موظفو الشركة يحتاجون إلى القدر نفسه من الدعم والتدريب الذي يتلقاه الموظفون الجدد

6 دقائق
دعم وتدريب موظفي الشركة الأصليين
shutterstock.com/Andrii Yalanskyi

عمل جمال بثبات نحو هذه الترقية لعدة سنوات. ولكن على مدار أربعة أشهر منذ لتوليه منصبه الجديد بصفته مدير وحدة تشغيل في شركة كبيرة متخصصة في تصنيع المواد الكيميائية والبلاستيكية، كان يكافح لمواجهة تحديات التعامل مع شركة عالمية تضم أكثر من 3,000 موظف. في الحقيقة كان يحتاج إلى الدعم والتدريب.

علماً أنه قضى كامل حياته المهنية لمدة 14 عاماً في الشركة، وعمل بجد، وارتقى سريعاً على سلم المراتب في مجالي المبيعات والتسويق. وتُوّجت أعماله تلك بترقيته إلى مدير وحدة الراتنجات (المواد الصمغية) البلاستيكية، وهي إحدى أفضل الوحدات أداء في الشركة، حيث ورث فريقاً قوياً يتمتع بسجل إنجازات حافل.

لكن جمال فوجئ بمدى الصعوبة التي واجهها في منحنى التعلم الخاص بدوره الجديد بصفته مدير معمل، حيث لمس جمال فرقاً شاسعاً بين إدارته لمجموعات عمل محدودة، اعتاد على إدارتها في الماضي، وإدارته لوحدة عمل كاملة. فالأشخاص الذين كان جمال يقودهم في وقت سابق كانوا على دراية بمهامهم وعملهم أكثر مما كان يعلم، أما الآن فلم يشعر بالثقة في قدرته على تمييز مواطن القوة والضعف لدى موظفيه. فنطاق العمل الكبير وتعقيد المشاكل على مستوى وحدة عمل جعل منه مديراً متردداً غير واثق من كيفية تخصيص وقته وأدرك أن مهامه الجديدة تتجاوز قدراته. وأدرك أنه بحاجة إلى تفويض المزيد من مهامه، لكنه لم يكن واضحاً بعد بشأن المهام والواجبات التي يمكنه تفوّيضها بشكل آمن إلى الآخرين.

مثله مثل معظم المسؤولين التنفيذيين الذين يقومون بتحركات داخلية ضمن شركاتهم، لم يُوفَر لجمال عملياً أي دعم لإنجاز هذا الانتقال الصعب إلى منصبه الجديد بنجاح. أما لو كان تعيينه من خارج الشركة لكان قد تلقى إعداداً وتدريباً مكثفاً، بما في ذلك إحاطات عن العمل والمساعدة في الاتصال بأصحاب المصلحة الرئيسين والتدريب على عملية الانتقال.

إهمال تدريب الموظفين الداخليين

أدعو أنواع التحركات الداخلية التي اختبرها جمال "إهمال أهل البيت"، وهو المصطلح الذي صغته لتسليط الضوء على قلقي من أن عملية إعداد الموظفين الجدد -وهي عملية دمج الموظفين الجدد في الشركات- كانت تحظى بحصة غير متناسبة من الاهتمام والموارد في معظم الشركات.

في كثير من الأحيان، يُترك المدراء الذين يخضعون لتحركات داخلية "لمصيرهم" في مناصبهم الجديدة. هذا صحيح بغض النظر عن مدى استعدادهم أو حجم القفزات التي يقومون بها على المستوى الوظيفي. وهذا النقص في الدعم لا يؤدي فقط إلى إخفاقات غير ضرورية (وما يرتبط بها من تكاليف)، بل إنه فرصة ضائعة هائلة لتسريع عمليات الانتقال بحيث يتمكن المدراء من خلق قيمة أكبر بسرعة أكبر.

على الرغم من أن التركيز في السنوات الأخيرة على تقديم المزيد من الدعم للمدراء الإداريين والمسؤولين التنفيذيين الملتحقين بالمؤسسة حقق بلا أدنى شك نتائج ممتازة -مثل تخفيض معدلات الفشل في التعيينات الجديدة من 40% إلى ما بين 10% - 15% في العديد من الشركات- بقيت مشكلة التحولات الداخلية العاجزة مهملة. هذا أمر مثير للدهشة ومؤسف، لأن بحثي وخبرتي يظهران أن عمليات الانتقال الداخلية أكثر تواتراً، وغالباً ما تكون صعبة تماماً مثل عمليات الانضمام إلى شركة جديدة.

إحدى الدراسات التي قمت بها كجزء من عملي في معهد "جينسيس أدفايزرز" (Genesis Advisers) والمعهد الدولي لتطوير الإدارة (آي إم دي) (IMD)، لقادة الموارد البشرية في شركات ضمن "قائمة فورتشن 500" (Fortune 500)، أظهرت أن التعيينات الجديدة تمثل في المتوسط الثلث بين جميع التحولات في الرتب الوظيفية التنفيذية في سنة نموذجية. وشكّل الثلثان الآخران انتقالات داخلية، بما في ذلك الترقيات والتحركات بين الوحدات.  وفي دراسة ذات صلة، وجدت أن القادة الذين يخضعون لتحركات داخلية بين الوحدات في شركاتهم يقدرون الصعوبة التي يواجهونها في انتقالهم بمعدل 70% مقارنة بصعوبة الانضمام إلى شركة جديدة. بشكل حاسم، صنّف 35% منهم تحركاتهم الأخيرة على أنها تتساوى في صعوبتها أو تزيد عن الانضمام إلى شركاتهم كموظفين جدد.

وهذا ما تؤكده المقابلات الشخصية التي أجريتها مع هؤلاء القادة، والتي كشفت أن هذه التحولات الداخلية يمكن أن تمثل صعوبة كتلك التي تمثلها عملية الانضمام إلى شركة جديدة. وتشمل هذه التحولات الداخلية منظومة الترقيات والانتقالات إلى وحدات جديدة أو الانتقال إلى مناطق جغرافية جديدة، وكذلك التعامل مع الثقافات المختلفة وشبكات التعارف.

لكن الأمر الواضح هو أن المسؤولين التنفيذيين الذين يخضعون للتحركات الداخلية لا يتلقون الدعم الذي يحتاجونه من أجل تنفيذ هذه التحركات بنجاح. أجريت دراسة استقصائية على 125 قائداً من كبار قادة الموارد البشرية الذين حضروا مؤتمراً حول إعداد الموظفين الجدد، وسألتهم عن مستوى الدعم التنظيمي المقدم من قبلهم للقادة الذين ينضمون للشركة من الخارج في مقابل الدعم المقدم لمن يقومون بتحركات داخلية. كما نظرت الدراسة أيضاً في مستويات الدعم النسبية للمسؤولين التنفيذيين مقابل المدراء المبتدئين. وسألت المشاركين عن مدى اتفاقهم مع التصريحات التي مفادها أن شركاتهم قامت بعمل جيد لدعم القادة على مستويات مختلفة (كالمسؤولين التنفيذيين مقابل المسؤولين في المستوى الأدنى) وللأنواع المختلفة من التحولات (التحركات الداخلية مقابل التعيينات الخارجية). يوجد ملخص بالنتائج في نهاية المقال.

تطوير الموظفين بإعطائهم الأدوار الجديدة

بالنظر إلى عدد التحولات الداخلية التنفيذية، والتحديات المرتبطة بهذه التحركات، وتأثيرها على المؤسسة، فإن كل ما قدمته هذه الشركات لا معنى له على الإطلاق. فلماذا يحدث هذا الخلل في التحركات؟ يرجع هذا جزئياً إلى حقيقة مفادها أن الأبحاث التي أجريت لتحديد حجم القضية وإثارتها كانت ضئيلة للغاية. ولكن السبب الأكثر عمقاً هو أن كبار المسؤولين التنفيذيين في العديد من الشركات يعتقدون أن القادة الذين يقومون بتحركات داخلية لا يحتاجون إلى الدعم في تحولاتهم تلك - ولا ينبغي عليهم أن يحتاجونه. "إنهم قادة متمرسون ويعرفون المؤسسة"، هذا ما يقوله المنطق. "لذا فالاضطلاع بأدوار جديدة ليس أكثر من مجرد جزء من عملهم وجزء أساسي من تطورهم." هذا التفكير، إلى جانب تصور مفاده أن القادة الذين يواجهون متاعب هم وحدهم الذين يحتاجون إلى التدريب، وعزوف المسؤولين التنفيذيين عن طلب المساعدة خشية أن يظهروا كضعفاء، من شأنه أن يؤدي إلى قلة الاهتمام الخطير بالتحولات الداخلية.

ما سبب خطورة هذا الأمر؟ إن الفشل أو الأداء الضعيف من جانب المدراء والمسؤولين التنفيذيين الذين خضعوا لعمليات انتقال داخلية مهمة يشكل خطراً حقيقياً على الأعمال التجارية، وهو ما قد يؤدي إلى تكبد الفرد والمؤسسة تكلفة كبيرة على حد سواء. علماً أن الرهانات الإيجابية مرتفعة أيضاً: حيث ثبُت أن دعم عمليات الانتقال (سواء بالنسبة للتعيينات الخارجية أو التحركات الداخلية) كان سبباً في تسريع الوقت لزيادة الأداء بنسبة تصل إلى 40%. وعندما نطبق الدعم على التحركات التنفيذية التي ثلثها عبارة عن تحولات داخلية، فإن فوائده المحتملة على مستوى القادة الداخليين تكون ضخمة.

ماذا الذي يجب فعله؟ تتمثل نقطة الانطلاق في توسيع نطاق التركيز من عملية إعداد الموظفين ليشمل جميع التحولات القيادية داخل المؤسسة وبناء منظومة انتقال مؤسسي من شأنها أن تزيد من سرعة نمو الجميع. وهذا يتضمن تبني منهجية وإطارات عمل وأدوات مشتركة بحيث يتحدث الجميع " اللغة " نفسها، على سبيل المثال باستخدام نموذج STARS (بداية العمل ودوران الموظفين والإسراع بالنمو وإعادة التنظيم واستمرار النجاح) لمواكبة التحديات التي يواجهها القادة.

وتتمثل الخطوة التالية في تقييم مخاطر التحولات وتوفير الدعم وفقاً لذلك. إن بعض التحولات أكثر تحدياً من غيرها. وغالباً ما يكون مستوى المخاطرة دالاً على عدد أنواع القادة المتميزين الذين يقومون بعمليات انتقالية أثناء قيامهم بأدوار جديدة. كان هذا هو الحال بالنسبة لجمال، الذي تمت ترقيته إلى مستوى أعلى وانتقل إلى وحدة عمل جديدة. وأبلغ المشاركون في البرامج التنفيذية التي أدرّسها في "كلية الأعمال بالمعهد الدولي لتطوير الإدارة" (IMD Business School) في المتوسط عن خوضهم لـ 2.2 من التحولات الكبيرة (مثل الحصول على ترقية والانضمام إلى شركة جديدة والانتقال بين وحدات العمل والانتقال بين المناطق الجغرافية) في آخر مرة قاموا فيها بأدوار جديدة. يعد التقييم الجيد لمخاطر الانتقال أداة أساسية في تحديد مقدار الدعم اللازم للقادة الذين يضطلعون بأدوار جديدة.

التوفيق بين دعم عمليات الانتقال وأنواع التحديات

ويتلخص العنصر الثالث في التوفيق بين دعم عمليات الانتقال وأنواع التحديات التي تعترض القادة. إن أكبر التحديات التي تعترض القادة الجدد الملتحقون (بالشركة) عادة ما ترتبط بقدرتهم على الانسجام مع ثقافة الشركة وسياستها. وكثيراً ما يواجه القادة الذين خضعوا للتحركات الداخلية وانتقلوا إلى وحدات عمل جديدة تحديات مماثلة لتحديات القادة الجدد. غير أن التحركات الداخلية كثيراً ما تنطوي أيضاً على ترقيات إلى مستويات أعلى. وهذا يتطلب تأكيداً مختلفاً على دعم التحولات، وهو ما يعني التركيز على مساعدة المسؤول التنفيذي على التعلم ليكون فاعلاً في المستوى الجديد. كان من شأن النوع نفسه من التدريب على عملية الانتقال الذي تلقاه القادة الجدد المنضمين إلى شركته أن يساعد جمال على التعامل بشكل أفضل مع التعقيدات المتزايدة التي اعترضته في منصبه الجديد، من خلال تحديد الأولويات وإجراء المقايضات الصحيحة. بدلاً من ذلك، كاد جمال أن يفقد عمله وخسرت الشركة وقتاً ثميناً في الاستجابة للتحديات التنافسية الناشئة.

إذاً، إن قلة الدراية بدوران التحولات الداخلية وإمكانية وجود قادة جيدين للغاية للكفاح من أجل القيام بتحركات داخلية ناجعة تخلق مخاطر غير ضرورية للشركات. فالإجابة تتمثل في التركيز على توجيه الدعم لكل شخص يقوم بأدوار جديدة، وليس فقط للموظفين الجدد الوافدين، حيث يؤدي النجاح في القيام بذلك إلى تحسين الأداء على المستويين الفردي والمؤسسي. بل إنه مصدر محتمل للميزة التنافسية. وإذا كان بوسعك مساعدة الجميع على العمل بسرعة أكبر، فستكون الأعمال التجارية أكثر رشاقة وإنتاجية.

اقرأ أيضاً: مراحل تحديد الأولويات

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي