في الساعة الثامنة صباحاً في يوم غائم من شهر مارس/آذار 2025، انضمت الرئيسة التنفيذية لشركة سريعة النمو في مجال التكنولوجيا الحيوية إلى مكالمة فيديو مع فريق كبار القادة. خلال اليوم السابق للمكالمة، أجبرت العقوبات الجديدة في أوروبا الشرقية المورد الرئيسي للشركة على إيقاف الشحنات، كما أدت أيضاً إلى انخفاض قيمة العملة المحلية، ما أدى بدوره إلى ارتفاع الديون الخارجية للشركة بمقدار عدة ملايين من الدولارات.
امتلأ صندوق واردات الرئيسة التنفيذية بالرسائل من أعضاء مجلس الإدارة. ما لم تخفض الإنفاق بنسبة 35%، فقد تواجه الشركة خطر الإفلاس. وبالنظر إلى أن سلسلة التوريد العالمية للشركة تعمل بما يتجاوز سعتها، لم تكن ثمة حلول سهلة. كان أمامها خياران صعبان:
- تسريح ثلث الخبراء في الشركة، ما سيؤدي إلى إنهاء مساراتهم المهنية وضياع سنوات من التقدم في الأبحاث.
- المجازفة بالاعتماد على التمويل المرحلي الطارئ، أي الحصول على قرض قصير الأجل يحافظ على استمرارية الشركة في سوق مشلولة بسبب الصدمات الجيوسياسية.
على الرغم من أن هذه الحالة تبدو خاصة، فالسيناريوهات الشبيهة أصبحت أكثر شيوعاً اليوم بالنسبة للقادة. الصدمات الاقتصادية، وظروف عدم اليقين السياسي، والاستقطابات المتفاقمة، والمعضلات الأخلاقية، وتراجع ثقة الجمهور العام؛ كلها خلقت بيئة تنطوي فيها حتى القرارات الروتينية على مخاطر حقيقية. قد تساعدك الخبرة على وضع استراتيجية مناسبة، ولكن عندما يكون المستقبل غير واضح المعالم، وتكون الرهانات شخصية والتداعيات عامة، وعندما يلجأ الآخرون إليك لتوجيههم (مع العلم أن خياراتك ستؤثر فيهم)، تصبح الشجاعة مهارة مهمة جداً.
يخلط مقدمو النصائح التقليدية غالباً بين الشجاعة والجرأة، وهي سمة فطرية وبطولية يمكن أن تظهر في الأزمات الفردية. لكن الشجاعة ليست غريزية، بل مهارة يمكن اكتسابها باتباع إجراءات مستمرة ومتوافقة مع القيم حتى في وجود الشك أو المخاطر أو الخوف. هذه الاستجابة المتماسكة المكتسبة هي ما أسميه "الشجاعة اليومية"، وهي فعالة بصورة خاصة في المواقف التي تبدو أبسط من أن نهتم بها، لكنها مهمة بما يكفي للتأثير في الثقافة المؤسسية والثقة والإرث.
فهم الشجاعة اليومية
حتى منذ زمن أرسطو، حاول العلماء والباحثون تصنيف الشجاعة في فئات منفصلة. في تسعينيات القرن الماضي، قسم أحد الباحثين الشجاعة إلى ثلاثة أنواع؛ الجسدية والأخلاقية والنفسية. بينما تقسم الأبحاث الأحدث الشجاعة الأخلاقية إلى أنواع فرعية متميزة.
بالاستناد إلى كل من الأبحاث التي صدرت على مدى سنوات طويلة وخبرتي في العمل مع كبار القادة، أنشأت دليلاً إرشادياً يقدم للقادة منظوراً جديداً يتجاوز مفاهيم البطولة والمفاهيم المجردة، ويحتوي على قواعد عملية وقابلة للتطبيق. يركز هذا الدليل على ستة أنواع من الشجاعة اليومية تعكس التحديات الأكثر شيوعاً والأعقد والأشد أثراً التي يواجهها القادة اليوم.
| نوع الشجاعة | المخاطر الأساسية | الإجراء القيادي | الفائدة |
|---|---|---|---|
| الشجاعة الأخلاقية | الإضرار بالسمعة وفقدان الإيرادات والعواقب السياسية | منح الأولوية للمبادئ بدلاً من الأرباح عندما تتعارض القيم مع الفرص | اكتساب الثقة الطويلة الأمد بالعلامة التجارية ونزاهتها، ما يجذب الموظفين والشركاء والعملاء |
| الشجاعة الاجتماعية | فقدان المكانة والنبذ والعواقب على المسيرة المهنية | تحدي التفكير الجماعي أو سوء السلوك، حتى عندما يلتزم الآخرون الصمت | ترسيخ ثقافة الأمان النفسي التي تبرز المخاطر وتشجع على اتباع السلوكيات الأخلاقية |
| الشجاعة العاطفية | الضعف والمجازفة العاطفية وفقدان رباطة الجأش | تحديد المشاعر المزعجة في أثناء الأزمات ومواجهتها، سواء كانت مشاعرك أم مشاعر الآخرين | تعزيز الثقة والمشاركة والقدرة على التحمل في مختلف أنحاء المؤسسة |
| الشجاعة الفكرية | ارتكاب الأخطاء وإبراز التردد وتقويض السلطة | التشكيك في افتراضاتك أمام الآخرين وتشجيعهم على الاختلاف بالرأي | تسريع التعلم وزيادة جودة القرارات الاستراتيجية |
| الشجاعة الإبداعية | الفشل والسخرية والتكاليف الغارقة | اقتراح الأفكار الجريئة وغير المثبتة واختبارها في التجارب البسيطة | الابتكارات غير المسبوقة التي تدفع عجلة النمو وتحافظ على تفوق الشركة |
| الشجاعة الجسدية | السلامة الشخصية أو الصحة أو التهديدات الأمنية | حضور المواقف العالية المخاطر للاطلاع على الوضع مباشرة (مساحات العمل ومناطق النزاع) | تعزيز المصداقية مع فرق الخطوط الأمامية واكتساب القدرة على حل المشكلات بسرعة أكبر وبطريقة قائمة على الحقائق |
المصدر: أليكس بوداك
قسمت كل نوع من أنواع الشجاعة اليومية إلى ثلاثة أجزاء لمساعدة القادة على تعلمها وتطبيقها في المواقف الواقعية:
- تعريف موجز مدعوم بالأبحاث.
- مثال واقعي يشمل قادة درستهم أو قدمت المشورة لهم.
- مجموعة من الممارسات الأولية التي تصقل هذه المهارة.
الشجاعة الأخلاقية
الشجاعة الأخلاقية هي الاستعداد للتصرف وفقاً للقيم حتى عندما ينطوي ذلك على مخاطر شخصية أو مهنية. هذا المفهوم له جذور في الفلسفة القديمة، ولكن في سياق القيادة، شاع مفهوم الشجاعة الأخلاقية على يد الفيلسوف رشوورث كيدر. عرف كيدر الشجاعة الأخلاقية بأنها إجراء يتطلب ثلاثة شروط هي: وجود مبدأ أساسي، والتعرض لخطر وشيك، والتمتع بالقدرة على التحمل لمواجهة العواقب.
كيف تتجلى الشجاعة الأخلاقية عملياً؟
تقع على أحد كبار القادة في إحدى الجامعات مسؤولية اتخاذ قرار بشأن قبول تمويل سخي من شركة متعددة الجنسيات متهمة بانتهاكات لحقوق الإنسان. توفر هذه الشراكة الموارد اللازمة الضرورية في فترة انخفضت فيها الميزانية (خطر وشيك)، لكنها تتعارض مع التزام الجامعة الراسخ بالمسؤولية الأخلاقية (مبدأ أساسي). قد يؤدي التحدث علناً عن الصفقة أو رفضها إلى تعريض كل من الموارد المالية للمؤسسة ومسار القائد المهني للخطر (عواقب). رفض الشراكة لدعم قيم الجامعة على الرغم من المخاطر هو سلوك شجاع أخلاقياً.
كيف يمكنك اكتساب الشجاعة الأخلاقية؟
تحديد قيمك الأساسية بوضوح:
الخطوة الأولى في اكتساب الشجاعة الأخلاقية هي تحديد القيم التي تؤمن بها. لن تتمكن من الالتزام بسهولة بقيمك الشخصية تحت الضغط إذا لم تحددها. أدوات التأمل الشخصي، مثل قائمة قيم جيمس كلير وتقييم القيم الشخصية، تساعدك على تحديد المبادئ التي تهمك. على سبيل المثال، يمكنك البحث في قائمة كلير التي تضم أكثر من 50 قيمة وتحديد 10 من القيم الأكثر توافقاً مع معتقداتك، ثم اختصارها إلى 3 قيم توجهك عند اتخاذ القرارات الصعبة.
عليك إبراز القيم بعد تحديدها، أي تحديد كيف تحكم سلوكياتك ولغتك اليومية، ثم التعبير عنها بما تقوله وما تفعله. على سبيل المثال، إذا كنت تقدر الشفافية، قد يدفعك ذلك لتبرير الخيارات الصعبة غالباً.
اتبع الخطوات نفسها في مؤسستك. ابدأ بصياغة القيم الأساسية لشركتك على شكل مبادئ وممارسات لمساعدة الآخرين على فهم الدوافع وراء قرارات القيادة.
الالتزام سلفاً بالقيم قبل الأزمات:
يكون القادة أكثر عرضة لظاهرة تحمل اسم "التلاشي الأخلاقي" عندما يتعرضون للضغط. تتجلى هذه الظاهرة عندما تحجب الضغوط، مثل الولاء أو المصلحة الذاتية، المخاطر الأخلاقية للقرارات. يمكنك وقاية نفسك من هذه الظاهرة من خلال تحديد المواقف التي تضع قيمك على المحك والتخطيط للإجراءات التي يجب عليك اتخاذها قبل أن تشهد هذه المواقف. إحدى الطرق المفيدة هي صياغة العبارات الشرطية المستندة إلى قيم مؤسستك. على سبيل المثال: "إذا كان الحصول على التمويل يتطلب التغطية على الانتهاكات، فسنرفضه بغض النظر عن العواقب المالية". أعد الاطلاع على هذه السيناريوهات على أساس ربع سنوي لتتذكر مبادئك.
الشجاعة الاجتماعية
يلتزم الكثيرون الصمت في العمل؛ ليس لأنهم يفتقرون إلى الأفكار، بل لأنهم يخشون الرفض. تظهر تجارب الامتثال الشهيرة التي أجراها عالم النفس الاجتماعي سولومون آش عمق هذا الخوف المتأصل فينا، وسرعة تغلب معايير المجموعة على القدرة الشخصية على الحكم، حتى عندما تكون المجموعة على خطأ.
الشجاعة الاجتماعية هي الاستعداد للاختلاف مع المجموعة أو التميز عنها على الرغم من مخاطر الإحراج أو الإقصاء أو الإضرار بالسمعة.
كيف تتجلى الشجاعة الاجتماعية عملياً؟
في اجتماع خارجي للمدراء التنفيذين، يتجاهل أحد القادة المرموقين سؤال أحد أعضاء الفريق الجدد مباشرة وبطريقة ساخرة، ما يولد مشاعر الانزعاج الواضحة لدى الكثيرين. بينما يحاول الحضور تغيير الموضوع بسرعة، يوقف رئيس قسم شؤون الموظفين المحادثة قائلاً: "أعتقد أن علينا إفساح المجال لطرح وجهات النظر المختلفة، خاصة من الموظفين الجدد". لم يستغرق قول هذه الجملة سوى لحظة، لكن في اجتماعات أصحاب المكانة العالية الذين يتمتعون بصلات مع أشخاص نافذين، تتطلب زعزعة ديناميات المجموعة الشجاعة الاجتماعية.
كيف يمكنك اكتساب الشجاعة الاجتماعية؟
حدد المخاطر ثم تحدث:
عندما تشعر بأن التعبير عن رأيك ينطوي على مخاطر اجتماعية، فإن الاعتراف بهذه المخاطر أولاً يظهر وعيك لذاتك وحسن نيتك. لا تعتذر، بل صغ رأيك المخالف بوضوح وقناعة: "قد تكون وجهة نظري غريبة، ولكن كذا"، أو "قد يكون رأيي مخالفاً لما هو شائع، ولكن أعتقد أن التعبير عنه ضروري".
كافئ الاختلاف المتجذر في المبادئ:
شجع الآخرين على تحدي وجهة نظر الأغلبية. اطرح أسئلة مثل: "من لديه وجهة نظر مختلفة؟" واشكر الذين يصرحون بالحقائق المزعجة. إحدى الطرق الأخرى هي توكيل الموظفين بدور "رئيس مجلس الاختلاف" بالتناوب لإضفاء الشرعية على التعبير عن وجهات النظر المختلفة في الاجتماعات. تبين الأبحاث حول الأمان النفسي أنه عندما يكافئ القادة هذا الاختلاف المحفوف بالمخاطر الاجتماعية باستمرار، فإنهم يبينون أن الخلاف ضروري لاتخاذ القرارات الذكية.
الشجاعة العاطفية
على عكس الشجاعة الاجتماعية التي تركز على المخاطر الخارجية، تتعلق الشجاعة العاطفية بالجرأة الداخلية، أي الاستعداد للشعور بالانزعاج ومواجهته والتصرف بناءً عليه. تصف عالمة النفس، سوزان ديفيد، الشجاعة العاطفية بأنها القدرة على مواجهة المشاعر المزعجة بانفتاح وصدق، واستخدامها لتوجيه التصرفات المدروسة والمتوافقة مع القيم بدلاً من الاستسلام لها وتركها تحدد هويتك.
كيف تتجلى الشجاعة العاطفية عملياً؟
تضطر رئيسة تنفيذية للعمليات تعمل في قطاع الرعاية الصحية للإعلان عن خطة لتسريح الموظفين بعد فشل مشروع دعمته في تحقيق أهدافه المالية، ما أدى إلى خفض الميزانية. قررت أن تعلن عن الخطة بدلاً من أن تطلب من قسم الموارد البشرية فعل ذلك نيابة عنها. تحدثت الرئيسة التنفيذية مباشرة مع موظفي المؤسسة وتحملت مسؤولية القرار وظلت حاضرة حتى عندما عبر الموظفون عن خيبة أملهم أو إحباطهم أو حزنهم، كما أنها قاومت رغبتها في الانسحاب من الموقف أو عزل نفسها عندما شعرت بالخزي والندم. لن يزيل حضورها العاطفي معاناة الموظفين المسرحين، لكنه يحافظ على مصداقيتها ويظهر استعدادها لتحمل المسؤولية ويساعدها على إعادة بناء الثقة.
كيف تكتسب الشجاعة العاطفية؟
تحكم بمشاعرك وليس بمشاعر الآخرين:
عندما تكون في موقع سلطة، قد تشعر بأن الانفتاح العاطفي بأي شكل هو مخاطرة، فضلاً عن الاعتراف بالخوف أو الندم أو الشك. الشجاعة العاطفية لا تعني تفريغ مشاعرك على الآخرين، بل تعني التصرف بصدق ووعي بطريقة واقعية ومناسبة للموقف. تقول الخبيرة الرائدة في مجال الضعف والقيادة، برينيه براون: "الوضوح هو الإحسان، والغموض هو القسوة"، وتحذر مما تسميه "التعبير الغامر"، وهو الإفراط في التعبير عن المشاعر لتفادي مواجهة الضعف الحقيقي.
ينص أحد المبادئ التوجيهية المفيدة على مشاركة العواطف في الحالات التي يؤدي فيها ذلك إلى تعزيز الوضوح. اسأل نفسك: "هل ستؤدي مشاركة ما أشعر به إلى التفاهم وتعزيز الروابط أم إلى الارتباك وتحميل الآخرين الأعباء العاطفية؟"
لاحظ مشاعرك وصرح بها وتحكم بها:
عندما تلاحظ أنك ترغب في الانعزال أو تجنب المواجهة، حاول التحكم في هذا الدافع. على سبيل المثال، اكتب أسماء ثلاث عواطف تشعر بها قبل اجتماع حاسم وخطط للتصريح بأحدها. سيساعدك ذلك على تجنب العبارات الدفاعية مثل "هذه الأمور طبيعية" والاستعاضة عنها بعبارات صادقة مثل "لم يسر الأمر كما كنت آمل، وهذه مسؤوليتي". حاول مقاومة رغبتك الغريزية في إنهاء الموقف بسرعة أو الاستهانة به؛ إذ يمكنك أن تقول: "لن أتسرع في تجاوز هذه المسألة".
الشجاعة الفكرية
الشجاعة الفكرية هي الاستعداد للتشكيك في افتراضاتك، وتقبل وجهات النظر المعارضة، والاعتراف بجهلك بهدف تحسين طريقة تفكيرك أو النتائج التي تريد تحقيقها. يخلق هذا النوع من الشجاعة الأمان النفسي الذي يحفز على التعلم، ويعزز الابتكار، ويساعد القادة على تجنب الحلول السريعة أو اتباع طرق التفكير الاعتيادية عندما يتطلب الموقف أو التحدي التغيير.
كيف تتجلى الشجاعة الفكرية عملياً؟
تدافع نائبة رئيس قسم المنتجات دائماً عن أحد العروض الأساسية لشركتها، لكنها تعتقد بناءً على حدسها والبيانات المتاحة أن السوق تغيرت وأن ثمة حاجة إلى تغيير العرض. جدولت النائبة اجتماعاً استراتيجياً لمناقشة هذه المسألة، لكنها إذا غيرت موقفها، فقد تفقد مصداقيتها مع أصحاب المصالح القدامى وتخاطر بأن يظنوا أنها مترددة.
مع ذلك، فإنها تتجاهل كبرياءها وتصرح بشكوكها وتدعو فرقها للبحث عن استراتيجيات بديلة. أظهرت هذه النائبة شجاعتها الفكرية من خلال إفساح المجال لتوليد الأفكار الجديدة.
كيف تكتسب الشجاعة الفكرية؟
التشكيك بطريقة تفكيرك جهاراً:
عندما تكون في موقع سلطة، فإن التشكيك في افتراضاتك جهاراً يبين للآخرين أن إعادة النظر فيها هي خطوة طبيعية في عملية حل المشكلات. يبين ذلك أيضاً للفريق أن طرح الأسئلة وتحدي الأفكار السائدة دون الخوف من أحكام الآخرين هو سلوك طبيعي. يمكنك أن تقول: "هذا هو سياق تفكيري، ولكن ما الذي فوته؟ هل يعتقد أحد بأن هناك عيباً ما في طريقة تفكيري أو وجهة نظر مختلفة أنسب؟"
فصل الهوية عن الأفكار:
عندما تقود استراتيجية ما أو تتبنى موقفاً ما على مدى سنوات، فمن السهل أن تخلط بين الألفة واليقين. بمرور الوقت، قد تصبح أفكارك جزءاً من هويتك. لكن في مجال الأعمال، لا شيء راكد، والبقاء في المنافسة يتطلب الحفاظ على المرونة. يمكنك تغيير عقليتك من خلال التركيز على المواقف التي تكون فيها مخطئاً تماماً كما تركز على تلك التي تكون فيها على حق. سيحافظ هذا التواضع على اتزانك واتزان فريقك.
الشجاعة الإبداعية
خلافاً للشجاعة الفكرية التي تتعلق بالتشكيك في الوضع الراهن، تتعلق الشجاعة الإبداعية بتصور ما يمكن أن يحدث. تتجلى هذه الشجاعة في مشاركة الأفكار الجريئة ودعم التجريب وتشجيع الآخرين على فعل ذلك، كل ذلك مع تذكر أن بعض الجهود سيفشل. تظهر الأبحاث أنه على الرغم من أن الأفكار الجديدة قد تأتي من أي أحد، فإن القادة يؤدون دوراً رئيسياً في رعاية الأفكار الجديدة وتطويرها. على العكس من ذلك، عندما يقمع القادة الإبداع، تواجه المؤسسات خطر الركود.
كيف تتجلى الشجاعة الفكرية عملياً؟
يستعد أحد كبار قادة قسم المنتجات في إحدى كبرى شركات السلع الاستهلاكية لقمة الابتكار التي سيعقدها مع 30 من كبار المدراء التنفيذيين. الخيار الأسلم هو اقتراح تطوير بسيط للمنتج، أي تطوير تقليدي وقابل للتمويل. بدلاً من ذلك، يطرح هذا القائد مفهوماً جديداً كلياً يعتمد على نموذج تغليف خال من النفايات سيسبب اعتماده اضطراب سلسلة توريد الشركة القائمة منذ أمد طويل، وينفر بعض شركاء التصنيع، ويشجع المستهلكين على تغيير سلوكهم. يعلم القائد أن هناك احتمالية لرفض المقترح، لكنه يعتقد أن مستقبل الشركة يعتمد عليه، ويعتقد أيضاً أن اعتماد النموذج الجديد هو نقلة نوعية ضرورية للحفاظ على الميزة التنافسية للشركة، خصوصاً مع ازدياد الطلب على المنتجات المستدامة واحتمالية إقرار التشريعات ذات الصلة في المستقبل.
كيف تكتسب الشجاعة الإبداعية؟
افسح المجال للمخاطرة:
الإبداع ليس موهبة نادرة بل مهارة يستطيع أي أحد اكتسابها، وعليك تأطيره على هذا النحو عند العمل مع فريقك. شجع أعضاء الفريق على الاستكشاف المرح من خلال إجراء تدريبات سريعة على التفكير المتباعد. يتألف كل تدريب من 3 أقسام مدة كل منها 10 دقائق، تولد في الأول الأفكار غير الملائمة، بينما تولد في الثاني الأفكار المستحيلة التطبيق، وتولد في الثالث الأفكار العكسية (من خلال قلب افتراض أساسي وتخيل نقيضه). استخرج من هذه الأفكار الرؤى الثاقبة غير المتوقعة، واختتم اجتماعات الفريق بسؤال بسيط لترسيخ الفكرة التي تنص على أن الإبداع يتطلب المخاطرة: "بماذا فشلت هذا الأسبوع، وما الذي تعلمته؟" بمرور الوقت، يمكنك أن ترسخ بهذه الطريقة ثقافة تشجع على حب الاستطلاع.
احرص على خفض المخاطر:
لا ترفض فكرة واعدة لمجرد أنك تشعر أنها تنطوي على المخاطر. احرص على خفض الضغط الذي يشعر به فريقك من خلال إجراء تجربة لاختبار المفهوم في سوق واحدة، أو وضع نموذج أولي بنطاق زمني ضيق، أو إجراء سباق مدته شهر واحد لاختبار سرعة فشل فكرة ما. تساعدك هذه الاختبارات التي لا تتطلب الكثير من الموارد على بناء الثقة وجمع الملاحظات والتعلم بسرعة دون الإفراط في الالتزام بفكرة قبل أوانها.
الشجاعة الجسدية
في مواقف المخاطرة الحقيقية، يبين الحضور الجسدي التضامن ويبني الثقة بالأفعال. الشجاعة الجسدية هي الاستعداد للتصرف في مواجهة المخاطر الجسدية أو المواقف المزعجة أو الخطر، خاصة في خدمة الآخرين. في سياق الأعمال، الشجاعة الجسدية هي الحضور في المواقف المهمة، سواء من خلال التجول بين الموظفين في أثناء الأزمات أم مساندة الفريق في الظروف الصعبة. تظهر الأبحاث العديد من العوامل التي تغذي هذا النوع من الشجاعة، مثل التمتع بعقلية تركز على كل من القدرة على التحمل والتفاؤل، ووجود القيم الراسخة والدعم الاجتماعي، وهي سمات تساعد القادة في التغلب على التردد والبدء باتخاذ الإجراءات.
كيف تتجلى الشجاعة الجسدية عملياً؟
يبلغ بعض الموظفين عن أن ظروف العمل غير آمنة في أحد المعامل. فيسافر الرئيس التنفيذي للشركة إلى المنشأة خلال فترة تسودها الاضطرابات الشعبية، ويصر على إجراء جولة في المعمل بنفسه على الرغم من المخاوف الأمنية والمخاطر الجسدية المحتملة، وذلك بدلاً من تفويض معالجة المشكلة لأحد المسؤولين في الموقع. يبين هذا الرئيس التنفيذي من خلال حضوره شخصياً أن الشركة تهتم بمشكلات موظفي الخطوط الأمامية وتقدرهم.
كيف تكتسب الشجاعة الجسدية؟
التدرب على تحمل المواقف الصعبة:
يمكنك اكتساب هذا النوع من الشجاعة من خلال تدريب نفسك تدريجياً على التعامل مع المواقف التي تسبب لك التوتر؛ كن أول من يتكلم في المحادثات العامة الشائكة أو الاجتماعات التي تبعث على التوتر، أو تفاعل مع مجموعة تعلم أن أفرادها لا يشاركونك وجهات النظر، أو زر فريقك شخصياً بدلاً من الاطمئنان عن أفراده عبر البريد الإلكتروني. كلما تدربت أكثر على التعامل مع المواقف الصعبة، زادت قدرتك على التكيف معها.
سياسة القرب:
حدد موعداً منتظماً في جدول مواعيدك لقضاء الوقت في أماكن عمل موظفي الخطوط الأمامية دون تحديد مهام يجب إنجازها. يمكنك أن تراقب أحد خطوط الإنتاج، أو تجلس مع فريق الخدمة، أو تتناول الطعام مع موظفي الخطوط الأمامية. انظر لهذه الزيارات على أنها تجارب لتبادل الخبرات. عندما يتشارك كبار القادة وموظفو الخطوط الأمامية الظروف نفسها؛ يكتسب القادة وعياً مباشراً بالتحديات التي يواجهها الآخرون، ويمارسون الحضور الذي يشجع على الانفتاح والثقة وتحمل المسؤولية على المستويات جميعها بطريقة يمكن الاقتداء بها.
لا تظهر القيادة الشجاعة في اللحظات النادرة والدرامية فقط، بل يمكن اكتسابها عبر الخيارات اليومية. القادة الذين يصمدون في وجه الظروف التي يسودها عدم اليقين هم الذين يوضحون ما يؤمنون به ويشيدون بالنزاهة والتفكير الجريء ويتبعون السلوكيات البسيطة والمستمرة التي تتوافق مع قيمهم. لا تحكم الشجاعة اليومية القرارات فحسب، بل تبين لفريقك أن مؤسستك هي المكان الذي تكون فيه الحقيقة مهمة، وتكون فيه المخاطرة ممكنة، ويكون فيه فعل الصواب متوقعاً. في عالمنا الصاخب والسريع الحركة، هذه ميزة قيادية لا يستطيع المنافسون محاكاتها.