يدّعي كرم المرض في الأيام التي تسبق إلقاء عرضه التقديمي. ولدى مريم أفكار رائعة تشاركها عبر البريد الإلكتروني فقط. وأخبرَتك جنى صراحة أنها تعاني من القلق الاجتماعي.
يوجد في الواقع فرصة حقيقية لإدارة شخص ما يعاني من القلق الاجتماعي. ومن المهم أن تدرك بداية أنك لست وحيداً، وكذلك هم الآخرون، إذ وُجد أن ما يقرب من 50% من الأميركيين يعتبرون أنفسهم "خجولين"، والتي تُعتبر مجرد كلمة يومية تُخفي بين طياتها قلقاً اجتماعياً. وسيعاني حوالي 12% منهم من اضطراب القلق الاجتماعي في مرحلة ما من الحياة، وهو ما يعني أن قلقهم سيعيقهم عن خوض غمار الحياة التي يريدونها، مثل إحجام شخص ما عن قبول فرصة الترقية لأن ذلك قد يعني الأشراف على البرامج التدريبية.
من ناحية أخرى، قد يشكل قلقهم مصدر إزعاج كبير لهم، مثل آلام المعدة التي تدوم أسبوعاً كاملاً، وصعوبة النوم قبل المراجعات السنوية. في الواقع، يُصنّف القلق الاجتماعي في المرتبة الثالثة بين الاضطرابات النفسية الأكثر شيوعاً، إذ يأتي مباشرة بعد الاضطرابات النفسية الهامة المتمثّلة في الاكتئاب وإدمان الكحول.
علاقة القلق الاجتماعي بالأداء المتميز في العمل
ومن المثير للاهتمام أن السمات الكامنة وراء القلق الاجتماعي والأداء المتميّز في العمل تتداخل إلى حد كبير. فغالباً ما يكون لدى الأشخاص الذين يعانون من هذا النوع من القلق معايير عالية والتزام بالعمل الدقيق والمُنجز بكفاءة. كما أنها حالة قابلة للعلاج أيضاً، ولا تتلاشى فوائد العلاج حتى عندما ينحسر القلق.
ولكن قد لا يكون من الجلي دائماً تحديد ما إذا كان الموظف يعاني من القلق الاجتماعي. فقد يعاني كرم من القلق الاجتماعي نتيجة ذعره من التحدث أمام الجمهور. وخلافاً لما قد يعتقده الجميع، قد تجد أن كرم هو شخص يمكنه إلقاء عرض تقديمي مبهر، إلا أنه يتهرب عندما يحين وقت الأسئلة الفورية. وقد يتجلى ذلك القلق الاجتماعي في صعوبة أن يكون موظفاً آخر حازماً وأن يقدم ملاحظات بناءة، وفي ميل موظف آخر إلى الإحجام عن التماس أي آراء تقييمية إلى حين انتهائه من كامل المشروع تقريباً.
اقرأ أيضاً: ماذا يفعل بنا القلق في العمل؟
ويتمثّل أحد الأسئلة الأولى التي غالباً ما أسمعها من المديرين الذين يريدون أن يكونوا داعمين فيما إذا كان ينبغي عليهم إثارة السلوكيات التي يلاحظونها أم لا. هل من المناسب إثارة هذه القضايا في العمل؟ يجب أن تثير هذا الحديث عندما يقف الخجل أو القلق الاجتماعي عائقاً أمام تطور مسار الموظف المهني أو عندما يؤثر سلباً على الآخرين فقط. لا تحاول إجبار الموظفين على الامتثال لآرائك بشأن السلوك "الطبيعي" الذي يجب عليهم الاقتداء به، بل ساند الانطوائيين الذين يرتدون سماعات الرأس عند التركيز، أو قدّم لهم الدعم عبر تناولك الغداء في مكاتبهم بدلاً من غرفة الاستراحة، أو احتسي القهوة معهم يوم الجمعة قبل التوجه إلى المنزل. باختصار، تقبّل المجموعة الواسعة من الشخصيات وأنماط العمل.
ولكن إذا لاحظت أن قلق الموظف يتداخل مع أدائه، فيمكنك خوض حديث معه. لا يمكنك بالطبع الاستفسار عن معلومات صحية خاصة، كما لا يجب عليك انتقادهم. بدلاً من ذلك، يمكنك الاستفسار عن مهمات أو سلوكيات محددة يمتلكون فرصة تطويرها، على سبيل المثال، التفويض الفاعل أو التحدث أمام الجمهور أو التواصل مع الفريق أو تقديم ملاحظات بناءة أو إدارة الوقت. ومن الجدير بالذكر أن المماطلة والأداء العالي يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالقلق الاجتماعي، وسنورد المزيد حول هذا الموضوع أدناه.
ابن حديثك على اعتبارات إيجابية دون نقد الموظف، بغض النظر عن المهمة التي يؤديها. وبيّن له اهتمامك به وبمسار حياته المهني عبر قولك: "أقدر حقاً اهتمامك بالتفاصيل أثناء إعداد هذه التقارير، لكنك تُدرك أن مسارك المهني آخذ في التطور، وأخشى ألا يوجد الوقت الكافي لأن تعمل بالدقة التي اعتدناها منك. لذلك، أود أن نعمل معاً في سبيل الاستعداد لهذا المستوى التالي من مسيرتك المهنية". أو، "لقد لاحظت أن جدول أعمالك ممتلئ، وهو ما يدل أنك محل الطلب. لنتحدث حول تفويض القليل من مهماتك حتى يتسنى لك قضاء وقتك في العمل على المهمات التي تقع ضمن نطاق تخصصك فقط".
كيف تدير الموظفين الذين يعانون من القلق الاجتماعي؟
ويوجد الكثير من الأساليب التي يمكنك اتباعها في سبيل أن تكون مديراً داعماً في حال أخبرك الموظف أنه يعاني من قلق اجتماعي.
1. كن بطلهم
عندما يُبدي الموظف أو الصديق أو أحد أفراد الأسرة قلقه الاجتماعي، غالباً ما تكون الاستجابة الأكثر شيوعاً هي استيعابهم. ستنتابك رغبة ملحّة في أن تكون حامياً لهم عبر منحهم الإذن في البقاء في المنزل عند وجود اجتماع، أو إعفائهم من إلقاء العرض التقديمي، أو الانسحاب من التدريب.
وعلى الرغم من أن الاستيعاب قصير الأجل قد يكون مفيداً، إلا أنه من الضروري إدراك وجود خط رفيع بين الاستيعاب والتمكين على المدى الطويل. إذ إن القلق الاجتماعي ينمو ويتطور من خلال تجنبه، لذلك يعدّ دعم الموظفين في مواجهة مخاوفهم بالخطى التي تناسبهم أكثر إنتاجية من منحهم الإذن المستمر في الانسحاب.
وبدلاً من أن تكون حامياً لهم، كن بطلهم. اسألهم في المناقشات الجارية عما يريدون تحقيقه، وعن مدى تطورهم وعن أهدافهم، وسُبل مساعدتهم في تحقيق تلك الأهداف، والتحديات التي يرغبون في مواجهتها. ثم تعاون مع موظفك في تحديد أهداف واقعية وصعبة على حد سواء.
اقرأ أيضاً: أسئلة القراء: كيف أتأقلم مع متغيرات العمل المستمرة التي تشعرني بالقلق؟
على سبيل المثال، إذا كانت العروض التقديمية نقطة ضعفهم، فشجعهم على المشاركة في خطابات بسيطة، مثل تقديم متحدث ضيف أو الإشراف على فقرة الأسئلة والأجوبة. أو شجعهم على الانضمام إلى مجموعات متخصصة في التحدث أمام الجمهور، مثل مؤسسة "توست ماسترز" (Toastmasters). ويمكنهم بمرور الوقت العمل في مجموعات أكبر ومحادثات أطول.
خلاصة القول: كن دائماً بطلاً تعاونياً، وقاوم إسناد المهمات التي تظن أنها "مفيدة لهم" دون تبادل الحديث معهم أولاً، وادعهم إلى المشاركة دون أن تضغط عليهم.
2. حدد أدواراً وتوقعات واضحة
نعرف جميعاً أشخاصاً خجولين أو انطوائيين يتألقون على خشبة المسرح أثناء أدائهم العروض، وقد نتّصف نحن بهذه السمات أيضاً. أو قد نعمل مع أحد الزملاء الذي يشعر بالإحراج عند خوض أحاديث بسيطة، ولكنه يقدم أفضل أداء عند تعامله مع الزبائن. ما هو السبب في ذلك؟ يكمن السبب في وجود أدوار واضحة نؤديها، إذ يمكن لهيكل العمل أن يُشعر الموظفين الذين يعانون من القلق الاجتماعي بالحرية.
ما هو السبب في ذلك؟ إلى أن القلق مدفوع بعدم اليقين. لذلك، قد يقيّد الارتجال أفكارهم، وخاصة في منتدى عام مثل الاجتماع، كما أنه قد يُشعرهم بالرهبة. بدلاً من ذلك، استغل نقاط القوة لدى الموظف وافسح له مجال الإبداع في أدوار أكثر تنظيماً. على سبيل المثال، قد يواجه موظفك صعوبة في حضور اجتماع تعارف غير رسمي، إلا أنه قد يتألق عندما يقود تدريباً متكرراً. وقد يشعر بالذعر من حضور حلقة نقاش، لكنه يقدم عرضاً تقديمياً مذهلاً عبر الباور بوينت. لذلك، أسند إليه المهمات المنظمة التي تتيح له التألق.
وعلى نحو مماثل، لا يتضمن قاموس الأفراد الذي يشعرون بالقلق الاجتماعي مبدأ "طرح الأفكار للمناقشة"، بل عادة ما يكون لديهم فكرة واحدة واضحة ومدروسة. وبالتالي، لا بدّ من توفير منابر بديلة للعصف الذهني لضمان سماع أفكار الجميع. على سبيل المثال، قدّم لهم الأسئلة مسبقاً قبل الاجتماع، أو أتح لهم فرصة تقييم الأفكار عبر البريد الإلكتروني لاحقاً حتى يكون لديهم فرصة للتعبير عن آرائهم بطريقة تُشعرهم بالراحة.
3. ساعدهم على إدارة كمالهم
غالباً ما يترافق القلق الاجتماعي مع الكمال. والكمال هو أمر محيّر، فالقليل من الكمال يعني التفاني الشديد والنتائج المثيرة للإعجاب، بيد أن المساعدة المعطاء تثبط العزيمة وتفضي إلى نتائج عكسية.
وغالباً ما نرى القلق الاجتماعي يتجلى في الكمال عندما يتعلق الأمر بإدارة الوقت وتحديد الأولويات، فقد يقضي الموظف قدراً هائلاً من الوقت في بداية المشروع أو نهايته إما في المماطلة أو صقل الأداء. وقد يكون من المفيد وضع مقاييس معيارية لكل مهمة. على سبيل المثال، أقول للمشرفين الذين يسعون نحو الكمال أنه يجب أن تستغرق كتابة التقارير السريرية خمس دقائق، وينبغي أن يكون ملخص العلاج صفحة واحدة فقط. إلا أنهم يصابون بالدهشة، إذ إنهم عادة ما يتجاوزون هذه المعايير بمقدار ثلاثة أضعاف، إن لم يكن أكثر.
وفي حال كنت غير واثق من المقاييس المعيارية، اطلب منهم إجراء استطلاع على زملائهم: كم مرة يلقي الأفراد في مجموعتك عروضاً تقديمية؟ ما هو العدد النموذجي لمسودات المشاريع التي يكتبها فريقك؟ ما هو متوسط عدد المرات التي يقرأ فيها الموظفون البريد الإلكتروني قبل إرساله؟ قد تساعدهم معرفة المقاييس النموذجية في ضبط أدائهم.
يُعتبر الكمال بمثابة مسارٍ سريعٍ ومؤكد نحو الإنهاك. لذلك، تحدث معهم عن سُبل تقديم أداء عالِ بنسبة 100% بدلاً من 125%. إنهم لا يحتاجون إلى التشجيع على العمل، بل يحتاجون إلى التشجيع على رعاية أنفسهم، وشحن طاقاتهم عبر التمتع بالعطلة، على سبيل المثال، والعمل وفق مستوى مستدام من الجدية.
4. ذكرهم بقيمتهم
غالباً ما يلجأ الأفراد الذين يعانون من القلق الاجتماعي إلى انتقاد أنفسهم بحكم طبيعتهم. وغالباً ما يركزون على أوجه القصور الملحوظة ويتجاهلون إسهاماتهم. وتنطوي مهمتك على تحقيق التوازن بين دفّتي ميزانهم عبر تذكيرهم بأهميتهم. وتذكر أن القلق الاجتماعي هو صفقة شاملة، إذ إنه يترافق مع الكثير من المهارات المفيدة، بما في ذلك التعاطف العميق والسلوك الاجتماعي الإيجابي، والمعايير العالية، وهو ما يعني الأداء المذهل في كثير من الأحيان.
يجلب أولئك الذين يتمتّعون بلمسة من القلق الاجتماعي اللطف والإنسانية الحيوية إلى المكتب. وفي الواقع، إذا نظرت إلى حقيقة أنهم يهتمون بما يفكر فيه الأفراد، ستجد أنهم يهتمون بالأفراد بالفعل. ويمكن لكل مكان عمل الاستفادة من ذلك.
اقرأ أيضاً: