ركّز على هذه العبارات الأربع لخلق ثقافة حب الاستطلاع في مكان العمل

6 دقيقة
حب الاستطلاع العميق
shutterstock.com/Larisa Lo
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: حب الاستطلاع ممارسة فعالة يمكن دمجها في ثقافة الشركة، لكنها بالنسبة للمدراء مجرد وسيلة للحصول على المعلومات. ومع ذلك، يمكن أن تصبح ممارسة أشمل تُسهم في تعزيز التواصل من خلال التحوّل من “حب الاستطلاع السطحي” إلى “حب الاستطلاع العميق”، الذي يشجع على استكشاف قصص الأفراد وقيمهم وتجاربهم ومشاعرهم؛ فتجاوز المحادثات السطحية والتركيز على التفاصيل يقوي علاقات العمل، ويعزز فهمك لنفسك بصفتك قائداً، ويساعدك في التعامل مع التحديات أو مشاعر القلق في بيئة العمل.

حب الاستطلاع أداة فعّالة للغاية تتيح للقادة إدارة فرق متنوعة في زمن يتسم بتعقيدات متزايدة وتطورات تكنولوجية هائلة ومشهد ثقافي دائم التغيّر، شريطة استخدامها بطريقة مدروسة. وثمة أربع عبارات رئيسية يمكن استخدامها للمساعدة في هذا المسعى وهي: “لا أعلم”، و”أطلعني على المزيد” و”أتفّهم أن حياتك لا تتلخص في وظيفتك” و”من يمكننا التماس آرائه أيضاً؟”

حب الاستطلاع ممارسة فعالة يمكن دمجها في ثقافة الشركة، وكشفت البحوث بالفعل أنه عندما يكون لدى المدراء القدرة على الاعتراف بأن معتقداتهم قد تكون خاطئة، سيصبحون أشخاصاً متعاونين وودودين في التعامل في نظر الآخرين. كما يقلل حب الاستطلاع من الاحتراق الوظيفي والإجهاد، ويعزز القدرة على الإبداع والابتكار. وعند بناء ثقافة حب الاستطلاع، سيشعر الموظفون بمكانتهم وأن آراءهم تلقى آذاناً مصغية وأنهم يحظون بالاهتمام والتقدير، كما تسهم هذه الثقافة المؤسسية الإيجابية إسهاماً كبيراً في تعزيز رفاهة الموظفين، وتوظيف أفضل المواهب، وتحسين معدلات الاستبقاء، وزيادة مستويات الإنتاجية والرضا في العمل.

ومع ذلك، يخطئ المدراء أحياناً في فهم جانب مهم من حب الاستطلاع مفترضين أنه وسيلة للحصول على المعلومات، أو حافز يغذي حبّهم للاستكشاف أو التعلم. وبالتالي، من الضروري أن نغيّر نظرتنا إلى هذه الممارسة، فهي أكثر من مجرد مسعى فكري؛ بل هي أداة فعالة للتواصل.

من الضروري التحوّل من “حب الاستطلاع السطحي” إلى “حب الاستطلاع العميق” الذي يتجاوز مجرد جمع نقاط البيانات أو الحقائق، ويركز على اكتشاف القصص والقيم والتجارب والمشاعر. فتجاوز المحادثات السطحية والتركيز على التفاصيل يقوي علاقات العمل، ويعزز فهمك لنفسك بصفتك قائداً، ويساعدك في التعامل مع التحديات أو مشاعر القلق في بيئة العمل.

حب الاستطلاع أداة فعّالة للغاية تتيح للقادة إدارة فرق متنوعة في زمن يتسم بتعقيدات متزايدة وتطورات تكنولوجية هائلة ومشهد ثقافي دائم التغيّر.

توصلتُ خلال عملي على كتاب حول موضوع حب الاستطلاع في مركز غريتر غود ساينس التابع لجامعة كاليفورينيا في بيركلي (UC Berkeley’s Greater Good Science Center)، وفي أثناء تدريسي مقررات تعليمية مبتكرة في جامعة تكساس في أوستن ( University of Texas)، إلى أربع عبارات رئيسية تتيح بناء ثقافة حب الاستطلاع في مكان العمل بطريقة مدروسة.

“لا أعلم”

يُعرّف الباحثون مفهوم التواضع الفكري بأنه “مدى قدرة الأفراد على الاعتراف بأن معتقداتهم قد تكون خاطئة”. ومن المبادئ الأساسية لحب الاستطلاع أيضاً الاعتراف بحدود الفهم الشخصي وتقبّل حكمة الآخرين وتجاربهم. في الواقع، يخشى العديد من القادة قول عبارة: “لا أعلم”، مخافة أن يعدّهم الآخرون أشخاصاً غير مؤهلين للتعامل مع للمهمة الموكلة إليهم. لكن حسب أحد البحوث حول التواضع الفكري، لا يُنظر إلى الأفراد الذين يمارسون هذا النوع من التواضع على أنهم أقل كفاءة، بل الواقع هو العكس تماماً، بمعنى أن الآخرين يعدّونهم أشخاصاً أكفاء ويتمتعون بالقدرة على التواصل وإبداء اللطف في التعامل. وهي صفات يُفضل أفراد الفريق أن يتمتع قائدهم بها، إذ إنها أساسية لبناء الثقة. ويُظهر ذلك الاعتراف أيضاً أنك لا تتبجح بامتلاكك جميع الإجابات وأنك مستعد لتقبّل أفكار الآخرين.

ومن المهم أن يتبع استخدام عبارة “لا أعلم” خطة عمل، إذ يجب على القادة غرس ثقافة التعلم والنمو، إضافة إلى توفير إحساس بالثقة تجاه المستقبل. فطرح السؤال التالي على الفريق: “كيف يمكننا تعلم المزيد عن هذا الموضوع؟” يساعد في تعزيز مهارة حب الاستطلاع التي تشجع على المشاركة والتعاون وحل المشكلات.

قد تقلل ممارسة التواضع الفكري أيضاً من مستويات القلق في مكان العمل، إذ كشفت نتائج مدهشة من دراسة نُشرت في مجلة “علم النفس الإيجابي” (Journal of Positive Psychology) أن للتواضع الفكري تأثيراً إيجابياً في خفض مستويات التوتر، وزيادة الإحساس بالسعادة والرضا العام في الحياة.

“أطلعني على المزيد”

سعى عالما النفس جون غوتمان وجولي شوارتز غوتمان على مدى عقود إلى استكشاف كيفية تعزيز العلاقات بين الأزواج. واكتشفا أن أحد المكونات الأساسية لاستدامة الزواج والحفاظ على علاقات صحية وسعيدة هو الاستجابة لمحاولات الشريك الرامية إلى جذب الانتباه، وهو درس يمكن تطبيقه في مكان العمل أيضاً.

بعبارة أخرى، عندما يقول الشريك: “أستمتع حقاً بقراءة هذا الكتاب”، أو “مررت بموقف رائع في أثناء رحلتي”، أو “كان يومي سيئاً في العمل”، فيمكنك تقديم استجابة مفصّلة أكثر من مجرد كلمة “رائع” أو “يؤسفني سماع ذلك”، كأن تستدير نحوه بفضول وتقول: “أخبرني المزيد عن هذا الكتاب. ما الذي يشدّك إلى قراءته؟”، أو “أخبرني عما حصل معك خلال رحلتك”، أو “أخبرني عما حدث معك اليوم”. وما لم تستجب على نحو هادف في تلك اللحظات، فقد تفوتك فرصة مهمة للتواصل.

في مكان العمل، يُجري أعضاء فريقك العديد من المحاولات للفت انتباهك، كأن يقولون عبارات مثل: “أقرأ الكثير من المقالات عن الذكاء الاصطناعي التوليدي، إنه موضوع ممتع حقاً”، أو “أعتقد أن الفترة الزمنية المحددة لإنجاز المشروع قصيرة”. وعندما تفوت دعوات التواصل هذه، فقد تفوتك فرص الحفاظ على العلاقات مع أولئك الذين تعمل معهم، أو تعزيزها. لذلك، بدلاً من الانتقال إلى الموضوع التالي في جدول الأعمال، اطلب مزيداً من المعلومات باستخدام عبارة “أطلعني على التفاصيل”.

تعزيز تواصلنا مع الآخرين هو فعل إنساني يثير الإحساس بالسعادة، وهو مفيد في الجانب المهني أيضاً، فتعزيز بيئة داعمة قد يقلل من شعور الموظفين بالاحتراق الوظيفي والتوتر؛ ومن جانب آخر، ترتبط العلاقات الإيجابية في مكان العمل بتحسين القدرة على الإبداع والابتكار.

“أتفّهم أن حياتك لا تتلخص في وظيفتك”

تعترض حياة الموظف الكثير من التحديات، كتشخيص أحد أفراد أسرته بمرض السرطان، أو ولادة طفل جديد، أو الطلاق، أو الانتقال إلى منزل جديد، أو التحضير لحدث جمع تبرعات تطوعي، أو مواجهة طفله في المدرسة مجموعة من الصعوبات. وقد يتأثر الموظف بما يحدث في العالم الخارجي أيضاً، كجريمة كراهية ضد شخص في مجتمعه أو الشعور بالتهديد بسبب الكوارث الطبيعية التي تتسبب بحالة من القلق أو الخوف.

لذلك، عندما تتجاهل ما يحدث في حياة الموظفين الشخصية، فقد تفوتك فرصة التعرف إلى التحديات التي يواجهونها، مثل “التضارب بين العمل والحياة الشخصية”. ويصف الباحثون هذه الظاهرة بأنها تضارب بين متطلبات العمل (مثل السفر أو العمل في أوقات غير منتظمة أو متأخرة، أو التعرض إلى الإجهاد المهني) والالتزامات الشخصية (مثل اصطحاب الطفل إلى درس السباحة، أو حضور حدث مهم للشريك، أو رعاية والدين طاعنين في السن). وأظهرت البحوث أن عدم حل التضارب بين العمل والحياة الشخصية يؤثر على إنتاجية الموظف وأدائه الوظيفي، ما يتسبب في زيادة معدل دوران الموظفين، ويؤثر سلباً في أمانهم النفسي.

الخطوة الأولى نحو الحد من هذا التضارب هي الاعتراف بحقيقة أننا جميعاً نتأثر بضغوط الحياة الشخصية والعلاقات الاجتماعية والأحداث التي تجري من حولنا، إذ لا شك في أن ما يحدث خارج العمل ينعكس على حياة الفرد المهنية.

قد يقلل وضع سياسات تنظيمية من مشاعر القلق المرتبطة بالتضارب بين العمل والحياة الشخصية بالفعل، مثل منح إجازات الأبوة والأمومة والإجازات المرضية، وتقديم دعم للصحة النفسية أو رعاية صحية شاملة؛ لكن اعتراف القائد بهذا التضارب يتيح له فرصة ممارسة حب الاستطلاع العميق. فالاعتراف بأن لدى الموظف حياة خارج مكان العمل يتيح لأعضاء الفريق مشاركة مزيد من التفاصيل حول تحدياتهم الشخصية (إذا اختاروا مشاركتها)، ما يمنحك فكرة أفضل حول كيفية دعمهم. وعندما تنجح في دعمهم بالفعل، ستقوى العلاقات بين أعضاء الفريق وتتحسن حياتهم الشخصية، ما يُسهم في نجاح المؤسسة في النهاية.

“من يمكننا التماس رأيه أيضاً؟”

لا تكتفي ثقافة العمل المعاصرة بمنح الإجابات أولوية على الأسئلة في حد ذاتها، بل تُبدي تحيزاً نحو الشخص الذي يمتلك الإجابات أيضاً. انطلاقاً من افتراضاتنا، كثيراً ما نحرم بعض الأفراد من الإسهام بآرائهم أو حلولهم بناء على الاعتقاد الخاطئ أن القيمة تأتي مثلاً من مطوّري البرمجيات أو فريق القيادة أو المهندسين فقط.

لكن أفضل القادة يعلمون أن الرؤى الثاقبة والحلول قد تأتي من مصادر غير متوقعة، ومن أشخاص لا يشاركون عادة في عمليات العصف الذهني أو صناعة القرار. عندما كنت أقدم ممارسات حب الاستطلاع لموظفي استوديوهات بيكسار (Pixar) للرسوم المتحركة، شارك أحد المصممين تجربة حصلت معه أثّرت في آرائه حول كيفية تطوير الأفلام. فقد دعاه يوماً مدير الإدارة مع مجموعة من أعضاء فريق بيكسار إلى غرفة لمراجعة مشهد من فيلم قادم. وعندما طلب مدير الإدارة آراء الحاضرين، رفع أحدهم يده وقال: “لكنني مجرد محاسب”. فردّ مدير الإدارة قائلاً: “حصلت على وظيفة في استديوهات بيكسار لأن لرأيك وأفكارك دوراً في تحسين هذا الفيلم”.

أدرك مدراء إدارة استديوهات بيكسار، بعد سنوات من إنشاء أفضل أفلام الرسوم المتحركة في العالم، أن الاستفادة من آراء مجموعة متنوعة من الأفراد ستمنحهم وجهات نظر أفضل. بمعنى آخر، استخدم قادة استوديوهات بيكسار حب الاستطلاع لاستكشاف وجهات نظر الأشخاص الذين قد لا يحملون لقب “كاتب” أو “مصمم رسوم متحركة” وللاستقاء من حكمة مجموعة متنوعة من الأفراد، متجنبين بذلك الانسياق وراء التفكير الجماعي المتجانس.

وبغض النظر عن حجم شركتك أو قطاعك، يمكنك تنمية هذا النوع من حب الاستطلاع في مؤسستك من خلال طرح السؤال التالي: “من الأشخاص الذين قد يمتلكون رؤى ثاقبة فريدة أو حلولاً لتقديمها لنا؟” “مَن يمكننا التماس رأيه أيضاً؟” يمكن لمؤسسة غير ربحية التواصل مع مجموعة متنوعة من الأفراد الذين يستفيدون من جهودها، مثل المجتمعات التي تعمل معها. أما بالنسبة للشركات الصغيرة، فيمكنها التماس وجهات نظر مورديها أو عملائها. ويمكن للأفراد داخل المؤسسة نفسها الاستفادة من التنوع في الآراء عبر التفاعل مع إدارات أخرى، مثل المحاسب في استديوهات بيكسار. بمعنى آخر، قد تأتي الرؤى الثاقبة والحلول الرائعة من مصادر غير متوقعة طالما أنك تواصل طرح السؤال “من يمكننا التماس رأيه أيضاً؟”.

باختصار، يساعدك استخدام هذه العبارات الأربع المقترحة في عملك اليومي في غرس ثقافة حب الاستطلاع العميق في فريقك ومؤسستك، لكن لا تنسَ أن التأثير لا يقتصر على هذا الحد، إذ تشير البحوث إلى أنه عندما نُدرك قيمة ممارسات حب الاستطلاع باستخدام تلك العبارات، سيتبنّى الآخرون هذه الممارسة أيضاً؛ فحب الاستطلاع معدٍ، وكلما مارسته أمام أعضاء فريقك، زاد احتمال أن يتبعوا قيادتك ويتبنّوا تلك الثقافة في أعمالهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .