ما سر الجاذبية المستمرة لفيلم الرسالة؟

2 دقائق
فيلم الرسالة
(مصدر الصورة: هارفارد بزنس ريفيو، تصميم: محمد محمود)

إن كنت ممن يحبون تكرار مشاهدة فيلمهم المفضل دون كلل أو ملل، فمن دون شك ستتفهّم من يعيد مشاهدة تُحفة المخرج السوري مصطفى العقاد "فيلم الرسالة"، إذ يعيد الكثير من المسلمين مشاهدته مع كل مناسبة دينية يُعرض فيها، مثل الأعياد وبداية العام الهجري، وأحد التفسيرات التي يقدمها لنا علم النفس هو أن إعادة مشاهدة الأفلام الجيدة هي جزء من الطقوس التي تصاحب مناسبات معينة؛ فالفيلم الذي أُنتج في عام 1976 لا يزال يجتذب نسبة مشاهدة عالية، وثمة مَن يشاهده كما لو كانت المرة الأولى، وهو ليس بالأمر الغريب إن عرفنا أن الفيلم حاصل على تقييم 92% على موقع روتن توميتوس (Rotten Tomatoes) و8.1/10 على موقع إي إم دي بي (IMDB) المُتخصصين في تقييم الأفلام، وهما تقييمان مرتفعان جداً، فهل يوجد في ميدان الأعمال الربحية ما يفسّر هذه الجاذبية المستدامة على مر عشرات السنين؟

في عام 1991، توصّل الباحث جاي بارني (Jay Barney) إلى مجموعة من خصائص الموارد التي تضمن للشركة استمرارية ميزتها التنافسية، وأوردها في مقاله "موارد الشركة واستدامة الميزة التنافسية" (Firm resources and sustained competitive advantage)، لعلّها توفر لنا إطاراً يساعد في الإجابة عن سؤال "ما سر استدامة تميّز فيلم الرسالة؟". فيما يلي نسرد بعض هذه الخصائص مع أمثلة تبرز توفّرها في فيلم الرسالة وغيره من بعض المنتجات التاريخية:

  •  موارد نادرة وقيّمة وغير قابلة للتقليد التام: يتطلب هذا توليفة خاصة من الموارد المادية والبشرية والتنظيمية، فإن كانت هذه الموارد غير نادرة ومتاحة لعدد كبير من الشركات، أدى ذلك إلى الحدّ من استمرارية الميزة التنافسية بسبب قدرة المنافسين على إنشاء ميزة مماثلة، وتكون موارد الشركة قيّمة عندما تجسد الاستراتيجية بفعالية، ولا يوجد لها بديل. نجح العقاد في جمع توليفة مميزة بالفعل من الموارد الملموسة وغير الملموسة، إذ استطاع توفير تمويل قارب الـ 10 ملايين دولار، وهو مبلغ ضخم آنذاك، كما نجح في جمع مجموعة من ألمع الممثلين، العرب والأجانب، على غرار عبد الله غيث وأنتوني كوين ومُنى واصف وإيرين باباس، أضف إلى ذلك كاتب السيناريوهات الشهير هاري كرايغ والموسيقار الفرنسي موريس جار الذي تولى تأليف الموسيقى التصويرية للفيلم ورُشحت لجائزة الأوسكار لأفضل موسيقى تصويرية، كما أن الفيلم أُنتج بنسختين عربية وإنجليزية على التوازي في ثلاثة بلدان.
  • الظروف التاريخية: يُقصد بها الظروف الخاصة التي مرت بها الشركة في الماضي، إذ إن استغلال بعض المصادر المرتبطة بفترة زمنية معينة يجعل هذه الميزة غير قابلة للتقليد بسهولة، لأن المنافسين الذين لم يستغلّوا هذا الظرف الزماني والمكاني الذي أنشأ هذه الفرصة، لن يستطيعوا الحصول عليه بسهولة مجدداً. نجح العقاد في تقديم سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عبر جماليات العرض المرئي في فترة كانت السِيَر المدونة في الكتب هي السائدة، كما نجح في بناء صورة ذهنية فريدة لدى المشاهدين من خلال وصف دقيق للطابع الاجتماعي والحضاري والثقافي للحقبة التي دارت فيها أحداث الفيلم، باستخدام العناصر السينوغرافية مثل الديكور والأزياء والموسيقى واللغة، ما لامس الجانب العاطفي للمشاهد العربي وجعله يعايش الفيلم وجدانياً، وهي عناصر أساسية في بناء التموقع الذهني المستدام للعلامات التجارية.

يمكن تشبيه سر تفوق فيلم الرسالة بنجاح استديوهات مارفل العالمية، التي طالما قدمت أفلاماً مميزة تحقق مشاهدات عالية، في هذا الصدد قدّم رئيس مارفل ستوديوز، كيفن فيج، تفسيراً قد يبدو بسيطاً في مجلة فارايتي (Variety) قائلاً: "لطالما آمنت بتوسيع نطاق ما يمكن لمارفل ستوديوز تحقيقه. ويتمثّل هدفنا في الحفاظ على جماهيرنا من خلال القيام بما هو غير متوقع، دون اتباع أي نمط أو قالب أو صيغة"، وهو ما نجح العقاد في تقديمه في سبعينيات القرن الماضي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي