تعتبر السياسات المتعلقة بحالات الوفاة ومنح إجازات لحالات الحزن ليست على قائمة الأولويات في العديد من الشركات. ربما لأن الكثيرين منا لا يشعرون بالراحة تجاه استيعاب الموت ومشاعر الحزن والفقد في مكان العمل.
كان عيد ميلادي في عام 2017 من أكثر أيام حياتي ألماً، فقد توفي والدي فجأة دون سابق إنذار. وبعد أكثر من 3 سنوات، ما زلت أتذكر كل تفاصيل مكالمة والدتي المذعورة وهي تخبرني أنها لا تستطيع العثور على والدي. أتذكر هرولتي إلى السيارة مع زوجي وطفلينا اللذين كانا يبلغان من العمر آنذاك عامين و4 أعوام، والطريق الطويل من نيويورك إلى ماساتشوستس، في الولايات المتحدة الأميركية، وأتذكر عندما علقنا في الزحام المروري، وابنتي التي تقيأت عليّ بشكل متكرر، ثم صعودي درج المرآب إلى المنزل في وقت متأخر للغاية وأنا أدعو أن أجد والدي على قيد الحياة في المنزل وينتظرنا. ولكن ذلك لم يحدث!
بدت الأيام التي تلت هذا اليوم وكأنها كابوس لم نستطع الاستيقاظ منه. في حين أن الوضع المالي لوالديّ كان جيداً لحسن الحظ، إلا أننا كان لدينا قائمة طويلة من الأشياء التي ينبغي لنا فعلها، مثل: تنظيم الأمور المتعلقة بالدفن واتخاذ قرار بشأن رفض تشريح الجثة أو قبوله وإلغاء خط الهاتف الخاص بوالدي وإلغاء استحقاقات الضمان الاجتماعي ونقل الفواتير لتصبح باسم والدتي وكتابة نعي. وكانت هناك أيضاً مهمة إخبار العائلة والأصدقاء، وهي ذكريات ستبقى معنا طوال حياتنا نظراً إلى أننا كنا نعيش صدمة وفاته مرة أخرى مع كل حديث يدور بيننا.
طلبت من زوجي أن يتصل بالمساعد التنفيذي لمديري لإعلام شركتي بأنني لن أحضر. أخذت إجازتي مدفوعة الأجر التي كنت أحتاج إليها وتلقيت الدعم من مدرائي وفريقي. لن أنسى أبداً الكم الهائل من الدعم الذي تلقيته من الأشخاص في محيط عملي. ولكن للأسف أعلم أن هذه التجربة هي تجربتي وحدي.
في حين أن العديد من المؤسسات تسارع إلى إعادة النظر في السياسات المتعلقة بإجازات رعاية الطفل والمزايا المتعلقة بالحفاظ على الصحة وتوسيع نطاق عالم العمل عن بُعد بعد هذه الجائحة، إلا أن السياسات المتعلقة بحالات الوفاة وإجازة الحداد لم تكن على الأرجح من الأولويات في العديد من قوائم المهام المدرجة على جداول الأعمال. ربما لأن الكثيرين منا لا يشعرون بالراحة تجاه استيعاب الموت ومشاعر الحزن والفقد في مكان العمل.
5 أشياء يمكن وضعها في الاعتبار فيما يخص منح إجازات لحالات الحزن بالنسبة للشركات
هل هذا هو الوقت المناسب لإعادة النظر في إجازات الحداد. كيف يمكن للمؤسسات مساعدة الموظفين المكلومين على نحو أفضل؟ فيما يلي 5 أشياء يمكن وضعها في الاعتبار:
زِد مدة الإجازة
وفقاً لبحث أجرته "الجمعية الأميركية لإدارة الموارد البشرية" (SHRM)، تمنح 88% من الشركات إجازة حداد مدفوعة الأجر. ولكن هذه الإجازات عادة ما تمتد من 3 إلى 5 أيام بحد أقصى. ولا توجد قوانين فيدرالية في الولايات المتحدة تُلزم أصحاب العمل بمنح العاملين إجازات مدفوعة أو غير مدفوعة الأجر بعد وفاة شخص عزيز. في الواقع، ولاية أوريغون هي الولاية الأميركية الوحيدة التي تُلزم الشركات بذلك بفضل التشريع الصادر عام 2014.
وبالنظر إلى جميع المهام المتصلة بالترتيب للجنازة أو السفر لحضورها وتنسيق الأمور المالية والحزن على فقدان شخص عزيز، فإن الأيام القليلة التي نبتعد فيها عن متطلبات وظائفنا لا تكفي للتعافي من الصدمة. ولذلك تحتاج المؤسسات إلى زيادة مدة الإجازة مدفوعة الأجر. وضعت شركة "فيسبوك" معايير محددة في عام 2017 عندما ضاعفت مدة إجازة الحداد لتصل إلى 20 يوماً مدفوع الأجر بعد وفاة أحد أفراد العائلة من الدرجة الأولى، وما يصل إلى 10 أيام في حالة وفاة أحد أفراد العائلة من الدرجة الثانية أو الثالثة. ولم يكن من قبيل المصادفة أن يتوفى زوج رئيسة العمليات شيرل ساندبيرج عام 2015 وأن تؤلف كتاباً بعنوان "الخيار ب" (Option B) تتحدث فيه عن تجربتها.
تذكر أيضاً أن الحداد أو الحزن يأتي على عدة مراحل. لذلك قد يرغب الأشخاص في أخذ إجازة على فترات متقطعة حسب حاجتهم، ربما 10 أيام الآن و10 أيام في وقت لاحق لحضور عزاء إضافي أو لإحياء ذكرى خاصة بالمتوفى.
وسِّع نطاق تعريف العائلة
تميز العديد من السياسات المتعلقة بإجازات الحداد بين أفراد العائلة المباشرة والممتدة. وأفضل السياسات هي التي تتسم بالمرونة وتشمل فقدان أي شخص عزيز بما في ذلك الزوج/الزوجة والأطفال والوالدين والأجداد والخالات/العمات والأخوال/الأعمام وأبناء العم والأصدقاء والجيران.
ينبغي أيضاً إدراج حالات الإجهاض. وقد اتخذت بعض أنواع الشركات هذه الخطوة مثل "أوبر" و"ريديت" (Reddit). وفقاً لمجلة "أمراض النساء والتوليد" (Journal of Obstetrics and Gynecology)، فإن 29% من النساء يعانين من اضطراب ما بعد الصدمة و24% يعانين من القلق و11% يعانين من اكتئاب متوسط إلى شديد بعد تعرضهن للإجهاض. ولذلك فإن إجازة الحداد هي فرصة للمؤسسة لدعم الموظفين في جميع أنواع الفقد.
لا تطلب رؤية دليل على الوفاة
لا تطلب رؤية شهادة الوفاة أو النعي أو تصريح الدفن. فهذا أمر غير مريح وغير ضروري ويفترض سوء نية الشخص الذي يطلب الإجازة. كما أن احتمالات كذب شخص ما حول وفاة أحد أفراد الأسرة لإساءة استخدام سياسة الشركة المتعلقة بإجازة الحداد ضئيلة للغاية. لذا من فضلك لا تستغل هذا الموقف لتسيء الظن في موظفيك وتثير صراعات معهم. صدّق الموظفين عندما يقولون إنهم في حالة حداد وامنحهم المساحة والوقت الذي يحتاجون إليه.
قدّم استشارات نفسية في حالات الحزن
تقدم بعض المؤسسات بالفعل نوعاً من دعم الصحة النفسية للموظفين، وهذا هو الوقت المناسب لتذكير الموظفين أن هذه الخدمة متوفرة. وقد صُممت برامج مساعدة الموظفين لمساعدتهم عندما يمرون بمشكلات قد تؤثر على أدائهم في العمل، وعلى صحتهم في نهاية المطاف، وتشمل معظم هذه البرامج بعض أشكال التقييمات والاستشارات. وتقدم بعض المؤسسات أيضاً إعانات مالية لمستشاري التعامل مع حالات الحزن الذين يختارهم الموظفون بأنفسهم. إذا كانت شركتك لا تقدم هذه المزايا، شجّع قسم الموارد البشرية على النظر في تقديمها.
احترم رغباتهم وادعمهم
عندما عدت إلى عملي بعد وفاة والدي، أردت أن أنشغل في المشاريع القائمة والمبادرات الجديدة. كنت بحاجة إلى الشعور بأنني مفيدة وأتأقلم مع شكل الحياة الجديد بعد وفاة والدي. ولكن يحتاج أشخاص آخرون إلى العمل بقدر أقل وبوتيرة أبطأ أو العمل على مهام مختلفة، حتى بعد عودتهم من الإجازة. لذلك من فضلك لا تتخذ قرارات بشأن مَن هم في حالة حزن وحداد. فإذا كانوا يريدون تولي مزيد من المهام، دعهم يفعلون ذلك. وإذا كانوا لا يرغبون في أخذ إجازة الحداد كاملة، فلا تصر على ذلك. وإذا كانوا يرغبون في التحدث عن فاجعتهم، استمع إليهم. وإذا كانوا لا يرغبون في ذلك، فاحترم رغبتهم. وإذا كانوا بحاجة إلى وقت للتعافي، ادعمهم في ذلك.
هذه هي اللحظات المهمة والمؤثرة في مكان العمل. بعد 6 أشهر من تفشي جائحة أودت بحياة أكثر من مليون شخص في جميع أنحاء العالم حتى الآن، يتعين على المؤسسات إعادة النظر في منح إجازات لحالات الحزن ودعم الموظفين المكلومين. فالكيفية التي ندعم بها موظفينا أثناء الفترات المؤلمة والصادمة في حياتهم، هي شيء لن ينسوه أبداً.