إذا تذكّرنا ما حدث في الماضي، حيث مجازفة تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية، بدعوتها لإجراء الانتخابات المبكرة على خلفية تقدم حزب المحافظين بـ 24 نقطة على حزب العمال في استطلاعات الرأي، ذلك أنها كانت تأمل في زيادة سلطتها في البرلمان، من أغلبية ضئيلة مؤلفة من 330 مقعداً، متجاوزةً الأغلبية بأربعة مقاعد فقط، إلى حدود 380 مقعداً. ولكن بدلاً من تحقيق أملها، فقد حزبها 12 مقعداً، وبمرارة سيعمل الحزب الآن على تشكيل حكومة أقلية في وقت يشهد اضطرابات سياسية كبيرة بسبب اتفاق بريكست (خروج "بريطانيا" من الاتحاد الأوروبي). هل العبرة من ذلك هي عدم المخاطرة؟ لا، بل تكمن العبرة في أن عليك التفكير في المخاطر من المنظور الآخر المرتكز على العميل لتتجنب تعريض نفسك لمخاطر لم تخطر ببالك قط.
عندما يتعلق الأمر بالمخاطرة مع العملاء، سواء كانوا مستخدمي المواقع الإلكترونية أو المساهمين أو جمهور الأفلام السينمائية أو حتى الناخبين، عليك التفكير في السؤال الذي سيطرحه هؤلاء العملاء على أنفسهم كنتيجة للتغيير الذي ستقترحه. فربما لا يكون هذا السؤال هو نفسه السؤال الذي تتمنى طرحه.
وكتوضيح بسيط، سنطرح مثالاً عن إعادة تصميم موقع إلكتروني. فكما هي الحال دائماً عندما يعمل الموقع على تقديم "تجربة مُحسّنة"، يضطر المستخدم لتعلم كيفية استخدام الموقع الجديد، وتلك تجربة مزعجة. قبل عامين من الآن، عند متابعتي للأخبار الرياضية، كنت أستخدم الموقع الإلكتروني "CBSSports.com"، وهو موقع إلكتروني أميركي متخصص في أمور الرياضة والمصنف في المرتبة الثالثة في هذا المجال. ثم ظهر الموقع بهيئته الجديدة بعد التجديد. أنا متأكد من أن المصممين عندما كانوا يعملون على تصميم الموقع الجديد، كانوا يسألون المستخدمين عما إذا كانوا معجبين بالموقع بميزاته الجديدة، أم أن الإصدار القديم أفضل من وجهات نظرهم. وأنا متأكد أيضاً من أنهم كانوا يحصلون على الكثير من الردود الإيجابية. فقد كان السؤال الذي أرادوا من المستخدمين الإجابة عنه هو: "هل هذا الإصدار أفضل من الإصدار السابق؟" ولكن عندما ظهر الموقع الجديد، طرحتُ على نفسي سؤالاً مختلفاً وأجبتُ عنه أيضاً، وهو: "هل يجب أن أتعلم كيفية استخدام الموقع الجديد "CBSSports.com"، أم عليَّ أن أنتهز الفرصة لتعلم كيفية استخدام الموقع الرائد في السوق (ESPN.com) عوضاً عن ذلك؟ وبالفعل اخترتُ الموقع الآخر.
نعود إلى تيريزا ماي، فقد اعتقدت أنها كانت تطرح السؤال التالي على الناخبين: "هل أنتم معجبون بحزب المحافظين أكثر من حزب جيريمي كوربين (حزب العمال)؟"، وأن الإجابة عن هذا السؤال ستكون بعبارات واضحة، نعم، فلا يزال المحافظون يحتفظون بأغلبية المقاعد في البرلمان. لكن الكثير من الناخبين قرروا أن يسألوا أنفسهم سؤالاً مختلفاً: "هل أثق في هذا السياسي؟" بالنسبة إلى هذا السؤال، لم يكن لدى ماي الأفضلية الساحقة، بل إن مكانة ماي أصبحت على المحك بعد هذا السؤال.
عندما اختار الناخبون الإجابة عن سؤال آخر خاص بهم، بدلاً من الإجابة عن سؤال تيريزا ماي، لم تعكس نتيجة الانتخابات تقدُّم المحافظين في استطلاعات الرأي، لأن السؤال المطروح كان مختلفاً. فلو أرادت تيريزا ماي الحصول على بعض البيانات عما قد يكون السؤال الفعليّ للناخبين، لكان عليها النظر إلى التجارب المشابهة عبر دول الكومنولث حتى كندا، فقد حدثت حالات مماثلة بل وأكثر بروزاً في كندا عام 1990 لرئيس وزراء مقاطعة أونتاريو الأسبق ديفيد بيترسون، وفي عام 2015 لرئيس وزراء مقاطعة ألبرتا الأسبق جيم برنتيس، عندما دعا كل منهما إلى إجراء انتخابات مبكرة لتعزيز وترسيخ أغلبيتهما.
تتكرر هذه الأحداث أيضاً في مجال الأعمال. ففي 19 يناير/كانون الثاني عام 2000، اعترفت شركة "بروكتر آند غامبل" (P&G) بصحة الإشاعات التي كانت تتردد طوال الشهرين السابقين بأنها كانت طرفاً في مباحثات للاندماج. لكن المباحثات كانت أوسع مما أشيع عنها. حيث كانت شركة "بروكتر آند غامبل" تفكر في عملية اندماج ثلاثية الأطراف تجمع بينها وبين عمالقة الدواء "وارنر لامبرت" (Warner-Lambert) و"أميركان هوم برودكتس" (American Home Products) لإنشاء مؤسسة ضخمة متخصصة في صناعة الأدوية إلى جانب إنتاج السلع الاستهلاكية المعبّأة. لم تعجب تلك الأخبار المساهمين في شركة "بروكتر آند غامبل"، ما أدى لانخفاض سعر السهم بنسبة 19%، وبحلول 24 يناير/كانون الثاني ألغت شركة "بروكتر آند غامبل" الصفقة كلياً. ومع ذلك، فإن هذا لم يمنع سعر سهم "بروكتر آند غامبل" من مواصلة انخفاضه الحاد، ولم تكفل تلك الإجراءات الحماية للرئيس التنفيذي للشركة الذي عمل على إتمام تلك الصفقة، فقد أُقيل بعد أقل من 6 أشهر من الإعلان عن محادثات الاندماج الثلاثية.
لقد ظنت شركة "بروكتر آند غامبل" أن السؤال الذي طُرح على المساهمين هو: "هل تفضّل هذا التضافر الاستراتيجي بين نقاط قوة "بروكتر آند غامبل" في مجال السلع الاستهلاكية المعبّأة مع نقاط القوة في مجال الصناعة الدوائية لشريكَي الاندماج؟" في حين كان السؤال الفعلي الذي طرحه المساهمون في شركة "بروكتر آند غامبل"، كرد فعل على إجراءات الشركة، هو: "هل سنثق في قيادة الشركة بعد أن قررت دون سابق إنذار، التوقف عن أنها الشركة المتخصصة في مجال السلع الاستهلاكية المعبّأة، بعد قرن ونصف القرن من العمل في هذا المجال؟" لقد أجاب كل مساهم عن هذا السؤال وبشكل قاطع: "لا، أنا لا أثق فيكم". لا تكمن المشكلة في عدم تفضيل المساهمين لصناعة الدواء. فحتى وبعد استبعاد هذه الفكرة تماماً، لم يغير المساهمون إجابتهم. ولم يتحسن سعر سهم شركة "بروكتر آند غامبل" إلا بعد يونيو/حزيران عام 2000، عندما رحل الرئيس التنفيذي للشركة، دورك جاغر، ذلك الرجل الذي سُحبت منه الثقة، وطُرد خارج الشركة.
كما يمكن أن تتكرر هذه التجربة فردياً على الصعيد المهني أيضاً، إذا شاركتَ في مشروع خاطئ. كانت فاي دوناواي، نجمة هوليود الصاعدة قد رُشِّحت لنيل جائزة الأوسكار عن دورها في الفيلم الناجح "بوني آند كلايد" (Bonnie and Clyde) في عام 1967، وقد حققت بعد هذا الفيلم نجاحات أخرى كبيرة، كما فازت بجائزة الأوسكار في عام 1977، فقررت وهي في قمة هذا النجاح، اختيار نوع جديد من الأدوار، وهو تجسيد شخصية جوان كراوفورد، عام 1981 في فيلم "أمي العزيزة" (Mommie Dearest)، وهو دور الأم المتبلدة والقاسية التي دمرت ابنتها كريستينا نفسياً. وبينما يُصنف هذا الفيلم غالباً من كلاسيكيات السينما، فإن فاي دوناواي تعتبره حداً فاصلاً في حياتها المهنية. وهي نادراً ما تتحدث حوله، لكنها سبق أن قالت عنه: "لقد حوّل دوري في هذا الفيلم مسيرتي المهنية نحو اتجاه لا رجعة فيه، ذلك أنه ترك لدى الناس انطباعاً خاطئاً عن شخصيتي".
قبل أن تقبل فاي دوناواي بهذا الدور، ربما اعتقدت أن جمهور الفيلم سيطرحون السؤال التالي: "هل أعتقد أن فيلم "أمي العزيزة" كان فيلماً رائعاً؟" و"هل أدّت فاي دوناواي عملاً ممتازاً في تجسيد دور جوان كراوفورد؟" ولكن عوضاً عن ذلك كان سؤال جمهور الفيلم هو: "هل يمكنني أن أمحو صورة فاي دوناواي وهي تؤدي دور شخصية جوان كراوفورد المريعة؟" وكانت الإجابة بوضوح، كما أعتقد: قطعاً لا.
ترتبط المخاطر بأشياء لا يمكننا السيطرة عليها. فلا يمكنك التحكم في العملاء، وبشكلٍ خاص لا يمكنك التحكم في الأسئلة التي تفرضها التغييرات المقترحة. لكن اقتراح التغيير، أي تغيير، سيجبر العملاء على طرح أسئلة جديدة بشأنك، وتكمن أكبر المخاطر في هذا الصدد في افتراضك أن العملاء سوف يسألون تلقائياً الأسئلة التي ترغب أنت في طرحها. حين ذلك يمكنك التقليل من هذه المخاطر بالتعاطف مع العميل بما يكفي لتتخيل الأسئلة التي سيطرحها. وإذا لم تعجبك تلك الأسئلة، أو الإجابات المتوقعة عنها، فستواجه تهديداً محدقاً يتمثل في الوقوع في مخاطر لن تتمكن من حلها.