كيف توسع إحدى الشركات غير الربحية الرعاية الصحية لتشمل غير المؤمّن عليهم؟

5 دقائق
شركات الرعاية الصحية غير الربحية

تنفق الولايات المتحدة 3.3 ترليون دولار على الرعاية الصحية، أي أكثر من 10,000 دولار على الشخص الواحد وهو يساوي ضعفي إنفاق أي دولة صناعية أخرى. ومع ذلك، فإنّ قرابة 30 مليون أميركي، أي 10% من السكان، غير مؤمّن عليهم. فماذا عن دور شركات الرعاية الصحية غير الربحية؟

إن لم نتوصل إلى قانون الرعاية الصحية الميسرة في المدى القريب قد يعود عدد المواطنين غير المؤمن عليهم إلى 50 مليون نسمة كما كان في عام 2009. وتستثني هذه الأرقام الملايين الأخرى من المواطنين الخاضعين لتأمين ثانوي، أي الذين يتمتعون بتخفيضات وتعويضات عالية ويستفيدون من تأمينات ذات حدود قصوى لا تغطي تكاليفهم في حال الإصابة بمرض شديد ودخول المشفى.

تكاليف الرعاية الصحية في أميركا

تتبع مدينة واشنطن العاصمة منهجاً مالياً دائماً لمواجهة هذه المشكلة. ويختلف السياسيون على الدوام بشأن من يجب أن يدفع ولِم، وحجم تكاليف الرعاية الصحية التي يجب أن يتحملها المواطن وعائلته مقابل ما يجب أن تتحمله حكومة الولاية أو الحكومة الفيدرالية. هناك انقسام شديد حول هذه الأسئلة، وكانت مدينة واشنطن في شلل تام على مدى سنوات.

ولكن برأينا، لا تركز واشنطن على المشكلة الصحيحة، التي هي أنّ الرعاية الصحية في الولايات المتحدة تكلف الكثير والجودة غير متساوية ويوجد الكثير من الناس الذين لا يحصلون على الرعاية التي يحتاجونها. نحن نعاني من أزمة في إيصال الرعاية الصحية وإن تمكنا من إصلاح هذه المشكلة سيتوفر لدينا موارد كافية لتغطية تكاليف جميع المواطنين غير المؤمن عليهم والذين يخضعون لتأمين ثانوي. وبصورة معاكسة، إذا لم نصلح تلك المشكلة ستصبح الرعاية الصحية ذات تكاليف باهظة لا يمكن لأي جهة مهما كانت تحملها.  

اقرأ أيضاً: هل سينجح نهج الرعاية الصحية القائم على القيمة في خفض الإنفاق وتحسين النتائج الصحية؟

وبالنظر إلى الأمر من هذه الزاوية نجد حلاً تصاعدياً للمواطنين الأميركيين غير المؤمن عليهم. وهو حلّ اكتشفناه من خلال بحثنا في الهند، وهو يتضمن ابتكارات جديدة تخفض تكاليف إيصال الرعاية الصحية بصورة كبيرة لدرجة أنه سيكون بإمكان الهوامش الناتجة عن هذا التوفير تغطية تكاليف المواطنين غير القادرين على دفعها.

في الهند، 10% فقط من المواطنين يخضعون للتأمين الصحي، بينما يبقى 90% دون تأمين، وهذه الصورة معاكسة تماماً لما في الولايات المتحدة. تخيل كيف يمكن أن تكون. يعتمد الهنود بصورة كبيرة على الرعاية الصحية المجانية، أو يموتون بسبب عدم توفرها. في تلك البيئة القاسية، هناك بضعة مستشفيات هندية يديرها أطباء رحماء، وجدت طرقاً مبتكرة لتخفيض تكاليف الرعاية الصحية إلى مستويات تفوق الخيال مع الحفاظ على جودة عالية. بعضهم يوفر رعاية مجانية أو مدعومة بالإعانات بصورة كبيرة لحوالي نصف مرضاها أو ثلثيهم، ومع ذلك فهي تجني عوائد كافية لجذب مستثمرين من القطاع الخاص، وكل ذلك على الرغم من أنّ أسعار الإجراءات الطبية في الهند تساوي حوالي 1% إلى 10% فقط من الأسعار في الولايات المتحدة. مثلاً، قد تكلف عملية القلب المفتوح في أحد المستشفيات النموذجية 2,100 دولار، بينما تكلف 75,000 إلى 150,000 دولار في الولايات المتحدة، وتكلف عملية الساد (إعتام عدسة العين) حوالي 200 دولار أو أقل، بينما تكلف في الولايات المتحدة حوالي 3,500 دولار. وقد استفضنا في كتابنا "الابتكار العكسي في الرعاية الصحية"(Reverse Innovation in Health Care) في الحديث عن خمسة مبادئ تتيح للأمثلة الهندية تقديم رعاية صحية على المستوى العالمي بتكاليف منخفضة للغاية.

تخفيض تكاليف الرعاية الصحية

والسؤال هو: هل يمكن للمستشفيات الأميركية تطبيق هذه المبادئ ذاتها من أجل تخفيض التكاليف لدرجة أن تصبح الهوامش الناتجة عن خدمة المرضى الخاضعين للتأمين أكبر من مدفوعات خدمة جميع المرضى غير المؤمن عليهم والخاضعين للتأمين الثانوي؟ الإجابة هي نعم، وفقاً لما رأيناه في نموذج مؤسسة أسنشن، وهي أكبر مؤسسة غير ربحية للرعاية الصحية في الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: تكلفة علاج الأمراض النادرة تهدد نظام الرعاية الصحية

تشابه أسنشن النماذج الهندية في التزامها بتقديم رعاية صحية عالية الجودة ومنخفضة التكاليف، خصوصاً للفقراء والضعفاء الذين لا يخضعون للتأمين غالباً. سعت مؤسسة أسنشن، بقيادة مديرها ورئيسها التنفيذي أنثوني تيرزينيي، لتصبح أكثر كفاءة في إيصال الرعاية الصحية. ونذكر فيما يلي بعض الطرق التي جعلت مؤسسة أسنشن ذات كفاءة في التكلفة:

  • جمعت المؤسسة المشتريات في وحدة مركزية، ما أتاح لها الاستفادة من وفورات الحجم. في مراجعة لاستراتيجية المشتريات لديها عام 2010، استنتجت أسنشن أنها لم يكن لديها استراتيجية شراء فعالة أساساً. وكانت معظم مشافيها لا تزال تشتري من الموردين القدماء الخاصين بكل منها، والذين لم يكن للمؤسسة نفوذ كبير عليهم. في خدمات الأطعمة والدعم البيئي وحدها مثلاً، كانت المؤسسة تدفع حوالي 400 مليون دولار سنوياً لعقود مختلفة يتجاوز عددها المئة، فاستطاعت توفير 10 إلى 15% سنوياً عن طريق تجميع كل هذه العقود والتفاوض من موقع قوة العملية المشتركة. فبلغ مجمل ما ادخرته المؤسسة من المؤونة فقط حوالي مليار دولار، أي ما يعادل 5% من عائداتها الكلية.
  • قامت مؤسسة أسنشن بجعل بعض الوظائف مركزية، كالموارد البشرية وتسليم الأجور وخدمات السفر والشؤون المالية. وبالتالي بسّطت العمليات ووفرت التكاليف.
  • عقدت المؤسسة مجالس الأطباء من أجل تقييم جودة الأدوات الجراحية الموجودة، ثم استغلت حجمها من أجل شراء الأدوات بأفضل الأسعار. كما اتبعت ابتكارات في الإجراءات أدت إلى توفير التكاليف.
  • وسعت المؤسسة مجموعة للخدمات الداخلية في إحدى مستشفياتها لتصبح شركة خدمات صيانة كاملة تدعى ترايميدكس (TriMedx)، التي قدمت خدماتها لجميع مستشفيات المؤسسة ومكّنت زيادة صلاحية استخدام الآلات والأجهزة الطبية لفريق المستشفى. كانت شركة ترايميدكس ناجحة جداً لدرجة أنّ مؤسسة أسنشن قامت بتوسيعها لتصبح شركة ربحية مستقلة وأصبح لديها 1800 زبون في 28 ولاية عام 2017.

وبالإضافة إلى أمور أخرى، أتاح توفير التكاليف بهذه الطرق للمؤسسة التنازل عن مقتطعات التأمينات والفواتير غير المدفوعة في جميع مشافيها للمرضى الذين يكسبون أقل من 250% من حد مستوى الفقر، وتقديم مستوى من الدعم المالي للمرضى الذين يكسبون قرابة 400% من حد مستوى الفقر. زادت السياسة الجديدة تكاليف المؤسسة في تقديم المساعدة للفقراء. كما استخدمت المؤسسة توفير التكاليف من أجل دعم مجموعة كبيرة من برامج التوعية الاجتماعية، كفعاليات الفحص الطبي المجاني في العديد من مجتمعاتها. وكما أخبرتنا رئيسة الشؤون المالية للمؤسسة، روندا أندرسن: "تعود مهمتنا إلى مئات السنين من حيث تقديم الرعاية للفقراء والضعفاء. إنه جزء من تعاليمنا الاجتماعية".

اقرأ أيضاً: خطة لإعادة تصميم خدمات الرعاية الصحية للأمراض الخطرة وتقليل التكاليف

من وجهة نظرنا، يكمن التحدي الحقيقي في الولايات المتحدة في غرس الغاية التي ألهمت النماذج الهندية ومؤسسات من أمثال أسنشن في مؤسسات الرعاية الصحية الأميركية، إذ يجب عليها اكتشاف القيم وحسّ الغاية التي جذبت العديد من الموظفين إلى مهنة الرعاية الصحية في المقام الأول.

نجحت هذه الاستراتيجية في كل من الهند والولايات المتحدة، لأن ذات الغاية الملهمة تقود الموظفين لإيجاد طرق مبتكرة لتحسين الجودة وتخفيض التكلفة وتوسيع مدى التغطية التأمينية الصحية في ذات الوقت. هذه هي قوة الغاية، قوة يجب أن تعتمد مؤسسات الرعاية الصحية الأميركية عليها بصورة أكبر.

هناك سبب قوي لدى مؤسسة "أسنشن" يدفعها لمتابعة استراتيجيتها. إذ ستتمكن من الازدهار إذا حلت المنافسة القائمة على القيمة محلّ نظام الرسوم مقابل الخدمات في الولايات المتحدة. ليس هناك جوانب سلبية لاستراتيجية مؤسسة أسنشن، بل كلها جوانب إيجابية، ولهذا يجب أن تحذو مؤسسات الرعاية الصحية الأخرى حذوها وتقتدي باستراتيجيتها. وفي أسوأ الأحوال يضمن ذلك نجاحها في عالم المنافسة القائمة على القيمة وتساعد في دفع تكاليف الرعاية الصحية للمواطنين الأميركيين غير المؤمّن عليهم والخاضعين للتأمين الثانوي إضافة إلى مساعدة شركات الرعاية الصحية غير الربحية. ما السيء في ذلك؟

اقرأ أيضاً: توصيات لجعل الرعاية الصحية ميسورة التكلفة للعمال من أصحاب الأجور المتدنية  

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي