ما من مدير لا يعرف قواعد الدليل الإرشادي لصرف الموظفين من العمل: كن مباشراً وموجزاً ورافق الموظف حتى الباب وأوقف دخوله على بريده الإلكتروني الخاص بالشركة وما إلى ذلك. وطيلة وجودي على رأس ثلاث شركات، وقيامي بإدارة الآلاف من الموظفين والإشراف على مئات من حالات إنهاء الخدمة، اتبعت على الدوام قواعد صرف الموظفين من العمل التي سردها لي أخصائيو الشؤون القانونية والموارد البشرية.
ولكن قبل عامين، قررت تجربة نهج جديد، وهو نهج أكثر إنسانية وأكثر تماشياً مع ثقافة الشركة وأعمالها التجارية أسميته "الانفصال الشفاف" (Transparent Separation). لدى اتباع نهج الانفصال الشفاف، فإنك لا تُقصي موظفاً ضعيف الأداء أو تصرفه من العمل مباشرة. وبدلاً من ذلك، تشجعه على المغادرة من تلقاء نفسه عن طريق إخباره أنه سيتم تسريحه من الوظيفة في الوقت المناسب وأنه يحتاج إلى البدء في البحث عن وظيفة جديدة في أسرع وقت ممكن. لقد أجريت حتى الآن هذه المحادثة مع العديد من الموظفين، وكانت النتائج مختلفة جذرياً عن الاستجابة التي كنت أتلقاها في الماضي. وها أنا أحظى بالشكر في كل مرة استخدم فيها هذا النهج.
قبل أن أخوض في الحديث عن فوائد الفصل الشفاف، دعونا نلقي نظرة عن كثب على كيفية القيام بذلك:
مثلما هي الحال مع التسريح المعتاد من العمل، فإنه من غير المقبول إبقاء ظلال من الغموض على الأمر. كن واضحاً بأن قرارك نهائي (على افتراض أن المناقشة تأتي بعد تطبيق خطة لتحسين الأداء، لكن التحسين المطلوب لم يتحقق). يشجع هذا الوضوح الموظف على البدء في البحث عن عمل على الفور بدلاً من محاولة التفاوض معك حول الاحتفاظ بوظيفته.
لا أوصي بتحديد موعد نهائي صارم للمغادرة في البداية، لكنني أقدّم إطاراً زمنياً لتحقيق تقدم واضح في البحث عن وظيفة وهو عادة ستة أسابيع للموظفين الأصغر سناً وشهران إلى ثلاثة أشهر للموظفين القدامى. كما أطلب من الموظف التكتم على تفاصيل هذا الترتيب وإبقاءه سراً بيننا. فإذا لم يكن الموظف مع اقتراب نهاية مهلة البحث على وشك الانتقال إلى وظيفة أخرى، أقوم عندها بتحديد موعد نهائي قريب وبشكل صارم للعثور على وظيفة. يعتمد التاريخ على مستوى مساهمة الموظف في العمل ومدى الاقتراب من العثور على وظيفة بديلة له. من الناحية المثالية، تريد أن يتولى الموظف الجديد عمله قبل الوقت نفسه الذي يُصرف فيه الموظف من الوظيفة أو في تلك الأثناء.
يجب السماح للموظفين بالطبع بمغادرة المكتب في أثناء ساعات العمل لإجراء المقابلات أو الأنشطة الأخرى المتعلقة بالبحث عن عمل، ولكني أطلب منهم تقليل فترات غيابهم وإبقاءها قصيرة لتجنب إثارة الأسئلة. أوضح لهم أنهم يجب أن يحافظوا على مستوى الأداء نفسه خلال فترة البحث.
وأخيراً، أساعد الموظف بهمة خلال هذه العملية. أراجع سيرتهم الذاتية بناء على طلبهم، وأضع مقدمات لها وأعرض عليهم إدراج اسمي كمرجع مهني للتزكية. فعلى الرغم من أن الموظف قد لا يكون مناسباً للعمل في شركتكم، فإنه قد يكون مناسباً للعمل في شركة أخرى، ومساعدتهم تشحذ الثقة لديهم وتشجعهم على العمل الجاد المستمر وتزيد فرص العثور بسرعة على عمل جديد واستقرارهم فيه.
هناك ثلاثة أطراف رئيسة تستفيد من هذا النهج: الموظفون المغادرون للشركة ومدراؤهم ومجموعة نادراً ما تؤخذ في الاعتبار لدى تسريح شخص ما من الوظيفة وهم بقية الموظفين.
كيف يستفيد الموظفون المغادرون؟
ببساطة، من الأسهل بكثير العثور على وظيفة إذا كنت لا تزال موظفاً بالفعل. فالمرشحون العاطلون عن العمل هم ضحايا سيئو الحظ للتحيز الطبيعي أثناء عملية التوظيف؛ وعلى الرغم من أن مثل هذا السلوك ليس عادلاً، فإن مدراء التوظيف أكثر ميلاً إلى التفكير في المواهب التي لديها وظائف بالفعل بدلاً من البحث ضمن الموظفين الذين جرى الاستغناء عنهم. كما أن الطلب من شخص ما أن يبدأ البحث عن وظيفة جديدة في مكان آخر بينما لا يزال موظفاً لديكم يساعد على الحفاظ على كرامته وسمعته، وهي فوائد ستعود بالنفع عليكم كذلك.
إقرأ أيضاً: الرئيس التنفيذي لشركة هانيويل يتحدث عن كيفية تفادي تسريح الموظفين في الأزمات.
كيف يستفيد المدراء والشركة؟
هناك خمس منافع رئيسة يجنيها المدراء والشركة عند منح الموظف الوقت للعثور على عمل جديد:
تحسين العلاقات: قد يكون من الصعب تصديق ذلك، لكن علاقاتي مع الموظفين الذين مروا بتجربة الفصل الشفاف تعززت في الواقع. لقد استعنت مؤخراً بسيدة عملت معها لبعض الوقت. وقد كابدت من أجل الاضطلاع بمتطلبات المنصب الجديد نظراً لمجموعة متنوعة من الأسباب التي لم تكن مسؤولة عنها تماماً. أصبحت علاقتنا الشخصية متوترة للغاية لدرجة أننا بدأنا نتجنب بعضنا لأننا كنا مستائين ومُحرجين إلى حد ما بسبب الوضع. وبعد أن أبلغتها أنها يجب أن تبدأ في البحث عن وظيفة أخرى، بدت ممتنة تماماً لاطلاعها مسبقاً على الأمر حتى أن علاقتنا الشخصية سرعان ما عادت إلى طبيعتها وكنت بمثابة مرجع مهني لها في العثور على وظيفة جديدة.
تحسين السمعة: سيشعر الموظفون بقلق مزمن عندما يعملون مع مدراء يُعرف عنهم أنهم يلجأون إلى الصرف المفاجئ من العمل. مع الفصل الشفاف، يُعفى المدراء من لعب مثل هذا الدور المناوئ. سيتحدث الموظفون المغادرون عن الوظيفة الجديدة التي سيتولونها بدلاً من الحديث عن الاستغناء عنهم تعسفياً بسبب الصرف المفاجئ من العمل.
تحولات أكثر سلاسة: يتيح الفصل الذي يمنح الموظف الوقت لإيجاد عمل جديد كذلك للمدراء الوقت لتوظيف بديل جيد. ومن خلال تجربتي، يواصل الموظفون بذل أفضل ما لديهم حتى النهاية؛ لقد حصل معي أن غادر موظف واحد فقط بصورة غير سلسة. (لقد خرق هذا الشخص اتفاقنا وكان عليّ تسريع رحيله).
تقليل المخاطر القانونية: يكون الكثير من عمليات إنهاء العمل عرضة للمقاضاة القانونية، وتقع على المدير مسؤولية تقليل هذه المخاطر. قد يقاضي الموظفون الشركة عندما يكونون غاضبين وعندما يشعرون بأنهم عوملوا بطريقة غير منصفة أو عندما يجدون صعوبة في العثور على عمل ويبدو أن الدعوى القضائية هي طريقة لتغطية نفقاتهم. إذا حصل الموظف على الوقت والدعم الذي يحتاجه للعثور على وظيفة جديدة وعثر عليها بالفعل، فإن تهديد رفع دعوى قضائية سيزول تقريباً.
عملاء وزبائن جدد: يمكن للفصل الشفاف أن يكون مفيداً لأي نشاط تجاري قائم على العلاقات مع العملاء والمستهلكين. ففي قطاعات الاستشارات أو المحاماة أو الإعلانات أو المحاسبة، يمكن لأي موظف تم تسريحه أن يصبح عميلاً، ولكن الأرجح أن يفعل ذلك إذا كان رحيله إيجابيأً وتم التعامل معه بطريقة إنسانية. وعلى العكس من ذلك، قد يسعى موظف غاضب صرف من العمل إلى إلحاق الضرر بكم من موقعه الجديد عبر أخذ عملاء معه، على سبيل المثال، أو إذا انضم إلى شركة أحد عملائكم، فقد يسعى إلى محاولة تخريب علاقتكم مع هذا العميل.
كيف يستفيد جميع الموظفين؟
ما من موظف تقريباً إلا وكابد من "اختفاء" زميل له. يكون صديقك وزميلك جالساً إلى جوارك في أحد الأيام، وفي اليوم التالي تجد المقعد فارغاً وقد استبدلت صورة أسرته المبتسمة بنبتة تجهل صاحبها. يتهامس الناس في الخفاء عمن غادروا في حين يتجنب المدراء الأسئلة المحرجة. ومع ذلك، لا بدّ أن يعرف الزملاء الباقون الحقيقة بما في ذلك ما إذا كان التسريح مفاجئاً وقاسياً، أم أنه كان مبرمجاً وعولج في إطار من الاحترام. ومثلما ذكرت آنفاً، فإن الموظفين الذين يشعرون أنه يمكن الاستغناء عنهم في أي وقت يتكون لديهم قلق مزمن. وهم، من واقع تجربتي، يستجيبون للتهديد المستمر الذي يشعرون به بالترويج لإنجازاتهم في العمل المطلوب منهم والثناء عليه وممالأة مسؤوليهم عبر تجنب الاختلاف معهم في الرأي والعزوف عن الابتكار لأن الفشل مسألة محفوفة بالمخاطر. إن الموظفين الذين يشعرون بالأمان وبأنهم بمنأى من خطر التسريح المفاجئ يميلون إلى أن يكونوا أكثر سعادة وأكثر إبداعاً ويقل احتمال مغادرتهم للشركة بصورة استباقية.
لقد خلصت إلى أن الانفصال الشفاف هو استراتيجية جيدة في حوالي ثلثي الحالات. ولكن هناك بعض الحالات التي أتجنب فيها هذا النهج. إحداها عندما تقوم شركة بالاستغناء عن أعداد كبيرة من العاملين لديها عبر تسريح قسم كبير من الموظفين. في مثل هذه الحالات، لا يكون من الممكن دائماً توفير الفصل الشفاف للجميع؛ وإذا لم يكن بإمكانك تقديمه للجميع فمن غير المستحسن تقديمه للبعض. فمن بين أمور أخرى، هناك تداعيات قانونية لمعاملة الأشخاص الذين يتم فصلهم بطرق مختلفة. وهناك موقف آخر لا ينجح فيه الفصل الشفاف وهو عندما يتم صرف أحد الموظفين بسبب مشكلة لا تزال تتفاعل وتضر بالموظفين الآخرين أو بالشركة، وليس مجرد مشكلة في الأداء. على سبيل المثال، إذا كانت فظاظة المدير لها تأثير سلبي على موظفيه يجب على المدير أن يُغادر الشركة على الفور. ومع ذلك، ومن واقع تجربتي، لا تحدث معظم حالات إنهاء الخدمة بسبب مشاكل لا تزال تتفاعل، وبالتالي فإن الفصل الشفاف هو الخيار الأنسب.
في أثناء كتابتي هذا المقال، اتصلت ببعض الزملاء في شركات أخرى لأرى مدى انتشار – أو عدم انتشار – اللجوء إلى الانفصال الشفاف. وللمصادفة وجدت أن مرشدي طيلة 20 عاماً، وهو الرئيس التنفيذي لشركة كبرى في مجال التجارة الإلكترونية، بدأ هو نفسه يستخدم نهج الفصل الشفاف. وعلى الرغم من أن هذا النهج كان ناجحاً في أكثر الحالات التي عالجها كلانا، فقد اتضح أننا من بين قلة يستخدمونه على الإطلاق.
وفي حين أنني لا أعتقد أن الانفصال الشفاف هو دواء لكل العلل ويجب أن يستخدم في جميع الحالات، أعتقد أنه لا يتم اللجوء إليه بشكل كاف بالنظر إلى تدني مخاطره وفوائده الجمة. إنني أنصح جميع المدراء باختبار التجربة – بأن يجعلوا منه النهج الفعلي لمعظم عمليات الفصل من العمل، وليدعوا النتائج الإيجابية تعبر عن نفسها.