متى تُصبح الحماسة في العمل مُضرة وكيف تتفادى ذلك؟

4 دقيقة
الحماسة في العمل
فوتوديلوكس/غيتي إميدجيز

لطالما روّج الباحثون للحماسة للعمل باعتبارها أساس النجاح في أماكن العمل. لكن مجموعة من الدراسات العلمية توصلت إلى نتائج متباينة، فمن ناحية، توصلت الدراسات إلى أدلة على أن الموظفين المتحمسين يؤدون أداء أفضل من غيرهم، في المقابل وثّقت أبحاث أخرى آثاراً سلبية أو معدومة في الأداء. فما هي أسباب هذه النتائج المتباينة المتعلقة بالحماسة؟ وكيف يمكننا جني فوائد الحماسة دون الوقوع في سلبياتها؟ من خلال سلسلة من الدراسات التي شملت أكثر من 1,000 موظف في الولايات المتحدة والصين، أجاب الباحثون عن هذين السؤالين عبر إثبات ارتباط الحماسة بالثقة المفرطة في الأداء. ومع أن هذه الثقة المفرطة المدفوعة بالحماسة ليست ضارة بالضرورة، بل قد تكون مفيدة في سياقات معينة، تشير النتائج التي توصلوا إليها إلى أنه على المدراء اتخاذ بعض الخطوات للتخفيف من العواقب السلبية المحتملة للثقة المفرطة التي قد تترافق مع الحماسة.

ينظر الباحثون إلى الحماسة غالباً باعتبارها عنصراً أساسياً في نجاح المتفوقين، بدءاً من قادة الأعمال إلى الرياضيين وصولاً إلى الموظفين العاديين. خذ إيلون ماسك مثلاً، وهو مشهور بحماسة لا يمكن إنكارها. فقد دفعته حماسته إلى الإسهام في انتشار السيارات الكهربائية من خلال شركته تيسلا (Tesla)، وإعادة الحياة للنقل الفضائي من خلال شركته سبيس إكس (SpaceX).

ولكن يصفه الكثيرون أيضاً بـ "المتغطرس جداً"، إذ يبالغ في وعوده بشأن الجداول الزمنية للتقنيات الجديدة وميزات المنتجات (مثل السيارات الذاتية القيادة بالكامل)، وفي قدرته على قيادة تحول مؤسسي في قطاعات لا يمتلك فيها خبرة كبيرة (مثل منصة إكس أو تويتر سابقاً).

هذه الازدواجية ليست نادرة الحدوث، وذلك يشير إلى وجود صلة بين الحماسة والثقة المفرطة، وهي صلة قد تقوّض قدرة الحماسة على تعزيز الأداء. أظهرت الدراسات أنه يمكن أن يؤدي الشعور بالحماسة في بعض الحالات إلى الاحتراق الوظيفي والإحباط وسوء الأداء. ما هو السبب الجذري لهذه التأثيرات المتباينة للحماسة؟ وماذا يمكننا أن نفعل لجني فوائد الحماسة في العمل دون الوقوع في سلبياتها؟

الحماسة تؤثر في تصوراتنا عن أنفسنا

أجرينا سلسلة من الدراسات على أكثر من 1,000 موظف في الولايات المتحدة والصين لاستكشاف علاقة الحماسة بالثقة المفرطة. تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن الثقة المفرطة التي تترافق غالباً مع الحماسة تساعد في معرفة لماذا لا تؤدي الحماسة (دائماً) إلى تحسين الأداء.

1. الأشخاص المتحمسون يقيّمون أنفسهم أعلى من تقييم زملائهم لهم.

طلبنا في دراستنا الأولى من أكثر من 800 موظف في شركة هندسية في الصين تقييم حماستهم وأدائهم، وكذلك أداء زملائهم في الفريق في صباح كل يوم عمل ومسائه مدة 20 يوم عمل متواصلة.

وجدنا أنه عندما يبلغ الموظفون عن مستويات عالية من الحماسة في الصباح، يقيّم زملاؤهم أداءهم بمستويات عالية في المساء، ولكن كلما زادت حماسة الموظف، زاد تقييمه لأدائه وبمستويات أعلى من تقييم زملائه له؛ أي أن الحماسة مرتبطة بالأداء العالي، وذلك يتوافق مع الأبحاث السابقة.

كما كانت تصورات الموظفين لأدائهم مبالغاً فيها مقارنة بتحسّنهم الفعلي، وذلك يتوافق مع الأبحاث السابقة أيضاً. لذلك، ربما كان الموظفون المتحمسون في دراستنا أكثر ثقة مما تشير إليه بياناتنا، لأن تعبيراتهم عن الحماسة ربما دفعت زملاءهم في العمل إلى تقييمهم بدرجة أعلى مما يستحقه أداؤهم الفعلي.

2. الموظفون المتحمسون يقيّمون أنفسهم أعلى مما تشير إليه بيانات الأداء.

في دراستنا التالية، طلبنا من نحو 400 موظف أميركي بدوام كامل أن يتخيلوا أنهم إما شديدو الحماسة وإما شديدو الدقة في وظيفة افتراضية. أخبرناهم جميعاً بأن زملاءهم قد قيّموا أداءهم بـ "المتوسط"، ثم طلبنا منهم تقييم مدى جودة أدائهم في وظائفهم.

وجدنا أنه على الرغم من إخبار المشاركين جميعهم بأن أداءهم كان متوسطاً، توقع المشاركون الذين طلبنا منهم أن يعتبروا أنفسهم شديدي الحماسة أن أداءهم في المستقبل سيتحسن بدرجة أكبر من توقعات المشاركين الذين طلبنا منهم أن يعتبروا أنفسهم شديدي الدقة، كما توقع الموظفون الذين طلبنا منهم أن يكونوا شديدي الحماسة أنهم سيصبحون أكثر تفاعلاً في العمل، وسيعملون لفترة أطول وبجهد أكبر وأن أداءهم سيتحسن نتيجة لذلك على الرغم من معرفتهم بأن أداءهم كان متوسطاً.

كانت هذه الدراسة محدودة لاعتمادها على سياق افتراضي وليس على بيانات واقعية، لكن هذا التصميم التجريبي مكننا من ضمان مستوى من الاتساق بين المشاركين من الصعب تكراره في البيئات الواقعية، وقدّم لنا أفكاراً مفيدة حول مدى تأثير شعورنا بالحماسة على تصوراتنا لقدراتنا الخاصة.

3. عندما نشعر بالحماسة تجاه شخص آخر، فإننا نقيّمه بدرجة عالية أيضاً.

بحثنا في دراسة إضافية تأثير الحماسة على تصورات الناس لقدراتهم الخاصة ولقدرات الذين يشعرون بالحماسة تجاههم.

جمعنا أكثر من 200 مشجع من مشجعي فرق كرة القدم الأميركية الثمانية التي وصلت إلى التصفيات النهائية في الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية (NFL) لعام 2023، وعرضنا عليهم توقعات الخبراء لفرص فوز فريقهم المفضل وفرص فريق آخر في مباراة السوبر بول (المباراة النهائية) باستخدام موقع التحليل الإحصائي فايف ثيرتي إيت (FiveThirtyEight). بعد أن أتحنا لهم الفرصة لمراجعة التوقعات، طلبنا منهم تحديد مدى احتمالية فوز فريقهم المفضل مقابل فريق آخر اخترناه عشوائياً من الفرق التي وصلت إلى التصفيات النهائية.

ماذا كانت النتيجة؟ كان المشاركون واثقين بدرجة مفرطة بفوز فريقهم المفضل، إذ توقعوا أن يفوز فريقهم بنسبة فاقت توقعات النموذج الإحصائي. وبعبارة أخرى، ارتبط الشعور بالحماسة تجاه فريقهم بتصورات مبالغ فيها لنجاحه في المستقبل.

احذر من مزالق الحماسة

من الحكمة أن يتبنى المدراء الحماسة في الوظائف التي تستفيد من الثقة العالية الصحية. على سبيل المثال، يمكن أن تكون الثقة العالية مفيدة في الوظائف التي تتطلب الكثير من المثابرة، إذ يمكن أن تمنع الموظفين من الاستسلام عندما يواجهون العقبات. وتُظهر الأبحاث أن الموظفين الذين يُبدون مستويات عالية من الثقة ينظر إليهم الناس على أنهم يتمتعون بقدرات عالية، لذلك قد تكون الثقة الزائدة ميزة وليست عيباً في الوظائف التي يعتمد النجاح فيها على ظهور الشخص بمظهر صاحب القدرات العالية (مثل رواد الأعمال والمستشارين ومندوبي المبيعات).

لكن في الوظائف التي تكون فيها الثقة المفرطة خطرة؛ أي حيث تكون النظرة الدقيقة لقدرات الموظف بالغة الأهمية، مثل الجراحين أو الطيارين أو المتداولين الماليين، يجب أن ينتبه المدراء إلى العلاقة بين الحماسة والثقة المفرطة.

ولكي نكون واضحين، نحن لا نقول بأن على المدراء أن يثبطوا الحماسة، بل عليهم أن يأخذوا في الحسبان الثقة المفرطة المصاحبة للحماسة. على سبيل المثال، قد يستفيد المدراء من تعزيز ما نطلق عليه "هامش الحماسة" من خلال تشجيع الموظفين المتحمسين على إضافة وقت احتياطي إلى الجداول الزمنية الطموحة، أو التوقف وتقييم قدرتهم على العمل قبل الموافقة على مشروع جديد، أو التفكير على نحو استباقي في العقبات المحتملة التي قد تعميهم عنها حماستهم.

بالإضافة إلى ذلك، قد يكون الموظفون الأكثر حماسة أقل انفتاحاً على الملاحظات السلبية وأكثر مقاومة للملاحظات الموضوعية حول أدائهم، فقد تضخم نظرتهم الوردية تصوراتهم لأدائهم وتصعّب عليهم وضع توقعات واقعية. لذلك من المهم جداً بالنسبة إلى مدراء الموظفين المتحمسين مساعدتهم على وضع توقعات أكثر واقعية لأنفسهم، وتقديم الملاحظات بانتظام لمساعدتهم على تطوير وعي ذاتي أفضل.

في نهاية المطاف، للحماسة الكثير من الإيجابيات، ولكنها يمكن أن تترافق مع بعض السلبيات. لا يقترح بحثنا على المؤسسات ألا توظف أشخاصاً متحمسين، ولا يشير إلى أن إدارتهم صعبة بطبيعتها، بل يُظهر أن إدارة المتحمسين تتطلب اليقظة وإجراءات استباقية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .