3 استراتيجيات رقمية للشركات المتخلفة عن ركب التحول الرقمي

5 دقائق
استراتيجية التحول الرقمي للشركات

ربما تعتقد أن التقنيات الرقمية باتت جزءاً أساسياً من استراتيجية التحول الرقمي للشركات تقريباً، إلا أنّ بحثنا الأخير، والمستند إلى نتائج استطلاع أجرته شركة ماكنزي لشركات تعمل ضمن قطاعات ومناطق جغرافية مختلفة حول العالم، يشير إلى أنّ عدد الشركات التي تتبنى النواحي الرقمية بشكل كامل لا يزال محدوداً مع وجود 15% من الشركات التي تدمج النواحي الرقمية بشكل كامل في أكثر من نصف عملياتها، ووجود حوالي 20% من الشركات بالكاد توظف النواحي الرقمية في عملياتها. أما بقية الشركات في المنتصف، فتحقق ما بين 10% إلى 15% من إيراداتها عبر الرقمنة.

يعني التوظيف المنخفض للرقمنة، والذي توصلنا إليه مستخدمين مجموعة مقاييس متنوعة، أنها لا تزال في طور النمو (وفقاً لآخر دراسة استقصائية أجرتها ماكنزي آند كومباني وماكنزي غلول إنستتيوت على 1,600 شركة حول العالم منتصف عام 2018، تمّت 26% فقط من المبيعات حول العالم عبر قنوات رقمية، و31% فقط من إجمالي العمليات مؤتمتة رقمياً، وتم رقمنة 25% من التفاعلات فقط ضمن سلاسل التوريد). فما الذي يخبئه المستقبل للشركات التي لم تتبنّ بشكل كامل الرقمنة ولم تتحرك بعد لتبنيها؟ أهي عرضة للخطر أم لا يزال بإمكانها إيجاد طريقة للحاق بالبقية؟

قمنا، في بحثٍ سابق نُشر في هارفارد بزنس ريفيو، بتوثيق كيف أثرت الرقمنة على نمو الشركات التقليدية بشكل كبير مع قيام الشركات الجديدة الرقمية بالكامل بسلبها حصصها السوقية وزيادة حدة المنافسة عليها. كما ناقشنا أهمية تبني تلك الشركات لاستراتيجية تقوم فيها بإعادة اكتشاف نفسها رقمياً وتستثمر في النواحي الرقمية بشكل أسرع وأفضل مقارنة بالمنافسين. كما تحدثنا كيف أنّ على تلك الشركات إعادة التوازن إلى سلة منتجاتها عبر تقديمها منتجات وخدمات رقمية جديدة للاستفادة من مصادر النمو الجديدة.

اقرأ أيضاً: مجلس الإدارة اللازم للتحول الرقمي

وفي بحثنا الأخير، قدّرنا أن في إمكان الشركات تحقيق زيادة في نمو إيراداتها تقارب 0.9% سنوياً بشكل وسطي في حال اتباعها استراتيجية تحويل رقمية، وإضافة 1.8% إلى نمو أرباحها قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك وإطفاء الدين ​​مقارنة بأقرانها.

الآليات اللازمة لتنفيذ استراتيجية التحول الرقمي للشركات

ومن أجل دراسة الآليات الواجب على الشركات القيام بها بغرض الانتقال إلى العصر الرقمي، قمنا بتصنيف استراتيجياتها إلى ست فئات تقدم كل واحدة منها عوائد أرباح مختلفة وزخم مختلف. وتفسر الآليات المختلفة التي تتبعها الشركات فيما يتعلق بالفئات هذه 73% تقريباً من التباين في أرباحها بغض النظر عن طبيعة الشركة وبلدها وقطاع أعمالها. وتعتبر عملية إعادة اكتشاف الشركة لنفسها رقمياً إحدى أقوى تلك الاستراتيجيات، إن لم تكن أقواها، كما وضّحت دراساتنا السابقة. لكن شركات أخرى دخلت المجال الرقمي لاحقاً حاولت أن تطبق استراتيجيات إضافية والتي برهنت عن قدرتها على تحقيق عوائد جذابة أيضاً. وعلينا هنا أن نحذّر قائلين أنه يمكن لهذه الآليات القدوم بنتائج عكسية إذا نُفذت بشكل سيئ أو بمعزل عن بعضها البعض. وفي الواقع، كانت إحدى أبرز النتائج التي توصلنا إليها وجوب إنجاز بعض تلك الآليات معاً لضمان فعاليتها. والآليات الست هي:

  • الوقت اللازم للتسويق:

فيما إذا كانت الشركة قد تبنت الرقمنة في مرحلة مبكرة أو متوسطة أو متأخرة.

  • السرعة والرشاقة:

مدى كفاءة الشركة في تعديل قراراتها الأساسية استجابة للاضطرابات الرقمية.

  • الكفاءة والفعالية الرقمية:

الدرجة التي يمكن فيها توظيف الرقمنة لتحقيق فائدة إضافية للخدمات الجديدة وزيادة الإنتاجية.

  • عمليات الاندماج والاستحواذ:

مدى رغبة الشركة في الاندماج مع مورديها الرقميين أو الاستحواذ عليهم.

  • تنويع المنتجات والأسواق:

مدى قدرة الشركات على تطوير عروض رقمية تتجاوز أسواقها ومنتجاتها الأساسية.

  • الموقف تجاه منظومات المنافسين:

في عصر المنافسة الرقمية الجديدة، والمنصات الرقمية على وجه الخصوص، هل تتبنى الشركة موقفاً مقاوماً عدائياً أم تتطلع إلى التعاون مع المنافسين؟

لا يُقدم المدراء الإداريون في المرتبة الوسطى أو الدنيا والمسؤولين عن الرقمنة على التحرك بشكل مبكر عادة، بل يتخذون خيارات استراتيجية أخرى. فعلى سبيل المثال، ذكرت لنا 25% من الشركات التي استطلعنا رأيها قيامها بعمليات اندماج واستحواذ رقمية على مدار السنوات الثلاث الماضية. وهناك شركات تقوم ببناء مؤسسات متفاوتة في رشاقتها، في حين تختبر أخرى، 45% تقريباً، منظومات رقمية جديدة، إما ببناء منصاتها الخاصة أو عبر التعاون مع منصات راسخة.

وبينما أساس فكرة التحويل الرقمي للشركة زيادة سرعة اتخاذ القرارات وتنويع سلة المنتجات، نجد أموراً فرعية إضافية تتفرع من ذلك لتزيد من أهمية الرقمنة، منها على سبيل المثال: تركيز التحول الرقمي للشركة على تنويع سوقها الأساسي فضلاً عن توظيف الاندماج والاستحواذ الرقمي لصالحها، حيث تضيف تلك الشركات نقطة مئوية كاملة في إيراداتها وأرباحها مقارنة بتلك التي تقوم بالتحول الرقمي بشكل "لا إبداع فيه".

اقرأ أيضاً: كيف نجحت إحدى الرئيسات التنفيذيات في قيادة عملية التحول الرقمي؟

ومن جهة أخرى، تدفع الشركات التي لم تدخل عالم الرقمنة بالكامل (أو دخلته بشكل محدود جداً)، ونسبتها 20%، أثماناً باهظة؛ إذ تُشير أحدث البيانات المتوفرة لدينا إلى أنّ إيرادات الشركات التي أهملت الابتكار الرقمي أو فشلت في تبنيه أو حتى رفضته، كانت سلبية إلى حد كبير وخاصة فيما يتعلق بنمو أرباحها، حيث يمكن أن تنكمش أرباحها بنسبة 8% سنوياً، الأمر الذي يشكل انحداراً كبيراً. ويعود سبب ذلك في المقام الأول إلى عدم توظيف تلك الشركات للفئات الست المذكورة أعلاه بشكل مناسب لدى محاولتها إدخال الجانب الرقمي لأعمالها، فضلاً عن أن الشركات التي دخلت السوق متأخراً غير رشيقة بما يكفي، إذ تستغرق القرارات الرئيسة لتبني الرقمنة فترة أطول بمقدار الضعفين إلى ثلاثة أضعاف مقارنة بالمنافسين الرقميين، فضلاً عن أنها تركز بالكامل على نفسها مع اهتمام محدود باللاعبين المحليين الآخرين ومقاومتهم حتى. كما أنها تكون دفاعية عندما تتبنى استراتيجية الاندماج والاستحواذ لكونها توظف الاندماج مع الشركات القائمة الأخرى للدفاع عن حدودها. وغالباً ما تكون الاستراتيجية سيئة التصميم، حيث تكون مكاسب الإنتاجية من الاندماج في الغالب أقل من تلك التي كان يمكن الحصول عليها عبر الرقمنة والأتمتة.

تبني عملية الرقمنة

إذاً، ماذا عن الشركات الواقعة في الوسط، وما الذي عليها فعله؟ نرى أنّ هناك ثلاث فئات شديدة الأهمية من بين الفئات الست التي ذكرناها، لكن يجب توظيفها كلها معاً ليتم الاستفادة منها بأفضل شكل ممكن. وهذه الفئات هي: الرشاقة، وتبني عمليات الاندماج والاستحواذ الرقمية، والتعاون مع المتبنين الأصيلين للأنظمة الرقمية بدل محاربتهم أو مقاومتهم.

وتعد الرشاقة العامل الأهم من بين تلك الفئات خلال عملية تبني الرقمنة وذلك لضمان تحقيق إيرادات إيجابية وزيادة الأرباح، حتى لو كان النمو أدنى من الإمكانات الناتجة عن التجديد الرقمي الشامل. كما تبدو الرشاقة أسهل تحقيقاً مقارنة بالسرعة، إذ كان أكثر من ضعف عدد الشركات التي شملتها دراستنا الاستقصائية (35% من الإجمالي) أكثر رشاقة مقارنة بتلك التي تتحرك بسرعة.

ثانياً، يمكن أن تكون عمليات الاندماج والاستحواذ الرقمية طريقة تساعد الشركة على العودة إلى السباق، إذ يمكن أن يؤدي الاندماج مع الشركات الرقمية أو الاستحواذ عليها إلى تمكين هذه الشركات من اللحاق بالركب بشكل سريع وإضافة كفاءات رقمية تفتقدها. ولا تزال نصف الشركات ترى أن عليها القيام بالاندماج والاستحواذ مع شركات تناظرية، الأمر الذي يمكن أن يبطئ ببساطة جهود التحول. لكن فيما يتعلق بأولئك الذين يتطلعون إلى توظيف تلك العمليات لصالح الرقمنة، قال 45% منهم إنهم يفعلون ذلك من أجل الحجم، و55% لاكتساب قدرات رقمية مفقودة وهو ما يعتبر مهماً جداً للنمو المربح.

وأخيراً، هناك سؤال حول كيفية الاستجابة لظهور الشركات الرقمية الأصيلة وإن كانت الإجابة تتمثل في مقاومتها أو التعاون معها. وتُظهر نتائج الاستطلاعات التي أجريناها أنّ 55% من الشركات لم تضع بعد خطة للتفاعل مع الشركات الرقمية على الرغم من تداخل أعمال تلك الشركات مع أعمالها، في حين تتطلع 40% من الشركات التي لديها خطة للمقاومة، واختارت 60% المتبقية التعاون. ولا تزال المقاومة محفوفة بالمخاطر، مع ادعاء 10% فقط من الشركات أنها تمكنت من عكس خسائرها واستعادة نموها. ويعد التعاون طريقة واعدة أكثر لإعادة بناء النمو، حيث يضيف نقطة مئوية من النمو في الأرباح. أما الجانب السلبي فهو أنه إذا اُستخدمت المنصة بلا استراتيجية واضحة، سيكون الأداء بنفس ضعف من لا استراتيجية له.

اقرأ أيضاً: خمس طرق لمساعدة الموظفين على مواكبة التحولات الرقمية

وبالمحصلة، وبالنسبة للشركات التي تأخرت في الانتقال إلى العالم الرقمي، نجد أنه يمكن لها إعادة بناء مسار نمو مربح من خلال مزج المواقف الثلاثة المتمثلة في الرشاقة، وعمليات الاندماج والاستحواذ الرقمية، والتعاون مع المنصات الرقمية، حيث يسمح الأمران الأخيران للشركات "باقتراض" حيّز في العالم الرقمي، في حين يتيح لهم الخيار الأول اختبار خيارات متعددة بسرعة. ويقود فقط الجمع بين تلك الأمور الثلاثة إلى نمو إيجابي حتى لو كان، في المجموع، غير قادر على أن يعوض بشكل كامل عن عدم اكتشاف الشركة لنفسها رقمياً. وكان عدد الشركات التي تتبنى الأساليب الثلاثة في بحثنا كبيراً بنفس قدر الشركات التي تبنّت تحولاً رقمياً كاملاً، وكان ثلثا تلك الشركات ناجحاً.

أما بالنسبة للشركات التي لم تتبنّ التحول الرقمي بعد (والتي نسبتها 20%)، لقد حان الوقت لتبني استراتيجية التحول الرقمي للشركات قبل أن يتحول الانحدار إلى نهاية.

اقرأ أيضاً: ماذا تحتاج المؤسسات العربية لتجاوز التردد في التحول الرقمي؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي