إمكانية إجراء مزيد من المحادثات أو مناقشة وجهات النظر الأخرى.

4. سلط الضوء على مجالات الاتفاق، حتى وإن كانت بسيطة أو واضحة

من السهل عليك عندما تكون في حالة نزاع أن تركز على نواحي الاختلاف بينك وبين الآخرين. ومن السهل عليك أيضاً أن تصبح دفاعياً وأن تتوقف عن الاستماع إلى الجانب الآخر تماماً. إلا أننا لاحظنا من خلال إجراء دراسات متعددة قدرة الأفراد على تحديد بعض القيم أو المعتقدات المشتركة التي تجمعهم معاً، حتى عندما ينفعلون نتيجة اختلافاتهم. وتلك هي القيم والمعتقدات التي يجب علينا إبرازها لنشعر بأننا أقرب إلى بعضنا البعض. على سبيل المثال، قد يقول شخص ما معترضاً على بروتوكولات الجائحة: "أتفق معك على أننا جميعاً نرغب في انتهاء هذه الجائحة ..." أو "أوافقك الرأي بأن التباعد الاجتماعي قد يكون صعباً على الأطفال ...".

يُتيح لنا استخدام تلك الاستراتيجيات الأربع في نقاشاتنا المشاركة في المحادثات بالغة الاحتدام بشكل أكثر إنتاجية. وتؤكد البحوث التي أجريتها وزملائي في الواقع على قدرتنا على تعلم كيفية إبداء تجاوبنا مع وجهات نظر الآخرين. وقمنا في بعض الدراسات بتدريب الأفراد على أن يكونوا أكثر تقبلاً لآراء الآخرين، ثم راقبنا ما إذا كان الآخرون ينظرون إليهم على هذا النحو. وعلى وجه التحديد، منحنا بعض المشاركين 5 دقائق من التدريب على استخدام لغة الحوار، ثم طلبنا منهم كتابة رد على مقال كتبه شخص يختلفون معه في الرأي حول مجموعة معينة من القضايا. على سبيل المثال، كانت إحدى المشكلات تتعلق بقضية التحرش في الحرم الجامعي ("عندما يوجّه اتهام بالتحرش ضد شخص ما في الحرم الجامعي، يجب إبعاد المتهم عن الحرم على الفور لضمان أمان الضحية"). كتب المشاركون في مجموعة الضبط ردودهم باستخدام أسلوبهم الطبيعي في المحادثة.

وكلفنا مشاركين آخرين بالرد على إحدى تلك القضايا، وعلى وجه التحديد على مقال كتبه شخص يختلفون معه في وجهات النظر. وأظهرت النتائج أن الأفراد الذين جرى تدريبهم على لغة الحوار كانوا أكثر نجاحاً في إقناع القراء بتغيير معتقداتهم بشأن القضايا الاجتماعية المهمة؛ وأبدى الآخرون رغبتهم في الانضمام إليهم في المحادثات المستقبلية ووصفوهم بأنهم أشخاص يتمتعون برجاحة العقل.

وتتبعنا في دراسة أخرى سلاسل التعليقات على إحدى المقالات في الصفحة المخصصة للنقاش حول المقالات الرائجة في موقع "ويكيبيديا". انطوت إحدى سلاسل التعليقات تلك على هجمات شخصية مسيئة في حين لم تضم سلسلة تعليقات أخرى أي عبارات مسيئة. وسمحت لنا تلك البيانات بدراسة تأثير لغة الحوار على عملية تحرير مقالات "ويكيبيديا" التي قد تصبح محل نزاع في بعض الأحيان. ووجدنا أن المحررين الذين استخدموا لغة الحوار المتجاوبة كانوا أقل عرضة للتعرض لهجمات شخصية في المناقشات التحريرية. وحثّت لغة الحوار الأفراد الآخرين على الرد بالمثل من خلال استخدام لغة الحوار نفسها.

باختصار، يمكن للأفراد الذين يمتلكون وجهات نظر مختلفة تماماً عن الآخرين إجراء محادثات بناءة حتى عند مناقشة أصعب الموضوعات، وذلك بتعلم طريقة النقاشات الصحيحة وذات الجدوى. وقد تفيد الاستراتيجيات التي وصفتها أعلاه في رأب الانقسامات وفض أوجه النزاع تلك.

اقرأ أيضاً: ما معنى حلقات النقاش؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي