“صديق الصديق” لم يعد أفضل طريقة للعثور على وظيفة

5 دقائق
طرق البحث عن وظيفة

إذا سألت شخصاً ما "ما هي طرق البحث عن وظيفة " أو "كيف تحصل على وظيفة في هذه الأيام؟"، فستنطوي إجابته، في الغالب، على استخدام شبكات المعارف والأصدقاء ـ فلا يتعلق الأمر بما تعرف، إنما بمن تعرف، هكذا أخبرنا الآخرون. ولكن ما معنى ذلك؟ فنحن نتواصل مع الكثير من الأشخاص، بطرق لا حصر لها. إذاً، من الذي يمكن أن نحصل منه على المساعدة فعلياً؟ وما أنواع العلاقات التي ينبغي أن نحاول استخدامها عندما نكون في طور البحث عن وظيفة؟

إذا حضرت ورشة عمل خاصة بالبحث عن الوظائف - وقد حضرتُ أكثر من 50 ورشة خلال دراستي لمشهد التوظيف في الوقت الحاضر بين عامي 2013 و2014 - فسوف تخلص من هذه الورشة إلى أن العلاقات الضعيفة هي المفتاح في عملية البحث عن وظيفة. وتعني العلاقات الضعيفة هنا هؤلاء الأشخاص الذين تعرفهم، وإن لم تكن المعرفة جيدة إلى حد كبير، مثل معلم ابنك أو ابنتك في المدرسة، أو صديق صديقك الذي قابلته بالصدفة في حفلة ما. وجاء أصل هذه النصيحة من دراسة رائدة أجراها عالم الاجتماع مارك غرانوفتر في أوائل سبعينيات القرن العشرين. إذ التقى مارك 100 موظف ممن يشغلون وظائف مكتبية وإدارية، وغيروا وظائفهم في السنوات الخمس الماضية، واكتشف أن العلاقات الضعيفة قد ساعدت الكثير منهم في العثور على الوظيفة التالية التي كانوا يبحثون عنها.

اقرأ أيضاً: تعلم التخطيط لفعالية بناء العلاقات التي تقيمها.

وتكمن أهمية العلاقات الضعيفة هنا في سبب بسيط، وهو أن العلاقات والروابط القوية الأخرى لديك (زملاء العملاء، والأسرة، والأصدقاء) قد تكون على علم ومعرفة بنفس الوظائف التي عملت بها. فاكتشف غرانوفتر أنه من المرجح بشكل كبير أن تتعرف على احتمالات الوظائف المجهولة من قريب لك من الدرجة الثانية قابلته في حفل زفاف، أو من جارٍ سابق رأيته في موقف سيارات أحد المتاجر في أثناء التسوق. وشملت الدراسة، من ضمن عينة البحث، أشخاصاً تعرفوا على وظيفة شاغرة من خلال الأحاديث الشفوية التي يجرونها مع آخرين، وأفاد 83.4% من أولئك الأشخاص أنهم عثروا على وظيفتهم من خلال واحدة من تلك العلاقات الضعيفة. إذاً، في أوائل سبعينيات القرن العشرين، بات واضحاً أن أكثر الطرق فاعلية للعثور على وظيفة من خلال الشبكات أن تكون متواصلاً مع أكبر عدد ممكن من العلاقات الضعيفة.

ولكن، بدوري، شرعتُ في معرفة ما إذا كان هذا القول لا يزال يسري على الوضع الذي نعيشه الآن. فلقد أُجريت دراسة غرانوفتر منذ عقود مضت، أي قبل أن نبدأ جميعنا استخدام الإنترنت بزمن طويل. وأنا أقول هنا إنه إذا كانت طرق البحث عن وظيفة قد تغيرت تغيراً ملحوظاً وكبيراً، فمن المرجح أن طرق حصولنا على المعلومات حول الوظائف قد تغيرت هي أيضاً. في البداية، كان يتحتم عليّ العثور على طريقة لاستنساخ دراسة غرانوفتر بصورة أو بأخرى لمعرفة تلك الروابط والعلاقات الشبكية التي لها أهميتها في بيئة الإعلام والتواصل في وقتنا الحالي.

اقرأ أيضاً: تعرف على أفضل طريقة لنسج العلاقات في الوظيفة الجديدة.

وبالفعل، نجحت في وضع يدي على مصدر عظيم، وهو اجتماع أسبوعي تعقده مؤسسة للباحثين عن الوظائف المكتبية والإدارية في منطقة خليج سان فرانسيسكو بأميركا، حيث كانت المؤسسة تخصص جزءاً من اجتماعها هذا لأولئك الذين نجحوا في مساعيهم ليسردوا على الآخرين قصص نجاحهم، على هيئة أفلام. في حين أن هذا لم يكن استنساخاً لدراسة غرانوفتر، إلا أن مشاهدة 380 قصة نجاح تم جمعها بين عامي 2012 و2014 منحتني الفرصة لإجراء دراسة مماثلة إلى حد ما.

والسؤال الآن: "هل ما تزال العلاقات الضعيفة هي المفتاح في البحث عن وظيفة؟" لا، فمن بين 141 شخصاً قالوا إن الشبكات قد ساعدتهم، فإن نسبة 17% فقط منهم أفادوا أن علاقة من العلاقات الضعيفة كان لها الفضل في تحقيق هدفهم. وفي المقابل، أثبتت علاقات مكان العمل أنها أكثر نفعاً وفاعلية. إذ أفاد أكثر من 60% ممن رووا حكاياتهم أن شخصاً ما من الذين عملوا معهم في الماضي ساعدهم في العثور على وظيفتهم التالية. لم يكن هؤلاء الأشخاص دائماً زملاء عمل - بل إن رؤساء سابقين وعملاء سابقين مدوا لهم يد العون أيضاً. ولكن أكثر الأشخاص نفعاً بالنسبة للباحثين عن الوظائف هم أولئك الذين كان بمقدورهم التحدث بمعرفة وإقناع عن الصفات التي كان يتمتع بها طالب الوظيفة.

كان ذلك التغير المؤثر للغاية منذ سبعينيات القرن العشرين والدافع الأكثر وضوحاً هو بيئتنا الإعلامية التي تغيرت تغيراً واسع النطاق. فعندما أجرى غرانفتر دراسته، كان التحدي الرئيس في العثور على وظيفة جديدة وقتها يتمثل في معرفة أن الوظيفة موجودة في المقام الأول. في سبعينيات القرن الماضي، كان الأشخاص يعرفون عن الوظائف من خلال الإعلانات في الصحف، ولافتات "مطلوب مساعدة"، أو من خلال الأحاديث المتداولة بين الأشخاص. ولكن في وقتنا الحالي، فهذا هو الجزء الأيسر: تصل الوظائف إلى مسامع الأشخاص لأنهم يجدونها في الإعلانات التي تُنشر على الإنترنت، أو قوائم البحث في مواقع الشركات، أو من خلال اتصال شركات التوظيف بهم. وقد أدى هذا بدوره إلى مشكلة أخرى، وهي أن أشخاصاً كثيرين يتقدمون لشغل نفس الوظائف. ويأتي الدور للجزء الصعب الآن، الذي يعرفه معظم الأشخاص، وهو البروز والتميز من بين الجميع، بمعنى أن تجعل سيرتك الذاتية مميزة بين المئات من المتقدمين، أو أن تجد طريقك عبر نظام معقد لتتبع المتقدمين بطلبات لشغل هذه الوظيفة أو تلك. يواجه مدراء التوظيف نفس المشكلة، حيث يتعين عليهم فرز المئات من طلبات التوظيف مستخدمين فقط أدوات محدودة من التطبيقات البرمجية، والسير الذاتية، وخطابات التعريف. وفي هذه اللحظات، يصبح الشيء الأكثر قيمة بالنسبة لشركات التوظيف هو أي توصية قوية من شخص يعرف مقدم الطلب معرفة فعلية كموظف أو عامل ويستطيع أن يؤكد لتلك الشركات أن ذلك الشخص سيكون مناسباً لشغل الوظيفة المطلوبة.

اقرأ أيضاً: الرؤساء التنفيذيون الذين يتمتعون بشبكة علاقات متنوعة يرفعون قيمة الشركة.

في حين أن هؤلاء المعارف تكون لهم أهميتهم في عملية التوظيف، إلا أنه من المهم ملاحظة أنهم ربما لا يستطيعون تغيير النتيجة المعقدة التي ترتبت على الشبكات والمعارف: أماكن العمل المتجانسة نسبياً. وقد لاحظ غرانوفتر نفسه أنه حتى لو حصل الأشخاص على وظائف من خلال العلاقات القوية، فإن الشبكات والمعارف لم تغير تركيبة الشركات. فإذا لم يحصل أي شخص من الطبقة العاملة على وظيفة مكتبية، فسوف يقل عدد الأشخاص الذين سينشرون الأخبار التي تتعلق بوجود وظيفة مكتبية بحاجة إلى من يشغلها في المقام الأول. في الوقت الحالي، تكمن المشكلة بشكل أكبر في ذلك التحيز الضمني في كيفية تحقيق التوصيات للهدف المطلوب ـ إذ إن الأشخاص يميلون إلى تزكية زملائهم السابقين في العمل والذين كانوا يحبون العمل معهم. وهكذا، فإن الاعتماد على علاقات مكان العمل لا يحل المشكلة المتمثلة في كيفية خلق الشبكات لحواجز وعوائق أمام خلق مكان عمل أكثر تنوعاً، فهذا الاعتماد إنما يغير موضع المشكلة.

ومن الناحية العملية، نظراً لأن تزكية شخص معين لشغل وظيفة ما يمثل جزءاً مهماً من عملية التوظيف، وكذلك طريقة لاستبعاد الأشخاص من خلفيات ورؤى مختلفة من أماكن العمل، فقد أصبح الأمر قراراً أخلاقياً رئيساً. لذلك يتعين على كل المشاركين في اتخاذ قرارات التوظيف التفكير بعناية ودقة في الأشخاص الذين يحصلون على التوصية وسبب حصولهم عليها. أما الباحث عن الوظيفة الذي يعتمد على الشبكات والصلات والمعارف، فينبغي عليه عدم التخلي عن العلاقات الضعيفة تماماً، فهناك 17% منهم لا يزالون يشكلون حظوظاً طيبة. وفي نهاية المطاف، بيد أن علاقات مكان العمل قد تشكل ثقلاً ودوراً أكبر في العملية. فالعلاقات التي تخلقها في مكان عملك الحالي ليست مهمة فقط بالنسبة لظروف عملك الحالية، وإنما أيضاً في الوظيفة التي يمكنك الحصول عليها في المستقبل. لذلك، ربما تكون أفضل طرق البحث عن وظيفة تريدها في وقت لاحق هي معاملة زملائك في الوظيفة التي تشغلها حالياً معاملة طيبة.

اقرأ أيضاً: الاستثمار في العلاقات الصحيحة هو ما يحقق السعادة في العمل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي