خلال مسيرتي المهنية، لم أسرح سوى شخصين من العمل كان كلاهما يعملان في مزرعة عائلتي. (أعدت توظيف أحدهما بعد عدة أعوام). أثناء عملي في مناصب مختلفة كرئيس تنفيذي للعمليات والخدمات اللوجستية في الأرجنتين، وكمستشار إداري في أوروبا، وكقائد في شركة "إيجون زيندر" (Egon Zehnder) العالمية المتخصصة في البحث عن المسؤولين التنفيذيين، لم يحدث أن سرحت أحداً من العمل. أسعى كمستشار للبحث عن المسؤولين التنفيذيين إلى تقديم الشيء ذاته للعملاء: لم يُسرح سوى بضعة مرشحين ممن عينتهم ولم يحدث ذلك ضمن المدى القريب.
كيف حققت معدلاً خالياً من حالات التسريح؟ بالتحقق جيداً من رسائل التوصية. لا شك أنه يجب تقييم الموظفين المحتملين بعدة طرق أخرى أيضاً. ولكن التحقق من رسائل التوصية يعد من أهم خطوات ضمان عدم تعيين موظف تضطر إلى تسريحه بعد فترة قصيرة.
قد تكون هذه العملية صعبة. يجدر بالمبتدئين اتباع القوانين في بلدانهم وولاياتهم، ويتضمن ذلك موافقة المرشحين على التحقق من أعمالهم السابقة وحقهم في الاطلاع على رسائل التوصية المكتوبة. كما عليك إيجاد طريقة للتغلب على إحجام الجهات المرجعية (لأسباب قانونية وغيرها) عن إخبار الحقيقة كاملة، وهو توجه تناوله كتاب صغير بصورة ذكية يحمل عنوان "معجم رسائل التوصية الغامضة عمداً" (The Lexicon of Intentionally Ambiguous Recommendations)، والذي يتضمن أمثلة كهذه "ستكون محظوظاً إن استطعت توظيف هذا الشخص"، و"يسعدني قول أنه كان زميلي السابق" والعبارة الأكثر دهاء "أؤكد لك أنه لا يوجد أي شخص افضل منه لهذه الوظيفة".
إذاً، كيف تتأكد من تواصلك مع الأشخاص المناسبين لتقديم تقييماتهم الصادقة؟
أولاً، اتفق مع المرشح على قائمة شاملة وقيمة لجهات مرجعية يمكن الاتصال بها، تتضمن مدراء سابقين وأقران ومرؤوسين في عدة أماكن عمل سابقة. قلّص قائمتك عن طريق التفكير بالمهارات التي ترغب بقياسها: المدراء السابقون بارعون في تقييم التوجه الاستراتيجي ودافع الإنجاز، بينما قد يساعد الأقران في قياس التأثير، وغالباً ما يجيد المرؤوسون الحكم بشكل أفضل على المهارات القيادية.
ثانياً، قدم المحفزات المناسبة للجهة المرجعية. ابدأ المحادثة بتسليط الضوء على أهمية الحصول على رسالة توصية موثوقة، إذ إن المرشح لن يستفيد من الحصول على وظيفة لن ينجح فيها. وبيّن لتلك الجهة أنك تدرك أنه لا وجود لمرشح مثالي. كل شخص لديه نقاط ضعفه ونقاط قوته، ومن المفيد بالنسبة لك الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات لتكون قادراً على توفير برامج الدمج والدعم المناسبة في حال توظيف ذلك الشخص. وأكد على أن تعليق الجهة المرجعية سيبقى سرياً تماماً. ومن الأفضل أن تجري المحادثة شخصياً أو عبر الهاتف لا عن طريق الرسائل الإلكترونية، إذ يسهل طلب الحقيقة كاملة عندما تشعر بالتردد أو التعاطف في صوت المتحدث أو عندما تراهما في وجهه.
ثالثاً، ساعد الجهة المرجعية على تجنب التحيزات المتكررة. تجنب طرح الأسئلة العامة مثل "ماذا يمكن أن تخبرني عن سارة؟"، إذ يرجح أن تركز الإجابة على أفضل صفاتها الشخصية أو أبرزها (بدلاً من الصفات المتعلقة بالوظيفة)، والذي بدوره يفسد كل ما يليه لرغبة المتحدث في أن يبدو كلامه متناسقاً. حاول بدلاً من ذلك وبعد التحقق من علاقة هذا الشخص بالمرشح أن تكون واضحاً حول المنصب الذي تبحث له عن مرشح والتحديات المرتبطة به. واسأله ما إن سبقت له مشاهدة المرشح يؤدي عمله تحت ظروف مماثلة. وحينها فقط يمكنك أن تسأله عن مسؤوليات المرشح السابقة وعن أدائه أو أدائها والعواقب التي نتجت عنه.
رابعاً، تأكد أن تسأل الجهة المرجعية عن كفاءات المرشح المبنية على ذكائه الاجتماعي والعاطفي مع التركيز على صفات الوعي الذاتي والتنظيم الذاتي والحافز وروح التعاطف والمهارات الاجتماعية. نميل إلى توظيف الناس بناءً على "المهارات الفنية الصعبة" (الذكاء والخبرة) ونسرحهم لفشلهم في إتقان إحدى "المهارات الشخصية". وتعد رسائل التوصية من أفضل الطرق لتقييم تلك المهارات الشخصية.
خامساً، تحقق من ملاءمة المرشح القيمية والثقافية. حتى وإن كان المرشح يمتلك جميع الكفاءات اللازمة، ستكون هذه العوامل أساساً في قابلية تنقله، بمعنى قدرته أو قدرتها على النجاح في مؤسسة جديدة. إلى جانب المحك الحقيقي المتمثل في نزاهة المرشح، عليك تحديد ما إن كانت رؤيته حول بعض الأمور، مثل الالتزام بالمواعيد واتباعه لاستراتيجية النمو في مقابل استراتيجية التصيد في مجال المبيعات والموازنة بين التعاون والتنافس، تتفق مع نظرتك الخاصة ونظرة زملائه المستقبليين وأعضاء فريقه.
وأخيراً، بالإضافة إلى التحقق من قدرة المرشح على تقديم أداء جيد والاندماج مع الفريق، تحدث مع الجهة المرجعية عن قدرته أو قدرتها على مواصلة التعلم والتكيف والنمو في عالم تتغير فيه الوظائف باستمرار وتزداد تعقيداً. واطلب أيضاً أمثلة لمواقف ظهرت فيها بعض الدلائل على إمكانات المرشح: الفضول والأفكار الثاقبة والاندماج في العمل والعزيمة.
إن الوصول إلى معدل خال من حالات التسريح ليس بالأمر السهل. ولكنه شيء علينا أن نطمح إليه جميعاً. التحقق الجيد من رسائل التوصية هو الخطوة الأولى لتحقيقه.