اهتم العديد من الخبراء والباحثين بدارسة الشركات العائلية بشكل عام، وفي الأسواق الناشئة بشكل خاص، إذ تعد الشركات العائلية حجر ارتكاز في العديد من اقتصادات دول العالم، كما أشارت مقالة منشورة في هارفارد بزنس ريفيو العربية إلى أن 95% من الشركات في قارة آسيا ومنطقة الشرق الأوسط مملوكة لعائلات. وهناك العديد من الهواجس التي تثار حول هذه الشركات مثل ضعف ممارسات التخطيط، وعدم التزام القائمين على هذه المؤسسات بتحقيق نمو قوي، وكذلك عدم بذل الجهد الكافي للتطوير والتمكين وهذا ما قد يؤثر على قدرة هذه المؤسسات على الاستمرارية والمنافسة على المدى البعيد.
ولعل هذا الموضوع يكتسب أهمية خاصة في منطقة الخليج ودولة الإمارات العربية المتحدة لأنها تتميز بخصائص مختلفة عن الأسواق الناشئة ومنطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، ومن هذه الخصائص الاستقرار السياسي والاقتصادي، وكذلك مستوى الدخل المرتفع ومحدودية الضرائب، أضف إلى ذلك وجود العديد من العائلات التي تعمل بالتجارة وتمتلك رؤوس أموال ضخمة، وهذا ما شجعنا إلى إنجاز هذه الدراسة مدفوعين بالرغبة في توفير كم أكبر من المعلومات عن هوية وخصائص الشركات العائلية العاملة في دولة الإمارات، وكذلك ممارسات الحوكمة المطبقة فيها.
قمنا بدراسة 195 مشروع عائلي في دولة الإمارات موزعة على إمارات الدولة ومسجلة جميعها في غرف التجارة والصناعة معظمها كشركات ذات مسؤولية محدودة وعدد قليل منها كشركات مساهمة، وتنوعت هذه المؤسسات من حيث العمر وعدد الموظفين ما بين مؤسسات حديثة وأخرى معمرة، ومؤسسات صغيرة ومتوسطة وكبيرة. حصلنا على المعلومات المطلوبة للدراسة من خلال تحليل محتوى المواقع الإلكترونية للشركات محل الدراسة وذلك لجهة المعلومات المتوفرة عن المالكين ومجالس الإدارة وتاريخ المؤسسة.
طبيعية النشاط
من النتائج اللافتة التي حصلنا عليها أن أكثر من 70% من المؤسسات العائلية لم يقتصر نشاطها على قطاع واحد كقطاع البناء أو البنوك أو التجزئة أو الصناعة أو غيرها وإنما تنوعت أنشطتها لتشمل عدة قطاعات، ولكن أكثر من 65% من المؤسسات كان نشاطها محلياً داخل دولة الإمارات بينما بقية المؤسسات لها أنشطة أخرى في دول منطقة الخليج والمنطقة والعالم. وهذا يخالف الممارسات المعمول بها في العديد من دول العالم، حيث تميل الشركات العائلية في فرنسا وإيطاليا إلى العمل في تخصصات محددة كالبناء والتصنيع.
الملكية
أفصحت 33% فقط من المؤسسات عن الملكية العائلية على موقعها الإلكتروني بينما لاحظنا أن معظم المؤسسات التي لم تقم بذلك كانت ذات أنشطة متعددة ومنخرطة في شراكات من مؤسسات غير عائلية. كما وجدنا أن حوالي 80% من المؤسسات كانت مملوكة لأفراد من ضمن العائلة الضيقة وليس من أفراد مرتبطين بصلات قرابة بعيدة، وهذا مؤشر على الرغبة في إبقاء سلطة اتخاذ القرار وتوجيه المؤسسة في يد العائلة صحابة العمل، وما يشجع على ذلك طبيعة الأطر التشريعية والمؤسسية المعمول بها في دولة الإمارات.
القيادة ومجالس الإدارة
كشف تحليلنا لهيكل مجالس الإدارة أن متوسط حجم مجلس الإدارة في الشركات العائلية التي تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقراً لها يبلغ 3.7 شخص، ويتراوح عددهم بين عضو واحد إلى 10 أعضاء بحد أقصى. بينما كان متوسط حجم فريق الإدارة العليا 5 أشخاص وتراوح هذا العدد بين 1 و11 عضواً. ولا يعتبر صغر حجم مجلس الإدارة ممارسة شاذة في الإمارات، حيث أشارت دراسة أجريت في إسبانيا إلى ميل الشركات العائلية هناك نحو مجالس الإدارة الضيقة.
كذلك لاحظنا أنه في العديد من شركات الجيل الأول كان المؤسس هو الرئيس التنفيذي للشركة، في حين أن هذا الدور في مؤسسات الجيل الثاني كان يتولاه عادة ابن المؤسس. ومع ذلك، لاحظنا نمطاً محدداً في المؤسسات العائلية الأقدم، حيث قامت بتعيين عضو من غير العائلة في منصب الرئيس التنفيذي بنسبة أكبر من باقي المؤسسات.
تميل المؤسسات الأكبر حجماً والتي لديها مجالس إدارة وقيادات متعددة إلى نشر معلومات عن خبرات ومؤهلات المدراء على موقعها الإلكتروني، إلا أننا وجدنا اتجاهاً معاكساً بالنسبة للمؤسسات التي تعين مدراء خارجيين من دول أخرى.
العنصر النسائي والتنوع الثقافي
12% فقط من الشركات التي شملتها عينة تضم ممثلة واحدة على الأقل في مجلس الإدارة، في حين لم يكن لدى أي منها امرأة في منصب الرئيس، ومن المثير للاهتمام أن المؤسسات العائلية الأكبر حجماً كانت أكثر ميلاً لتعيين إناث في مجلس الإدارة والمناصب الإدارية العليا.
فيما يتعلق بالتنوع الثقافي لقيادة المجلس، تجدر الإشارة إلى أنه في الشركات المملوكة للعائلات الإماراتية كان معظم رؤساء مجالس الإدارة مواطنين إماراتيين وأحياناً مواطنين من دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ووجدنا أن 83% من أعضاء مجلس الإدارة في الشركات التي تم تحليلها مرتبطة بالأسرة المؤسسة.
السياسات والقواعد السلوكية
كشفت بياناتنا عن نتائج مثيرة للاهتمام فيما يتعلق بتوافر مدونة قواعد السلوك الأخلاقي على موقع الشركة بوصفها ممارسة جيدة للحوكمة، فإن نشر هذه الوثيقة على الموقع الإلكتروني يعد قراراً اختيارياً غير شائع في الشركات العائلية الخاصة. وقد وجدنا أن الشركات التي كان عدد النساء أكبر في مجلس إدارتها وفي مناصب الإدارة العليا، كانت أكثر ميلاً إلى حد كبير لإتاحة مدونة السلوك الأخلاقي الخاصة بها على مواقعها الإلكترونية. ويعتبر وضع سياسات ومبادئ توجيهية وإجرائية أمراً مهماً لنجاح الشركات العائلية، حيث نصح بذلك مقال نشر حديثاً في هارفارد بزنس ريفيو العربية منوهاً إلى أن من شأن ذلك تحسين نوعية القرارات المتخذة داخل تلك النوع من المؤسسات.
نستطيع أن نقول في ضوء ما حصلنا عليه من نتائج أن وضوح عناصر الهوية المؤسسة للشركات العائلية والشفافية في نشرها مرتبطة إيجاباً بممارسات الحكومة الرشيدة في تلك المؤسسات. ونحن على قناعة بأهمية هذه الدراسة في تمهيد الطريق إلى دراسات أخرى ربما تربط المتغيرات التي قمنا بالإضاءة عليها مع زيادة ربحية المؤسسات العائلية وقدرتها على الاستمرار لوقت أطول، كما أننا بحاجة إلى دراسات مماثلة تشمل عدداً أكبر من المؤسسات لنصل إلى مكان نستطيع تعميم ما خرجنا به من نتائج على المؤسسات العائلية في دولة الإمارات.