آن الأوان لتبنّي عقلية المحفظة المهنية بديلاً عن السلم الوظيفي

7 دقائق
المحفظة المهنية
shutterstock.com/tanzimGraphics

ملخص: ضاق الموظفون ذرعاً بنظام التقدم المهني الحالي وباتوا يرغبون بنظام أفضل (وأحدث ببساطة أحياناً). يريدون من أصحاب الشركات أن يروا شخصياتهم الحقيقية ويقدروهم ويستمعوا إليهم، وأن يوفروا لهم العدالة والكرامة والأمان والتوازن والمرونة والاستقلالية، ويطالبون بإتاحة فرص النمو والتعلّم والمشاركة الهادفة والشعور بالرضا في عملهم. قد تبدو هذه المطالب كثيرة، ولكنها ستبدو متواضعة لمن يحرص على مساعدة الموظفين ليطلقوا العنان لكامل إمكاناتهم ويسهموا في تحسين العالم. لكن الخوض في هذا المجال يثير قلق المؤسسات ومسؤولي الموارد البشرية، وعلى الرغم من أن الشركات تسعى للفوز في المنافسة الشرسة لاستقطاب المواهب، فقد تغير المشهد بالكامل؛ لم يعد تسلق السلم الوظيفي الذي بناه الآخرون يثير اهتمام كثير من الموظفين أو يحفّزهم. لذا، ليس لدينا سوى حل واحد يتماشى مع الأولويات الفردية والمؤسسية والأهداف الاستراتيجية وأهداف تحقيق الذات، إلى جانب انعدام اليقين المتزايد في حاضرنا ومستقبلنا؛ آن الأوان لتغيير طريقة تفكيرنا في شكل المسار المهني، فهو لم يعد سلماً نصعده درجة تلو الأخرى، بل بات أشبه بملف نجمعه ونرتبه. إليك طريقة البدء بتبني عقلية المحفظة المهنية والحثّ عليه في مؤسستك.

 

أمضينا فترة استثنائية على مدى عامين ونصف العام تعلّمنا فيها درساً مهماً جداً عن تقلب مكان العمل، إذ كان القادة والمؤسسات يفاجَؤون بتغييرات مزعزعة تؤدي إلى إرباكهم وتشوشهم. وبغضّ النظر عن أي حالة ركود وشيكة أو تغييرات تطرأ على توازن القوى بين الشركات والموظفين، فالتغييرات غير المتوقعة هذه سوف تدوم. كيف تستطيع الشركات مساعدة أصحاب المواهب على تحقيق النجاح المهني والشخصي بغضّ النظر عما يحمله المستقبل؟

ضاق الموظفون ذرعاً بنظام التقدم المهني الحالي وباتوا يرغبون بنظام أفضل (وأحدث ببساطة أحياناً). يريدون من أرباب العمل أن يروا شخصياتهم الحقيقية ويقدروهم ويستمعوا إليهم، وأن يوفروا لهم العدالة والكرامة والأمان والتوازن والمرونة والاستقلالية، ويطالبون بإتاحة فرص النمو والتعلّم والمشاركة الهادفة والشعور بالرضا في عملهم. قد تبدو هذه المطالب كثيرة، ولكنها ستبدو متواضعة لمن يحرص على مساعدة الموظفين ليطلقوا العنان لكامل إمكاناتهم ويسهموا في تحسين العالم.

لكن الخوض في هذا المجال يثير قلق المؤسسات ومسؤولي الموارد البشرية، وعلى الرغم من أن الشركات تسعى إلى الفوز في المنافسة الشرسة لاستقطاب المواهب، فقد تغير المشهد بالكامل؛ لم يعد تسلق السلم الوظيفي الذي بناه الآخرون يثير اهتمام كثير من الموظفين أو يحفّزهم. تتوفر لنا اليوم طرائق لجني المال أو بناء مسارات مهنية هادفة أكثر من أي وقت مضى، ولم يعد السؤال المطروح: "ما عملك؟"، بل أصبح: "من تتمنى أن تكون؟" فالقدرة على اجتذاب أصحاب المواهب وفرص التطوير المهني والهوية المهنية تتعرض كلها لتقلبات كبيرة.

لذا، ليس لدينا سوى حل واحد يتماشى مع الأولويات الفردية والمؤسسية والأهداف الاستراتيجية وأهداف تحقيق الذات، إلى جانب انعدام اليقين المتزايد في حاضرنا ومستقبلنا؛ آن الأوان لتغيير طريقة تفكيرنا في شكل المسار المهني، فهو لم يعد سلماً نصعده درجة تلو الأخرى، بل بات أشبه بملف نجمعه ونرتبه.

من السلم المهني إلى المحفظة المهنية

في الأعوام الأخيرة اكتشف كثير من الموظفين أن أفضل المسارات المهنية ليست متسلسلة دائماً، وقد أطلقت المؤلفتان، هيلين تابر وسارة إليس، على هذه المسارات اسم "المسارات المهنية المتعرجة المشحونة بانعدام اليقين والفرص". توفر المسارات المهنية المتعرجة فوائد جمة، ولكن تعرجها قد يسبب الفوضى أحياناً.

هذا ما يُشعر قادة الموارد البشرية بالتوتر غالباً؛ حتى وإن كانت مؤسسة الموارد البشرية تدعم بشدة تحديث نماذج إدارة المواهب، فكيف ستتمكن من جذب أصحاب المواهب أو تصميم السياسات المناسبة لهم إذا كانت مساراتهم المهنية متعرجة؟ وفي الوقت نفسه يخشى قادة الموارد البشرية من أن يؤدي تقديم نماذج جديدة للمسارات المهنية إلى تحفيز الموظفين على إعادة النظر في وظائفهم بدرجة أكبر مما يجب والمغادرة.

يساعد نهج المحفظة المهنية على حل هذه المشكلات ويرتقي بجهود التطوير المهني إلى المستوى التالي، فهو أداة تساعد الأفراد على إعادة النظر في هويتهم المهنية وإطلاق العنان لكامل إمكاناتهم. كما أنه يعدّ مورداً إضافياً في جعبة الموارد البشرية، إذ يساعد على جذب المواهب وإدماجهم على نحو هادف وتفوق الشركة ككل، وإذا أحسنت الشركة استخدامه فسيساعد على بقاء أصحاب المواهب فيها (الحلول غير البديهية هي غالباً جزء من العالم المتقلب)، يمكنك أن تعتبر الأمر إعداداً للموارد البشرية كي تحقق النجاح في المستقبل.

إليك طريقة البدء بتبني عقلية المحفظة المهنية والحثّ عليه في مؤسستك.

ادرس الأمر جيداً

تخيل موظفة تبرع في وظيفتها في التسويق، ولكن شعورها بالرضا عنها يتناقص شيئاً فشيئاً، كما أنها موهوبة في تحديد أصحاب المواهب وإرشادهم في أقسام التمويل والابتكار والموارد البشرية، وتحظى بمحبة جميع الموظفين اليافعين. لماذا؟ لأنها في فترة سابقة من حياتها المهنية عملت في أدوار وشركات لا علاقة لها على الإطلاق بدورها الحالي، وتعلمت منها الكثير على الرغم من أنها رأت فيما بعد أن هذه المسارات المهنية لا تناسبها. والآن تخيل أنها تطورت لتصبح محوراً أساسياً لعملية التوظيف ورئيسة لقسم الشراكات التجارية، وتمضي أغلب وقتها في العمل المفضل لديها؛ بناء العلاقات وإطلاق العنان لإمكانات الموظفين.

أو تخيل موظفاً نجماً يقسّم مساره المهني بطريقة مدروسة إلى فترات من 5 أعوام، فهو حريص على أن يحظى بفرص جديدة ويتعلّم أكبر قدر ممكن ويسهم أكثر بطرائق مختلفة، ويفترض أنه سيضطر إلى الانتقال إلى شركة أخرى أو إنشاء شركته الخاصة كي يتمكن من تحقيق هذه الأهداف. لكن ماذا لو بقي في الشركة نفسها 20 عاماً لأنها رأت أن نهجه يتمتع بقيمة كبيرة وأنه كان مبدعاً في تنقلاته الداخلية؟

أو تخيل عملية التوظيف لملء دور حيوي في عملية توسع عالمية، ويوضح ملف السيرة الذاتية لأحد المرشحين أن خبرته في العمل الدولي ليست كبيرة، ولكنه يسافر كل عام إلى ما وراء البحار للتطوع في مبادرات تعليم الأطفال (وتعلّم لغة أجنبية ليتمكن من أداء هذا العمل)، يخشى هذا المرشح من أن الشركة ستعين ابن عائلة ثرية درس في كلية مرموقة في دولة أخرى ويسافر إلى باريس في الإجازات العائلية، هل ستفعل شركتك ذلك فعلاً؟

تنظر الشركات في هذه الأمثلة كلها من منظور المحفظة المهنية نفسه؛ فهي تميز المهارات والخبرات التي يملكها الموظف وتثمنها عالياً وتستفيد منها، ولا تكتفي بالبنود التي يعددها ملف سيرته الذاتية. ولكن قبل أن تبدأ الدعوة إلى تبنّي المحفظة المهنية، يجب أن نوضح هذا المنظور ونبيّن حقيقة المحفظة المهنية بدقة.

كان خبير السلوك التنظيمي، تشارلز هاندي، أول من صاغ مفهوم المحفظة المهنية في أوائل تسعينيات القرن الماضي، إذ كان يركز على ضرورة تطوير "مجموعات المهارات المتنقلة" من أجل النجاح في مكان العمل السريع التغير، ومنذئذ ترافقت المحافظ المهنية بصورة أساسية مع العمل المستقل (فريلانس) والعمل في عدة أدوار في آن معاً. لكن ما هذا إلا أحد أنواع المحافظ المهنية وليس النوع الوحيد، وهو ليس ما يجب على قادة الموارد البشرية البحث عنه.

فالمحفظة المهنية اليوم هي الصندوق الذي يجمع مغامرات الإنسان المهنية، وهي أكثر من ملف سيرة ذاتية عادي. فهي بالتأكيد تشمل الوظائف والأدوار والمهارات المهنية وكل ما يرد في ملف السيرة الذاتية، ولكنها تشمل أيضاً الخبرات والمهارات التي لا تذكر في ملف السيرة الذاتية ولكنها تشكّل الأساس الذي تقوم عليه كل الميزات الأخرى.

مثلاً، تربية الأبناء والفجوات المهنية ليست من المعلومات التي تذكر في ملف السيرة الذاتية، بل يتفادى الجميع ذكرها ويعدونها وصمة في عالم التوظيف والموارد البشرية، ولكنها في الحقيقة جوهر المحفظة المهنية إذ إنها تعزز دافعية الإنسان في عمله وتكمّل شخصيته. تعدّ مهارات تربية الأبناء من المهارات الخارقة في العمل الجماعي وحل النزاعات والتواصل الإنساني، وهي جميعها ركيزة ثقافة مكان العمل الناجحة، والفجوات المهنية هي التي تتيح نمو الإنسان، ولذلك تتعامل المحفظة المهنية مع هذه الأمور على أنها إنجازات رائعة لا وصمة يجب إخفاؤها.

أعلم من واقع خبرتي أن مؤسسات كثيرة تهتم بهذه المبادئ والفرص، حتى إنها تشكّل مجموعات تقارب أو تضع معايير لمراجعة الأداء تراعي مفهوم المحفظة المهنية، ولكنها تفتقر إلى المصطلحات المناسبة لتجسيد رؤيتها في إطار عمل واستراتيجية محكمَين. تعمل عبارة "المحفظة المهنية" على سد هذه الفجوة اللغوية وتزيد سهولة تنفيذ الرؤى الجديدة، و"رواية المحفظة المهنية" هي طريقة لمساعدة أصحاب العمل الحاليين والمستقبليين على رؤية هذه المهارات والعلاقات الفريدة بينها. أطلقت منصة لينكد إن مؤخراً عنوان "استراحة مهنية" للملفات الشخصية، وهو دفعة باتجاه اعتماد المحفظة المهنية، وتتوفر أدوات جديدة تساعد الموظفين على فهم ما تحتويه محافظهم المهنية.

ومن المهم فهم أن المحفظة المهنية تختلف عن اقتصاد العمل الحر؛ فاقتصاد العمل الحر يتيح العمل المرن الذي يمكن تفعيله أو تعطيله بنقرة على تطبيق ذكي، في حين أن المحفظة المهنية تتيح قدراً كافياً من المرونة (وقد يشكل العمل الحر جزءاً منها)، ولكنها تركز على جمع عدد من المهارات والخدمات وإعداد المسار المهني للنجاح في المستقبل، كما أنها تتعلق بإنشاء مسار مهني وجمع عناصره على نحو مدروس لضمان القدرة على تغييره وتطويره مع مرور الوقت.

يضمن نهج المحفظة المهنية للمؤسسات حشد كامل إمكانات أصحاب المواهب، إذ يساعد المؤسسة على "رؤية" حقيقة الموظف بوصفه إنساناً، وهذا ما يطالب به أصحاب المواهب، علماً أن عجز المؤسسات عن ذلك هو سبب مغادرة عدد كبير من الموظفين. كما أن الشركات التي تساعد موظفيها على تطوير محافظهم المهنية -بدلاً من إجبارهم على تسلق سلم وظيفي محدد- تتمكن من تمييز المهارات الخفية وإطلاق العنان لها، وخلق مسارات جديدة للتنقل الوظيفي الداخلي، وتحفيز الإبداع وتوسيع الفرص القيادية. يتيح لك هذا النهج الاستثمار في النمو الشخصي والمهني على حد سواء، فأنت لا تنظر إلى صاحب الموهبة على أنه موظف يؤدي دوراً محدداً بل إنسان قادر على فعل أكثر من هذا الدور بكثير.

شارك المسؤولية وصمم الدور بما يتلاءم معها

عموماً، يحمل كل موظف مسؤولية محفظته المهنية ويمتلكها ولن يخسرها بأي حال من الأحوال، على خلاف الوظيفة. ولكن يمكن للشركات وأصحاب العمل التأثير بدرجة كبيرة في شكل هذه المحفظة بناء على طريقتهم في تصميم هيكلية العمل وتنفيذه.

وفي حين أن أصحاب العمل ليسوا مسؤولين عن النجاح المهني الذي يحققه أي موظف، فهم مسؤولون عن توفير العوامل المؤسسية المساعدة على النجاح مثل الثقافة والشروط التي تتيح لأصحاب المواهب تحقيق النجاح. إذا كنت ترغب في اجتذاب أصحاب المواهب الجديدة والاحتفاظ بهم مع مرور الوقت فمن الضروري أن تصمم الوصف الوظيفي والمخططات التنظيمية وخيارات التقدم والنمو وحتى مؤشرات الأداء الرئيسة للموظفين الذين لا يسعون إلى تسلق السلم الوظيفي بل لإنشاء محافظهم المهنية الفريدة.

مثلاً، هل تقدم البنية التنظيمية المساعدة والفرص التي تتيح للموظفين مشاركة مهاراتهم واهتماماتهم وأهدافهم فيما يتعدى مسؤوليات وظائفهم الرسمية؟ هل تتوفر سبل واضحة وسهلة ليحدد أصحاب المواهب المهارات الجديدة التي يودون تعلمها ويطوروها ثم مواصلة العمل بما يتوافق مع هذه الأهداف؟ يمكنك في أحد الفرق مثلاً اكتشاف مهارات أكثر بكثير مما كنت تتوقع الحصول عليه، ولربما أدهشك بعضها، وهذا النوع من تبادل المهارات والمعارف يحفز الابتكار في الفريق، إلى جانب أنه يسلط الضوء على التنوع غير الملحوظ غالباً ويعزز روح الفريق.

يتساوى نظام "تسلق السلم الوظيفي" اليوم مع مقولة "هذه طريقتنا المعتمدة منذ البداية"، أي أنه بات بالياً وبحاجة ماسّة إلى التجديد؛ فالدرب الذي أوصلنا إلى هنا ينتهي هنا، وأصبحنا بحاجة إلى نماذج وروايات لا تمنع التغيير بل تقبله وتلائم عالمنا المتقلب.

سيؤدي الانتقال إلى نموذج المحفظة المهنية إلى إتاحة فرصة لتحديث رواياتنا المهنية الفردية، كما أنها أداة عملية قوية بنفس الدرجة بالنسبة للمؤسسات، إذ تتيح لها إعادة النظر في ثقافاتها وتوقعاتها وتصميماتها. وحين تتمكن المؤسسة من رؤية شخصية الموظف الموهوب الكاملة وتفهم حقيقة مستقبل العمل فستتمكن من الارتقاء ببيئة العمل التي تعمل ضمنها بأكملها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي