تحديات عملي كرائدة أعمال سعودية: 4 دروس مستفادة تعلمتها من أخطائي

5 دقائق
المرأة السعودية
shutterstock.com/FTiare
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بدت مسيرتي المهنية مثالية بالنسبة لشخص محبّ للأرقام والتحليل المالي مثلي، إذ عملت مُحللة مالية مدة 10 سنوات تقريباً في المملكة العربية السعودية لدى أعرق المصارف المتخصصة في تمويل الشركات الكبرى. ثم عُرضت عليّ وظيفة أحلامي في دويتشه بنك في لندن (Deutsche Bank)، لكنني وجدت نفسي أنطلق نحو ريادة الأعمال وأرفض وظيفة أحلامي.

ويعود السبب لعدة تدريبات خارجة عن الصندوق خلال دراستي لماجستير إدارة الأعمال في وارتن إحدى أعرق الجامعات الأميركية. ومن بينها تدريب أوصلنا إلى القطب الجنوبي وطلب منا التعامل مع أشد الظروف المعيشية والمناخية للوصول إلى هدفنا. تجارب وتحديات غيّرت منظوري في الحياة، ومنحتني الشجاعة للسعي وراء هدفي الرئيس في نشر الثقافة المالية، وخاصة دفع النساء لتطوير مهاراتهن في مجال الأعمال. فيقول المثل الصيني: “لا تُعطي الرجل سمكة تطعمه ليوم واحد، ولكن علمه كيف يصطاد السمك تطعمه مدى الحياة”.

بمجرد اكتشافي أن “التدريب المالي” هو هدفي الأساسي، أدركت أنه يتعيّن عليّ تأسيس عملي الخاص. وفي ذلك الوقت، كانت شركات التدريب في المنطقة ما زالت ترتدي الثوب التقليدي القائم على إلقاء المحاضرات فقط دون التطبيق العملي. إذ يجلس المتدرب لساعات كمستمع فقط، ما يجعل التدريب من وجهة نظري مضيعة للوقت على الرغم من الحاجة المُلحة للسوق حينها إلى الكوادر البشرية المدرّبة، وهذا ما منحني دافعاً إضافياً لإنشاء عملي الخاص، ولا سّيما أنني سأكون رائدة في تقديم هذه النوعية من التدريب في المنطقة.

أردت أن أقدم تدريبات مبتكرة، كتلك التي تلقيتها شخصياً مثل تدريب المهارات القيادية في جامعة وارتون، وتدريب القيادة العسكرية مع القوات الخاصة الأميركية، إذ كانت جميعها خارج الصندوق وفريدة من نوعها لدرجة أنها أثرت حقاً في شخصيتي ومهارات التواصل الخاصة بي، ونمط حياتي، فأصبحت أقوى وأكثر ثباتاً وثقة، وتعلمت خوض المغامرة والتجارب الجديدة. هذه هي العقلية التي أحضرتها معي لبناء عملي الخاص.

لم يكن الطريق سهلاً قط، خاصة أنني بدأت الأمر منذ أكثر من 10 سنوات، في وقت كانت امتيازات المرأة السعودية في مجال العمل، محدودة جداً مقارنة بالوقت الحالي.

فإلى جانب التحديات الأساسية في تأسيس عملي الخاص، واجهت تحدياً إضافياً بصفتي امرأة، خاصة فيما يتعلق بالإجراءات الرسمية داخل أروقة المؤسسات الحكومية. إذ تطلب كل إجراء حضوراً شخصياً إلى مباني الجهات الرسمية، التي كان أغلبها آنذاك لا يتعامل مع المرأة في المعاملات الرسمية إلا عبر وسيط. وقد شكّل ذلك تحدياً، إذ لم أكن متزوجة وليس لدي أي أشقاء ذكور وكان والدي متقدم في السن وفي وضع صحي يحول دون قدرته على متابعة الإجراءات الرسمية، فاضطررت إلى البحث عن مدير/وسيط سعودي لتسهيل أوراق عمل الشركة.

كانت الإجراءات بيروقراطية، ووصلت إلى نقطة كان فيها الأمر محبِطاً للغاية، اضطررت إلى إغلاق الشركة بعد ثلاث سنوات.

لكن نقطة التحول بالنسبة لي، تزامنت مع تعييني مستشارة لوزير الاقتصاد عام 2015 وكان عملي يتركز حول دعم مساعي تطوير نمو القطاع الخاص في المملكة. ولكنني فُوجئت حين شهدت على تنفيذ عدد من مقترحاتي مع فريق عملنا في مدة قياسية علماً أن المخطط كان لتنفيذها بحلول عام 2030.

ولكن بعد جائحة كوفيد-19، تغيّر المشهد تماماً في السعودية، ولاحظت كيف اختلفت بيئة ريادة الأعمال بفضل العديد من المبادرات التي أطلقتها الحكومة السعودية. فقررت إعادة افتتاح الشركة مرة أخرى في الرياض عام 2022. وفي غضون أيام معدودة، تمكنت من افتتاح الشركة بالفعل في مطلع 2023 بسبب سهولة الإجراءات، ونقل التعاملات الورقية عبر الإنترنت، فلم أضطر إلى الذهاب بنفسي إلى أي مكان، ولم أعد بحاجة إلى إلى وسيط أو أي نوع من المطالب التي طُلبت مني من قبل، ما جعلني أشعر بالفخر العارم كامرأة ورائدة أعمال سعودية. لا يمكنكم تخيل الفرق خلال 10 سنوات، إذ شعرت أنني أعيش في بلدين مختلفين.

فتحت المملكة أبوابها للمرأة السعودية كرائدة أعمال، من خلال إتاحة فرص التأهيل المناسبة من ناحية، وخلق المناخ المناسب لبيئة ريادة الأعمال من ناحية أخرى. وعلى الرغم من الفرص التي استفدت منها خلال تجربتي، فإنني تعلمت الكثير ودفعت ثمن بعض الأخطاء التي لا بد منها في معظم مجالات ريادة الأعمال.

أترك لكم بعض العبر المستفادة التي استخلصتها من خبرة أكثر من 10 سنوات، كرائدة أعمال سعودية قررت التضحية بوظيفة مرموقة والسعي وراء هدفها لتأسيس عملها الخاص:

1. تعزيز الوعي المالي

هناك فجوة بين الجنسين فيما يخص الوعي المالي لعدة أسباب منها تاريخية وثقافية أيضاً. حيث إن دخول الرجل في عالم الأعمال بدأ تاريخياً قبل دخول المرأة، ما عزز المغالطة الثقافية أن للرجل القدرة على التقدم بالفطرة على المرأة في ريادة الأعمال. قد تلاحظون أطراف الأحاديث التي يتبادلها الشبان خلال المناسبات العائلية حتى عن عمر مبكر، تدور إلى حد كبير حول الأعمال مقارنة مع أحاديث الفتيات. كما تجدون العديد من رائدات الأعمال يولين مهمة القرارات المالية لشركاتهن إلى مستشارين ماليين بدلاً من تولي زمام القرارات المالية بأنفسهن. على رائد الأعمال (رجلاً كان أو امرأة) تولي القرارات المالية لشركته.

أضف إلى ذلك، أن إمكانية وصول المرأة إلى التمويل محدودة جداً مقارنة بالرجال، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. كما أن العديد من النساء يقع في أخطاء تتعلق بالقوائم المالية والتأسيس المالي في أثناء تأسيس شركاتهن، إذ لا يضعن حدوداً لاستثماراتهن. فمثلاً، إحدى المتدربات لدى شركتي أنفقت أكثر من مليوني ريال سعودي في 3 سنوات خلال تأسيس شركتها، ولم تطلق منتجها بعد. حتى لو كان المنتج ما زال في المرحلة الأولية، لا بد من اختبار مدى نجاحه وفعاليته في السوق المستهدف. تعلمت خلال تجربتي أنه من الأفضل إطلاق المشروع والتعلم من الأخطاء في المراحل الأولية، بدلاً من الانتظار لتطوير منتج أو خدمة كاملة لا تشوبها شائبة.

2. ملاحظة علامات الإنذار

إذا لم تحقق الشركة بعد 4 سنوات، على سبيل المثال، توازناً بين المصروفات والإيرادات أو على الأقل مستوى صحياً من المبيعات يُظهر أنها على المسار الصحيح، فهناك خطأ ما. الأفضل هنا إما البدء من جديد أو تعديل الاستراتيجية أو بدء شركة جديدة أو القيام بأي نوع من التغيير الإيجابي لإصلاح المشكلة. من الضروري الانتباه إلى العلامات وفهم ما تخبرك إياها لاستدراك الخطأ سريعاً بأقل قدر من الخسائر.

3. لا تضعي سقفاً لطموحاتك

من خلال معرفتي بألمع رائدات الأعمال السعوديات وأنجحهن، تعلمت الكثير من تجاربهن السابقة والمخاوف التي يواجهنا جميعاً عندما ندخل غمار عالم ريادة الأعمال. فقد يخشى بعض النساء من الدخول في عالم التجارة والأعمال لعدة أسباب، من بينها غياب الإلمام المالي أو التجارب اللازمة لوضع خطة مناسبة للمشروع. لكن، وعلى الرغم من المعتقدات السائدة أن النساء يفضلن الاختيارات التي تشمل أقل مستوى من المخاطر في دور العمل، فإن البحوث الحديثة تُشير إلى أن الشركات التي تتضمن عدد نساء أكبر في مراكز قيادية هي شركات تتخذ مخاطر استراتيجية بشكل أكبر بحسب دراسة نشرتها مجلة أبحاث الأعمال (Journal Of Business Research).

اتخاذ القرارات القيادية مهارة تنمو مع الوقت والخبرة، ومع توافر عدة منصات لكسب المعرفة اللازمة في المجال الذي قد ترغب أي امرأة العمل به، تعلمت كم أصبح من الضروري تطوير القدرات وعدم وضع سقف لطموح المرأة وإمكاناتها.

4. استعيني بالموجّهين

يحتاج كل شخص إلى تعزيز حياته المهنية عبر الاستعانة بموجه مهني لمساعدته على الاستمرار في التركيز على حياته المهنية وتحسين مهاراته وشبكاته وثقته بنفسه ونجاحه النهائي على طول المسار في تطوير حياتك المهنية. ويزداد إلحاح الحاجة إلى الموجه والمستشار المهني في حالة رائدات الأعمال. فأنتِ لستِ بحاجة إلى مرشد ومستشار فقط، وإنما يمكنك الاستعانة بالأشخاص الذين سبقوكِ في المجال، مَن نجح منهم ومن لم يفعل، للاستفادة من أخطائهم، وتلقي الإرشادات المناسبة.

هناك قول مأثور: “إذا لم تدُق الفرصة، فاصنع أنت الباب”، وها هي المملكة في المرحلة التحولية التي تخوضها تفتح آلاف الفرص أمام رواد الأعمال والنساء، فحان الوقت لاقتناصها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .