تبرع الفرق العظيمة في خوض خلاف مثمر باعتباره وسيلة لتحسين الأفكار وتحفيز الابتكار وتخفيف المخاطر. وللأسف، قد يكون فريقك أحد الفرق الكثيرة التي تستغني عن فوائد الخلاف الإيجابي لأنه لا يرغب في التعامل مع المشاعر التي غالباً ما تثيرها النقاشات المحتدمة في فريق العمل أو لا يستطيع التعامل معها.
وكثيراً ما أرى الفرق تنسحب من نقاشات هامة خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى إثارة جيشان عاطفي. إذا كان هذا يحدث في فريقك، فقد حان الوقت لمعالجته.
كيف تدير النقاشات المحتدمة مع فريق العمل؟
أولاً، تأمل جميع الأسباب المختلفة التي تجعل من المنطقي تجنب الخلافات الانفعالية. فمن ناحية، قد يكون الأشخاص الذين شعروا في الماضي بالضيق نتيجة الخلاف قد صُنفوا بأنهم غير ناضجين أو غير محترفين. ونظراً إلى الضربة التي تلقتها مصداقيتهم، فمن الطبيعي أن يحاولوا الآن تجنب النقاشات التي يحتمل أن تكون متفجرة والتي قد تؤجج مشاعرهم مجدداً. ومن ناحية أخرى، هناك أولئك الأشخاص الذين أكسبهم نهجهم المباشر في التعامل مع الخلاف سمعة بأنهم صارمون أو قساة. ومن المنطقي تماماً بالنسبة لهؤلاء الأشخاص أن يتجنبوا النقاشات الجدلية خوفاً من قول شيء صريح جداً. وقد يكون لديك كمدير قصص خاصة بك عن خلافات انفعالية غير سارة أو غير مثمرة تدفعك إلى إبعاد فريقك عن النقاشات الجدلية أو الحادة. للأسف، عندما لا تشعر أنت أو أعضاء فريقك بالارتياح ولا تبرعون في التعامل مع الانفعالات، فمن المرجح أن يتجنب فريقك المشكلات لينتهي به الأمر وهو يعاني من خلافات عالقة خطيرة - مقموعة بجميع المسائل التي لم تُناقش ولم يتم التوصل إلى حل لها والتي تحول دون إحراز التقدم.
اقرأ أيضاً: الأسوأ من المحادثات الصعبة هو تجنبها
إذا أُعيق فريقك نتيجة تجنب الخلافات وكنتم بحاجة جميعاً إلى الإحساس بمزيد من الراحة أثناء التعامل مع مشاعركم، ثمة عدد من الخطوات التي يمكنكم اتباعها. سيتطلب منك التغيير تبني عقلية جديدة وبناء مجموعة مهارات جديدة واعتماد ممارسات مختلفة. وستقلل هذه الأساليب من احتمال أن يؤدي الخوف من الانفعالية إلى سلب التقدم الذي أحرزته.
وأول ما يجب القيام به هو تطوير عقلية جديدة في ما يخص المشاعر. فالمشاعر لا تشكل عبئاً على البشر، كما أنها تشكل جزءاً لا يتجزأ من النظام الذي يساعدنا على الاستفادة من الفرص وحماية أنفسنا من التهديدات. على سبيل المثال، عندما ترتكب خطأً، فإن رد الفعل العاطفي يجعل من هذه التجربة أكثر بروزاً ويساعدك على تذكّر ألا تقوم بها مرة أخرى. وعندما تقول أو تفعل أشياء تهدد اندماجك في مجموعتك، فإنك تختبر رد فعل عاطفي مشابه لما تشعر به عندما تختبر ألماً جسدياً. يُذكرك هذا الإحساس السيئ بأهمية الحفاظ على العلاقات الإيجابية. تُعدّ المشاعر استجابة حيوية بدائية لتجاربنا نحن البشر في محيطنا كما أنها ليست شيئاً نستطيع "تركه في المنزل" (كما اقترح علي أحد المسؤولين التنفيذيين مؤخراً). وليست المشاعر شيئاً يجب تجنبه، بل شيئاً يجب الانتباه إليه والتعلم منه.
اقرأ أيضاً: كيف تتفاوض مع فريق المشتريات؟
وبمجرد أن تفهم أن المشاعر تضطلع بدور حيوي في صنع القرار، تتمثل وظيفتك كمدير في فهم مصدر المشاعر حتى تستطيع التعلم منها. ومن المهم أن تتذكر أن المشاعر عرضية مثلها مثل الألم ولكنها ليست تشخيصية. وإذا شهدت فورة انفعالية (سواء تمثلت في البكاء أو الصراخ أو الضرب على الطاولة)، فمن المحتمل أن الشخص يعاني بعض الإساءة. وقد يعود ذلك إلى أن النقاش يمثّل تحدياً لأحد المعتقدات الراسخة أو يقدم معلومات جديدة ومضللة أو يدفع الشخص إلى التشكيك بقدراته أو شخصيته أو مفاهيمه الذاتية. وفي أي من هذه الحالات، يوحي دماغ الشخص له بأن عالمه يتزعزع وتنطلق إشارات التحذير. ويجب أن تُحدد موضع الضرر بحيث تتمكن من مساعدته على تخفيف الألم.
عندما يتصرف أحد أعضاء الفريق بشكل انفعالي، قُل ببساطة: "الأمر مهم. ما الذي يجب أن أدركه؟". وتُعدّ الصياغة هنا مهمة ذلك أنك لا تريد أن تجعل الشخص يشعر بالحرج أو بأنه موصوم كما لو قلت: "أنت تبكي. لماذا تبكي؟"، وقولك: "الأمر مهم" ينجح أيضاً لأنه لا يفترض معرفتك لما يفكر فيه الشخص أو ما يشعر به كما لو قلت:" أنت مستاء، أخبرني ما المشكلة؟". وفي المقابل، يتيح لك هذا مساحة لتدرك ما يجري بالفعل.
بالإضافة إلى ذلك، كثيراً ما أُسأل عما إذا كان من الأفضل الاستمرار في المحادثة التي أصبحت انفعالية أو تأجيلها والعودة إلى الموضوع الذي أجج المشاعر لاحقاً. وأنا أشجعك على الاستمرار في النقاش في الوقت الراهن حيثما أمكن. أولاً، لأن هذا يعزّز فكرة مفادها أن المشاعر ليست ضارة وأنها جزء طبيعي من الحياة. وثانياً، لأن العودة إلى محادثة انفعالية أوقفتها مؤقتاً قد يكون محرجاً جداً. استعن ببصيرتك. إذا كان الشخص يبكي أو يصرخ إلى درجة أنه لا يستطيع أن يلتقط أنفاسه، يمكنك أن تقول: "الأمر مهم. أريد أن أفهم ما يجري. خُذ بضع دقائق لتستجمع أفكارك وسنجتمع مجدداً بعد ظهر اليوم".
بالعودة إلى المحادثة. وأثناء إصغائك لرد الشخص، فكر في ما تسمعه. اطرح أسئلة تساعده في ترتيب أفكاره. يمكنك أن تجرب القول: "كيف تتصور أن هذا الأمر سينتهي" أو "ما هو الأمر الذي لا نوليه اهتماماً كافياً؟" أعِد صياغة ما تسمعه حتى تحصل على إشارة واضحة من الشخص بأنك قد تبينتَ أساس المشكلة. وبعدئذ، ركز أسئلتك على الإجراءات كأن تقول: "كيف سيبدو المسار المناسب للمضي قدماً برأيك" أو "ما الذي يجب تضمينه في خطتنا لتبديد ذلك القلق؟". وبينما تبدأ في الانتقال نحو الخطة، ستلاحظ أن المشاعر تتبدد.
اقرأ أيضاً: كيف تتفاوض مع شخص أقوى منك؟
لكن ماذا لو لم تكن في وضع يتيح لك تضمين ما اقترحه الشخص في خطتك؟ ماذا لو لم يكن المقترح جيداً أو منطقياً فحسب؟ إذا كان الأمر كذلك، كُن واضحاً. على سبيل المثال، إذا أثار الشخص مسألة مهمة لكنه طلب حلاً غير قابل للتطبيق فقد تقول: "يسرني أنك أثرت تلك المسألة. ونحن لسنا في وضع يخولنا القيام بذلك، لكنني أشعر بأننا مستعدون الآن للمجازفة عن معرفة". في معظم الحالات، عندما يشعر الشخص بأنه قد سُمع وفُهم بغض النظر عما إذا سارت الأمور كما يشتهي، فستهدأ مخاوفه. وإذا لم يهدأ، فقدم ملاحظات حول كيفية تأثير ردود فعل الشخص الانفعالية على أدائه وديناميكية الفريق وتصوراتك. تمثل المشاعر هدفاً منصفاً للتعليقات عندما تُشكل عائقاً أمام العمل.
وعندما تتاح لك الفرصة، تناول الدور الذي تلعبه العواطف كجزء من مناقشة أوسع حول معايير الفريق. وشارك وجهة نظرك حول المشاعر وأُطلب من الآخرين إضافة وجهات نظرهم. وفكر في وضع قواعد أساسية خاصة بك تتعلق بالتعامل مع المشاعر في الفريق أو تضمين بيان سلوكي حول مواجهة المشاعر من ضمن قيمة مؤسساتية قائمة من قبيل الاحترام المتبادل أو العمل الجماعي.
ففي نهاية المطاف، ستمثل طريقة تعاملك مع المشاعر الإشارة الأكثر تأثيراً عن الطريقة التي ينبغي على فريقك اتباعها. لا تعاقب أي شخص جراء تعبيره عن مشاعره. ويشمل ذلك ألّا تنتقده وألا تستجيب للمشاعر بمشاعر فيّاضة وألا تتجنبه. وفي الوقت ذاته، لا تعاقب الأشخاص على إثارتهم مشاعر الآخرين. كثيراً ما أرى الناس يطرحون سؤالاً صعباً واستقصائياً ومن ثم يتعرضون للتوبيخ لأن سؤالهم قد أثار حفيظة أحد زملائهم. إذ إن خلق ارتياب بشأن الأسئلة المسموح بها والأسئلة المحظورة أو ما يمكن التحري عنه ضمن فريقك سيخنق جودة النقاش وعملية صنع القرار. وإذا كان السؤال صريحاً بشكل خاص، يمكنك أن تعيد صياغته. خلافاً لذلك، هيئ مجالاً أثناء النقاش لتدع السؤال يُفهم ومن ثم وجه الفريق من خلال نقاش منطقي.
يتمثل دورك كمدير في قيادة وتوجيه فريقك أثناء النقاشات المحتدمة في فريق العمل. وإذا شعرت بالتخوف أثناء تطرقك لموضوع شائك، فطمئن الفريق بأن المسألة جديرة بأن يتم تناولها للتوصل إلى تسوية. حدد مساراً مفاده أن النقاش قد يصبح انفعالياً ولا بأس بذلك، إذ ستواصلون العمل عليه حتى تتوصلوا إلى أفضل حل. واطرح الأسئلة التي ستفتح باب النقاش بروية. وبعدئذ، عندما تسوء الأمور، وجههم إلى المسار الأفضل. تتجنب الكثير من الفِرق الخلافات خوفاً من "تهويل" الأمور. علّم فريقك كيفية توجيه المشاعر لتحسين عملية صنع القرار الخاصة بك وتعزيز الثقة والروابط وجعل الجميع يشعرون بأنهم موجودون ومفهومون.
اقرأ أيضاً: كيف تفاوض بلطف دون أن تكون لقمة سائغة