يتوقف نجاحك على المدى البعيد على جذب انتباه الآخرين وكسب اهتمامهم والقدرة على لفت انتباه شخص ما كيفما كان. فكيف تلفت انتباه الناس؟
إذا كان مديرك لا يلاحظ عملك، فكيف ستحصل على ترقية؟
وإذا كان فريقك لا يصغي إليك، فكيف يمكنك قيادته بفعالية؟
وإذا كنت غير قادر على جذب انتباه الزبائن، فكيف يمكن لشركتك أو مسيرتك المهنية الاستمرار؟
"يعتبر الاهتمام أهم عملة يمكن أن يعطيها أحد إليك"، كما قال لي ستيف روبل من جامعة "إيدلمان".
"كما أن قيمة الاهتمام أكبر بكثير من قيمة أي أموال أو ممتلكات أو أي أشياء أخرى".
غير أن قلة من الناس فقط يدركون سر العلم الكامن وراء جذب انتباه الآخرين والفوز بقلوبهم.
وهذا هو السبب الذي دفعني إلى تخصيص سنتين من عمري لإجراء الأبحاث كجزء من إعدادي لكتابي الجديد، وقد راجعت أكثر من ألف دراسة في علوم النفس، والأعصاب، والاقتصاد، والاجتماع. وأجريت مقابلات مع العشرات من الباحثين البارزين وكذلك القادة الفكريين الذين يجتذبون الكثير من الاهتمام، بمن فيهم شيرل ساندبيرغ، وستيفن سوديربيرغ، وديفيد كوبرفيلد، على سبيل المثال لا الحصر.
كما استندت إلى سنوات عديدة من الخبرة الشخصية مع الشركات الناشئة، سواء بصفتي رئيس تحرير مشارك لموقع "ماشابل" (Mashable)، أو بصفتي مستثمراً في رأس المال المغامر (أو ما يسمى برأس المال الجريء).
وقد توصلت إلى أن هناك 7 محفزات رئيسية تساعد، إن كنت تتساءل عن كيفية لفت انتباه شخص ما واجتذب اهتمامه نحوك.
استراتيجيات جذب الانتباه
1- التلقائية
إذا أطلق شخص ما رصاصة في الهواء، فإنك ستدير رأسك نحو مصدر الصوت. وإذا ارتدت أنثى تقف على قارعة الطريق بحثاً عمّن يوصلها فستاناً أحمر، فإن احتمالية أن يتوقف أحد لنقلها إلى وجهتها ستكون أكبر.
فالمنبهات الحسية مثل هذه تلفت انتباهنا تلقائياً. وهذه آلية تتعلق بالأمان وبغريزة البقاء تساعدنا في إبداء ردود أفعال أسرع من قدرة أدمغتنا على التفكير.
وأنا لا أدعوك هنا للتحدث بصوت أعلى من صوت الجميع، أو لارتداء ثياب أو جوارب بلون قرمزي. لكن حاول التفكير في المزيد من الطرق غير المباشرة والذكية لتلعب على غرائز الناس بغية جذب انتباههم.
على سبيل المثال، لمعرفة كيفية جذب انتباه الآخرين بأسلوبك، حاول أن تقدم لزبون مهم حالي أو محتمل كوباً ساخناً من القهوة أو الشاي. فقد كشفت دراسة نُشرت في مجلة "ساينس"، بأن التعرض إلى هذا النوع من الدفء جعل الزبائن أكثر وداً واستعداداً للعطاء.
2- التأثير في الإطار الذهني
تتحدد نظرتنا إلى العالم من حولنا بتجاربنا وتحيّزاتنا البيولوجية والاجتماعية والشخصية. فهذه الأطر المرجعية التي نستند إليها تقودنا إلى الاهتمام ببعض الأفكار وتبنّيها وتجاهل أفكار أخرى بالكامل.
ومن أجل الاستفادة من هذا العنصر المحفز للآخرين، يتعين عليك إما التكيف مع الإطار الذهني لجمهورك، أو تغيير هذا الإطار لديه.
وقد توصلت دراسة كلاسيكية تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، إلى أنك إذا عرّضت المشاركين في التجربة إلى العبارة نفسها (على سبيل المثال: "فريق تولين هزم فريق كولومبيا في أول مباراة لكرة قدم المدارس") بصورة متكررة، فإنهم سيبدؤون بالاعتقاد أنها حقيقية.
لذلك لا تخشى من تكرار رسالة معينة، إذا أردتها أن تترسخ في ذهن المستمع.
3- جذب الانتباه يعتمد على كسر النمط المعتاد
نحن البشر نولي اهتماماً خاصاً لأي شيء يخالف توقعاتنا. والسبب في ذلك هو أن لدينا حاجة غريزية لتقرير ما إذا كانت الحادثة الحاصلة معنا تشير إلى تهديد أو تطور إيجابي. ففي الأوساط الأكاديمية، يُعرف هذا الأمر باسم "نظرية مخالفة التوقعات". وعليه، كلما كان الأمر أكثر كسراً للنمط المعتاد، كان أكثر إثارة للاهتمام.
إذا أردت معرفة كيفية جذب انتباه الآخرين بأسلوبك والحصول على الاهتمام من طرف مدرائك وزبائنك وزملائك، فحاول مفاجأتهم بطريقة إيجابية:
- اطرح سؤالاً غير متوقع، أو اطرح مواضيع تجذب الناس.
- حاول إنجاز مهمة صعبة مطلوبة قبل الوقت المحدد.
- حاول دعوتهم إلى التمشي في الخارج عوضاً عن دعوتهم إلى احتساء فنجان من القهوة.
إقرأ أيضاً: كيف يجذب ترامب الانتباه إليه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي؟
4- من أجل لفت الانتباه عليك الاهتمام بالمكافأة
يعتقد العديد من الناس أن الناقل العصبي المسمى بـ "الدوبامين"، يجعلنا نشعر بالسعادة.
ولكن وفقاً للأستاذ كينت يبيريدج من جامعة "ميشيغان"، فإنه أكثر ارتباطاً بتوقعاتنا ودوافعنا.
فهو يؤجج رغبتنا في "طلب" الغذاء أو الجنس أو المال أو غير ذلك من المكافآت المعنوية، مثل الرضا عن الذات والإحساس بقيمتنا في الحياة.
فاحتمال حصولنا مستقبلاً على هذه الأشياء يجعلنا نولي اهتمامنا.
ويحتّم عليك موقعك كمدير، ضرورة البحث عن الحوافز الأكثر إغراءً لموظفيك وزملائك ومدرائك، وترسيخ هذه الحوافز بشكل غريزي عميق في أذهانهم.
فالمكافآت التي نستطيع لمسها أو اختبارها أو حتى تخيّلها بصرياً تترك أثراً أكبر على انتباهنا. فعلى سبيل المثال، عندما تعرض على فريقك رحلة جماعية إلى منتجع خارج مكاتب الشركة بعد الانتهاء من مشروع كبير، لا تخبرهم فقط بالأمر، بل أرسل لهم صوراً للمكان لتجعل لعابهم يسيل.
5- السمعة
ينظر المستهلكون دائماً إلى الخبراء على أنهم المتحدثين الرسميين الأكثر مصداقية، حيث إن ثقتهم بهؤلاء الخبراء تتجاوز ثقتهم بالرؤساء التنفيذيين أو المشاهير.
وهناك سبب علمي لذلك: ففي دراسة أجريت عام 2009، اكتشف عالم الأعصاب المتخصص بالاقتصاد غريغ بيرنز من جامعة "إيمروي"، أن مراكز اتخاذ القرار في أدمغتنا تتباطأ أو تتوقف عن العمل حتى في أثناء تلقينا النصيحة من أحد الخبراء. ويطلق الأستاذ روبرت شيالديني على هذه الظاهرة اسم "التنازل الموجّه عن الإرادة".
لذلك، إذا كنت بالتحديد تحاول لفت انتباه أشخاص لا يعرفونك، فاطلق العنان لنفسك في الحديث عن مؤهلاتك، والتأكيد على خبرتك، واقتباس أقوال من أشخاص آخرين يعتبرون الأكثر دراية بالموضوع المطروح.
إقرأ أيضاً: كيف تُقدّم متحدثاً آخر بشكل يجذب الانتباه؟
6- الغموض من أهم استراتيجيات جذب الانتباه
هل تساءلت يوماً عن سبب شعورك بعدم القدرة على التوقف عن قراءة كتاب ممتع أو مشاهدة فيلم بوليسي؟
إن ذاكرتنا مصممة بحيث نتذكر القصص والمهام غير المكتملة. وثمة تعبير علمي يصف هذه الحالة هو "تأثير زيغارنيك"، الذي سمي بهذا الاسم نسبة إلى عالمة النفس السوفييتية التي اكتشفته.
كما أننا لا نحب حالة عدم اليقين أو الغموض، وسنسعى بشكل نشيط إلى التقليل منها من خلال اللجوء إلى أي وسيلة ممكنة، وأنت بوسعك الاستفادة من هذا الأمر وتجييره لمصلحتك.
فلتفترض بأنك تجتمع مع زبونة أو موظفة محتملة، وكانت لديك رغبة بأن تعاود الاجتماع بك ثانية. أخبرها بقصة أو أوكل إلى نفسك مهمة ستنجزها عندما تنجز هي المهمة المطلوبة منها.
وهنا ستجد بأن دافعها الذي لا يقاوم لاستكمال المهمة سيضغط عليها لتنجزها، الأمر الذي يعني بأنك قد لفت انتباهها.
7- الإقرار والاعتراف
يعتقد توماس دي زينغوتايت، وهو عالم أنثروبولوجيا في مجال الإعلام، ومؤلف كتاب "المُتأَمَل" (Mediated)، أن الإقرار والاعتراف – أي حاجتنا إلى اعتراف الآخرين بنا وتعاطفهم معنا – هو واحد من أكثر احتياجاتنا حيوية.
فقد قال لي مرة: "كل الثدييات ترغب في الحصول على الاهتمام. لكن البشر فقط هم من يحتاجون إلى الإقرار والاعتراف".
ومن الأشياء الأساسية في هذا الأمر وجود إحساس بالانتماء إلى جماعة تهتم بنا. لذلك اخلق هذا الإحساس لدى أي شخص ترغب بجذب انتباهه، وسيرد لك الجميل.
إن أكثر الموظفين والمدراء والرؤساء التنفيذيين فعالية هم من يستعملون هذه المحفزات السبعة لتسليط بقعة ضوء على أفكارهم ومشاريعهم وفرَقهم. وبالتالي، فإن فهم العلم الكامن وراء استراتيجيات جذب انتباه الآخرين واهتمامهم هو شرط مسبق للنجاح في عصر المعلومات ولمعرفة كيف تلفت انتباه الناس أيضاً.